ورد في سورة الكهف على لسان الرجل الصالح في قصته مع موسى عليه السلام في قوله تعالى: أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ...[الكهف:79] إلى قوله تعالى: ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً...[الكهف:82]، لاحظت أنه عند السفينة قال: فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا[الكهف:79] وعند ذكر الأبوين المؤمنين: فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا[الكهف:81] وعند ذكر قصة اليتيمين صاحبي الجدار: فَأَرَادَ رَبُّكَ[الكهف:82]، فما الفرق بين التعابير الثلاثة؟ وهل ذلك يعني إن للرجل الصالح إرادة في الأمر مع إرادة الله
الصحيح أن هذا الرجل هو الخضر صاحب موسى -عليه الصلاة والسلام-، وأنه نبي، هذا هو الصحيح فيه، وليس مجرد رجل صالح، بل الصحيح فيه أنه نبي، ولهذا قال: وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي[الكهف: 82]، أي على أمر الله -سبحانه وتعالى-، وجاء في القصة نفسها في الصحيح أنه قال لموسى: إنك على علم من علم الله علمك الله إياه لا أعلمه أنا، وأنا على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه أنت)، فهو من الأنبياء ولهذا قال:فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا[الكهف: 82] وقال: وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي[الكهف: 82]، والرسول هو الذي يعلم إرادة الله تجاه الوحي بذلك، وفي قصة السفينة نسب الأمر: فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا[الكهف: 79] هذا والله أعلم لأن الرب ينسب إليه الشيء الطيب، والعيب ظاهره ليس من الشيء الطيب فنسبه إلى لنفسه، فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا، وهذا عيب يراد منه الإصلاح، يراد منه أن تسلم السفينة حتى لا يأخذها الملك، لأنه كان يأخذ كل سفينة صالحة، سليمة، فأراد الخضر أن يعيبها لتسلم من هذا الملك، ليراها معيبة خاربة تسلم من شره وظلمه، فلما كان ظاهره، ظاهر الأمر لا يناسب ولا يليق بإضافته لله نسبه لنفسه فقال: فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا. المذيع/ عند ذكر الأبوين المؤمنين فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا[الكهف:81]. ج/ كذلك لما كان أمراً طيباًَ نسبه إلى نفسه لأنه مأمور من جهة الله -عز وجل- (أردنا) وذكر نون الجمع لأنه نبي، والنبي رجل عظيم فالأنسب إن يقال (أردنا)؛ ولأنه عن أمر الله وعن توجيه الله فالأنسب أن يقال فيه: (أردنا) ولأنه عمل طيب فالأنسب أن يقال فيه: (أردنا)، لأنه كان شيء طيب ومناسب فيه مصلحة. ولما كان أمر اليتيمين فيه خبر عظيم، وصلاح لهما ومنفعة لهما، قال: فَأَرَادَ رَبُّكَ[الكهف:82]، فنسب الخير إليه، عليه الصلاة والسلام،....... سبحانه وتعالى، وهذا من جنس قول الجن في سورة الجن حيث قال -سبحانه وتعالى- عن الجن: وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً[الجـن:10]، فالشر لم يضفه إليه -سبحانه وتعالى-، الشر الذي أريد بمن في الأرض لم يضفه إلى الله، ولم جاء الرشد قال: أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً، فنسبه إلى الله سبحانه وتعالى، لأن الرشد خير ......، فنسب إلى الله، والشر لا ينسب إليه، ولهذا في الحديث: (والشر ليس إليك)، فهذا من الأدب الصالح، من آداب الجن في هذا المؤمنين، ومن آداب الخضر -عليه الصلاة والسلام- قال في العيب: (فأردت أن أعيبها)، وفي اليتيمين قال: (فأراد ربك)، فهذا من الأدب الصالح.