بسم الله الرحمن الرحيم
الشيشان
الموقع
تاريخ
عرف الشيشان الإسلام قبل ألف عام عن طريق التجار العرب. وهم يتميزون باحترامهم الشديد لرموزهم الدينية ويغلب على معظمهم النزعة الصوفية التي كانت السبب الحقيقي في المقاومة التي امتدت في عصر إيفان الرهيب أول قياصرة روسيا. وشعب الشيشان من الشعوب القديمة في العالم والمنطقة وهو جزء من مملكة سيرير 600- 1100 ميلاد كما كان جزءًا من مملكة آلانيا في القرن الثامن إلى العاشر الميلادي ومملكة سمسم في القرن الثاني عشر إلى الرابع عشر، وحتى اللغة الشيشانية المعروفة باسم " ناغ NAGH " هي لغة قديمة من العصر الحجري ولا تنتمي إلى أصول اللغات الأوربية والهندية التي منها خرجت اللاتينية ولغات شعوب أوربا ، ولا يتحدث الشيشانية سوى أهلها فقط. ويتألف الشعب الشيشاني منذ القدم من مجموعة من العشائر ذات الصلة والرحم وذات الخصال المشتركة ويبلغ عدد تلك العشائر 150 عشيرة، وقد كانت العشائر قديمًا تقوم على الأسس العرقية والقرابة، وتنقسم العشائر الشيشانية إلى قسمين؛ "الخالص": وهى العشائر الأصيلة في المنطقة والتي قدمت قديما من الجنوب وتوجهت نحو الشمال وانتشرت في اتجاه البحر الأسود وأرض الشيشان ، و"المختلط": وهى تلك العشائر التي تشكلت من اختلاط عشائر بعضها ببعض أو نتيجة اختلاط الشيشان بالبولنديين والأوكرانيين في معسكرات الإبعاد الجماعية (1944-1957 ) وحتى بعض العشائر الشيشانية اختلطت بالألمان وشكلت عشيرة جديدة، ويعود تمسك الشيشان بالأخلاق والعادات القومية إلى تلك العشائر التي سعت إلى غرس هذه العادات والتقاليد الصعبة في نفوس منتسبيها، لذا فإنهم يقولون: "من الصعب أن تكون رجلاً شيشانيًا" لما في ذلك من أعباء يجب على الرجال تحملها. وفى محاولة الروس لطمس تاريخ الشيشان قاموا في حرب القوقاز الأولى بإلقاء كل المخطوطات في بحيرة ( كازن - آم ) وهنا برز دور العشائر إذ أمر القائد "شامل" كل كبار رجالات العشائر بإعادة كتابة التاريخ وما حدث حتى يُورَّث للأجيال .. وحاول الروس مرة أخرى إبان حملة الإبعاد في عام 1944 لكن الشيشان أنقذوا مخطوطاتهم بأعجوبة. وقد وجدت الكتابات الشيشانية في مراجع الكتابات المسمارية التي كان يستخدمها الآشوريون، ولقد بدأ الفلكلور الشيشاني مع بداية الألفية الأولى قبل ميلاد السيد المسيح عليه وعلى الأنبياء السلام، فيما عرف بمملكة أوراتو الشرقية ( 600 -900 قبل الميلاد ) وعرفت هذه المملكة لاحقا باسم" زورزوكيتا". كما أن النشيد الوطنى الشيشانى والذى يمتد بامتداد وجود الشعب الشيشاني في المنطقة لهو شاهد حي على عراقة هذا الشعب، وكلما زادت الأزمات أو جاء المعتدون كلما أيقظ النشيد الوطني روح الحماسة في قلوب الشيشان
تاريخ قديم
منصور أوشورما
الإمام شامل
الاحتلال الروسي
· قبل الغزو الروسي كانت منطقة جنوب القوقاز تحت السيطرة العثمانية، عدا أذربيجان التي كانت تحت سيطرة الصفويين في إيران، أما شمال القوقاز ومنها بلاد الشيشان، لم تكن تحت السيطرة المباشرة للعثمانيين، بل كانت تحت نفوذهم، وقد كانت هذه الشعوب راضية بهذا الوضع بسبب العقيدة والمذهب، كون الدولة العثمانية بمثابة المرجع الديني لهم لكونها حاملة راية الخلافة الإسلامية.
· بدأ غزو الروس القياصرة للقوقاز في عام 1722م في عهد القيصر بطرس الأكبر. قاوم الشعب الشيشاني الغزو الروسي مثل باقي شعوب القوقاز، ، أما أول صدام مسلح بين الروس والشيشـــان فكان قرب قرية تشتشين على بعد 15كم جنوب العاصمة غروزني ( لم تكن غروزني حينها قائمة )، وقد أطلق الروس على الشعب الشيشاني اسم تشتشين نسبة إلى هذه القرية.
. قاد الإمام منصور حرباُ ضد الغزو الروسي من سنة 1780م – سنة 1791م حيث وقع في الأسر ثم استشهد عام 1794م في سجن سليسبرغ. ثم قاد الإمام الغازي مولاي محمد حرباً ضدهم من سنة 1824م – 1832م. .في عام 1828م عمت الحرب سائر أرجاء القفقاس ، واستمرت مقاومة المسلمين للروس في داغستان تحت زعامة كل من الإمام غازي محمد والإمام حمزات. . بعد استشهاد الإمام حمزات ، تابع الإمام شامل تزعم المقاومة ، كما انضمت القوات التي كانت تحت رئاسة تاسو حجي إلى الإمام شامل. . في عام 1839م بدأت كافة شعوب شمال القوقاس النضال تحت زعامة الإمام شامل الذي استمر 25 سنة. .في عام 1859م احتل الروس قرية فيدينو آخر معقل للشيشانيين ، واستسلم الإمام شامل للروس ، ورغم ذلك تابع الشيشانيون نضالهم حتى عام 1864م. .في عام 1862 قام الشركس بثورتهم إلا أنها أخمدت من قبل الروس في عام 1864م. . وبذلك تكون سنة 1859م تاريخ تركيز الروس لأقدامهم في شمال القفقاس، وتعتبر سنة 1864م السنة التي بسط الروس فيها سيطرتهم الكاملة على شمال القوقاز بعد إخماد ثورة الشركس وانتهاء المقاومة الشيشانية.
الكفاح الشيشاني
الشيشان جرح عميق سيبقى ينزف حتى ترحل جنازير دبابات الروس, ولن يلتئم هذا الجرح الشيشاني النازف الا باقتلاع الأشواك التي غرزت وزرعت فيه. الشعب الشيشاني معروف عنه قوته وجلادة صبره وصلابته وروحه الوطنية والقومية العالية, والتي لا تعرف الانهزام والانكسار والاستسلام, انه شعب التحديات من قبل عهد ستالين و حتى أيام الرئيس الروسي الحالي بوتين. وقد سبق للشيشان أن خاضوا صراعا مريرا مع روسيا القيصرية ومن ثم مع الشيوعيين السوفيات الذين أحكموا في النهاية سيطرتهم على الشيشان حتى انهيار الاتحاد السوفيتي سنة 1991 وتسلم روسيا رسميا لورثة الاتحاد السوفيتي سابقا. ويقال أن من أسباب الصراع وجود النفط واستخراجه من بحر قزوين وكذلك تنامي النزعة الانفصالية والقومية والدينية عند الشيشان. ومنذ القدم حدثت صدامات عدة بين الطرفين كان أولها سنة 1722 وسلسلة معارك بدءا من العام 1785 بقيادة الامام منصور مؤسس الحركة المريدية واستمرت المعارك والمقاومة حتى منتصف القرن التاسع عشر واستطاع هذا الأمام الذي كان أميا لا يقرأ ولا يكتب أن ينتصر على الروس في عدة معارك وأن يوحد شمال القوقاز تحت راية الجهاد إلى أن تم أسره سنة 1791وبقي في السجن الروسي حتى وفاته. وقعت في الشيشان ثورات عدة ضد الحكم الروسي, في السنوات التالية 1818،1824،1826،1831 بقيادة الامام شامل واستمرت من 1831 حتى .1865كذلك ثورة الحركة القادرية عام 1877 بالإضافة للمقاومة الشيشانية التي استمرت حتى 1917. وفي السنوات التالية اللاحقة تجددت المقاومة الشيشانية بوسائل مختلفة ومنوعة, فكانت ثورة 1928 بقيادة الشيخ شيتا استاميلوف واستمرت حتى سنة 1935 و انتهت بإعدام مجموعة كبيرة من القادة الدينيين والشيوعيين الشيشان.
بعدها بدأت مقاومة مدنية وسياسية عام 1940 بقيادة الكاتب الشيوعي حسن اسرائيلوف ومحام شيوعي يدعى مايربيك شريبوف واستمرت حتى 1942 وتم قمعها بقصف جوي ومدفعي لمناطق الشيشان. في الحرب العالمية الثانية تم نفي وتهجير مئات الآلاف من الشيشان عن أراضيهم وبلادهم وتوفي منهم مائة ألف بسنتين نتيجة التهجير والظروف السيئة وألغيت جمهورية الشيشان- أنغوش, لتعود تلك الشعوب المنفية إلى بلادها بعد وفاة ستالين وتسلم خروتشوف لمقاليد الحكم السوفيتي عام 1957. بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991 أعلن القائد الشيشاني المحبوب جوهر دوداييف استقلال الشيشان, مما أشعل الحرب الضارية بين الروس والشيشان من 1994 حتى 1997 و انتهت بهزيمة نكراء للجيش الروسي. ثم عادت الحرب وتجددت سنة 1999 ومازالت مستمرة حتى يومنا هذا ويدفع ثمنها غاليا الشعب الشيشاني الذي دمرت دياره وشرد وأصبح عرضة للاستبداد وتجاوزات الجيش الروسي وعملائه من الشرطة المحلية. ابان الحرب الشيشانية الروسية بين الأعوام 94 و97 حدثت عدة عمليات احتجاز رهائن نفذتها مجموعات شيشانية في مناطق روسية مختلفة. وكانت أبرز تلك العمليات, ما قام به القائد الشيشاني الميداني شامل باسييف ومجموعته التي احتلت مستشفى وحجزت كل من كان فيه من البشر, وانتهت العملية بقبول شروط باسييف. كذلك قام القائد الشيشاني الميداني سلمان دوداييف مع مجموعة من رجاله باحتجاز ثلاثة آلاف من الرهائن في مدينة كزليار بجمهورية داغستان جنوب القوقاز. وقتل في العملية بعد تدخل القوات الروسية المسلحة 200 شخص بينهم 78 جنديا روسيا. تمكن بعدها دوداييف ورجاله من الانسحاب بعد أن أصيب بجراح خطيرة. وكان دوداييف من أبرز قادة المقاومة الشيشانية في الحرب الأولى بين عامي 94-96 وقد تم اعتقاله في مارس سنة 2000
إسلام الشيشان
شعوب القوقاز من الشعوب المنكوبة تاريخياً، فقد خضعت لجميع الإمبراطوريات التي قامت عبر التاريخ: اليونانية والرومانية والفرس والصينيين. وبعد سقوط الساسانيين حكم الرومان ثانية حتى الفتح الإسلامي. استمر العهد الإسلامي حوالي خمسة قرون عرفت خلاله بلاد القوقاز الاستقرار والازدهار. حكم المنطقة السلاجقة.. ثم المغول والتتار واستمر حكمهم حتى سيطرة روسيا القيصرية على بلادهم. والشيشان شعب متدين شديد الاعتزاز بوطنيّته وبسبب ذلك لقوا الكثير على يد القياصرة. لم يترك الشعب الشاشاني المحتل القيصري يهنأ له عيش، فقامت ثورة الشيخ (منصور أنابا) لتشعل الأرض تحت أقدامهم عام 1791م واستمرت الثورة مشتعلة ست سنوات حتى أُسر قائدها ومات في السجن.
اتّبع القياصرة سياسة بالغة القسوة للقضاء على جذور المقاومة الشاشانيّة التي انتشرت أخبارها في مجمل المناطق الإسلامية المجاورة. فقد اعتمدوا القسوة البالغة والإعدامات وتنشيط التبشير الأرثوذكسي وفرضه، وتخريب غابات وزراعات البلاد، وأخيراً فتحوا باب الهجرة، فحدثت موجة هجرة إلى البلاد العربية ولقد أدت تلك السياسة الماكرة إلى قمع البلاد وركونها للسلطة في موسكو على يد القائد الداهية (يرمولوف) عام 1822م.
يسجل التاريخ أن الحركات الإسلامية الصوفية قادت الجهاد الشاشاني ضد الاحتلال القيصري والشيوعي وأهمها النقشبندية والقادرية. كما قامت ثورة غازي مللا عام 1832م والتي حرّرت أجزاء كبيرة من (شاشان أنغوشي). كتب الجنرال الروسي (تورناو) وقد شارك في حرب (غازي مللا): (إن شعب شاشان ومقاتليه يستحقون الإعجاب والتقدير كخصوم شجعان) !! واستشهد الشيخ (غازي) في ثاني محاولة إسلامية لتحرير البلاد من الاحتلال القيصري.
أسس ستالين جمهورية الشيشان ذات الحكم الذاتي عام 1944م، ونفى شعبها عام 1945م بعد اتهامهم بالتعاون مع النازية. استمر اعتقال الشعب الشيشاني في سيبيريا حتى العام 1957م حين سُمح لهم بالعودة وتشكيل جمهورية تحت إشراف وحكم روسي مباشر.
مُنعت اللغة العربية في النظام التعليمي باعتبارها لغة (رجعية) يُعاقب كل من يتكلم أويكتب بها. واللغة الروسية إجبارية وهي اللغة الرسمية المفروضة على السكان المسلمين.
الحروب الشيشانية
الحرب الشيشانية الاولى 1994-1996 م
- توصلت القيادة الروسية بزعامة يلتسن إلى استنتاج بأنه لا بد من استخدام القوة لإعادة الجمهورية المتمردة تحت السيطرة الروسية، ففي يوم 25/11/1994م هاجم بعض المتمردين الذين دعمتهم موسكو، هاجموا العاصمة غروزني بالدبابات والأسلحة الثقيلة ، إلا أنهم اضطروا للانسحاب بعد يوم واحد.
- يوم 29/11/1994م دعا الرئيس يلتسن دوداييف لترك السلاح خلال 48 ساعة وإلا فإنه سيعلن حالة الطوارئ في الشيشان ، كما قامت الطائرات الروسية بقصف غروزني.
- 30/11/1994م غارات جوية وحشود عسكرية روسية على الحدود الشيشانية وإخلاء غروزني من النساء والأطفال.
- 10/12/1994م أعلنت روسيا إغلاق المجال الجوي والحدود الشيشانية ، وقامت الطائرات الروسية بقصف غروزني.
- دخلت القوات الروسية أراضي الجمهورية في 11/12/1994م، ودارت معارك طاحنة بين الطرفين، وتكبد الجيش الروس خسائر فادحة، أما خسائر الشيشان فكانت في المدنين، وقد لجأ كثير منهم إلى المناطق المجاورة وخاصة أنغوشيا.
- وفي شهر شباط 1995م بدأ المجاهدون الشيشان إخلاء العاصمة غروزني.
- وفي نيسان 1995م قرر مجلس الأمن والتعاون الأوروبي إنشاء مفوضية له في الشيشان. كما تمكنت القوات الروسية من الاستيلاء على أرغون وغودرميس وشالي.
- 14/6/1995م ، قامت مجموعة من المجاهدين بقيادة شامل باساييف بهجوم على بلدة بودونوفسكي التابعة لمدينة ستافروبول على بعد 70كم من الشيشان حيث احتلوا المستشفى الموجود في البلدة واحتجاز المئات من الرهائن الروس ، وطالب بوقف عمليات القوات الروسية وانسحابها من الشيشان.
- 30/7/1995م وقعت اتفاقية بين الهيئات العسكرية تنص على أن روسيا ستسحب جنودها من الشيشان وأن الشيشانيون سيقومون بتسليم أسلحتهم فيما عدا المستخدمة بهدف الدفاع.
- 25/8/1995م ، تمكنت الوحدات التابعة لدوداييف من الاستيلاء على إدارة غودرميس ثاني أكبر مدن الجمهورية.
- 20/12/ 1995م ، استولى الروس على مدينة غودرميس بعد حصارها وقتلوا المئات من المدنيين.
- 9/1/1996م ، قامت مجموعة " الذئب الوحيد " تحت قيادة سلمان روداييف بالهجوم على كزليار وأسر المئات كرهائن.
- تمكنت روسيا وبغارة جوية من قتل الرئيس الشيشاني جوهر دوداييف يوم 21/4/1996م ، وقد تولى الرئاسة مكانه سليم خان يندرباييف، وبقي رئيساً حتى انتخاب أصلان مسخادوف.
- إستمرت المعارك بين الطرفين حتى تمكنت القوات الروسية من احتلال العاصمة غروزني بعد تدميرها بشكل كامل. وفي حركة أذهلت العالم، استطاع الشيشان استعادة السيطرة على غروزني في آب 1996م وطرد الروس منها.
- أربكت العمليات الجريئة خارج الشيشان، وإعادة السيطرة على غروزني القيادة الروسية السياسية والعسكرية، وقد وقف العالم أجمع شعوباً وحكومات موقف المنبهر والمتعاطف مع الشيشان الذين مرغوا كرامة دولة كانت قبل 5 سنوات يهابها الجميع، ولكن مع الأسف لم يترجم موقف لا الشعوب ولا الحكومات إلى مواقف سياسية مثل الاعتراف بجمهورية الشيشان ومساندتهم مادياً، على رأي الشاعر العربي الذي قال، قلوبهم معك وسيوفهم مع بني أمية.
- وعلى ضوء الموقف الميداني، وموقف الرأي العام العالمي، رأت روسيا أن أفضل حل للخروج من هذا المأزق مؤقتاُ وحتى تتهيأ فرص أفضل هو وقف الحرب. فقامت بتوقيع اتفاقية مع الشيشان بتاريخ 31/8/1996م، وقعها عن الشيشان سليم خان وعن روسيا الجنرال الكسندر ليبيد، وتنص على وقف القتال وخروج الروس من الشيشان، وإجراء استفتاء في الشيشان في 31/12/2001م لتقرير مصير استقلالها.
- بتاريخ 28/1/1997م أعلن عن فوز أصلان مسخادوف برئاسة الجمهورية بأغلبية 68,9 % بعد فرز من أصوات الناخبين، وقد تولى مسخادوف الرئاسة رسمياً في 12/2/1997م.
- وقع الرئيس الجديد للجمهورية أصلان مسخادوف والرئيس الروسي يلتسين معاهدة سلام بتاريخ 12/5/1997م، وتنص على بناء العلاقات بينهما وفق القانون الدولي، وأنه لا يجوز استعمال السلاح ولا التهديد باستعماله لحل النزاع بينهما، ولم تنص المعاهدة على بقاء الشيشان جزءاً من روسيا ولا على استقلالها، ولكن بعد توقيع المعاهدة صارت الشيشان تتصرف تصرف الدولة المستقلة فعلاً، وصار العالم يعاملها وكأنها مستقلة.
الحرب الشيشانية الثانية من 1999 إلى اليوم
· نقلت أخبار عن الكسندر ليبيد وغيره من قادة روسيا أنهم بتوقيعهم المعاهدة قد بيتوا أمراً خطيراً بشأن الشيشان، لقد خططوا لإيقاع حرب أهلية على غرار الحرب الأهلية التي حصلت في أفغانستان بعد انسحاب القوات الروسية منها، والأمر الآخر : تغيير وجهة نظر الرأي العام العالمي المتعاطف مع الشيشان، وذلك بتنفيذ عمليات إرهابية يتهم الشيشان بها، وبعد ذلك وعندما تحين الفرصة، التدخل العسكري.
· فشل الروس فشلاً ذريعاً في هدفهم الأول وهو دفع الشيشان إلى القتال فيما بينهم في حرب أهلية، ولكنهم نجحوا في هدفهم الثاني في تغيير نظرة الرأي العام العالمي تجاه الشيشان، حيث بدأ العالم ينظر إلى الشيشان كإرهابيين على ضوء بعض العمليات التي نسبت إليهم، ففي أيلول 1999م وقعت انفجارات في أماكن مختلفة في روسيا وداغستان أودت بحياة 250 شخصاً.
· أما الحل الأخير وهو الحل العسكري، فقد قدمت حجته للروس على طبق من ذهب وقد تم ذلك كما يلي.
أ. أصلان مسخادوف، مع أنه رجل عسكري بارع وسياسي ماهر ويملك أعصاباً فولاذية، إلا أنه مع الأسف لا يملك السيطرة الكاملة على جميع المقاتلين.
ب. شامل باساييف وأقرانه من العسكريين، تمكنوا من نيل شعبيتهم الواسعة من خلال بطولاتهم وعملياتهم الجريئة حتى في عمق الأراضي الروسية، ولكن بعد انتهاء العمليات العسكرية التي برعوا فيها، فإنهم فشلوا فشلاً ذريعاً في المناصب المدنية التي تولوها، وبدأ نجمهم بالأفول، وهذا ما لا يرضاه ذوو النجومية والمطامع الشخصية.
ج.عندما ظهرت حركة تمرد في الداغستان ( وقد تكون من ترتيبات الروس )، ابتلع شامل باساييف وأقرانه الطعم، وبدون تنسيق مع القيادة الشيشانية ، قام باسم الشيشان هو ومقاتليه بمساندة التمرد في داغستان، وهذا ما خططت له روسيا على الأرجح، أو كانت تتمناه على الأغلب.
د. تمكنت القوات الروسية من سحق التمرد في داغستان، فانسحب شامل باساييف إلى الشيشان، وهذا ما كانت تريده روسيا تماماً، فدخلت القوات الروسية بلاد الشيشان مرة ثانية، ولكنها دخلت هذه المرة مستفيدة من الدروس التي تلقتها في الحرب الأولى، وتمكنوا من احتلال جميع المناطق المأهولة في الشيشان، وانسحب المقاتلون إلى المناطق الجبلية.
الأقسام الإدارية
المناطق
جغرافيا
تقع الشيشان في منطقة جبال القوقاز التي تمتد بطول 60 ميلاً ما بين البحر الأسود غربًا و بحر قزوين شرقًا .. وتشكل هذه الجبال سلسلة متواصلة ومتوازية يزداد ارتفاعها تدريجيًا كلما اتجهنا نحو الجنوب، لتصل أعلاها عند قمة "مونت البورس"؛ وارتفاعها 18481 قدمًا وهى تقع في الشمال الغربي، بينما تقع قمة "مونت قزيك" والتي يصل ارتفاعها إلى 16558 قدمًا والتي تحيط بكل من الشيشان وأنجوشيا. والشيشان الدولة تقع في الجنوب إلى موسكو بحوالي 1000 ميل، ويحدها كل من داغستان وجورجيا وجنوب أوسيتا من الجنوب وداغستان وروسيا شمالا، وأوسيتا الشمالية وأنجوشيا غربًا. ويبلغ عدد السكان في الشيشان 1.5 مليون نسمة والأنجوش ربع مليون نسمة، والشيشانيون مسلمون سُنَّة يتبع أغلبيتهم المذهب الشافعي.
الموقع
بلاد الشيشان هي المنطقة التي تسمى الآن جمهورية الشيشان وتقع في شمال شرق منطقة القوقاز ، وتنحصر بين خطي طول 44درجة – 47 درجة شرقاً، وخطي عرض 42 درجة – 45 درجة شمالاً، تحدها من الشمال جمهورية داغستان وإقليم ستافروبول، ومن الشرق داغستان ومن الجنوب داغستان وجورجيا ومن الغرب جمهورية أوسيتا الشمالية وجمهورية القبرطاي/ بلقر.
المساحة
تبلغ مساحة جمهورية الشيشان حالياُ 15,800 كم² ( علماً بأن مساحة بلاد الشيشان كانت أكبر من ذلك ، حيث قام الروس باقتطاع مساحات كبيرة من بلاد الشيشان وضموها إلى جمهوريات داغستان وجورجيا وأوسيتا للتفرقة ما بين الشيشان ، علماً بأن الحدود الشرقية للشيشان كانت تمتد إلى بحر قزوين ).
عدد السكان
في عام 1989م كانت بلاد الشيشان مؤلفة من جمهورية الشيشان أنجوش ، وكان عدد سكان الجمهورية في تلك السنة 1,25 مليون نسمة ، وقد كان عدد الشيشان ( ويناخ ) 898263 نسمة ( 734500 نوختشي ، 163760 أنجوش )، بنسبة 70,7% من مجموع السكان الإجمالي ، وقد تواجدت قوميات كثيرة وأهمها الروس والقوزاق وكان عددهم 293771 نسمة.
العاصمة
غروزني ، وقد أنشئت عام 1817م ، وقد بلغ عدد سكانها في عام 1939م 172000 نسمة ، وفي عام 1980م كان عددهم 377000 نسمة.
الثروات الطبيعية
الزراعة : رغم الأراضي الخصبة وتوفر المياه، إلا أن البلاد متخلفة في ميدان الزراعة، ويرجع ذلك إلى نظام المزارع الجماعية الذي طُبّق في عهد الشيوعيين. أهمل الشاشان زراعتهم واتجهوا للأعمال الحرفية والوظائف.
الثروة المعدنية : البترول هو ثروة البلاد الرئيسة. تتركز حقول النفط حول العاصمة (غوروزني) وسط البلاد ويستثمرها المستوطنون الروس لحساب جمهورية روسيا الاتحادي
العملة\روبل روسى
الامام شامل
الإمام شامل (1797 - مارس 1871) زعيم آفاري داغستاني في الشيشان وأحد أشهر المقاومين للإحتلال الروسي للقفقاس وكان قائدا للمقاومة آنذاك. [1] وقد لقب بأسد القفقاس و صقر الجبال.
الحرب
في عام 1828 م عمت الحرب سائر أرجاء القفقاس واستمرت مقاومة المسلمين في داغستان تحت زعامة كل من الإمام غازي محمد والإمام حمزات. وفي عام 1834 تابع الإمام شامل تزعم المقاومة بعد مقتل الإمام حمزات، كما انضمت قوات تاسو حجي إلى الإمام شامل أيضاً، وفي عام 1839م استمر القيصر الروسي باتباع سياسة الضغط على الأراضي الشيشانية بهدف الإستيلاء على القفقاس، وبدأت جميع شعوب شمال القفقاس النضال تحت زعامة الإمام شامل. حسب التاريخ الروسي فقد استمر القتال في القفقاس 25 عاما، وعند سفح جبل جوينب، دارت آخر المعارك بين شامل والروس. وخلال المعركة حاول بارياتنسكي إقناع شامل بالإستسلام. وبعد معركة فيدنو في بلاد الشيشان، تمكنت قوات روسيا من اقتحام جوينب، فاضطر الشيخ إلى الإستسلام في 6 سبتمبر 1859، إلى الجنرال بارياتنسكي.
لمحه مختصره عن شامل
هو علي بن دينكا. من مواليد قرية غومري في الداغستان عام 1796 م آفاري الاصل. والدته باهو ميسادوو وكانت آفريه أيضا. اطلق عليه اسم شامل حسب العاده القفقاسيه باعتباره كان كثير المرض وتغيير الاسم كان لابعاد الأرواح الشريره فلقّب بشامل او صامويل. له أخت وحيدة وله صديق مميز واحد هو كوناك الذي اشتهر فيما بعد باسم غازي مولا وهو يكبر شامل ببضع سنين.
كان طول شامل 190 سم و كان له حصان شامل أسود اللون ومن سلالة أصيلة. تميز شامل بلبس أبيض وأسود مع معطف فضفاض وعمامته حشفتها حمراء أما رايته فكانت سوداء اللون.
درس شامل العربية والفلسفة والفقه والأدب العربي على يد أستاذه جمال الدين وتعمق في الصوفية. درس الصوفية مع صديقه غازي محمد في بلدة براغل مركز المريدية.
احب شامل فاطمه بنت عبد العزيز وهي ابنة شخصية مشهورة في القفقاس.
حياته الخاصة
تزوج شامل من فاطمت بنت عبد العزيز ولدت في انيستيكول عام 1810 م وتوفيت عام 1845 م في الوسيندا. وكان له منها خمسة أولاد. ثم تزوج من دجافارات ولدت في غمري عام 1821 وتوفيت في أخولكو عام 1839 م و كان له منها سعيد وتوفي صغيراً. ثم تزوج من زايدات بنت جمال الدين ولدت في غازي كموخ عام 1823 م وتوفيت في المدينة المنورة عام 1870م وله منها ثلاثة أولاد. زوجة شامل الرابعه كانت شوانيت أرمنية الأصل مواليد عام 1821م وتوفيت عام 1876م وله منها بنت هي صوفية. وأخر زوجاته كانت أمينة وهي شيشانية الأصل من قبيلة الكيست ولكنه طلقها لأنها عاقر.
في عام 1870 م حصل شامل على اذن بالسفر إلى مكة وقد بلغ من العمر 74 عاما. أبحر من عنابه إلى القسطنطينيه فاستقبله السلطان العثماني عبد العزيز استقبالا رسمياً وعرض عليه القصور ليختار منها واحدا. لكنه رفض وطلب منه السلطان الذهاب للقاهرة للتوسط في النزاع الحاد بين تركيا ومصر وأدى المهمة بنجاح ثم توجه مع أسرته ومرافقيه إلى مكة التي كانت تحت سيطرة الباب العالي القضائيه وفي نهاية 1870 م غادر مكة إلى المدينة المنورة وعاش فيها في بيت الشيخ أحمد الرفاعي، وفي نهاية عام 1872 م توفيت صوفية ابنة شوانيت وبعدها بقليل توفيت زايدات في الطائف وبقيت عنده شوانيت وكامل الصغير وتزوجت ناجافات في تركيا من داود الشركسي ابن خائن شامل محمد امين والذي انشق عن أبيه وانضم لشامل في المدينة وفي 4 فبراير 1871م الموافق 25 ذي القعدة 1287 هـ بعد المغرب وقبل العشاء نهض شامل من غفلته وبدا أن قواه عادت إليه في آخر لحظه فصرخ مهلهلا (الله الله) ثم توفي ودفن في مقبرة جنة الباكير في المدينة المنورة.
نظام جيش شامل
يقوم على أساس النظام العشري. في الأول يأتي المائة نائب وهم أعلى ضباطه رتبة. ثم النواب ويعرفون بالمرشدين ويصل عددهم حوالي الألف وكان هناك الحرس الخاص. وكان المريدون يشكلون معظم جيش شامل ومقسومين إلى فرق العشرات والمئات والخمس مئات ولكل فرقه قائد. الجنود يلبسون التشركيسكا [2] بلون بني واللون الاسود للضباط والبعض يضع عمامه خضراء ومعطف أسود والرايات سوداء.
من نواب شامل والذين خانوه وتآمروا عليه:
- محمد أمين
- باتا
- علي قاضي
- كيبت ماغوما
- دانيال بك
حين كان شامل يشعر ان قواته قاتلت من أجل الغنائم كان يلقي الغنائم في بحيرة في الجبل ويعتقد سكان قرية آندي أنه في مكان ما تحت مياه بركة جبليه في الجوار توجد صحون ذهبيه وأزرار وأغماد سيوف ياقوتيه وأساور وخلاخل زمردية وكاسات شراب مرجانية وكهرمانية. كانت غنائم غارات قفقاسية القيت إلى أسماك البركه للمحافظه على وحدة الصف. ويقال ان شامل كان أعسراً.
الملكة فيكتوريا ارسلت إلى شامل علماً طرز عليه ثلاث نجمات تمثل تشركسيا – الداغستان – جورجيا. وعند استسلام شامل للعقيد بارياتنسكي وعندما سلمه سيفه ساشقوا [3] ذي النصل الذهبي قال له: لن اسمح ان يلمس سيفي يداً مجهولة أو يداً لاتستحقه أقدمه اليك ايها السردار لانك هزمتني وهزمت جيشي
الإمام شامل شخصية قفقاسية
هناك.. حينما تطأ قدماك أرض داغستان ستطالعك في كل بيت صورة رجل سرعان ما تظن من نظرة عينيه ومهابة ملامحه أنه بطل قومي، وسيتأكد ظنك حينما يصافحك في كل سوق ترتاده فتى يناديه أقرانه باسم صاحب الصورة: محمد شامل. والإسم لرجل قاد أشهر حركة للجهاد الإسلامي في محاولة بدت مستحيلة لوقف الزحف الروسي على أراضي مسلمي القوقاز.
لم يولد محمد شامل لأسرة معدمة سقته فقرا وحرمانا؛ حتى يفسر البعض جهاده نحو الحرية بأنه جهاد الفقراء المسحوقين. ففي نهاية القرن الثامن عشر وبينما كان ملايين الفلاحين في روسيا يئنون من استعباد الإقطاعيين كان عليّ بن ديغنو والد الإمام شامل فلاحا من الأحرار، أما أمه فهي ابنة سيد الآفار (إحدى أهم القوميات في داغستان).
في نهاية القرن 15 كانت الشيشان وداغستان وباقي الأراضي بين البحر الأسود وبحر قزوين تداعب مخيلة القيصر الروسي إيفان الثالث، فاتفق مع قبائل القوزاق[4] الموالية للدولة الروسية الوليدة بالغزو التدريجي لأراضي المسلمين في إقليم القوقاز. وأدى القوزاق المهمة بنجاح، فأقاموا أول مخفر أمامي على نهر تيرك، وصار هذا المخفر مدينة "غروزني" العاصمة الشيشانية فيما بعد. وخلال حكم إيفان الرابع (إيفان الرهيب) في منتصف القرن 16 قام القوزاق ببناء مجموعة من الحصون في شمال داغستان والشيشان، عاقدين تحالفات مع بعض شعوب الإقليم. ومع بداية القرن 18 كانت آلاف الأسر القوزاقية قد تجمعت في الإقليم، وامتزجت مع القبائل المحلية، وتزاوجوا منهم وإن احتفظوا بالمسيحية دينا وبالروسية لغة.
وخلال حكم بطرس الأكبر وفي عام 1722 م وقع أول صدام بين القوات الروسية والشيشانيين الذين كسبوا المعركة أمام قوة فتية مستكشفة. وسرعان ما تنتظم صفوف المقاومة تحت زعامة الإمام منصور (ولد في عام 1732 م) الذي استطاع بفهمه العميق للقرآن أن يحول شيوخ القبائل إلى الإسلام، ونظم عبر مجالس الصوفية (الطريقة النقشبندية) حركة من الأتباع والمريدين لمواجهة التوغل الروسي في القوقاز. وحقق مجموعة من الانتصارات حتى أوقع به الروس ومات في الأَسر سنة 1794 م. غير أن المسرح الشيشاني لم يهدأ بعد موت الإمام منصور إلا لعقدين من الزمان، بعدها كان الغازي مولا قائدا للمريدين يكمل الطريق.
في عام 1829م بدأ الغازي مولا في تحريك شعوب الجبال نحو حرب مقدسة لمواجهة روسيا، وإن عرف عنه عدم مشاركته في المعارك، بل اشتهر بقدرته في التأثير على جنوده بسحر الكلمة وبلاغتها. كما قطع شوطا كبيرا في إرسال الدعاة من داغستان إلى سكان الجبال الشيشانية لتحويلهم من الوثنية إلى الإسلام.
وأمام تماسك قوة المريدين اتخذ الروس أسلوب حرق البيوت على ساكنيها كي يجبروا المقاومين على الخروج. وشنوا هجوما واسعا إلى أن سقط الغازي مولا في معركة غمري بين جثث آلاف المريدين. وفى معركة غمري لم ينجُ إلا القليل، وتمكن اثنان منهم من الفرار، كان أحدهما شامل الذي كان قد أصيب إصابة قاتلة.
وبعد مقتل الغازي مولا وجرح شامل اختير "حمزة بيه" من قبل المريدين قائدا بعد تزكية من كبار الشيوخ. وأفنى حمزة العامين التاليين في ترتيب الصفوف وتدعيم قوة الجيش، إلا أنه لقي الهزيمة، ثم اغتيل وهو يؤم المصلين في المسجد الجامع بمعقل المقاومة في هونزا بداغستان. [5]
قيادة الإمام شامل
حينما اختارهالمريدون إماما بعد وفاة حمزة بيه في عام 1834م أعاد شامل تنظيم جيشالمريدين على نمط أعدائه القوزاق بشكل أشبه إلى التنسيق الفيدرالي الحديث. كما نظم العمل البريدي في دولته، ونسق الإنفاق على الجيش من ريع الأراضي الزراعية التي ضُمت إلى المساجد، كما نظم جمع الزكاة لتجهيز الجيش. وفى المقابل طرد "الدراويش"، ولم يقبل عودتهم إلا كجند في جيشه.
وفى دولة الإمام شامل -التي ارتكزت على الشيشان وداغستان، وامتدت من بحر قزوين شرقا إلى البحر الأسود غربا. كان السعي دءوبا للمساواة بين القوميات، بغض النظر عن اللغة والعرق والطبقة، في وقت كانت العبودية ما زالت مطبقة في روسيا. واستمد شامل من القوانين الإسلامية المنهج الذي نظم به الحياة الاجتماعية، وبصفة خاصة شؤون القصاص والعقاب في الجرائم المدنية، بل إنه تشدد في بعض القوانين التي كان القانون في بعض المذاهب الإسلامية أكثر اعتدالا؛ رغبة منه في الحفاظ على أركان دولته. كما استفاد من الأسرى من الضباط الروس ومن المرتدين عن التعاون مع الروس، وهم قد خبروا القدرات العسكرية الروسية في تطوير قدراته العسكرية على نمط أوروبي حديث. وحاول شامل أن يستفيد من القوى الدولية لمساعدته، غير أن عزلة الميدان الذي يقاتل فيه حالت دون تحقيق خطته. ففي منتصف القرن التاسع عشر سعى شامل إلى فتح خط اتصال بين كل من تركيا وإنجلترا وفرنسا بهدف أن تقدم هذه الدول لشامل الدعم العسكري في مقابل تحالفه معها في عِداها لروسيا. وقبل ذلك وفى عام 1840 م تداول المريدون في داغستان خطابا يحمل توقيع الخاتم الملكي لمحمد علي باشا، يفوض فيه شامل بقيادة سكان الإقليم، ويعد بوصول الجيش المصري المتوغل في الأراضي التركية إليهم لتقديم العون العسكري في مواجهة الروس، غير أن فشل مشروع محمد علي في تركيا بدد آمال المريدين في وصول مدد مصري (من الثابت تاريخيا أن روسيا قدمت لتركيا -عدوتها اللدود- قطعا بحرية، وشاركت بجزء من أسطولها في البحر الأسود لضرب الأسطول المصري).
استمرت المقاومة بقيادة شامل في مسلسل متوالي الحلقات من حرب الكر، إلى أن نفذ شامل انسحابا تكتيكا إلى داخل الجبال، مغريا الروس بالتوغل خلفه عبر الغابات الكثيفة، فانقض عليهم المريدون من جهات مختلفة. واستخدم الشيشانيون أحد قارعي الطبول الذين تم أسرهم في العزف لحث الجنود الروس على التوجه نحو شرَك أعده الشيشانيون، قتلوا فيه أكثر من نصف ضباط الحملة. وتوالت الهجمات على الجيش الروسي المرتبك؛ ففقد أربعة مدافع من خمسة. ويقدر المؤرخون نتاج معارك الغابات التي استمرت أربع سنوات بنحو 10.000 قتيل روسي.
وتمكن شامل بالمدافع الأربعة التي اغتنمها من الروس الهجوم على الروس في حصونهم، فأسقط آلاف القتلى، واغتنم في سنتين 14 مدفعا إضافيا بشكل بدا وكأن جيشا جديدا يبنى لشامل من المدافع الروسية الخطيرة التي لم يكن جنود المريدين يحلمون بالحصول على واحد منها. وكتب أحد الجنرالات الروس في مذكراته معلقا على ما يرى: "يا لها من مصيبة مفجعة، إن الرجال الذين تناثرت أشلاؤهم هنا كان بمقدورهم فتح بلاد تمتد من اليابان في الشرق إلى أوكرانيا في الغرب". وحينما رصدت روسيا 45.000 روبل للإيقاع بشامل كتب شامل خطابا إلى الجنرال الروسي على خط المواجهة، يقول فيه: "كم كانت سعادتي حين علمت أن رأسي تساوي هذا الثمن الضخم، ولكنك لن تكون سعيدا حينما أخبرك أن رأسك بل رأس القيصر ذاته لا تساوي لدي كوبيكا واحدا".
وقع قتال الإمام شامل ضحية التسويات الدولية؛ ففي عام 1856 م انتهت الحرب التركية الروسية؛ وهو ما سمح لروسيا بالتركيز بقوتها على الجبهة القوقازية بقوة 200.000 رجل، وأوكلت المهمة إلى الجنرال الشاب بريتانسكي في وقت كان شامل قد تخطى من عمره الستين. وعكف بريتانسكي طويلا على دراسة الجغرافية العسكرية لمعارك الإمام شامل، وخلص إلى أن أهم الانتصارات التي حققها شامل لم تكن في أرض مفتوحة بل حينما كان يحتمي بالغابة والجبل. واختار سياسة أكثر حنكة عمن سبقوه، فتقرب إلى الأهالي، وأحسن معاملتهم، ومنع التعرض للنساء، ولغير المقاتلين؛ فضمن عدم انقلابهم عليه في حربه الفاصلة مع الإمام.
وضغط بريتانسكي على قوات شامل حتى التجأ الأخير إلى الاحتماء بالغابات، وهنا سخّر فرقة عسكرية بأكملها لقطع أشجار الغابات. وبعمل دءوب وبجنود حملوا الفؤوس بدلا من السلاح أزال بريتانسكي مساحات واسعة من غابات داغستان والشيشان، وذلك على طول الطرق بين القلاع والحصون الروسية، وفشل جيش شامل في مهاجمة القلاع الروسية التي صارت أكثر حذرا تحت أعين بريتانسكي الساهرة. وبخطوات واثقة زحفت قوات بريتانسكي على المناطق الخاضعة لشامل، واستمال الروس عشرات القبائل التي أنهكتها الحرب، وبدأت في لوم شامل على ما أصابهم من فقر وتشرد.
وبدأت العقلية العسكرية المسنة تقع في الخطأ القاتل؛ فركن شامل إلى توقع الهجوم الروسي من مصدر محدد في وقت تمسك الروس فيه بسرية المعلومات، وحركوا جزءا من جيشهم أوهم شامل أنهم ما زالوا في منتصف الطريق، بينما انقضّوا عليه من اتجاه آخر بحرب خاطفة، وخدعوا الرجل الذي كان بارعا في هذا النوع من الهجوم. وحدث ما كان متوقعا، وأسر الإمام شامل، وتم نقله في رحلة طويلة إلى موسكو في موكب بدا وكأنه استعراض عسكري بالبطل الذي سقط أخيرا، وطالب المحاربون القدامى على طول الطريق من ستافربول إلى موسكو بأن يتحدثوا إلى ذلك العدو المهيب. وظل شامل في موسكو إلى عام 1869 م حينما لُبّي طلبه بأداء فريضة الحج. ومرت رحلته من موسكو إلى كييف إلى القسطنطينية، ومنها إلى المدينة؛ حيث لقي ربه في 1871 م.
وببلاغة منصفة عبّر المؤرخ تورناو عن الأجواء التاريخية بالقضاء على حركة الإمام شامل بوصفه اللحظات الأخيرة من آخر معركة بين الجانبين، قائلا: "...هكذا أُسدل الستار عن المشهد الأخير في هذا الحدث المأساوي. وتدفق الليل على هذه البقعة الدامية من الأرض. وعاد كل رجل من الجيش الروسي قانعا نفسه بأنه أدى الواجب. وحصل الممثلون الرئيسيون على الخلود. أما الباقون فقد عادوا إلى خيامهم يسألون أنفسهم: لماذا حدث كل هذا؟ أمن المستحيل أن يجد كل إنسان لنفسه مأوى يعيش فيه آمنا بغض النظر عن منطوق لسانه ومبادئ عقيدته؟".
وهكذا بقى شامل حيا في التراث الشعبي القوقازي وفى الأغاني والأهازيج والقصص البطولية إلى اليوم رمزا لكفاح لم ينظر إلى موازين القوى ولا بحتمية النصر القريب، بل اعتقد في الرسالة السامية للسعي نحو الهدف، وإن تأخر بلوغه طويلا عله يأتي على يد جيل من الأحفاد. ولم يخب ظن الإمام شامل فتوالت الأجيال حتى اليوم تسعى إلى الحرية، ورغم أنها لم تحقق من الحرية شيئا فإنها على يقين بأن الحرية آتية ولو بعد حين.
ان شاء الله
غدا
دولة
لبنان
عايز اعرف
رأيكم
في الموضوع
غدا نلتقي
في معية الله