بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
المعجزة الصوتية للقرآن الكريم
د. محمود يوسف عبده
أراد الله. سبحانه وتعالى، أن يكون القرآن الكريم معجزة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ذو وجوه متعددة من الإعجاز فهو معجزة في أسلوب وبلاغته وهو أيضاً معجزة سمعية وصوتية، وحياً وبلاغاً، وتلاوة وترتيلاً..
والسمع هو سيد وسائل الإدراك الإنساني والكلام لا يسمى كلاماً إلا إذا كان بصوت وعند قراءة كلمات مكتوبة فإنها في الحقيقة تستثير في نفسك أصواتها المنظومة والتي تدل على معانيها، أي أنها تجري على لسانك وقلبك ولو كنت صامتا.
وقد أثبت العلم الحديث أن الصوت صورة من صور الطاقة وينتقل على شكل موجات، وعند وصول الصوت إلى الأذن تبدأ إرهاصات الإدراك السمعي والتي تنتهي بالفهم والتخيل والرغبة والرهبة والحب والبغض وكافة المشاعر الإنسانية المرتبطة بالمؤثر الصوتي سواء كان له معنى في ذاته أو أثار في نفسك قصصاً وذكريات وتنشأ عن ذلك الفكرة والنية، والعزيمة والإرادة والفعل وذلك وفقاً لما يمكن أن يحمل الصوت المسموع من معاني ومفاهيم ونغم وهدير مما يكون له تأثيره على النفس والجسد (Psychosomatic effects) ومنذ أكثر من عشرين عاماً تقدم زميل لي من الأطباء برسالة لنيل الدكتوراه وكان موضوعها (أثر الموسيقى في علاج أمراض القلب) وقد أوليت هذا الأمر اهتمامي وتفكرت في معجزة القرآن الشفائية والتي أخبرنا بها المولى ـ عز وجل ـ في كتابه الكريم فقد ارتبط الشفاء بذات آيات القرآن الكريم في عدة مواضيع قال تعالى (قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور) يونس 57، قال تعالى: (وننزل من القرءان ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين) الإسراء 82، قال تعالى: (قل هو للذين ءامنوا هدى وشفاء) فصلت 44 وكما أن القرآن الكريم شفاء للقلب والروح والعقل فهو بيقين شفاء للبدن والنفس من الأوجاع والأمراض وقد أكدت السنة النبوية الشريفة هذه الحقيقة.
وقد اهتدى بهذا القرآن العظيم واستشفى به أهل الإيمان على مدى القرون. وبدأ التساؤل لماذا لا تقدم بحوث إسلامية تكشف النقاب عن القوة الشفائية لسماع القرآن الكريم وأثر ذلك على جسم الإنسان. وبفضل الله تعالى تحول هذا الاهتمام المتزايد إلى بحوث طبية تطبيقية بدأها الدكتور أحمد القاضي في أمريكا ونرجو من الله أن تستكمل هذه البحوث في المستقبل القريب، وسنعرض في هذا المقال ملخصاً لهذا البحث القيم:
قام فريق عمل طبي بأبحاث قرآنية في (عيادات أكبر) في مدينة بنما سيتي بولاية فلوريدا وقدم هذا البحث في المؤتمر العالمي الثالث للطب الإسلامي المنعقد في استنبول، تركيا. وكان هدف المرحلة الأولى من البحث هو إثبات ما إذا كان للقرآن المراقبة الإلكترونية المزودة بالكمبيوتر لقياس التغيرات الفسيولوجية في عدد من المتطوعين الأصحاء أثناء استماعهم لتلاوة قرآنية. ت تسجيل وقيام أثر القرآن عند عدد من المسلمين المتحدثين بالعربية وغير العربية وكذلك عند عدد من غير المسلمين. بعدما تليت عليهم مقاطع من القرآن الكريم باللغة العربية تم تليت عليهم ترجمة هذه المقاطع باللغة الإنجليزية وقد أجرى البحث على مرحلتين:
نتائج المرحلة الأولية:
أثبتت التجارب المبدئية البحثية وجود أثر مهدئ مؤكد للقرآن في 97% من التجارب التي أجريت، وهذا الأثر ظهر في شكل تغيرات فسيولوجية تدل على تخفيف درجة توتر الجهاز العصبي التلقائي. وتفاصيل هذه النتائج المبدئية عرضت على المؤتمر السنوي السابع عشر للجمعية الطبية الإسلامية في أمريكا الشمالية والذي عقد في مدينة سانت لويس بولاية ميزوري.
المرحلة الثانية: تضمنت دراسات مقارنة لمعرفة ما إذا كان أثر القرآن المهدى للتوتر وما يصحبه من تغيرات فسيولوجية عائداً فعلاً للتلاوة وليس لعوامل غير قرآنية أو رنة القراءة القرآنية العربية، أو لمعرفة السامع بأن ما يقرأ عليه هو جزء من كتاب مقدس. وبعبارة أخرى فإن هدف هذه الدراسة المقارنة هو تحقيق الافتراض القائل بأن الكلمات القرآنية في حد ذاتها لها تأثير فسيولوجي بغض النظر عما إذا كانت مفهومه لدى السامع. وقد كانت خطوات البحث كالتالي:
المعدات: استعمل جهاز قياس ومعالجة التوتر المزود بالكمبيوتر ونوعه ميداك 2002 (ميديكال داتا أكويزشن) والذي ابتكره وطوره المركز الطبي لجامعة بوسطن وشركة دافيكون في بوسطن. وهذا الجهاز يقيس ردود الفعل الدالة على التوتر بوسيلتين أحدهما الفحص النفسي المباشر عن طريق الكمبيوتر والأخرى بمراقبة وقياس التغيرات الفسيولوجية في الجلد.
وقد شمل برنامج الكمبيوتر إجراء الفحص النفساني ومراقبة وقياس التغيرات الفيزلوجية وطباعة تقرير النتائج، كمبيوتر من (أبل 2 إي) مزود بقرصين متحركين وشاشة من أجهزة مراقبة إلكترونية مكونة من أربعة قنوات قناتين لقياس التيارات الكهربائية في العضلات معبرة عن ردود الفعل العصبية العضلية، وقناة لقياس قابلية التوصل الكهربائي للجلد وقناة لقياس كمية الدورة الدموية في الجلد وعدد ضربات القلب ودرجة حرارة الجلد، وقد استعمل لقياس هذه التغيرات موصل كهربائي حساس فوق الجبهة وآخر بربط حول طرف أحد الأصابع بحيث إن أي تغيرات في كمية الدم الجاري في الجلد تظهر مباشرة على شاشة العرض إضافة إلى سرعة ضربات القلب، ومع زيادة وتخفيض درجة حرارة الجلد تسرع ضربات القلب، ومع الهدوء ونقصان التوتر تتسع الشرايين وتزداد كمية الدم الجاري في الجلد ويتبع ذلك ارتفاع في درجة حرارة الجلد ونقصان في ضربات القلب.
الطريقة والحالات المستعملة:
أجريت مائتان وعشرة تجارب على خمسة متطوعين ثلاث ذكور وأنثيين، يتراوح أعمارهم بين 17 و 40 سنة ومتوسطها 22 سنة، وكل المتطوعين كانوا من غير المسلمين ومن غير الناطقين بالعربية. وقد أجريت هذه التجارب خلال 42 جلسة علاجية تضمنت كل جلسة خمسة تجارب وبذلك كان المجموع الكلي للتجارب 210 تجربة. وتليت على المتطوعين قراءات قرآنية باللغة العربية الموجودة خلال 85 تجربة وتليت عليهم قراءات عربية غير القرآنية خلال 85 تجربة أخرى، وقد روعي في هذه القراءات الغير قرآنية أن تكون باللغة العربية المجودة بحيث تكون مطابقة للقراءات القرآنية من حيث الصور واللفظ والوقع على الأذن. ولم يستمع المتطوعون لأي قراءة خلال 40 تجربة أخرى، وخلال تجارب الصمت كان المتطوعون جالسين جلسة مريحة وأعينهم مغمضة، هي نفس الحالة التي كانوا عليها أثناء المائة وسبعين تجربة الأخرى التي استمعوا فيها القراءات العربية القرآنية وغير القرآنية.
ولقد استعملت القراءات العربية غير القرآنية كدواء خال من المادة العلاجية (بلاسيبو) مشابه للقرآن العربية غير القرآنية كدواء خال من المادة العلاجية (بلاسيبو) مشابه للقرآن حيث إنه لم يكن في استطاعة المتطوعين المستمعين أن يميزوا بين القرآن وبين القراءات الغير قرآنية.
وكان الهدف من ذلك هو معرفة ما إذا كان للفظ القرآن أي أثر فسيولوجي على من لا يفهم معناه وعما إذا كان هذا الأثر ـ إن وجد ـ هو فعلاً أثر لفظ القرآن وليس أثراً لواقع اللغة العربية المرتلة.
أما التجارب التي لم يستمع فيها المتطوعون لآية قراءة فكانت لمعرفة ما إذا كان الأثر الفسيولوجي نتيجة للوضع الجسدي المسترخي أثناء الجلسة المريحة والأعين المغمضة. ولقد ظهر بوضوح منذ التجارب الأولى أن الجلسة الصامتة التي لم يستمع فيها المتطوع لآية قراءات لم يكن لها أي تأثير مهدئ للتوتر،ولذلك اقتصرت التجارب في المرحلة المتأخرة من الدراسة على القراءات بالنسبة للقراءات الأخرى باستمرار، فمرة تكون القراءة القرآنية سابقة للقراءة الأخرى ثم تكون تالية لها في الجلسة التالية أو العكس.
وكان المتطوعون على علم بأن أحد القراءات قرآنية والأخرى غير قرآنية ولكنهم لم يتمكنوا من التعرف على نوعية أي من القراءات في أية تجربة.
المرحلة الثانية:
كانت النتائج إيجابية في 65% من تجارب القراءات القرآنية وهذا يعني على أثر مهدئ للتوتر، بينما ظهر هذا في 35% فقط من التجارب في القراءات غير القرآنية.
مناقشة النتائج والاستنتاج من الدراسة
لقد أظهر النتائج المبدئية للبحوث القرآنية أن للقرآن أثر إيجابياً مؤكداً لتهدئة التوتر، وأمكن تسجيل هذا الأثر نوعاً وكما. وظهر هذا الأثر على شكل تغيرات في التيار الكهربائي في العضلات وتغيرات في قابلية الجلد للتوصيل الكهربائي، وتغيرات في الدورة الدموية وما يصحب ذلك من تغير في عدد ضربات القلب وكمية الدم الجاري في الجلد ودرجة حرارة الجلد. وفي المجموعة التي كانت تسمع وتفهم سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين أو كانوا يتحدثون العربية أم غيرها كانت النتائج إيجابية بنسبة 97% وفي مجموعات المرحلة الثانية ثبت أن لسماع تلاوة آيات القرآن الكريم أثراً واضحاً على تهدئة التوتر ولو لم يفهم معناها إذ حقق إيجابية قدرها 65%.
وكل هذا التغيرات تدل على تغير في وظائف الجهاز العصبي التلقائي والذي بدوره يؤثر على أعضاء الجسم الأخرى ووظائفها. ولذلك فإنه توجد احتمال أن يكون ذلك عن طريق إفراز الكورتيزول أو غير ذلك من ردود الفعل بين الجهاز العصبي وجهاز الغدد الصماء وجهاز المناعة.
ولذلك فإنه من المنطق افتراض أن الأثر القرآني المهدئ للتوتر يمكن أن يؤدي إلى تنشيط وظائف المناعة في الجسم والتي بدورها ستحسن من قابلية الجسم لمقاومة المرض أو الشفاء منه.
كما أن نتائج هذه التجارب المقارنة تشير إلى أن كلمات القرآن بذاتها. وبغذ النظر عن مفهوم معناها. لها أثر فسيولوجي مهدئ للتوتر في الجسم البشري فإذا اقترن سماع القرآن الكريم يفهم معناه كان غير محدود الأثر.
هذه النتائج المذكورة هي النتائج المبدئية لعدد محدود من التجارب على عدد صغير من المتطوعين، وبرنامج البحوث القرآنية ما زال مستمراً لتحقيق عدد من الأهداف نذكر منها التالي:
1ـ إجراء عدد أكبر من التجارب على عدد من المتطوعين لتأكيد النتائج.
2ـ مقارنة أثر سماع القرآن الكريم على وظائف الجسم بأصوات مختلفة في درجة استثمارة الخشوع والخشية من الله تعالى.
3ـ مقارنة تأثير الآيات المختلفة من القرآن مثل آيات الترغيب والترهيب أو الخوف والرجاء حيث يختلف الخوف من الله تعالى عن كل الصور المرضية الأخرى من الخوف أو التوتر. حيث أن الخوف من الله أمان للنفس والروح والقلب لأنه الخوف الذي يقترن بالرجاء والحب والأمل في الله تعالى الذي يملك الوجود وله صفات الجلال والكمال!! ولذلك فإن هنالك إرهاصات علمية تدل على أن تتابع آيات الرحمة والعذاب أثرها في نفس المؤمن ـ الذي يرجو رحمة ربه ويخاف عذابه ـ من أقوى الحوافز للجهاز المناعي في جسم الإنسان. ويحتاج الأمر أبحاث متتابعة لبيان ذلك.
4ـ مقارنة تأثير القرآن بتأثير الوسائل العلاجية الأخرى المستعملة حالياً.
5ـ تحقيق أثر العلاج القرآني الطويل المدى على وظائف المناعة في الجسم سواءً منها المتعلق بالخلايا المناعية أو الأجسام المضادة في الدم.
كما يجب أن نولي الإعجاز العلمي في القرآن، والسنة اهتماماً بالغً بعد أن أصبح من أهم صور الدعوة والجهاد في سبيل الله مصداقاً لقوله تعالى (فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهاداً كبيراً) الفرقان 15، كما يجمل أن ننوه بأهمية ما كتبه الدكتور عبدالله أبو السعود بدر تحت عنوان الإعجاز الصوتي في القرآن الكريم في العدد السابع من مجلة الإعجاز فهي جزء لا يتجزأ من هذه البحوث إضافة إلى بحث الدكتور صادق الهلالي بعنوان إعجاز القرآن الكريم في السمع والبصر والفؤاد في نفس هذا العدد.
اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين