بتـــــاريخ : 12/7/2008 5:43:49 PM
الفــــــــئة
  • الأخبـــــــــــار
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 2399 0


    أطماع الصهاينة ستشعل حروب المياه!, الماء سيكون أغلى من النفط خلال 20 سنة

    الناقل : elmasry | العمر :42 | الكاتب الأصلى : Neo | المصدر : www.anamasry.com

    كلمات مفتاحية  :
    عرض ياسمينة صالح
    * اسم الكتاب: L'EAU DANS LE
    MONDE ARABE
    * المؤلف:GEORGES MUTIN
    * الناشر: ellipses
    كتاب (الماء في الوطن العربي) يعتبر من الكتب الأكثر أهمية الصادرة في فرنسا، والذي يتناول فيه الكاتب الفرنسي المعروف (جوورجي ميتان) قضية من أخطر القضايا التي كما يقول يتجاهلها المجتمع الغربي (المتحضر) لأنه يعي أنها ستكون قضية حرب حقيقية بعد عشرين سنة مقبلة، وربما أقل.
    إنها إشكالية المياه التي سوف تتحول في نظر الكاتب إلى أخطر إشكالية سيعرفها القرن الواحد والعشرين، وربما سيصبح النزاع على الماء أكبر وأوسع وأخطر من النزاع على الموارد الأخرى كالبترول مثلاً.
    لهذا كان اهتمام الإعلام الفرنسي بالكتاب، ليس على أساس ما يطرحه من قضايا كبيرة، بل على أساس انه مرجعية تاريخية لنزاع آخر وهو النزاع القائم في الشرق الأوسط، ولهذا كان الربط مباشراً بين أزمة المياه وبين الأزمة القائمة في المنطقة على اعتبار أن إسرائيل كانت تحارب دائماً لأجل الاستحواذ على الأرض وبالتالي على الماء.
    وهي الحرب التي تريد من خلالها ليس محاصرة الدول المجاورة اقتصادياً بل وإجبارهم على العطش وعلى الموت، وبالتالي على أن (يشتروا) الماء منها، وهو الماء الذي في الأصل نبع من الأراضي العربية قبل آلاف السنوات.
    البعد الإنساني والتاريخي
    القضية التي يطرحها المؤلف إذاً، تأخذ بعدين رئيسيين أولهما البعد التاريخي بكل رزنامته المعروفة، وبكل نقاطه الساخنة أيضاً، والبعد الثاني هو البعد الإنساني الذي يقول عنه المؤلف انه أخطر ما في القضية، لأن سرقة الماء من الدول العربية عبر سد المنابع وغلق المنافذ واحتلال الأراضي هو الذي سيفجر الوضع وبالشكل الذي لا يمكن توقع زمانه أو مكانه، حيث لا أحد سيكون قادراً على قبول خطة (هارس) جديدة تتأسس على أساسها الدولة العبرية من منظور إسرائيلي محض، أي على أساس القوة العسكرية الإسرائيلية التي استطاعت أن تضع الماء في خانة (السري جداً) كما يقول كتاب(الماء في الوطن العربي) الصادر عن منشورات (إيليس) الفرنسية 2003م.
    منذ بداية القرن العشرين، ظلت مسألة الماء في منطقة الشرق الأوسط تعني احتمال اندلاع حرب جديدة، ليس على أساس قطري، بل على مستوى دولي، على اعتبار أن الكثير من التقارير ومن التحليلات المختصة تؤكد أن الماء في المنطقة في حالة انحصار حقيقية وأن الحرب القادمة لن تكون حرباً على الحدود ولا على الذهب الأسود، بل ببساطة حرب على الماء!
    بعد يوم واحد من وعد بلفور بتاريخ 2 نوفمبر 1917، والذي سمح لليهود بإقامة (وطن قومي لهم) في فلسطين، قال رئيس المنظمة الدولية الصهيونية (حاييم ويزمان) في رسالة خطية وجهها إلى الوزير البريطاني، طلب منه فيها أن يمنح لليهود الحق في تحريك الحدود الشمالية الفلسطينية بحيث يتسنى لهم أن يسيطروا من خلال ذلك على الموارد الطبيعية المتمثلة في الماء أولاً.
    كانت تلك الخطة التي وافقت بريطانيا عليها، بداية الرؤية الثانية لماهية التواجد اليهودي في منطقة الشرق الأوسط، من حيث ان التحكم في الماء، هو بطريقة أخرى شكل من أشكال التحكم في حياة وفي مصير الآخرين.
    ليس هذا فقط، بل ان المستقبل الاقتصادي الفلسطيني لا يمكنه أن يتأسس من دون استراتيجية مائية حقيقية، باعتبار أن الماء يعني أيضا كهرباء، ويعني قدرات أخرى يدخل فيها الإنسان نفسه.
    والحال أن الاستفادة من الماء لا تتم ببساطة، لأن الماء الذي تسعى إسرائيل إلى التحكم فيه هو ذلك الممتد بين مرتفعات (جبال هرمون) إلى الأردن، وذلك الممتد أيضاً إلى نهر الليطاني بلبنان.
    من الناحية الجغرافية فإن الحدود الشمالية الفلسطينية التي وضعت إسرائيل اليد عليها، يدخل فيها ذلك الامتداد المائي من نهر الليطاني اللبناني بمسافة 25 ميل (40.2 كيلومتراً تقريباً) بيد أنه يرتفع ليبلغ أيضاً الجهة الغربية والجنوبية من مرتفعات هرمون التي تتداخل فيه.
    بمعنى أن الحدود التي استطاعت إسرائيل وضع اليد عليها بشكل عملي تشمل أيضا غزة والضفة الغربية، ومرتفعات الجولان، وجبال الجنوب اللبناني وصولاً إلى بعض القرى الأردنية المحاذية لمرتفعات هرمون.
    خطة (هايس)
    في هذا الإطار المتشعب وغير القانوني، كان الجدال القديم على الماء، عبر واحد من أكبر الخبراء الأمريكيين، ايلوود ميد، الذي استضافه اليهود لزيارة فلسطين، والذي اختار سنة 1923 ألا يزور سوى الأماكن التي يسميها الإسرائيليون بالدولة العبرية الجديدة، ووقف على مشاريع الإسرائيليين في الاستحواذ على المياه في المنطقة بالخصوص في ظروف كانت فيها عملية (العودة إلى الأرض الموعودة) تصنع الكثير من (أحلام) اليهود الذين تدفقوا من أوروبا في الثلاثينيات والأربعينيات.
    ما فعله (ايلوود ميد) أنه أخفى الحقيقة عن الهيئة الدولية للمياه، بأن كتب تقريراً مخالفاً للواقع لأجل دعم مشروع اليهود في الاستحواذ على موارد المياه في المنطقة، والذي كانت تفاصيله الحقيقية تمتد عملياً إلى دول كثيرة لأجل استغلال مواردها الطبيعية تلك.
    ثمة خطة تسمى (خطة هايس) نسبة إلى مهندس أمريكي آخر رسم ما يسمى بالمعابر المائية الجديدة والتي استطاع من خلالها سرقة الكثير من الموارد المائية من نهر الأردن وتمريرها إلى النقب جنوباً، من خلال جمعها بمياه (الليطاني) اللبنانية وسرقتها إسرائيلياً.
    خطة (هايس) صنعت الدولة العبرية الأخرى على حساب عدد من الدول المجاورة التي فرضت عليهم الحرب حالة من الانكماش على الذات، بينما كانت بالنسبة للإسرائيليين سببا في مزيد من استغلال الأراضي والمعادن والموارد والظروف أيضا.
    منذ 1953م، أقامت إسرائيل الخطوة العملية الحقيقية لمخطط (هايس) وبدأت في تحويل اتجاه مياه نهر الأردن، مما أدى إلى انتقادات كبيرة صدرت عن الأمم المتحدة بعد الاحتجاجات الرسمية الصادرة من عدد من الدول منها سورية، حينها أرسل الرئيس الأمريكي آنذاك (ايزنهاور) مبعوثه الخاص (ايريك جونسون) إلى المنطقة لعرض خطة (مقاسمة) للموارد المائية.
    كانت المفاوضات التي دامت سنة، أي من 1954 إلى 1955، لكن تلك الخطط المقترحة كانت في صالح إسرائيل لأنها كانت تبني فكرة بناء الدولة العبرية على منطقة عربية، وبالتالي كانت تعطي لتلك الدولة العبرية الحق في الحياة، والحق في المياه.
    ربما لأن إسرائيل كانت ترفض فكرة الحدود دائماً، فهي التي تسعى أن تكون ممتدة بلا حدود وبالتالي تسعى إلى ضرب كل المشاريع التنموية التي يمكنها أن تصنع حالة من التوازن بين الدول في المنطقة، وعليه فإسرائيل تريد أن تحظى بكل تلك الموارد على اعتبار أنها تدرك أن قيمة الماء أهم من قيمة البترول بعد عشرين سنة، وهي الحقيقة التي بدأت تتضح وبشكل كبير منذ الثمانينيات، وفي بداية التسعينيات.
    كانت حرب 1967 التي امتدت هي الحرب التي خططت إليها إسرائيل جيداً، بحيث انها انتهت إلى الاستحواذ وبشكل كامل على الأراضي التي كانوا يريدونها لأجل استكمال خطة(هايس) الشهيرة، بحيث ان (غنيمة) مثل غزة ومرتفعات الجولان السورية أعطت لإسرائيل بعداً استراتيجياً كبيراً، على المستوى الجغرافي، بل على المستوى الطبيعي من معدن وثروات مائية وزراعية كبيرة، لهذا كنت خطة الهجوم على الجنوب اللبناني عام 1978 تعني استكمال نفس استراتيجية الاحتلال التي بدأت في العشرينيات ولم تنته قط.
    ولعل اتفاقية اوسلو التي أطلقت إسرائيل النار عليها، تنص على مبدأ المقاسمة العادلة لموارد المياه بين دول المنطقة، لكن الحقيقة أن إسرائيل اعتبرت أن (فكرة التفاوض على الأرض) هي اللعبة المزمنة والطويلة التي تلعبها منذ الأربعينيات، وأعادت لعبها بعد هزيمة 1967، بحيث انها عرفت أن استحواذها على الأراضي الزاخرة بالمياه يعني أنها بإمكانها إطالة عمر الحرب، مثلما أن بإمكانها التلاعب بأوتار السلام الواهي، بمعنى أنها قادرة على فرض العطش على الدول المجاورة وبشكل آلي وفق الترتيبات التي خاضتها لأجل أن تكون إسرائيل (دولة عظمى) في المنطقة وعلى أكثر من صعيد.
    ولهذا كانت عبارة (القوة الاقتصادية) لا تعني ميلاد دولة بعينها، باعتبار أن إسرائيل لا تملك حدوداً واضحة، ولكن المعنى يكمن في ميكانزمات الدولة، من حيث اعتمادها على الأرض الصالحة للزراعة والعيش على حد سواء.
    والحال أن إقامة مستوطنات على مستوى أكثر من 20 كيلومترا من سد للمياه، يعني أن المستوطنات هي جزء من القومية الإسرائيلية، من حيث استيلائها على العديد من الأراضي أوالمزارع كما يسميها الإسرائيليون، وبالتالي تدخل تلك المستوطنات وبشكل آلي في إطار (النظام العسكري) المبني على الحماية المسلحة وعلى مزيد من قهر وتشريد الفلسطينيين كما يقول الكتاب.
    الماء: صراع إقليمي جديد
    يقع الوطن العربي في المنطقة الجافة وشبه الجافة، وتخترقه من الغرب إلى الشرق صحارى واسعة جداً يكاد ينعدم المطر فيها، أما المناطق الساحلية والجبلية القريبة منها فإنها تتعرض لتيارات هوائية بحرية ومنخفضات جوية تسبب هطول الأمطار في فصول ومواسم محددة، ففي البلدان العربية المتشاطئة مع البحر الأبيض المتوسط تسقط الأمطار عادة في فصل الشتاء، وأما البلدان الواقعة على بحر العرب وفي بعض مناطق الجزيرة العربية وجنوب السودان فإنها تتعرض لتأثير الرياح الموسمية الصيفية الحاملة للأمطار.
    وتتراوح المعدلات السنوية لهطول الأمطار في الوطن العربي بين 250 400 ملم، وتتجاوز الألف ملم في بعض مناطق جبال لبنان والساحل السوري ومرتفعات اليمن وجنوب السودان، ويسقط على الوطن العربي 2100 2300 مليار م3 سنوياً.
    ويفتقر الوطن العربي إلى الأنهار الداخلية الكبيرة، وأهم أنهاره هي النيل في مصر والسودان، والفرات ودجلة في سورية والعراق، وهي أنهار دولية تستمد القسم الأكبر من مياهها من خارج المنطقة العربية.
    ينبع نهر النيل من أواسط أفريقيا وتقع في حوضه عشر دول منها ثماني في منطقة المنابع من الحوض في حين تتقاسم مصر والسودان مجرى النهر، وتعاني جميع دول حوض النيل عدا مصر من مشاكل داخلية متفاقمة وتخلف اقتصادي.
    وتتقاسم تركيا وسورية والعراق حوضي دجلة والفرات وتتحكم تركيا بحكم موقعها بجريان المياه في النهرين، وترفض تركيا إخضاع نهري الفرات ودجلة للقانون الدولي والتوصل إلى اتفاق مع سورية والعراق لاقتسام مياههما.
    وتقدر الموارد المائية العربية المتجددة بحوالي 350 مليار م3 سنوياً، يؤمن نهر النيل منها 84 مليار م3 ، ويؤمن نهر الفرات منها 30 مليار م3، ويؤمن نهر دجلة منها 40 مليار م3.
    ويحتوي الوطن العربي على كميات مهمة من المياه الجوفية تتوزعها ثلاثة أحواض كبيرة، هي الحوض الشرقي جنوب جبال أطلس في الجزائر، وتقدر كمية المياه المخزنة في هذا الحوض بنحو1400مليار م3، وحوض النوبة بين مصر وليبيا والسودان وتقدر كميات المياه المخزنة في هذا الحوض بنحو7000 مليار م3 ويمد هذا الحوض الواحات الصحراوية بالمياه مثل واحة الخارجة والداخلة والفرافرة في مصر، ويمد أيضا النهر العظيم في ليبيا الذي ينقل المياه الجوفية من الحوض إلى ليبيا ويقدر الماء المتدفق من خلاله بسبعمائة مليون م3 سنوياً، وحوض (الديس) بين الأردن والمملكة العربية السعودية، وتوجد أحواض مياه أخرى أقل أهمية تتيح كميات من المياه بحدود 15.3 مليار م3 يستغل معظمها.
    ويوجد مصدر آخر للمياه هو مياه البحار غير المحدودة، وتجري تحلية مياه البحار في دول الخليج على نطاق واسع، ويمكن أيضا اعتبار معالجة مياه الصرف الزراعي والصحي مصدراً مهماً للمياه وتقدر كميات الصرف المستخدمة في الوطن العربي بحوالي ستة مليارات م3، ويتوقع أن ترتفع في المستقبل إلى 12 مليار م3.
    وبلغ نصيب الفرد في الوطن العربي من المياه عام 1960 حوالي 3430 م3 تناقص عام 1990 إلى 1430 م3 ويتوقع أن يصل عام 2025 إلى 667 م3.
    وترفض تركيا اعتبار نهري دجلة والفرات نهرين دوليين وتعتبرها نهرين تركيين، وقد اقترحت في عهد تورغوت أوزال عام 1987 إقامة مشروعين لجر مياه الشرب من تركيا إلى منطقة سورية والأردن والخليج العربي بمعدل 6 ملايين م3 يوميا وبلغت تكاليف المشروعين حوالي 21مليار دولار، وتقيم تركيا مشروعات كبيرة في جنوب شرق الأناضول سوف تقلص في حال اكتمالها حصة العراق وسورية من نهر الفرات من 30 مليار م3 سنويا إلى 11 مليار م3 مما سيلحق ضرراً كبيراً بسورية والعراق وقد يؤدي إلى توترات سياسية وأمنية.
    وأما نهر الأردن الذي ينبع في سورية ولبنان ويجري في فلسطين فيبلغ إيراده السنوي 1.3مليار م3 سنوياً وهو أكثر أنهار المنطقة إثارة للجدل والنزاع، وقد أدت مشروعات لبنان لجر مياه نهر الوزاني إلى القرى اللبنانية إلى أزمة وتدخل أمريكي بالرغم من أن لبنان يحاول استغلال جزء من حصته المقررة له في النهر.
    وتتشدد إسرائيل في مطالبها المائية تجاه الدول العربية المجاورة وتتطلع إلى لعب دور إقليمي على صعيد الشرق الأوسط بما فيه إيران وتركيا لضمان أمنها المائي بل إنها تتطلع إلى دول حوض النيل للغرض ذاته.
    ويعاني الأردن من عجز مائي كبير يصل إلى 20% من إجمالي احتياجاته المائية وبالرغم من ذلك فقد قبل بالمطالب الإسرائيلية على حساب حقوقه المشروعة في مياه نهر الأردن.
    وقامت سوريا بتطوير مشاريع مائية على نهر اليرموك أهم روافد نهر الأردن، ويتدفق فيه 400 مليون م3 سنويا، ويتوقع في حال اكتمال المشاريع السورية أن تحصل على 40% من مياه نهر اليرموك، وقد اتفقت سورية والأردن على إقامة سد المقارن (الوحدة) على نهر اليرموك لتخزين 220 مليون م3 تستخدم في أراضي البلدين وفي توليد الطاقة، بحيث تبلغ طاقة تحلية المياه في العالم 15 مليون متر مكعب في اليوم.
    وحصة دول الخليج العربي منها حوالي 50 في المئة (7.8 ملايين متر مكعب يومياً).
    وتنتج هذه الكمية من المياه أكثر من 50 محطة تحلية يطل معظمها على الخليج العربي ويقع أغلبها في المملكة العربية السعودية.
    يتكلف المتر المكعب من مياه التحلية في دولة الإمارات العربية 6 دراهم (1.6 دولار أمريكي) ولك أن تقدر تكلفة إنتاج المياه المحلاة في دولة الإمارات العربية المتحدة خلال عام 2000 الذي بلغ 772 مليون متر مكعب بينما بلغ إنتاج المملكة العربية السعودية خلال العام نفسه 1289 مليون متر مكعب..
    والحال أن تلك التفاصيل تنصب في النهاية في ماهية الصراع نفسه الذي يربطه المؤلف بالنظرة الحربية الإسرائيلية، ليس للوضع القائم على المستوى العربي، بل بالوضع الذي تريده أن يقوم، باعتبار أنها تسعى إلى الحصول على الموارد النفطية العراقية، وبالتالي تسعى في الأساس إلى الحصول على الموارد المائية أيضاً، من خلال معبر شبه مباشر بين دجلة والفرات، الذي يقوم على مد إسرائيل بالمياه الصالحة للشرب، عبر الأراضي التركية، في مشروع (الحياة الطبيعية) التي أطلقته وزارة الدفاع بمجرد انهيار النظام العراقي السابق، والذي يشمل المستوطنات من خلال مدها بالمياه والذي يقود آلياً إلى عزل القرى الفلسطينية وحرمانها تماماً من الماء عبر فرض حالة من الجفاف شبه المطلقة، بحيث يجبر سكانها على مغادرة قراهم نحو المناطق الأكثر ثراء بالماء، وهذا يقود مباشرة إلى التهجير نحو الدول الأخرى، أونحو الأراضي العربية القريبة.
    وعندما يتناول المؤلف الماء في الموطن العربي فهو يتناول من خلاله محور الجغرافيا السياسية في كل مرحلة من مراحل التاريخ في المنطقة وأساس التفاعلات الحضارية والصراعات والتداخلات الخارجية، فعلى المستوى التاريخي الفرعوني القديم، بنى الملك (أمنحوتب) الثالث أول سد لتخزين المياه في التاريخ، وفي اليمن بني سد مأرب في القرن الثامن قبل الميلاد، ولا تزال المنشآت المائية التي بنيت منذ آلاف السنين قائمة ومنتشرة في أرجاء الوطن العربي، وكان الماء موضوع النزاع والهجرات للقبائل العربية طوال التاريخ.
    لهذا فقد ظلت قضية المياه من أكبر القضايا المصيرية المختفية أوالمكبوتة سياسياً ليس على المستوى العربي فحسب، بل وعلى المستوى الدولي أيضا، لهذا يؤكد المؤلف وبشكل شبه قاطع من وجهة نظره أن أزمة الماء في أوائل القرن الحادي والعشرين من الأزمات الأخطر، لأنها تعكس بؤرة الصراع القادم والمحتمل، وبالتالي تعكس تلك المخاطر الحقيقية التي تواجه العرب، البلاد والمواطن العربيين.. وهو ما تؤكده الدراسة الاستراتيجية الأمريكية لعام 2002 والتي تذكر:(إن المياه في الشرق الأوسط قضية اقتصادية وسياسية واجتماعية، وتمتد لأن تصبح مصدراً محتملاً للصراع، وهو ما يجعلها ذات بعد عسكري).
    الرؤية الجديدة
    هل يمكن إقناع العالم أن المقاسمة في الموارد الطبيعية ممكنة؟ طبعاً لا، فالحروب التي اندلعت في نهاية القرن العشرين تؤكد أن الصراع على الموارد هو الذي على أساسه صارت تتحدد معالم القوانين الجديدة، وبالتالي تتحدد ملامح الدول القوية وتلك التي تسعى إلى القوة على حساب شعوب ودول أخرى لم تستطع أن ترفع رأسها عن تراكماتها الداخلية.
    فالدول التي انشغلت بحروبها الأهلية هي التي للأسف الشديد كانت قادرة على المضي نحو الأمام أكثر من غيرها، ولهذا انحصر الصراع في نفس الخانة: صراع حربي لأجل ثروات الآخرين، ولأجل النيل منها ولو بالقوة كما جرى في الحروب الأخيرة التي اندلعت في التسعينيات ومنذ عام2001م..
    ربما الحديث عن الواقع المائي في الوطن العربي هو الذي يركز عليه المؤلف، ويصر دائماً على عامل أنه واقع حرب إزاء أطماع إسرائيل التاريخية، والتي لن تترك المنطقة تعيش ظروفاً عادية أبداً.
    بيد أن الواقع الديمغرافي في الوطن العربي لعام عام 2003 يقدر بحوالي 284 مليون نسمة ومن المتوقع أن يزدادوا بحلول عام 2025 إلى 472 مليون نسمة وبذلك يزداد الطلب على المياه بنسبة 65% إلى 70% وأكثر، وقدر حجم المياه التي يمكن توفيرها في الوطن العربي إذا ما أقيمت سياسة مياه ناجعة تشمل التوعية الشعبية والثقافية والفكرية والسياسية، بمقدار 32 مليار متر مكعب وذلك بتوفير 12% في مجال الاستخدامات المنزلية و50% من استخدامات الري والزراعة و3% من استخدامات الصناعة و37% من تدوير مياه الصرف الصحي.
    أما عن تحقيق أهداف الألفية المعلنة في جوهانسبرغ والتي اعتمدت من رؤساء الدول الصناعية الثماني الكبرى والتي ترى ضرورة الوصول لعام 2015 وأن يكون نصف سكان الكرة الأرضية المحرومون من المياه والصرف الصحي قد تمتعوا بهاتين الخدمتين، فيقدر عدد السكان الوطن العربي في عام 2015 بـ296 مليون نسمة وتقدر الاستثمارات اللازمة لهم بنحو18 مليار يورو بتكلفة تقديرية للفرد 150 يورو للتر مياه الشرب، و50 يورو للتر الصرف الصحي، وحجم الاستثمارات اللازمة للتوسع الزراعي في عام 2015 بنحو 14 مليار يورو وذلك في مساحة 7 ملايين فدان على مستوى العالم العربي عبر مطالبة جميع الدول المعنية بتطبيق النظريات الجديدة للإدارة المتكاملة للمياه، مع إنشاء شبكة معلومات فيما بينها وبين الدول المتقدمة التي بدأت ونجحت في هذه المبادئ مع الأخذ بترشيد الاستخدامات لأقصى حد ممكن مع وضع آليات عالمية كحوافز أوكغرامات، بمعنى أنه يمنح المرشدون للمياه جوائز مالية وتفرض على المخالفين غرامات مالية لوقف الإسراف، كما حدث في دولة مثل ألمانيا والسويد وهولندا.
    فقد نجحت تلك الدول في وضع استراتيجية استعمال المياه، من خلال تحديد قيمتها، ومن خلال تحسيس المواطنين بقيمتها، عبر فرض غرامات تصل إلى 1000 يورو في حالة التبذير غير القانوني للمياه، وقد استطاعت المملكة العربية السعودية أن تلعب دوراً رائداً في جعل المواطنين يشعرون بقيمة المياه، من خلال مشاريع تنموية استفادت بموجبها من التجارب المتقدمة في العالم، من خلال العمل على جعل الموارد المائية جزءا لا يتجزأ من سياسة التعمير في المملكة وهو الأمر الذي لم تصل إليه دول خليجية ولا عربية أخرى حسب الدراسة التي أصدرتها جامعة (فرانكفورت) الألمانية لعام 2002م.
    كتاب (المياه في الوطن العربي) يعتبر من أهم المراجع التي تزخر بها اليوم المكتبات الفرنسية، ربما لأنه في النهاية يسلط الضوء على واقع المياه كجزء من الحياة الإنسانية، وبالتالي يسلط الضوء على الحرب المؤجلة كما يطلق عليها في منطقة الشرق الأوسط، لسبب بسيط هو أن إسرائيل تسعى إلى قيام مشروع (الأرض القومية) التي تحدث عنها (شيمون بيريز) في كتابه (الشرق الأوسط الجديد) والذي أكد فيه أن الحق الإسرائيلي في الأراضي العربية ليس أقل من حقها في المياه العربية، وبالتالي في وضع شروط لأجل السماح للدول المتاخمة للدولة العبرية بأن (تعيش) وفق الشروط الإسرائيلية، وهي الحرب الكلامية التي بدأت تتضح ملامحها شيئاً فشيئاً باعتبار أن الماء سيكون أغلى بكثير من النفط خلال العشرين السنة المقبلة كما يقول الكتاب الذي صدرت قبل أيام طبعته الثانية في فرنسا، وأدخلته وزارة التربية الفرنسية في المشروع الأكاديمي في المدارس الثانوية الفرنسية هذا العام.
    ****
    المؤلف في سطور
    ولد جورج ميتان سنة 1934 في الجزائر؛ حيث عمل لمدة سنوات طويلة في جامعة الجزائر، قبل أن ينتقل الى وطنه الأم فرنسا في سنة 1979
    يعد واحداً من أهم الكتاب المتخصصين في الوطن العربي، وبالتحديد في الاستراتيجيات البيئية داخل الوطن العربي. عمل في عام 1982 مديراً لجامعة العلوم السياسية في مدينة ليون الفرنسية، ثم انتقل الى العمل الصحفي حيث عمل مديراً للشؤون العربية في المعهد الفرنسي الوطني للشؤون الدولية قبل أن يلتحق بمجلة (لوتون) ليديرها حتى نهاية سنة 2000
    من اصداراته المهمة: افريقيا الشمالية، الشرق الأوسط والعالم الهندي، وكتاب (الجيوبوليتيكا في الوطن العربي)، وكتاب (مأزق السياسة والاقتصاد في الوطن العربي).


    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()