فلسطين– نادية أبو زاهر
تخرجن حديثا من قسم الصحافة بجامعة النجاح الوطنية، حلمهن كان كبيرا لكنهن سرعان ما صدمن بالواقع، فلا شواغر لا سيما على الساحة الإعلامية..،
فبعد انقضاء عام على تخرجهن، دون أن تجدي المحاولات الكثيرة التي قمن بها بشكل فردي، للدخول إلى عالم طالما حلمن بدخوله، قررن خوض تجربة جديدة، وربما كان من الأفضل تسميتها بالمغامرة، بالاعتماد على أنفسهن وجهودهن الفردية. قد يكون وجودهن بنفس الجامعة ونفس التخصص قد جمع بينهن، لكن القاسم المشترك بينهن جميعا هو الإصرار على النجاح وتحدي المجتمع الذي ينظر إلى المرأة دوما على أنها أقل من الرجل رغم الإمكانيات والمواهب المتعددة التي تملكها.
عزيزة نوفل، ميساء أبو دواس، لبنى الأشقر، ميرفت صادق، بإرادتهن وإصرارهن عزمن على فتح مكتب صحافي ليكون بذلك أول مكتب صحفي نسوي في الضفة والقطاع، فهل يكتب لهذه التجربة النجاح؟.
البدائل سيئة
لم تتوقع أي منهن في البداية أن بمقدورهن تشكيل مكتب صحفي بمفردهن فكل واحدة فيهن كانت تطمح إلى العمل في إحدى الصحف أو المجلات أو حتى في أحد الفضائيات العربية لكنهن لم يوفقن. لم تكن المشكلة الوحيدة أمامنا عدم وجود شوا غر، قالت نوفل كان هناك عائق آخر يكمن في كوننا فتيات، ودخول المرأة إلى عالم الصحافة في المجتمع الفلسطيني هو أمر في غاية الصعوبة، فكيف إن كنا محجبات؟.
المحاولات غير المجدية التي قمن بها دفعت كل واحدة فيهن إلى العمل بالقطعة أي أخذ أجر مقابل كل مقالة أو تحقيق صحافي يتم نشره، تقول ميرفت: العمل بالقطعة، لم يكن مجزيا من الناحية الاقتصادية كما أنه لا يمنح الصحافي الأهمية المطلوبة كما لو كان في مكتب خاص.
مشاركة أحد الصحفيين بدت فكرة جيدة في البداية، لكننا وجدنا في ذلك استغلال لنا، فلماذا نقوم بكل العمل وغيرنا يشاركنا الأرباح خاصة أن هناك صفات مشتركة فيما بيننا ولا يستطيع أي شخص الانضمام إلينا والعمل معنا بسهولة. قالت نوفل من هنا جاءتنا الفكرة بفتح مكتب خاص بنا.
لم تكن رحلة الشروع بتنفيذ هذه الفكرة سهلة، خاصة وأن كل صحافية منهن تسكن منطقة مختلفة، وقررن أن تكون مدينة نابلس المركز الذي ينطلق منه طموحهن وتعلقهن بها بسبب ارتباطها بجامعة النجاح الوطنية التي تخرجن منها وربطتهن بذكريات لا تنسى جمعتهن في قسم الصحافة على حد رأي عزيزة.
بدأت أولى الخطوات بمحاولة استئجار ملحق لإحدى مكاتب الصحافة في المدينة لكن النظرة المستقبلية للأمر جعلتهن يصرفن النظر عن هذا الطرح، من هنا بدأت رحلة البحث عن مكتب متواضع يجدن فيه استقلاليتهن ويحققن من خلاله طموحهن في عمل متميز دون مشاركة أحد، وبالفعل تم إيجاد المكان بعد جهد كبير وبمساعدة مميزة من زميلهن الصحافي محمد البيشاوي الذي استشهد في قصف أحد المواقع وذلك قبل الموعد المقرر لافتتاح المكتب بيوم واحد بعد أن قام بمساعدتهن بتجهيز أمور المكتب كافة .
اسم على مسمى
خطرت على بالهن أسماء كثيرة لإطلاقها على المكتب، لكن اسم واحد أجمعن عليه وهو:
الإعلاميات الفلسطينيات وسبب هذه التسمية أنهن أردن أن يظهرن الصفة الإعلامية النسوية ملاصقة لجنسيتهن الفلسطينية التي يعتزين بها. أما الشعار فكان عبارة عن كرة أرضية عليه نصف وجه لامرأة كدلالة على أن العنصر النسوي يستطيع فرض نفسه إن كان يملك أسلوبا مميزا في العمل، والنصف الآخر خريطة فلسطين الهوية والانتماء . فأما الكرة الأرضية فهو المجال الذي يطمحن بإيصال القضية الفلسطينية بكل ما تحمل من معاناة وألم إلى كافة أرجائها، والقلم ليدل على الطابع الإعلامي الذي يهدفن إلى التميز فيه على الرغم من صعوبته.
كل بداية صعبة
لم تخل التجربة التي عزمن على خوضها من الصعوبات. كل بداية صعبة تقول ميساء، لكن ذلك لم يمنعهن من الاستمرار، أما الصعوبات فقد واجهتهن منذ أول لحظة، تضيف ميساء أول مشكلة واجهتنا كانت في إيجاد مكان للإيجار يكون في موقع جيد يتناسب مع طبيعة العمل الصحافي . وبعد بحث طويل عثرن على مكان يصلح لأن يكون مكتبا لأنه في وسط مدينة نابلس، لكن المشكلة كانت في ارتفاع سعر أجرته ومن أين يمكنهن أن يجمعن المبلغ المطلوب. ولم تخف عزيزة أنهن توجهن لمؤسسات الإقراض إلا أن ذلك لم يتلاءم مع طبيعة ظروفهن . وأخيرا قررن أن يكون أهاليهن هم السند الأول لهن من ناحية الدعم المالي للانطلاق في المشروع، وعلى الرغم من الإنهاك المالي لسنوات طويلة في الجامعة وما تكبدوها من مبالغ طائلة إلا أنهن وجدن دعما ماديا ومعنويا لفكرتهن على الرغم من اضطرارهن للانقطاع عن عائلاتهن واستئجار مكان للسكن في المدينة للتمكن من متابعة أعمالهن دون الحاجة إلى المنغصات اليومية للحواجز وجنود الاحتلال.
بعد أن عثرن على الموقع المناسب لإقامة المكتب قمن بتجهيزه بما يلزم من تركيب خط هاتف، وشراء فاكس وجهاز كمبيوتر ومكاتب وما إلى ذلك. تجهيز المكتب لم يكن الصعوبة الوحيدة أمامنا تقول لبنى لكن تمثلت مشكلتنا الأولى في إيجاد وسائل إعلام وصحف تكون حاضنة أعمالنا ومصدر دخلنا في آن واحد .
الخوف من المجهول
إيجاد المصادر لم يكن بالأمر السهل كما وصفنه، فقد قمن بمراسلة العديد من الصحف والمجلات ووكالات الأنباء في الداخل والخارج عبر البريد الإلكتروني.تقول ميرفت بعضهم لم يتجاوب مع الفكرة وبعضهم الآخر وافق ضمن شروط. أما سبب ذلك كما يعتقدن هو الخوف من المجهول .الكل يخشى التعامل مع ما هو مجهول ونحن بالنسبة إليهم شيء مجهول لا يعرفون مدى مصداقيته وإبداعه.
قالت عزيزة:
لكن ورغم كل ذلك فقد وفقن في إيجاد بعض الوسائل التي اعتبرنها غير كافية لغاية هذه اللحظة إلا أن ذلك ليس نهاية المطاف.كما أن المكتب أصبح عضوا في تجمع إعلامي للصحافيات العربيات شرع في تنفيذه مركز الإعلاميات العربيات في عمان .
نظرة المجتمع للمرأة
العوائق التي صادفنها كثيرة، على حد تعبيرهن، ومن أبرزها نظرة المجتمع للمرأة. حيث يرين أن المجتمع ينظر إلى المرأة نظرة دونية ويميز الرجل عنها في كثير من المجالات ولعل أهمها المجال الإعلامي. وترى أبو دواس أن المجتمع يتعامل مع الصحفي ويتقبله بكل سهولة ولا ينطبق ذلك على الصحفية وتضيف تغيير هذه النظرة يحتاج إلى كفاح من المرأة وهذا يتطلب الكثير من الوقت. الخطوة التي قمن بها يرين بها خطوة أولى في طريق الكفاح الطويل، وهذه الخطوة قد تحتاج إلى من يكملها لكن المهم هو من يبدأ بها. كما اعتبرن أن نجاح هذه التجربة يشجع غيرهن على القيام بمثلها.والدليل على ذلك ارتفاع نسبة الطالبات اللواتي يتجهن لدراسة الصحافة والإعلام في الجامعات.
رأي المختصين
يرى المختصون في المجال الإعلامي أن خوض مثل هذه التجربة أمر ضروري في ظل توجه كبير من الحركة النسوية بشكل عام لخوض كافة مجالات العمل في المجتمع.
ولن تكون الساحة الإعلامية مفتوحة أمامهن، فعليهن اختراق حواجز كبيرة وتخطي عقبات أكبر، لا سيما وأن هناك العديد من الصحفيين الذين سبقوهن بسنوات من الخبرة وحققوا شهرة واسعة، وقد يكون دخول الساحة الإعلامية أمرا مهما ولكن الأكثر أهمية هو الصمود فيها. فالمنافسة على الساحة الإعلامية على أشدها خصوصا في مدينة نابلس مقر مكتبهن .
بعد أربعة أشهر
وبعد أربعة أشهر من العمل والاجتهاد استطاعت هؤلاء الصحافيات إثبات أن الفتاة الفلسطينية على قدر عال من الإبداع وأن مهنة الصحافية ليست بالضرورة صورة لفتاة ببنطلون الجينز وبقدرة عالية على التخلي عن أخلاقيات وقضايا ضرورية من وجهة نظر هؤلاء الفتيات، بل على العكس استطعن في فترة قصيرة نسبيا نشر صورة جدية عنهن وعن هذا المكتب الذي نشأ خجولا وكبر مع كل جهد بذلنه في سبيل الرقي بهذه المهنة، فها هن اليوم يرتبطن مع أكثر من ثمانية من وسائل الإعلام المكتوبة المحلية والعربية، تقول عزيزة إننا نشعر يوميا ما هو معنى أن يجد الإنسان ثمرة تعبه وصبره وجهده وتؤكد على قدرتهن على إقامة توازن تام بين رغبات الأهل في العمل ضمن جو محترم وجدي وبين وجهة نظر المجتمع الذي يشجع مثل هذه المشاريع على الرغم من بعض القيم السيئة التي تشوبه بخصوص عمل المرأة والفتاة وبين طموحاتهن في تحقيق تلك الآمال المتمثلة في مهنة أكثر إفادة لهذا المجتمع.
أما ميساء فتعتبر هذه المرحلة التي وصلن إليها فرصة لإثبات الذات والرضى النفسي الذي افتقرن إليه في الفترة التي اضطررن فيها للجلوس في البيوت مع شهادات عليا.
لبنى:
وعلى الرغم من تحفظها من التفاؤل الكبير في بداية مشروعهن إلا أنها تبدو اليوم سعيدة بكل مادة تنشر باسم مكتبهن وتقول إنها ثمرة عمل وكد استمر شهورا عديدة عزز الآن من مكانتنا في هذا المجتمع ومن نظرة أهالينا إلينا أيضا.
ميرفت:
أيضا ترى في استطاعتهن الصمود في وجه كل المشاكل والصعوبات التي واجهنها في المراحل الأولى إنجازا كبيرا وأن أربعة أشهر من العمل والربط والاتصال مع صحف ومجلات ووسائل إعلام مختلفة أتت أكلها من خلال تعرف الكثير من المؤسسات الإعلامية والثقافية ومؤسسات الدراسات والبحوث عليهن بالإضافة إلى الدعوات المختلفة في الداخل والخارج لحضور ندوات ومؤتمرات في شتى المجالات، وإن هذه الأعمال مجرد بداية للانطلاق في عالم الصحافة وتحقيق الهدف الأساسي التي يجمعن عليه ألا وهو الرقي بالوضع الإعلامي للقضية الفلسطينية عامة كونها الدافع والمحرك الأول لعملهن وكون المعركة التي يخوضها الفلسطينيين ضد إسرائيل ليست عسكرية وحسب بل يشكل الجانب الإعلامي جانبا مهما فيها لطالما استطاعت الحركة الصهيونية استغلاله وتجييره لصالحها وهو ما يبرر ضعف أصحاب الحق في مقابل أصحاب القوة خاصة في الفترة الحالية التي يقف فيها العلم بأكمله متعاميا ومتجاهلا كل هذه المجازر وكل هذا الدمار التي تحدثه القوة العسكرية الإسرائيلية في الأرض والإنسان والمستقبل الفلسطيني.