النظرة لمعنى الأمومة تختلف من أم لأخرى.. فهناك من تنظر للأمومة على أنها واجب يجب أن تؤديه وإلا كانت مقصرة في نظر المحيطين بها وبالمجتمع بشكل عام، فهي تؤدي هذا الواجب متثاقلة.. متذمرة ـ ولو بينها وبين نفسها ـ بدون استمتاع،
وهناك من تنظر للأمومة كأمانة ومسؤولية أمام الله عز وجل بالدرجة الأولى وتستحضر قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته»، وهناك من تنظر للأمومة كقيمة إنسانية تشبع فيها غريزة الحنان، فهي تمارس الأمومة لذات الأمومة بدافع الغريزة والفطرة دون اعتبار لأي جوانب أخرى.
أما الموضة الآن فهي النظرة للأمومة باعتبارها «هواية» لا أكثر تمارسها بعض أمهات هذا الزمن في وقت الفراغ والراحة و«المزاج الرائق!» فهي تستمتع بالتنزه مع أطفالها او اللعب معهم فقط عندما لا يكون عندها أي أمر آخر يشغلها ولا هم يؤرقها، وبعد أن أطعمتهم الخادمة ونظفتهم وألبستهم، وأحيانا حتى اللعب والنزهات تكون الخادمة هي المكلفة بها، أما الأم «الهاوية» فقط تتحلى على أطفالها بشراء الملابس الجميلة واللعب المسلية.
أما النظرة المميزة للأمومة والتي أعجبتني وأحسست أنها موجودة فعلا عند نخبة من الأمهات فهي النظرة التجارية الاستثمارية الرفيعة!!
نعم.. النظرة للأمومة على اعتبار أنها تجارة مع الله ـ عز وجل ـ واستثمار رابح في بورصة الحسنات (طبعا بالإضافة لكونها واجب و أمانة ومسئولية)
إن ما تغرسه الأم في أبنائها من قيم نبيلة ومعان خيرة، مما تعودهم عليه من صالح الأقوال والأعمال والأخلاق كل ذلك تؤجر عليه في كل مرة يمارس فيها الأبناء هذه الفضائل، ومعنى ذلك انه يأتها ـ أن شاء الله ـ من الأجر والحسنات بعدد أبنائها، طوال حياتهم وحياتها، وحتى بعد مماتها يجري عليها ثواب تربيتها لهم ما داموا متمسكين وعاملين بما علّمتهم وربّتهم عليه، وليس ذلك فقط.. بل يستمر الأجر ـ بإذن الله ـ إذا ما ربّي هؤلاء الأبناء أبناءهم على ما نشئوا عليه هم من الفضائل.. وهكذا.
أليست تجارة رابحة وصفقة العمر؟ أي آم يا ترى ستفرط في هذه الأمومة بعدما عرفت فضلها؟
إن هذه النظرة التجارية تفتح ميدانا رحبا وواسعا للأمهات للتنافس في الخيرات ومسابقة الزمن لمضاعفة رصيد الحسنات، والاجتهاد في إحسان التربية وتجويدها, والبلوغ بها أعلى مراتب الإتقان، والرابح ولا شك هو الأسرة والمجتمع والوطن والأمة، وهو بالضبط ما يريده الله منا: إن نعمر الأرض بالأخلاق الجميلة، والقيم النبيلة، فنسعد وتسعد البشرية.
هدى محمد الدهيشي