بتـــــاريخ : 11/23/2008 1:52:11 PM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 964 1


    سُكْر الشهوات

    الناقل : heba | العمر :43 | الكاتب الأصلى : د. عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف | المصدر : www.muslema.com

    كلمات مفتاحية  :
    د. عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف

    «إن البشرية اليوم تعيش في ماخور كبير! ونظرة إلى صحافتها، وأفلامها، ومعارض أزيائها، ومسابقات جمالها، ومراقصها، وحاناتها، وإذاعاتها، ونظرة إلى سعارها المجنون للحم العاري، والأوضاع المثيرة، والإيحاءات المريضة، في الأدب والفن وأجهزة الإعلام كلها... نظرة إلى هذا تكفي للحكم على المصير البائس الذي تدلف إليه البشرية في ظل هذه الجاهلية، إن البشرية تتآكل إنسانيتها، وتتحلل آدميتها، وهي تلهث وراء الحيوان، ومثيرات الحيوان، لتلحق بعالمه الهابط...».

    هذا ما قاله سيّد قطب ـ رحمه الله ـ منذ أكثر من خمسين عاماً، فكيف لو أدرك هذا الزمان بقنواته الفضائية المتهتكة، ومواقع الفجور في الإنترنت ونحوهما؟! أضف إلى ذلك قرارات ومؤتمرات المنظمات الدولية التي تبيح ما حرّم الله تعالى ورسـوله مـن الفواحش والخنا: كالزنى، واللواط والسحاق، بل تـسن هذه المنظماتُ القوانينَ في سبيل حماية ورعاية الفجور وأهله!

    ويقول سيّد في موطن آخر: «وكثيرون يحسبون أن التقيد بمنهج الله، وبخاصة في علاقات الجنسين، شاق مجهد، والانطلاق مع الذين يتبعون الشهوات ميسر مريح! وهذا وهم كبير.. فإطلاق الشهوات من كل قيد، والتجرد في علاقات الجنسين من كل قيد أخلاقي.. إن هذه تبدو يسراً وراحة وانطلاقاً، ولكنها في حقيقتها مشقة وجهد وثقلة، وعقابيلها في حياة المجتمع عقابيل مؤذية مدمرة ماحقة.

    والنظر إلى الواقع في حياة المجتمعات التي (تحررت) من قيود الدين والأخلاق والحياء في هذه العلاقة، يكفي لإلقاء الرعب في القلوب، لو كانت هنالك قلوب!

    لقد كانت فوضى العلاقات الجنسية هي الـمِعْول الأول الذي حطم الحضارات القديمة، وحطم الحضارة الإغريقية، وحطم الحضارة الرومانية، وحطم الحضارة الفارسية، وهذه الفوضى ذاتها هي التي أخذت تحطم الحضارة الغربية الراهنة».

    إن الولوغ في الفواحش لا يزيد الأمر إلا ولعاً وإدماناً على ذلك، فسعار الشهوات لا حدّ له ولا انقضاء.

    يقـول ابن القـيم رحمـه الله: «وليـعلم اللبـيب أن مـدمنـي الشهوات يصـيرون إلى حـالــة لا يلـــتذون بها، وهـم مع ذلك لا يستطيـعون تركها؛ لأنها قد صارت عندهم بمنزلة العيش الذي لا بدّ لهم منه...».

    والناظر إلى حال المسلمين ـ فضلاً عن غيرهم ـ يلحظ أن هذا الركام من الفواحش والقاذورات قد عمّ وطمّ، إذ استحوذت هذه الملذات المحرمة على فئام من المسلمين عبر وسائل كثيرة وميسرة، فآل بالكثير منهم إلى الانحلال والسفول، والتفلت من أحكام الشرع المطّهر.

    وهذا الأمر الجلل يستوجب ما يلي:
    علينا ابتداءً أن نسمي الأمور بأسمائها الواردة في نصوص الوحيَيْن، فما يسمى الآن بالعلاقات الجنسية المشبوهة أو الممنوعة، أو المشاهد الإباحية ونحوها، فعلينا أن نطلق عليه: فواحش، وقاذورات، وزنى، وخبائث، قال تعالى: {وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} [الأنعام: 151، وقال سبحانه: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} [الإسراء: 32]، وقـال تعـالـى: {وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَـرْيَةِ الَّتِي كَانَت تَّعْــمَـــلُ الْـخَـبَـائِـثَ إنَّهُـــمْ كَانُـوا قَــوْمَ سَــوْءٍ فَاسِقِــينَ} [الأنبــياء: 74]، وقـال: «من أصاب من هذه القاذورات شيئاً، فليستتر بستر الله، فإنه من يبدي لنا صفحته، نُقِمْ عليه كتاب الله».

    إنّ في هذه الأوصاف استبشاعاً واستقباحاً لتلك الأفاعيل، وتنفيراً وتحذيراً منها، خلافاً للتعبيرات المعاصرة التي قد تهوّن سُبل الغواية، بل ربما عُبِّر عن هذه القبائح بأسماء محبوبة للنفوس.

    يقول ابن القيم في هذا المقام: « وإذا تأملت مقالات أهل الباطل رأيتهم قد كسوها من العبارات، وتخيّروا لها من الألفاظ الرائقة ما يسرع إلى قبوله كل من ليس له بصيرة نافذة ـ وأكثر الخلق كذلك ـ حتى إن الفجار ليسمون أعظم أنواع الفجور بأسماء لا ينبو عنها السمع، ويميل إليها الطبع، فيسمون مجالس الفجور والفسوق: مجالس الطيبة...».

     على أهل العلم والدعاة أنت يبيّنوا حكم الله تعالى في أرباب الفواحش، وأن يظهروا أحكام الشريعة على أصحاب الفجور، فالزنى من كبائر الذنوب والموبقات كما قال: «إذا زنى العبد خرج منه الإيمان فكان فوق رأسه كالظلة، فإذا خرج من ذلك العمل عاد إليه الإيمان»، فإذا كان هذا حال الزاني، فكيف بما هو أشنع من ذلك؟

    كما على أهل العلم والدعاة أن يبلغوا حكم الله تعالى والذي يجب إنفاذه في حق أهل الفجور، وإن تعذّر تطبيقه، فالرجم بالحجارة حتى الموت هو حكم الله تعالى في الزاني المحصن، وأما البِكر فجلد مائة وتغريب عام، وأما الذين يقارفون عمل قوم لوط، فعقوبته أغلظ من عقوبة الزاني، فقد أجمع الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ على قتل اللوطي، وإنما اختلفت أقوالهم في صفة قتله، فمنهم من يرى تحريقه بالنار، ومنهم من قال يُرمى من شاهق... كما جاء مبسوطاً في موضعه.

     والمقصود تكثيف البرامج الدعوية بشأن شناعة الفواحش، وبيان مفاسدها وعواقبها الوخيمة في الدارين، فمن العجب أن يجاهر دعاة الرذيلة بفجورهم وفسوقهم، بينما يلوذ بالصمت الكثير من دعاة الفضيلة والعفاف!

    فالمتعيّن أن نجهر بالفضيلة والطهر والنقاء، وندافع بكل حزم هؤلاء الدعاة العاكفين في أوحال القاذورات، ومستنقع الشهوات، بما يدرأ فجورهم ويكفّ غيّهم.

    «نحن نعلم أن بعض الناس يعيش أغلب أوقاته في شبكة (المجاري).

    ويبدو أن بعض الأدباء أَلِف الحياة في مجاري المجتمع ومساربه السفلى، والمدهش أنه يريد جرّ الآخرين إلى مستواه الخُلقي، أو أنه يريد نقل روائحه المنتنة إلى ظاهر الحياة محاولاً طمس ما نبت فوقها من حدائق وما فاح في جوها من عطور.

    كذلك يصنع كتّاب الجنس في بلادنا، وفي أكثر أقطار الدنيا».

    ورحم الله شيخ الإسلام ابن تيمية إذ يقول: «فهكذا أهل الشهوات الفاسدة، وإن أضرمت قلوبهم نارة الشهوة ليس رحمتهم والرأفة بهم تمكينهم من ذلك، أو ترك عذابهم، فإن ذلك يزيد بلاءهم وعذابهم، والحرارة التي في قلوبهم مثل حرارة المحموم، متى مُكِّن المحموم مما يضره ازداد مرضه، أو انتقل إلى مرض شرٍّ منه.

    فهذه حال أهل الشهوات، بل تُدفع تلك الشهوة الحلوة بضدها، والمنع من موجباتها، ومقابلتها بالضدّ من العذاب المؤلم الذي يخرج المحبة من القلب...».

    وقال أيضاً: «ولا ريب أن محبة الفواحش مرض في القلب، فإن الشهوة توجب السكر، كما قال تعالى عن قوم لوط: {لَعَمْرُكَ إنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الحجر: 72]. وقـد نـهانـا الله ـ عز وجل ـ أن تأخذنا بالزناة رأفة، بل نقيم عليهم الحدّ، فكيف بما هو دون ذلك من: هجر، وأدب باطن، ونهي، وتوبيخ وغير ذلك؟ بل ينبغي شنآن الفاسقين وقليهم على ما يتمتع به الإنسان من أنواع الزنى».

    ويـقـول ابن القـيم ـ رحمه الله ـ في هذا الشأن: «نهى الله ـ سبحانه ـ عباده أن تأخذهم بالزناة رأفة في دينه بحيث تمنعهم من إقامة الحدّ عليهم، فإنه سبحانه من رأفته بهم ورحمته بهم شرع هذه العقوبة، فهو أرحم لهم منكم بهم، ولم تمنعه رحمته من أمره بهذه العقوبة، فلا يمنعكم أنتم ما يقوم بقلوبكم من الرأفة من إقامة أمره...».

    فلا بد من بذل الجهد في توعية أهل الإسلام بمفاسد الفواحش، وسبل السلامة والوقاية من الفواحش وأسبابها، ومن أهم ذلك: إحياء واعظ الله تعالى في قلب كل امرئ مسلم، وتحريك بواعث الخوف والخشية من الله جلّ جلاله، وبيان ما يعقب هذه الفواحش واللذات العاجلة من الأنكاد والحسرات والأوجاع والنكال في الدنيا والآخرة.

    مآرب كانت في الشباب لأهلها
    عِذاباً، فصارت في المشيب عَذاباً

     لا يُكتفى بالتوعية والتوجيه ويهمل جانب الأخذ على أيدي هؤلاء الشبيبة، وحجب منافذ الغواية عنهم، وكفّ وسدّ الوسائل المفضية إلى الرذيلة، فإن لتلك الشهوات سكراً وخمراً، فإذا استحوذت الفواحش على المرء، صار القلب متيماً مستعبداً للملذات.

    وقد أشار ابن القيم إلى ذلك السكر فقال: «ومن أسباب السكر: حبّ الصور؛ فإذا استحكم الحبّ وقوي أسكر المحبّ، وأشعارهم بذلك مشهورة كثيرة، ولا سيما إذا اتصل الجماع بذلك الحبّ، فإن صاحبَه ينقص تمييزه أو يعدم في تلك الحالة بحيث لا يميّز، فإن انضاف إلى ذلك السكر سُكر الشراب بحيث يجتمع عليه سُكر الهوى، وسُكر الخمر، وسكر لذّة الجماع، فذلك غاية السكر...».

    سُكران: سكر هوى وسكر مُدامة

    ومتى إفاقة من به سكران؟
    والمقصود أن حبّ الشهوات إذا استحكم على الأشخاص، فقد لا يجدي التوعية والتوجيه في حق من غاب عقله، وأُشرب حبّ شهوته، فعندئذ يحتاج إلى الزجر والأخذ على أيدي أولئك الأشخاص، وأَطْرِهم على الاستقامة أطراً، لا سيما لمن كان لهم ولاية أو سلطة، فإن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.

    من المهم في معالجة هذا الانحراف أن نبيّن ما تؤول إليه هذه الفواحش من الكفر والشرك بالله تعالى، فإن المعاصي بريد الكفر، وقد ينقص الإيمان حتى لا يبقى منه شيء.

    يقول ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في هذا الصدد: «فإن أصر على النظر [المحرم] أو على المباشرة صار كبيرة، وقد يكون الإصرار على ذلك أعظم من قليل الفواحش، فإن دوام النظر بالشهوة وما يتصل به من العشق والمعاشرة والمباشرة قد يكون أعظم بكثير من فساد زنى لا إصرار عليه.

    بل قد ينتهي النظر والمباشرة بالرجل إلى الشرك، كما قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ} [البقرة: 165]، ولهذا لا يكون عشق الصور إلا من ضعف محبة الله وضعف الإيمان بالله».

    وقرر ابن القيم ذلك قائلاً: «إن التوحيد واتباع الهوى متضـادّان، فـإن الهـوى صـنم، ولكل عبد صنم في قلبه بحسب هـواه، وإنمـا بعث الله رسله بكسر الأصنام وعبادته وحده لا شريك له، وليس مراد الله ـ سبحانه ـ كسر الأصنام المجسّدة وترك الأصنام التي في القلب، بل المراد كسرها من القلب أولاً. وتأمّل قول الخليل لقومه: {إذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} [الأنبياء: 52]، كيف تجده مطابقاً للتماثيل التي يهواها القلب ويعكف عليها ويعبدها من دون الله؟».

    قد يتساهل البعض في شأن هذه الفواحش بدعوى أنها من مطلق المعاصي، وأن أصحابها تحت مشيئة الله تعالى، وقد غاب عن هؤلاء التلازم بين الظاهر والباطن، وخطورة الذنوب، وأنها قد تفضي بصاحبها إلى الانسلاخ من ملة الإسلام، خصوصاً وأن مدمني الشهوات قد لا يستطيعون تركها، إذ أسرتهم تلك الشهوات، فظلوا عليها عاكفين مصرّين.

    وقـد عـقد الإمـام البخاري ـ رحمه الله ـ هذا الباب في كتـاب الإيمـان فـقـال: «بـاب خـوف المؤمـن أن يحبط عمله وهو لا يشعر».

    وقـال البخـاري ـ رحـمه الله ـ فــي نهــاية هذا الباب: «... وما يحذر من الإصرار على النفاق والعصيان من غير توبة؛ لقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ إذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران: 135]».

    ثم قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: «مراده [أي: البخاري] أن الإصرار على المعاصي وشعب النفاق من غير توبة، يُخشى منها أن يعاقب صاحبها بسلب الإيمان بالكلية، وبالوصول إلى النفاق الخالص وإلى سوء الخاتمة نعوذ بالله من ذلك، كما يقال: إن المعاصي بريد الكفر»(5).

    وساق ابن رجب ـ رحمه الله ـ آثاراً كثيرة عن السلف في حبوط بعض الأعمال بالكبائر، ومن ذلك ما قاله الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله «ما يؤمن أحدكم أن ينظر النظرة فيحبط عمله».

    إن الاشـتغال بمعـالي الأمـور، والابتـعاد عـن سفـسافها، والطمـوح بعـزم وجـدّ إلى المقـامات السنـية من العلم النافع، والعـمل الصـالح، والدعوة إلى الله، والجهاد في سبيله... إن ذلك لهو أعظم سبيل في مجانبة الأهواء والشـهوات، فالإنسـان «لم يخلق للهوى، وإنما هُيِّأ لأمر عظيم لا يناله إلا بمعصيته للهوى كما قيل:

    قد هيأوك لأمر لو فطنِت له
    فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل

    وكما قال بعض السلف: القلوب جوّالة، فمنها ما يجول حول العرش، ومنها ما يجول حول الحش

    المصدر/ مجلة البيان

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()