بتـــــاريخ : 11/22/2008 9:39:39 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1229 1


    تعذيب جحش

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : محمد عادل عبد الخالق | المصدر : www.awu-dam.org

    كلمات مفتاحية  :

    1-

    الحادثة‏

    التف الناس حوله وعلى وجوههم ارتسمت علامات الدهشة والحيرة والارتباك، لم يألفوا منظراً كهذا. كان محمد الراشد ينهال بعصاه الغليظة على جحشه وكأنه يضرب جذع شجرة معمرة، وكان الجحش يرمح ويدور عند كل ضربة. وشيئاً فشيئاً بدأ إيقاع الضرب يتسارع، ونفرت دماء غزيرة من رأس الحيوان، ثم سقط على الأرض، صوت تكسر العظام ولون الدماء واهتزاز جسد الحيوان البطيء اعتقل حركة الجميع. صمت مطبق لا يقطعه سوى ضرب متسارع، ضرب لا يفرق بين عضو وعضو، ودماء ساحت على جسد المسكين الذي فرد قوائمه واستسلم لسكرات الموت. لم يتوقف محمد الراشد رغم وضوح موت الحيوان، بل استمر بضرب الجثة ناثراً عند كل ضربة كمية من دم حار على جموع المشاهدين، لقد تناثرت نقط الدم على وجوههم وثيابهم مما دفعهم للابتعاد قليلاً. كانت الوجوه صفراً والحلوق جافة، وفي النظرات مزيج من الألم والتساؤل.. وفي هذه اللحظة اندفعت طفلة صغيرة لم تتجاوز الخامسة من العمر باتجاه محمد الراشد، لتأخذ منه العصا التي استحال لونها إلى أحمر قان، لم يمانع، كان منهكاً قد أعياه الانفعال الشديد، وهدّه الجهد المتواصل. تقدمت الطفلة بخطى مترنحة نحو جثة الحيوان، وضعت العصا على الأرض بالقرب من الجثة، ثم انحنت لتربت بيديها الصغيرتين المرتجفتين على رأس الحيوان وعينيه ووجهه، ثم انخرطت في عويل رهيب. تفجرت دموع المشاهدين، عندها غادر محمد الراشد المكان على عجل دون أن يجرؤ على مواجهة نظرات الآخرين.‏

    2-التفسير‏

    لم تمر الحادثة ببساطة رغم أن الضحية جحش، فقد شغلت القرية لفترة طويلة. منهم من قال إن محمد الراشد مصاب بلوثة عقلية على الرغم من مظهره الهادئ وطيبته الظاهرة، فهو ميال للعزلة، قليل الكلام وحساس إلى حد كبير. فمن يعذب جحشاً إلى هذا الحد لا بد أن يكون مجنوناً.‏

    ومنهم من قال إن محمد الراشد كان مصاباً طوال عمره بالخوف، وقد تبين لهم أنه قبل الحادثة بأيام قليلة تلقى تهديداً من أحد المتنفذين الكبار لرؤيته جحش محمد الراشد في أرضه. وكي يدفع عن نفسه أذى متوقعاً أراد أن يبرهن لذلك المتنفذ عن حسن سلوكه واعتذاره له عن ذلك "الخطأ الفظيع".‏

    وآخرون قالوا إن محمد الراشد لا يحتمل أن يُعصى له أمر، ولو كان ذلك صادراً عن جحش. صحيح أنه ليس شجاعاً، ولكنه في حدود ما يملكه يستطيع أن يتصرف على هواه. فالجحش جحشه وقد عصاه، كما يبدو، فلا بد له من جزاء.‏

    ومنهم من قال إن قصة محمد الراشد قصة وراثة. فأبوه كان مغرماً بتعذيب الحيوانات وجده من قبله كان أشهر من نار على علم في هذا المجال، بل إنهم يؤكدون إن جد جده كان أسطورة في التلذذ بالتعذيب، وقتل الكائنات الحية.‏

    3-طلب التحقيق‏

    لم تقف أصداء الحادثة عند حدود القرية بل تعدتها إلى رحاب العالم. فلقد صادف أن أرسل أحد شبان القرية الصغار رسالة إلى أخيه المهاجر إلى إحدى الدول، أخبره فيها عن تفاصيل تلك الحادثة المرعبة. قام ذلك المهاجر برفع تقرير مفصل عنها إلى جمعية الرفق بالحيوان في ذلك البلد. رُوِّعت تلك الجمعية بالتفاصيل الواردة في ذلك التقرير، فدعت إلى اجتماع موسع واتخذت القرار التالي: إن تعذيب جحش إلى حد الموت أمر فظيع حقاً. نطالب بالتحقيق، وفي حال ثبوت الجريمة لا بد من الحجر على الجاني. إن احترام الكائنات الحية مبدأ مقدس يجب مراعاته في كل دول العالم.‏

    4-النهاية‏

    تابعت القرية باهتمام بالغ الوضع الصحي للطفلة، وهي الابنة الوحيدة لمحمد الراشد، إذ وقعت طريحة الفراش منذ الحادثة. أصابها مرض استعصى على الأطباء، حمى شديدة عقلت لسانها وعطلت حواسها ورمتها في سُبات عميق. استمرت حالتها على هذا المنوال شهوراً طويلة ثم فارقت الحياة في النهاية. لم تشهد القرية جنازة حاشدة كجنازة تلك الطفلة. ولقد ألقى أحد الشباب المثقفين كلمة مؤثرة على قبرها، ومما جاء فيها: لم تتحمل تلك الطفلة تعذيب جحش ولم تصدق أن يكون الفاعل أباها، لقد كانت بحق ضميرنا الحي، ثم ختم كلمته قائلاً: كان بودنا أن يطول بها العمر لتصبح أماً، فتعلم أولادها حب الكائنات الحية، وتزرع في قلوبهم الغضة احترام الحياة على سطح هذا الكوكب

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()