بتـــــاريخ : 11/22/2008 8:35:03 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 966 0


    غيبوبة

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : شذا برغوث | المصدر : www.awu-dam.org

    كلمات مفتاحية  :
    قصة غيبوبة شذا برغوث

     

    قولوا متخلفة... قولوا شريرة... ما شئتم قولوا. لكنني أعترف بأني فرحت نعم فرحت حين انقطع التيار الكهربائي.. تركتهم يتذمرون لانقطاع المسلسل وانطفاء المكيف.. تراكضوا.تزاحموا بحثاً عما يبدد الظلمة، وانسللت إلى سطح الدار وعلى الحائط المنخفض وقفت أمينة من أن أحداً لن يراني.. حرة أنا!! رفعت يدي إلى الأعلى.. رفرفت كطائر. وحرك الهواء ذيل فستاني.. والمدينة عملاق أسود طيب وهادئ. نزلت عن الحائط.. ركضت.. ضحكت بصوت مرتفع.. تلمست جسدي الذي لا يُرى.. غنيت //أنا مش سَوْدا بس الليل//، وسمعت ابتعاد الخيالة والخيل، وندهت بأعلى صوتي علّه يسمعني ويخطفني

    .‏

    نجمة كبيرة... وحيدة مثلي ازداد لمعانها.. هي تضحك مني.. يا اااإلهي هل جننت؟!‏

    هل تلبستني الشياطين؟! وهي تحيط بي في هذه الحلكة ولا أراها؟! تعوذت منها ونظرت إلى النجمة الكبيرة.. عددت رؤوسها.. كانت أكثر من خمسة وأكثر من ستة وأكثر من أي عدد.. وخفت أن تنبت في وجهي الثآليل فعدلت. افتقدت القمر يبدو أنه كان يزور الحبيبة.‏

    اقتربت من السور المطل على الشارع- ابتسمت خلاياي.. تمدد حجمي وكاد ينعدم وزني.. وقلبي طفل يرضع ثدي أمه وتعانق عيناه وجهها //هي الأشجار المصطفة وسط الشارع الممتد// فعلت بي ما فعلت /أشجار سود!!/ عمر بأكمله وأنا أرى وأسمع وأعلم أن الأشجار خضراء لكنها اليوم سوداء!.. بديعة... غامضة... عاشقة تلتف بالسواد لتلاقي الحبيب خُلسةً.‏

    شجرة الكينا العجوز أمام بيت / أبو محمد/ غول أسطوري يميل وينحني من ثم يشمخ ويتمطى.. ضوء القنديل الخافت الذي أضاءه أبو محمد رمى ظلاله على جذعها الضخم، وأضاء غصنين أو ثلاثة فتبدى اخضرارها الكابي متماوجاً.. لعنت أصابعي القاسية التي لا تجيد الرسم... من بعيد أقبل شاب يركب دراجة نارية تشع بأضواء ملونة ملأ الدنيا ضجيجاً ومزامير عالية.. مرّ بسرعة جنونية... سوق الأشجار المصطفة تبين وتخفى تباعاً بانعكاسات الأضواء الملونة.. /كرنفالاً سريعاً صنعه الشاب الطائش.. /عند المنعطف المؤدي إلى البساتين.../ /شجيرات الحور التسع المتقاربة/... صبايا عاشقات يتهامسن ويفترقن.. شعورهن الطويلة هفهافة حالكة. سيقانهن ممشوقة ورائعة.. في الأيام الماضية قبل أن يذهب القمر إلى الحبيبة كان يخالسهن النظر وأقف من بعيد تدوخني اللوحة الإلهية وتفور روحي بما لا أستطيع له وصفاً ولا تسمية.‏

    الشاب صاحب الدراجة ابتعد كثيراً.. وعادت المدينة عملاقاً أسود وطيباً والأشجار سود لامعة.‏

    - أضواء خافتة تنبعث من نوافذ بعيدة.. عروسان يتغازلان..‏

    تتلفت الأنثى ولا ترى شيئاً سوى الظلام، وتستمر وأضحك ويتململ العملاق حاملاً على يديه هياكل بيوت لم يكتمل عمارها وبضعة مساجد وكثيراً من الصحون الكبيرة. لَفتات العروس ذكرتني بيدي خالتي، وكان يوماً صيفياً حين هجم وحش جلناري مضيء لف المدينة بكاملها تحت أجنحته، ولملمت الأمهات الثياب و (فوط) الأطفال عن الحبال ووضعوا عصير البندورة والمربى في قدور كبيرة وغطوها بأطباق النحاس الواسعة.‏

    - احتل الرعب عُيون النساء، ولهجت البنات تذمراً وكفراً، وأمسك الشيوخ والعجائز بالمسابح.. ووحدي أحسست بشيء يشبه الفرح والانبهار! فالمدينة شعلة تضيء وتخبو. كنا نراها من خلف الزجاج وفجأة امتدت يدان تجوسان مساحة البلور كلها، تخرمش عليه بقلق، وصوت راعشٌ خفيض مرعوب تبيناه بصعوبة (راجحة ما شفتي كريَّم) ضحك بعضنا وركض بعضنا الآخر لفتح الباب وسبق الجميع صوت أمي (كريّم عندنا لا تخافين) وسقطت اليدان الراعشتان، ودخلت خالتي مصفرة مغبرة، وحين غادر الوحش المدينة تراكضنا إلى ساحة الدار نكتب ونرسم بأصابعنا على طبقات التراب السميكة وأمي تنهرنا وفي اليوم التالي طارت المعلمة الشامية فرحاً بالموضوع الذي كتبته عن العجاج والذي طلبته منّا ولم آت بجديد سوى أني كتبت ما شعرت به وما رأيته. كتبت حتى عن يدي خالتي (خيورة) المرتعشين. ما زالت الأشجار سوداً وشجرة الكينا غول يتمطى... والعروسان غابا عن النافذة وأنا أدور في ساحة السطح رافعة يدي وذيل فستاني يصنع صحناً أوسع من صحن جارنا حسان المزروع على طرف السطح.‏

    وفجأة ضجت المدينة واشتعلت، وصاح أطفالها دفعة واحدة (هيه) وانطفأت النجمة وهرب العملاق الطيب، تاركاً البيوت كفم عجوز فاغر تهدمت أسنانها. وعلت (مزامير) السيارات وعادت الأشجار خضراء وأسبلت جناحي أثبت بهما ذيل فستاني كي لا يطير...‏

    وأغلقت العروس نافذتها -وتحركت- الصحون الطائرة على الأسطحة بحثاً عن شيء ما! ونزلت الدرج متثاقلة ورأسي تملؤه الأواني التي تنتظر الغسل والصالة (المنكوشة) والأطفال الجياع الذين سيفتحون الباب لي دفعة واحدة ويبادروني أين كنت يا ماما؟‏

    وعلى عتبة الباب تنهدت وبصوت خفيض أو من غير صوت رددت /وأفقنا ليت أنّا لا نفيق/.

    كلمات مفتاحية  :
    قصة غيبوبة شذا برغوث

    تعليقات الزوار ()