بتـــــاريخ : 11/22/2008 8:16:47 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 939 0


    المكيدة

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : علي عبد الأمير صالح | المصدر : www.awu-dam.org

    كلمات مفتاحية  :

    ثمة وفيات ووفيات، وفيات لا يمكن بل من الحقارة أن تغفرها للعالم". جيمس بولدوين.‏

    عيناه، الآن، حزينتان، يطوف في الأزقة الضيقة، يستبدل الملابس المستعملة بصحون من الخزف الصيني. تزكم أنفه روائح المياه الآسنة. يتعثر بصناديق القمامة. نسوة يلبسن السوداء ينشرن الغسيل في الشرفات الخشبية.‏

    تحاصره صورة أمه العجوز التي تبحث عن عظم في صحن حساء، في المقهى يشرب الشاي المر ويدخن تبغاً رديئاً.‏

    يجتاز السوق القديم، المسقوف، يرى صبيان يلملمون بقايا الخضار المرمية على أرض السوق.‏

    يعود لداره الصغيرة، المؤجرة، يجلده منظر طفله الباحث عن قنينة حليب، طفله الرضيع ملفوف بخرقة بيضاء.‏

    ثقيل هذا الليل، مسربل بالكآبة والحزن. السماء بلا قمر ولا نجوم. في صدره، وصدر زوجته، استقرتْ الطلقات الوحشية، وافتضتْ عذرية الضلوع.‏

    الليلة غادر الكرى الأجفان، ظلت عيونهما مفتوحة في الظلام، الجسدان مستلقيان في صمت حجري. غريب هذا الليل وموحش، وغريبان هما الآن عن القبلات والفرح والطمأنينة.‏

    يستلقيان على سرير واحد. كل منهما يواجه جداراً صدئاً.‏

    تقلبتْ زوجته، ولمست رمانة كتفه. تقلب هو، أيضاً، فواجه عينيها الدامعتين.‏

    قالت بنبرة حزينة: "هل غفوت؟"..‏

    وضع كفه الخشنة تحت وجهها الأسمر الناعم.‏

    قال مرزوق: "أتريدينني أن أغفو؟!"..‏

    قالت غرنوقة: "هل كنا نتوقع ماحدث؟".‏

    رد مرزوق: "لا، لم نكن نتوقع أبداً.".‏

    جلستْ في السرير فيما ظل مرزوق نصف مستلق.‏

    أخذت غرنوقة وليدها إلى المركز الصحي. كانت الحافلة بطيئة. ترفع عباءتها بين حين وآخر، تتطلع في وجه طفلها الذابل، كان يتنفس ببطء شديد.‏

    عيناه مسبلتان. شفتاه متيبستان.‏

    سحب الطبيب جلد بطنه، عبس وجهه، وكتب لها علاجاً.‏

    عادت خائرة القوى، علىكتفها طفل بريء، لم يذق طعم الطفولة، يفقد حياته رويداً رويداً.‏

    كانا يحلمان به يملأ الدار غبطةً، يكركر ويلعب ويبكي، وهو ذا الآن كتلة عظام لا حول لها ولا قوة. يحدق فيما حواليه. دون أن يعرف شيئاً من فصول المكيدة المدبرة ضده.‏

    ذات مساء عاد مرزوق إلى دارته.. الطقس حار.. عتبات الدور مبللة بالماء. أطفال هزيلون، شاحبو الوجوه، يلعبون بكرةٍ من الخرق المتسخة البالية. ثلة من النسوة المتلفعات بالسواد اجتمعن في الغرفة. غرنوقة تجلس فوق البساط تنشج بحرقة. الوليد مغطى بشرشف أبيض. غادرت النسوة الدار وتمتمن بعبارات المواساة، استمرت غرنوقة ببكائها المر. ثم قالت بصوت أبح:‏

    "ماذا تبقى لنا؟"..‏

    في اليوم التالي دفن مرزوق وزوجته، قرب قبة خضراء، في ضاحية المدينة، طفلهما الوحيد.‏

    حين عادا إلى منزلهما شاهدا مهد الطفل الخشبي يتحرك جيئةً وذهاباً. فراشه مايزال دافئاً ليناً ناعماً. فوقه وسادة مطرزة الحواشي وخشخاشة ملوّنة كان المهد خالياً.‏

    ومع أن طفلهما الوحيد قد ووري التراب إلا أن مهده الخشبي لم يزلْ يتحرك بلا انقطاع

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()