لعل من أبرز ما يستدل له في فضل الجماعة في السفر الحقيقي ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم، ما سار راكب بليل وحده (رواه البخاري).
ولا يستثنى من هذه القاعدة إلا ما كان لضرورة ، ومصلحة كما ورد في حديث آخر مروي عن جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما ( قال ابن المنير: السير لمصلحة الحرب أخص من السفر والخبر ورد في السفر فيؤخذ من حديث جابر جواز السفر منفردا للضرورة، والمصلحة التي لا تنتظم إلا بالانفراد والكراهة لما عدا ذلك).
بل إن الراكب وحده شيطان، كما ورد في الحديث الشريف:
الراكب شيطان والراكبان شيطانان، والثلاثة ركب ( مالك، أبوداود والترمذي).
فإذا كان هذا الأمر في عمل دنيوي كالسفر، فكيف بالسفر المعنوي، كالأمر بمعروف أو النهي عن منكر، والعمل في سبيل الله، والسعي للعمل الصالح، والقيام بحقوق الناس، والجهاد في سبيل الله، ففي كل هذه الأمور قد ينفرد الشيطان بالإنسان وحده، وكلما ازداد عدد الجماعة، كلما كان فضح الشيطان أسهل، وسد المنافذ عليه أيسر، وقد ورد في حديث المصطفي صلى الله عليه وسلم أنه قال : فمن أراد منكم بحبحة الجنة، فليلزم الجماعة، فإن الشيطان مع الواحد وهو من الإثنين أبعد… ( أحمد واللفظ له… والترمذي والحاكم) .
والإمارة شرط
والجماعة لا تتحقق إلا بأمير أو قائد، وقد جرت سنة الله تعالى في كل خلقه، بذلك ، فلو نظر الإنسان إلى قطعان الماشية لرآها تنقاد خلف واحد منها، ولو أبصر أسراب الأسماك في الماء، والطيور في الهواء ، لرآها زرافات وأسراباً، اقتضاء لتطبيق حكمة الله تعالى ، لأن مصالحها لا تتم إلا بهذا الإجتماع، فهو الذي يشكل منها قوة تحمي بها نفسها، وبالجمع تتآلف ، وبه تتم مصالحها من إحضار القوت، وأداء العمل وتكامل المهمات، وفوق ذلك حفظ النسل والنوع، وقد وجه الله تعالى أنظار البشر للتفكر في ممالك النحل والنمل ، وكيف تجري سنته في إجراء مصالحها وهي في جماعاتها وأسرابها.
وما تجري به سنة الله تعالى في هذه الخلائق تجري على البشر بكل أجناسهم ومذاهبهم، إذ لا بد لهم من التعاون والتناصر، والذي لا بد له من أمر ونهي الذين هما ركن الإمارة ومقصد التأمير.
(وكل بشر على وجه الأرض فلابد له من أمر ونهي، ولا بد أن يأمر وينهى، حتى لو كان وحده لكان يأمر نفسه وينهاها، إما بمعروف وإما بمنكر، كما قال تعالى ( إن النفس لأمارة بالسوء… وبنو آدم لا يعيشون إلا باجتماع بعضهم مع بعض، وإذا اجتمع اثنان فصاعدا فلابد أن يكون بينهما ائتمار بأمر، وتناه عن أمر ، ولهذا كان أقل الجماعة في الصلاة اثنين، كما قيل: (الإثنان فما فوق جماعة)… وأما الأمور العادية ففي السنن أنه صلى الله عليه وسلم قال : لا يحل لثلاثة يكونون في سفر إلا أمروا أحدهم عليهم…)
والمتبصر بالنصوص يدرك كيف حث الإسلام على الجماعة في الأمور الدنيوية، كالسفر وأمثاله، لأجل التعاون على جلب المنافع، ودفع المضار، وما يرتبط بالعمل الجماعي في إمارة لا بد منها تحقيق المصالح ودرء المفاسد، وإن هذا الأمر قد فطر عليه بنو آدم لأن ( الإنسان مدني بالطبع) .
وكذلك فالأمور الدينية – وحتى العبادة – فإنها تتحقق بالشكل الأفضل، وتؤدي إلى الأجر الأوفر عندما تؤدى جماعة، فصلاة الجماعة أفضل من صلاة المنفرد، والحج لا يؤدى إلا مع ركب من المؤمنين ، وصيام رمضان مع مجموع المسلمين فرض، بينما النافلة فيه تؤدى منفردة، وهكذا فالأمر مطرد في جميع الشؤن الدينية فكيف إذا والدعوة إلى الله تعالى من أهم الواجبات التي أمر الشرع بها ، وهي من نوع أداء الأمانة للأمة.
لذا كان لزاما للسائرين إلى الله بالدعوة الدينية، من سلوك طريق الجماعة ( ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم أمته بتولية ولاة أمور عليهم، وأمر ولاة الأمور أن يردوا الأمانات إلى أهله، وإذ حكموا بين الناس أن يحكموا بالعدل، وأمر هم بطاعة ولاة الأمور في طاعة الله تعالى ، ففي سنن أبي داود… أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم .. فإذا كان قد أوجب في أقل الجماعات وأقصر الإجتماعات أن يولي أحدهم : كان هذا تنبيها على وجوب ذلك فيما هو أكثر من ذلك…).
نقلا عن اسلام تايم