بتـــــاريخ : 11/20/2008 9:28:32 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1319 0


    الصدق المستهجن

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : مســعود بوبو | المصدر : www.awu-dam.org

    كلمات مفتاحية  :

    بعد التسليم والترحيب جلست الضيفة الفاضلة مع ابنتيها، واحدة في نحو الثامنة من العمر، والثانية في نحو الخامسة، طفلتان وديعتان كوردتين قطفتا ووضعتا في أصيصين من ثياب... وحديث السيدتين مدينة ملاه.. قدمت صاحبة البيت قطعاً من "الكيك"، من صنعها للطفلتين... وصار الحديث مظاهرة... وفي رشاقة وتنغيم أمومي عذب سألت المضيفة الطفلة الصغرى: أعجبك "الكيك" حبيبتي؟!‏

    قالت الطفلة في هدوء وموضوعية خالصة: لا.‏

    فعاجلتْها الأم بصوت رادع: عيب... عيب حبيبتي قولي نعم أعجبني، تسلم الأيادي..‏

    أجل عيب، عيب أن نربي أطفالنا على الصدق، عيب أن نعودهم قول الحقيقة.. وعيب أن نتركهم بغير قمع، بدعوى المجاملة!! فغداً سيكبرون وينخرطون في الحياة العامة التي تتعزز فيها ظاهرة المجاملة حتى تصبح البوابة المؤدية إلى الخلاص.. ظاهرة المجاملة التي تبدو -بالمعايير النفسية- أكثر إيغالاً في حياة الأفراد، أولئك الأنصار الذين يتكاثرون حتى يصبحوا أنساقاً متشابهة كخيوط النسيج.. ومجالس الأصدقاء الكبار صورة مكبرة عن دهشة تلك الطفلة البريئة التي لم تعرف أين أخطأت بالتحديد... في تلك المجالس تسمع أحياناً المثقف الرصين الواسع الاطلاع ينفعل حتى فقدان الوقار وهو يعلق على عبارة قالها صديق مسؤول.. يبدي الإعجاب بكلمات متخيرة منوها بالعبقرية النوعية الفذة لذاك الصديق، مع أنه قد يكون سمع مثل تلك العبارة أو الفكرة مراراً ممن قالوها بغير اكتراث أو تهيئة. ومع أنه يعرف أيضاً أن بعض الموجودين ربما أشبعوها بحثاً وتحليلاً في جلسات سابقة. وأحياناً قد تكون مجاملاً لبقاً بغير مغالاة. فتقول الحق بإنصاف غير متزيد لا في السلب ولا الإيجاب... وإذا بأحد الجالسين ينبري لك كالمكتشف ما لم يُكْتَشَف ليقول مثلاً: أستاذ، أنت غير مدرك لأبعاد الموضوع. ولا مستشرف لآفاق الفكرة!! هذه قضية خطرة جداً. ويجب أن نُقرّ بأنه غير الصديق العزيز فلان ما تنبه أحد عليها.. ونعرف جميعاً أن أحداً قبله لم يضع يده على المفاصل الحساسة لمضاعفاتها المتوقعة، وانعكاس ذلك على مستقبلنا القومي والاقتصادي، بل حتى مكانتنا العالمية... نعم هناك من مس جانباً هامشياً من هذه القضية، لكن -والحق يقال- غير صديقنا فلان لم يع أبعادها المرحلية والمستقبلية... وفي تقديري أن الصحف المحلية معنية -لو كانت نشطة- بتحليل ماقاله، أو طرحه للمناقشة العلمية... نحن في هذه الظروف الدقيقة التي تمر بها أمتنا العربية في أمس الحاجة إلى إثارة مثل هذه الموضوعات واستثمارها حتى لا نتخلف عن ركب الحضارة بجهلنا العلاقة الجدلية بين الاستراتيجية والتكتيك! ويسقط في يدك؟! فالحديث كان في الفن!! ولكن ظاهرة المجاملة لا تلتفت إلى ما كان... وأصحابها كالطلبة الذين لم يحفظوا أو يفهموا سوى موضوع بعينه، وعن أي شيء سئلوا استظهروه أو أجابوا به.. وفي بعض الأحيان تجد نفسك مسوقاً بمحرض داخلي لتقول وبصوت مسموع كل ما بنفسك من كلمات التقدير والإعجاب. التقدير لمن ينتزع منك التصفيق انتزاعاً بإخلاصه أوتضحيته أو موقفه أو التزامه.. تفعل ذلك بموضوعية وحياد. فتفاجأ بتنغيم يتلوى منحدراً من شفاه معلق حاضر: هاه، خيراً... ماذا ترسم وتخطط؟! لابد أن يكون لمثل هذه المجاملة أبعادها المرسومة بحصافة!!... فأنت عادة لا توافق فلاناً على كل ما يقول أو يفعل. صحيح أنك لا تهاجمه، ولكن قل ما تمدحه.. فما الخبر؟!‏

    وهكذا، شيئاً فشيئاً يصير مستهجناً ألا تسارع إلى مدح ما لا يمدح.. ويصبح إعلاء قيمة الحقيقة موضع شك واتهام، وتصير أنت كتلك الطفلة البريئة مرتكباً للعيب إن لم تكذب. وإن لم تجامل، ويصبح الصدق مستهجناً عند خراب الضمائر.. وما أبشع ذلك إذا ما تسرب إلى أحكامنا العلمية..‏

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()