بتـــــاريخ : 11/20/2008 9:27:20 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1138 0


    فــتنة اللــغة

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : مســعود بوبو | المصدر : www.awu-dam.org

    كلمات مفتاحية  :

    أجل، كما يمكن لحقل من الأرض أن يزرع بالألغام، كذلك يمكن للغة أن تنضم على عناصر الفتنة.. وإن المبادئ والعقائد، والمؤسسات الإعلامية، ومحافل "الدعاية" والترويج للأفكار. يمكن أن تحتال على العقل غير المحصن بأساليب من المهارة اللغوية التي لاتكون في كثير من الأحيان نعمة خالصة.. وخشية أن يغرر بالعقول بتصاريف الأساليب اللغوية وغواياتها عد المحافظون من علمائنا حركة البديع والتجديد، والجدل الفلسفي بدعاً مستهجنة، وكانت نزعتهم تلك تنطلق من توقير، بل تقديس للغة، وإمعاناً في إضفاء صفة الشرعية على موقفهم، لجؤوا إلى تصنيف كل إبداع تجديدي في جملة الغلط أواللحن. وكان ثمة خوف من فتنة اللغة، وكان شبه إحساس بالتلوث العقلي أو البيئي فقصدوا البوادي ينشدون التطهر من أدران الفتنة اللغوية التي بدأت تتفشى كالأوبئة.. وشعر كثير من المبدعين بثقل الإحباط، وبشعور من الكآبة العميقة عندما تبدى لهم أن جمال اللغة ليس أكثر من عدو يبيِّت للثقافة الرصينة سلسلة من المكايد التي تقلق أمنها -على وفق تصور المحافظين المتشددين- ومن لا يذكر عبارة ابن العلاء: "لقد حسن هذا المحدث حتى هممت أن آمر فتياننا بروايته"؟ بل من ينسى ماجاء في الحديث الشريف: "أسجعا كسجع الكهان"؟‍! كان هناك مبدأ يشاكل ما نسميه اليوم بالاستراتيجة المتشددة في محاربة هذه الفتنة اللغوية المتوقعة... وكان هناك إدراك كاليقين بأن فتنة اللغة ماهي في جوهرها سوى إمكانيات يعاد تشكيلها واستثمارها والأمر لا يتعدى توفير اللدائن، أو طاقات الألفاظ الخبيئة ليعيد خبير ماهر عجنها وقولبتها... أليست هي نفسها التي تغلغلت من قبل بالعقائد والشعائر إلى أعماق النفوس والقلوب... والجميلة المتطيبة المتجملة كما فتنت واحداً يمكن أن تفتن آخر، وكما فتنت مرة يمكن أن تفتن مرة آخرى، وكما أدرك القدماء خطر فتنتها وتأثيرها أدرك ذلك المحدثون أيضاً فاتخذوا منها الوسيلة الرئيسية لاستمالة الناس وتزيين الأعمال والتصرفات والمواقف في عيونهم وقلوبهم..

    وفتنة اللغة قد تعيد صياغة العلاقات والطبائع الاجتماعية، فقد تفتح الباب لما يسمى اليسر والسهولة وشيئاً فشيئاً يصير انتهاج السهولة إدماناً، ثم واقعاً يكتسب بالتقادم قوة القانون..‏

    ومن الفتن اللغوية انقيادها لمطالب مرحلية كتحقيق الترف. وإذا ما تولعت المجتمعات بالمظاهر المتبرجة المترفة وحدها يكون واحدٌ من عناصر فتنة اللغة قد تحكم بمنافذ التنفس.. ولقد أدرك ذلك الجاحظ، فكان كثير المسارعة إلى الترويح عن القارئ حتى لا يثقل عليه بالأفكار والشواغل المؤرقة، وحتى تأصلت في نفسه ظاهرة الاستطراد المبني على إيراد الفكاهة والطرفة والتنويع. وهكذا أمسك غالباً بأنفاس الناس... بل وهكذا استطاب أبو عثمان إعجاب الناس وثناءهم، واستمرأ الإمتاع فكان إليه أميل من ميله إلى دقة الفكر وترابط القضايا العقلية...‏

    قتنة اللغة فتحت نوافذ البيوت في (المدينة) لتسرب الغناء والإيقاع وللخضاب والطيب والرقص والحلي، وصار فعل السيوف في إغمادها وجمالها في حمائلها على ما رأى شاعر... وأمام فتنة اللغة تخاصم البديع مع أنماط اللغة المتزمتة زمن العباسيين، وكان يريد -حتى على ألسنة الخلفاء- أن يصير حلية براقة لجلباب الحضارة العباسية المسحوب على بساط من أزهار لا تحصى ألوانها. وفي المحافل المعنية بالأمر نشبت خلافات وملاسنات، وضرب بعضهم بعضاً وهم يحررون مفهوم البلاغة بين غرابة القديم، وألفة الجديد.‏

    ومدت فتنة اللغة يدها إلى بيوت المال لتغترف ما سمح به طرب النفس أمام عقود المديح المصنوعة من جواهر لماعة آسرة، حتى وإن كانت مزيفة

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()