بتـــــاريخ : 11/19/2008 8:36:26 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1162 0


    بائع الصور

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : مصطفى فاسي | المصدر : www.awu-dam.org

    كلمات مفتاحية  :

    هادئاً كان يمشي في الشارع الكبير... ضئيل الحجم، لا يعرف الناظر إليه ما إذا كان طفلاً أم رجلاً.. لون وجهه أقرب إلى الصفرة، وعيناه الصغيرتان تتجولان في كثير من الاهتمام بين الأشياء والناس...

    يده اليمنى تتدلى إلى جانبه وتحت إبطه الأيسر مجموعة صور تاريخية قديمة. هادئاً كان يمشي، ثم لفت انتباهه شخص طويل قادم في الاتجاه المعاكس...‏

    الشخص الآخر كان يلبس بذلة زرقاء جديدة.. يمشط شعره بعناية ويضع على عينيه نظارة شمسية تبدو قريبة من السواد.‏

    اقترب منه وهو يحني رأسه قليلاً:‏

    - مرحباً... أهلاً بك سيدي... أهلاً وسهلاً... تشتري مني صوراً؟! انظر... انظر سيدي عندي صور غاية في الروعة.. صور قديمة.. تاريخية قديمة.. هي قديمة وجميلة في الوقت نفسه.. انظر، إنها تُحبُّ أليس كذلك سيدي.. أنظر أنظر.. هنالك ألوان وأنواع مختلفة... تستطيع أن تختار مايروق لك.. تشتري منها فقط ماتحب نفسك... الأسعار.. ربما تريد أن تسأل عن الأسعار، تأكد سيدي إنها رخيصة.. رخيصة تماماً.. ثم إننا نستطيع أن نتكلم في هذا الموضوع وبدون شك سنتفاهم على السعر.. انظر... انظر سيدي.. أنت بدون شك إنسان طيب، لذلك سأتفاهم معك، سأبيعك الصور بسعر مناسب تماماً... إيه.. ماذا قلت؟! تكلم سيدي... قل.. قل عن السعر الذي تريده... قل أي كلام.. سنتفاهم بدون شك... ولكن تكلم... فقط تكلم.. طيب، أنت لا تريد أن تتكلم.. أنا سأتكلم الصورة الواحدة بخمسة.. ايه مارأيك؟! أليس هذا سعراً مناسباً تماماً.. تأكد سيدي، إنه مناسب جداً.. وأنت على كل حال تستطيع أن تتأكد بنفسك.. أنظر سيدي انظر ذلك المحل.. ذلك المحل ذو الواجهة الزجاجية الكبيرة، وهو يبيع الصور أيضاً، وهو يبيع، أقصد عنده، أيضاً الصور نفسها التي أبيعها أنا.. تستطيع أن تذهب إليه وتطلع بنفسك على السعر، وعند ذلك ستعرف الفرق بين سعري وسعره.. والآخرون الآخرون جميعاً أسعارهم عالية.. اذهب.. اذهب إلى أي محل واسأل، وستعرف الفرق بين سعري وسعرهم.. الصورة الواحدة بخمسة، خمسة فقط، صورة أثرية تاريخية جميلة بثمن فنجان قهوة.. سعر والله زهيد جداً، وأنت سيدي بدون شك -بل إن هذا واضح تماماً من خلال ملامحك- إنسان مثقف، أعني أنك تعرف بدون شك أهمية هذه الأشياء.. إيه.. ولكن.. ولكن تكلم.. قل... قل أي كلام.. الصورة بأربعة مثلاً.. أربعة سعر رخيص، ولكنني مع ذلك أقبل.. اشتر مني الصورة بأربعة، وسأبيعك المجموعة كلها، لدي عشر صور، أربعة في عشرة تساوي أربعين، بأربعين فقط تستطيع أن تزخرف الفيلا أو الشقة التي تسكنها زخرفة رائعة، بأربعين أربعين فقط، أنت أنت ياسيدي لن تجد هذا السعر عند غيري أبداً.. ولكن وبعد... ألا تتحدث سيدي.. أرجوك سيدي تحدث.. قل كلمتك... أنت... أنت ترى بأنني صرت لا أقدر على الكلام.. لقد بدأ صوتي يبح خاصة وأن البرد قد أصابني في الليلة الماضية التي قضيتها كلها وإلى طلوع الشمس في الشارع.. نعم البارحة لم أبع شيئاً فبت في الشارع وبالجوع أيضاً...‏

    سيدي، لابد أن تشتري مني شيئاً، لابد... انظر... انظر سيدي إلى هذه الصور ما أجملها وانظر إلى وجهي، إلا يزعجك أنني لم آكل منذ صباح أمس... وإلا اسمعني سيدي، خذها، خذها كلها بثلاثين.. ثلاثين فقط...‏

    سيدي أنت ربما لا تصدق.. ولكني أقسم بأنني لا أقول لك إلا الحقيقة.. منذ رأيتك سيدي قادماً في الشارع قلت في نفسي، هذا إنسان طيب وابن حلال، إن البسمة بادية على وجهه، لقد كان وجهك سيدي يلمع، يلمع تماماً مثل البدر، أبناء الحلال والناس الطيبون لا تخطئهم العين أبداً، ولذلك فأنا متأكد بأنك سيدي لن تتركني هكذا هل هذا ممكن سيدي.. لا، لابد أن تأخذ مني شيئاً وأن تعطيني شيئاً، طيب، ربما أنت سائح غريب عن البلد، وأنك صرفت أكثر الفلوس التي معك فلم يبق لديك إلا القليل.‏

    في هذه الحال يمكنك أيضاً أن تأخذ مني الصور... خذها بعشرين.. عشرين فقط... سيدي أرجوك.. سيدي تكلم.. قل شيئاً.. أي شيء.. أنا... أنا سيدي جوعان أريد أن آكل... لا يمكن... لا يمكن أن أموت من الجوع.. خذها بخمسة عشر بعشرة... بأي سعر.. خذها... خذها فقط...‏

    كان الرجل الآخر يمشي بخطى أوسع، وكانت خطى بائع الصور تتقلص في كل لحظة... كان يمد يده اليمنى محاولاً اللحاق به...‏

    بعد لحظات كان الرجل الآخر قد غاب في وسط الزحام، وكان بائع الصور يمد يديه الاثنتين إلى كل الجهات، كان قد نسي الصور تماماً، وكان يردد:‏

    - لابد أن آكل.. لايمكن أن أموت... أموت من الجوع... أعطونا أي شيء.. أي شيء لوجه الله... أي شيء...

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()