بتـــــاريخ : 10/12/2008 9:36:05 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1245 0


    مساعدة

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : علاء محمود | المصدر : www.arabicstory.net

    كلمات مفتاحية  :
    قصة مساعدة

     

     

    غادر منزله المتصدع الذي تساقطت جدرانه الخارجية، وكلح لونها الباهت الذى تبدل من الأصفر إلى الرمادي بفعل ضربات الزمن وعوامل الطقس المتبدل الفصول، ونشعت على حوائطه الطحالب الخضراء والرطوبة التي تبلورت كحبيبات هشة من الثلج، لترسم لوحة تعبيرية متناغمة عن شظف الحياة. اندفعت نسمات الصباح البكر إلى صدره، لتمده باكسجين نقي، وتتفاعل مع شعيراته الهوائية التي أخذت تتلقفه في نهم طاردة أثار الأمس الضارة، على هيئة سعال رقيق، ثم تصاعدت من فمه متكاثفة بعد إصطدامها بموجة البرد الشتوي القارص، متشكلة على هيئة دخان متصاعد مشابه لدخان سجائره التي أدمنها. كان في طريقه إلى عمله ككل يوم، سائراً بخطى هادئة. تغوص قدمه في الأرض الطينية التي تبللت من أمطار الأمس، لتزداد طبقات الطمي إلى نعال حذائه ممتزجة بأوحال قديمة وأوساخ مزمنة، وتشترك مع بنطاله الممتليء بعدة ثقوب في أكثر من موضع، وقميصه الذي حال بياضه إلى شيء عجيب مموه، وسترته القديمة قدم الدهر، إلى رسم صورة واقعية لموظف هذا العصر.

    إنحرف ليعبر نهر الطريق في حذر، وتأمل تلك العجوز وهي تتقدم نحو سيارة متوقفة، وتبسط يدها وهي تتفوه بكلمات بددت الرياح معظمها.. نظر إليها وإلى ذاكرته أندفعت عبارات وجمل الأمس، لتمتزج مع بعضها لتشكل حواراً دار بينه وبين زوجته، حين قالت:

    - المرتب أصبح لا يكفي شيئا وولدينا يريدان دروساً، وعريس إبنتك يتسائل: متى سنتم إكمال ما علينا من أجهزة وأثاث؟ أشعل سيجارته وهو يجيبها في حنق:

    - وماذا بيدي كي أفعله؟ هل أسرق؟

    - لم يطالبك أحد بمخالفة ضميرك ولكن، لابد أن تجد لنا مخرجاً.

    - تبا لك ولكم جميعا، أنا أبذل من الجهد ما يكفي لبناء هرم رابع.

    - حسناً ولكن نصيحة لك، مجهودك هذا ما عاد يكفي.

    - إذا إنطحي رأسك بأقرب جدار.

    - لقد أصبحت لا تطاق، لا أعلم لماذا تزوجت رجل قليل الحيلة مثلك؟

    - وأنا لا أعلم لماذا تزوجت إمراءة سليطة اللسان؟

    وتحولت المحادثة إلى شجار، برنامج يومي يعرض على مسرح الحياة.

    قطع حبل أفكاره أصوات رتل السيارات التي تنهب الأرض. فحاول بقدر الأمكان الأبتعاد قليلا حتى لا تلقي عليه مياة الطريق.. وتأمل العجوز مرة آخرى وهو حائر.. مد يده إلى جيب معطفه يحصي النقود الزهيدة، ثم تناسى كل شيء وعاد بذاكرته إلى حديث آخر، مع طبيب الحي الشاب، الذي يعالج أهل منطقتهم بمبالغ قليلة مقدراً ظروفهم المعيشية الصعبة.

    - ليت كل البشر مثلك أيها الطبيب.

    - أنا لا أفعل شيئا زائدا، فهذا حقكم على فأنتم أهلي وعشيرتي.

    - بارك الله فيك وفي أمثالك.

    - دعني أفحص الآشعة والتحاليل لأخبرك عما بك.

    - حسنا. أكمل ما تفعل.

    أخذ الطبيب يراجع ما بيده، وأرتسمت على ملامحه علامات الآسي، وهو يقول:

    - كما قدرت سابقا. كليتاك توشكان على الأنهيار.

    - وهل يوجد علاج؟

    - توجد طريقتان للعلاج. زرع كلى أو تقوم بعملية غسيل كلوي ثلاثة مرات أسبوعيا.

    - لماذا؟

    - لماذا ماذا؟

    - لماذا أصابني هذا المرض اللعين؟ ألا يكفيني كل ما بي من مشاكل.

    - إذا كان في كلماتي عزاء لك، يوجد الكثيرين غيرك مصابين بنفس الداء.

    - وبالطبع زرع الكلى باهظ الثمن.

    - نعم.. يبقى أمامك عملية الغسيل.

    أنتزعته من ذكرياته الرذاذ المتناثر عليه من جراء السيارات التي تنهب الطريق، فهتف في حنق:

    - أسرعوا أيها الحمقى حتى تلحقوا بمهامكم الخطيرة. لمح مرة آخرى السيدة العجوز وهي تتلمس طريقها في صعوبة، وجائته هذه المرة مفردات كلماتها بوضوح وهي تهتف في وهن ممزوج بحزن دفين:

    - ابنتي في أمس الحاجة للعلاج.. أرجو مساعدتكم يا أهل المرؤة فليس لي في الدنيا غيرها.. هي من تقوم على مساعدتي ولكنها سقطت طريحة الفراش.

    داعب النقود التي تحتل جيبه، ثم حسم أمره وذهب إليها بخطى واثقة، ومد كفه ببعض ما يحمله من نقود زهيدة.. تأملت العجوز ملابسه المزرية، وسالت من عينيها العبرات، وهي تقول:

    - أنت...

    قاطعها هو في اصرار:

    - خذيهم يا والدتي.

    أخذتهم العجوزوهي تدعو له في أمتنان، وأنصرفت في خطى واهنة.. تأملها لحظات ثم أنصرف إلى حال سبيله والسيارات الفارهة ما زالت تعبر بجواره.. دون توقف

     

     

    كلمات مفتاحية  :
    قصة مساعدة

    تعليقات الزوار ()