وذات يوم تمنت المرأة أن تحمل بولد، ولو كان بطول عقدة الإصبع، ويبدو أن أمنيتهما قد تحققت، فحملت، ووضعت ولداً بطول عقدة الإصبع، وفرح الأبوان بالولد، وعنيا به، وأحاطاه باهتمامهما، حتى كبر وشب، ولكن طوله لم يتجاوز طول الإصبع الواحد.
وذات يوم كانت الأم تعد فيه الطعام، زفرت، ثم قالت: "لو أني رزقت بولد ليس كعقدة الإصبع لكان حمل الطعام إلى أبيه في الحقل!!"، وعلى الفور رد عليها عقدة الإصبع، قائلاً: " أنا سأحمل الطعام إلى أبي، وسأساعده في العمل". ونظرت الأم مدهوشة، ثم قالت: "وكيف؟" فأجابها: "ضعي الطعام على ظهر الحمار، وأنا سأقعد في أذنه، وأقوده إلى الحقل".
ولم تصدق الأم ما قاله ابنها، ولكنها استجابت إليه، فوضعت الطعام على ظهر الحمار، ونطّ عقدة الإصبع إلى أذنه، فقعد فيها، ثم أخذ يصيح، وانطلق الحمار، وفي الطريق، كان عقدة الإصبع يوجهه، فيصيح به لينعطف إلى يمين أو شمال، أو ينبّه الناس كي يبتعدوا عن طريقه، وكان هؤلاء يدهشون لسماع الصوت وعدم رؤيتهم أحداً.
ولما بلغ عقدة الإصبع الحقل، نادى والده، ولما سمع الأب النداء، دهش وأقبل على الحمار، يبحث عن ولده، ويطلب منه أن يظهر، ونط عقدة الإصبع من أذن الحمار إلى الأرض، فتلقاه والده، وحمله على يده، ثم قعد يتناول غذاءه معه.
ومرت الأيام، سعد فيها الأبوان بابنهما وبما يمتاز به من حركة ونشاط، وبما يبد عليه من ذكاء، على الرغم من صغره، وضآلة حجمه، وذات يوم كان الأب يقود فيه ثوره، وقد ربطه إلى المحراث، ليحرث به الأرض، استعداداً لموسم الزرع، وكان عقدة الإصبع يسير إلى جانبه، وينط فوق أكوام التراب، وإذا كومة من التراب يقلبها سن المحراث فتنهال عليه وتردمه، وقبل أن تمتد إليه أصابع والده لتبحث عنه وتنقذه، كان قد أسلم الروح.
تعليق:
تدل الحكاية على شعور حاد بالحرمان من الولد، ولعل الأم هي أكثر معاناة لهذا الشعور من الأب، حتى إنها تمنّت أن ترزق بولد ولو كان ضئيلاً بشكل غير معقول، لتشبع غريزة الأمومة، وقد تحقق لها ذلك بوضعها عقدة الإصبع.
والنهاية المبكرة لما وضعت تؤكد أنه لا شيء يغني عن الولد، ويشبع عاطفة الأمومة، سوى الولد، أما شبهه أو مسخه فلا غناء فيه.
ومن الواضح أن لدى الأب حاجة إلى الولد، وهي على الأغلب حاجة اقتصادية اجتماعية، ليساعده في أعمال الحقل، على حين تظهر حاجة الأم محض حاجة طبيعية تتصل بتحقيق أمومتها، ولذلك كان شعور الأم أقوى وأكثر رسوخاً.
والحكاية تقوم على خيال خصب، يبتكر شخصية عقدة الإصبع تعويضاً عن غياب الولد، وهي بسيطة جداً، وتبدو موجهة في الظاهر إلى الأطفال، ولكنها تنم في الداخل عن شعور الكبار، ولا سيما الأمهات.
وثمة حكاية رواها الأخوان غريم تشبه هذه الحكاية الشبه كله، ولا تختلف عنها في غير مرور عقد الإصبع بسلسلة من المغامرات ينجو في نهايتها، ويظل على قيد الحياة، ويسعد به أبواه