بتـــــاريخ : 11/19/2008 7:06:27 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 842 0


    الوصية

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : أحمد زياد محبّك | المصدر : www.awu-dam.org

    كلمات مفتاحية  :
    أحمد زياد محبّك الوصية

    ومضى الأولاد ينتظرون مرور الأيام، وحتى وافت المنية والدهم، فواروه التراب، وأسرعوا إلى الخزانة يفتحونها، وإذا بهم يدهشون لما يرون، فليس ثمة غير قبضة من تراب، وعظمة نخرة، وورقة بيضاء،وقد كتب أمام كل واحدة اسم أحدهم، فلم يفهموا مما رأوا شيئاً، وحاروا في أمرهم، كيف يقتسمون أملاك أبيهم؟‏

    وكاد الخلاف يدب في الأخوة، ولكن أحدهم اقترح مشاورة صديق لأبيهم، فرجعوا إليه يستشيرونه في الأمر، فنصح لهم بالتوجه إلى حكيم في أحد البلاد، ليعرضوا أمرهم عليه.‏

    وسار الثلاثة إلى بلد ذلك الحكيم، وبينما هم في بعض الطريق، رأوا نخلة عالية، تتدلى منها عثاكيل التمر، فتسلق أحدهم النخلة، وقطف عثكولاً من التمر الناضج، وأقبل ثلاثتهم عليه، وإذا أول تمرة فيه مرّة لا تذاق، وكذلك حال الثانية، فالثالثة، حتى لم يبق في العثكول غير ثلاث، ذاقوها فإذا هي حلوة فاقتسموها.‏

    ثم مضوا في الطريق، وماهي إلا بضعة فراسخ، حتى رأوا واحة، فنزلوا بقربها، وكان ماؤها أبيض رقراقاً، فأدنوا منها إبلهم، ودعوها إلى الشرب، فلم تشرب، فحاولوا الشرب منها، فإذا ماؤها ملح أجاج، فعافوها، ومضوا في طريقهم قاصدين بلد الحكيم.‏

    وما إن قطعوا فراسخ أخرى، حتى رأوا حصاة صغيرة، تذروها الريح، فتعلو، فإذا هي قصر مشيد، ثم ماتلبث أن تهوي، حصاة صغيرة، تدوسها الأقدام، فعجبوا مما رأوا، وكانوا قد وصلوا بلد الحكيم، فدخلوها، ومضوا إلى حيث دلهم الناس، حتى بلغوا داره، فدقوا عليه الباب، فخرج لهم غلام قادهم إلى غرفة التقوا فيها بشيخ عجوز، متهدم، ذي لحية بيضاء، يبدو أنه في التسعين، فحسبوه الحكيم، فحيوه، وأخبروه أن لديهم حاجة، فأخبرهم أنه ليس هو الحكيم، وإنما أخوه الأكبر، وماعليهم إلا أن ينتظروه حتى يجيء.‏

    ولبث الإخوة ينتظرون، فدخل عليهم رجل قوي مشدود القامة، مهيب الطلعة، متقدم في العمر، ولكنه محتفظ بقوته وحيويته، يبدو كأنه في الستين، وما إن دخل حتى نهض له الشيخ العجوز، وقبل يده، وحياه، ثم قدمه إلى الإخوة على أنه أخوه الحكيم، فعجبوا له، وحيوه، وهم دهشون، ثم عرضوا عليه أمرهم، وسألوه تفسير ماترك لهم والدهم.‏

    أطرق الحكيم قليلاً، ثم أخبرهم بتفسيره، فأما كومة التراب فتشير إلى مايملك والدهم من أرض، وأما العظمة النخرة فتشير إلى مايملكه من ماشية، وأما الورقة البيضاء فتشير إلى مايملكه من ديار مسجلة في الأملاك، وماعليهم إلا أن يقتسموها، كما هي موزعة.‏

    وأعجب الإخوة بتفسير الحكيم، كما أعجبوا بقسمة والدهم لهم، ثم أخبروا الحكيم بما رأوه في الطريق، وسألوه تفسيره، فأخبرهم أن التمر الكثير، الذي لم يجدوا فيه حلوا سوى اثنتين أو ثلاث، فمثله كمثل الأصحاب، وهم كثير ولكن المخلص فيهم قليل، وأن الماء الرقراق الصافي، مالح الطعم، فمثله كمثل المرء، يعجبك مظهره، يخدعك به عن فعاله وخلقه، التي لا توافق مظهره، وأن الحصاة التي تعلو فتشيد قصراً، ثم تسقط فتهدمه، فمثلها كمثل الكلمة، تحلو وترق، فتبني بيتاً، وتغلظ وتقسو فتخرب مابنت، فأعجب الأخوة بتفسيره، وشكروه عليه، وهموا بالانصراف.‏

    ولكن الأخوة التفتوا إلى الحكيم، قبل مضيهم، يسألونه عن حاله، كيف يكون أكبر من أخيه، في حين يبدو أخوه هو الأكبر، فأخبرهم الحكيم أن أخاه غارقاً في الهموم، يفكر فيما مضى، وفيما سيأتي ويطيل التفكير، أما هو فيرمي الهموم جانباً، ولا يفكّر إلا فيما هو فيه، فأعجبوا بحكمته، وعادوا إلى بلدهم هانئين بما أفادوه من حكمة.‏

    تعليق‏

    حكاية تربوية، تتوجّه إلى الناشئة، لتثير لديهم ملكة التفكير، من خلال ألغاز تطرحها، ثم تجيب عنها بعد حين. وهي تؤكد في أثناء ذلك قيماً خلقية متعددة، يتعلق بعضها بالصداقة والكلمة الطيبة والمظهر، وتمثلها الثمرات والحصاة والماء، ويتعلق بعضها الآخر بحكمة عامة، مفادها الرضا بالواقع، وعدم القلق.‏

    والحكاية ذات بنية ثلاثية تتكرر في الإخوة الثلاثة، وفي وصية الأب ذات الجوانب الثلاثة، وفي الأمور الثلاثة التي شاهدها الإخوة في أثناء الطريق، وعلى الرغم من وفرة العناصر في الحكاية فهي بسيطة وسهلة الحفظ.‏

    والحكاية تقوم على فلسفة عمادها الظاهر والباطن. فثمة دائماً ظاهر عادي وبسيط، ولا يمكن فهمه وحده، ولابد من إدراك ماوراءه، حتى يتحقق فهمه فهماً صحيحاً، وهو غالباً مايخفي وراء الظاهر البسيط باطناً ذا قيمة كبيرة ودلالة عميقة.‏

    وثمة حكايات كثيرة تنحو هذا المنحى، ولعل مثل هذه الحكايات متأثرة بما ورد في القرآن الكريم من قصة موسى والرجل الصالح في سورة الكهف من الآية ذات الرقم 64 إلى الآية ذات الرقم 81، وفيها يرى موسى ثلاث ظواهر غريبة مايفتأ يسأل صاحبه عنها، وفي النهاية يخبره الرجل الصالح بتفسيرها، فيدهش، ويدرك أن وراء الظاهر باطناً أهم منه وأغنى

     

    كان لأحد الرجال ثلاثة أولاد، وكان على قدر كبير من الغنى، فلديه الأراضي والماشية والديار، وكان أولاده يسألونه دائماً أن يقسم فيهم أمواله، قبل وفاته، ولكنه كان لا يستجيب إلى طلبهم، ويعدهم بأن كل مايملكه هو لهم، وأنه قد رتب الأمور، وأعد وصيته، وأنه أودعها خزانته، وما عليهم ألا أن يفتحوها بعد وفاته، ليجدوا واكل شيء قد أعد خير إعداد.‏

    كلمات مفتاحية  :
    أحمد زياد محبّك الوصية

    تعليقات الزوار ()