بتـــــاريخ : 11/18/2008 7:00:35 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1446 0


    خواطر آخر الليل

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : محمد قرانيا | المصدر : www.awu-dam.org

    كلمات مفتاحية  :

    أعددتُ لنفسي فنجان قهوة، ثم جلستُ في الشرفة... ابنتي الصغيرةُ ذات السنوات الخمس، ترقد على سريرها مؤّرقةً. انتابتني مشاعرُ متباينة. الليل من حولي يضفي على الموجودات هدوءاً شاعرياً... أضواءُ المنازل تتسّربُ من النوافذ القريبة مصحوبةً ببعض أصواتٍ ساهرة تتسامر. أشعر بشيء من الكآبة التي تعودتها بعد رحيل زوجتي. تسليتُ زمناً بصحبة الصغيرة(ليلى)، لكن الفراغ القاتل أخذَ يسربلني بردائه الرمادي يوماً بعد يومٍ، وازدادت وحشتي النفسية بعدما سكنتِ المنزل الذي يقابلُ منزلي، امرأةٌ وحيدة.... أجل امرأةٌ، لكنها ليست عاديةً. أول مرة التقيت بها، خلت نفسي أمام ممثلةٍ محترفةٍ، وعندما لمحتني ذات مساء من شرفتها، طالعتني بابتسامتها الجريئة، وحيّتني، ثم دعتني لتناول القهوة معها,,, تردّدتُ كثيراً في البداية. اضطربتُ كعصفور يدخل عنوةً قفص طفلٍ صغير، ولكن كيف يمكن رفض دعوةِ سيدةٍ فائقة الجمال؟! وأنا الرجل الذي حُرِمَ شراكة الزوجة، ودفءَ حياتها؟!!!.‏

    ساورتني مشاعرُ متعددة... اعتقدت في البداية أن الذهاب إليها يخدش كرامتي. يضيع سنوات النقاء والطهارة التي وسمت حياتي الماضية... قلقتُ... ضعتُ... بتُ أجهل حقيقة نفسي، وأنا أتساءل: "من أنا؟ هل أنا فارسٌ حالمٌ، أم كهلٌ تجاوز الأربعين ودلف إلى كهوف الشيخوخة ليقضي أيامه معزولاً، يغرق في المطالعة ليلاً ويشرد في التدريس، نهاراً؟!. "‏

    تتداخل الأزمنة في ذهني، تختلط الخيالاتُ بالسطور. أحلامُ النوم بأحلام اليقظة. أصرخ من أعماقي بصوت مكتوم"لا. لا. أنا أبٌ، ومربٍّ. سأظلّ المثلَ والقدوةَ. فارساً أحارب المردةَ، وانتصر للضعفاء.. لكن. آه... درعي قديمٌ، ورمحي مكسورٌ، وحصاني لا يشبه حصان عنترة، والزمنُ ليس زمن الأسوياء، وها هي طواحين الهواء تتحوّل إلى صرعاتٍ جديدة، ومحطاتِ رصدِ... وأنا رمزُ الضياع الذي يمثل جميعَ النماذج البشرية في سعيها الخائب إلى الحرية والحب... أخال العالم يغرق في الطين، ولكن ماذا عليَّ لو خرجت أعبّر عن شعوري بالإحباط تجاه هذا العالم الغريب؟!.‏

    ساورني القلقُ من جديد. لم أتمالك نفسي أمام إغراء دعوتها. قلت، من دون مواربةٍ"أنا إنسانٌ وحيد سأمنح نفسي إجازةً من التمسك بالقيم -هذه المرة-" وكي أوجد لنفسي تسويغاً خلقياً، اصطحبت طفلتي.. كان منزلها يغرق في رومانسيةٍ محبّبةٍ، عندما قدّمتْ لي فنجان القهوة، لاح لي الوجه الوضيء كنزاً من الجمال الآسر، وقد سبقته هالةٌ من العطر... أغدَقتْ على الصغيرة فيضاً من العطف والاهتمام. أدارت الحديثَ عذباً ليّناً في شؤون الأسرة والمجتمع، ثم عرّجتْ على السياسة... كانت جريئةً جدّاً... امتدتِ السهرةُ وتشّعب الحديث، كانت ترى النظام الجديد سيسود العالم... وجدتُ فيها -تلك الليلة- امرأةً مثقفةً تتفهم طبيعةَ المتغيرات التي تحدث من حولنا، وتعيش معها تارةً، وترى أن معاشرتها الرجال يمنحها درايةً وخبرةً بالحياة... ثبّتتْ في خلدي أنها إنسانةٌ متفتحةٌ متحرّرةٌ من العقد الشرقية، تخرجُ إلى الأسواق، تزور الشواطئ، وترتاد المطاعم والمسابح والمسارح، فالقناعة عندها -كما هي عند عطيل- أن تفعل المرأة ما تريد، ما دامت واثقةً من نفسها.. وأنها، كما قالت. كالنحلة العاملة تحبّ أن تقف كل ساعةٍ فوق زهرةٍ لتمتصّ الرحيق وتمنح العسل... في حديثها ظهرت بوضوحٍ اللكنةُ الأجنبية. خِلتها واحدةً من فلوريدا أو من باريس. قالت:" العالم قريةٌ صغيرةٌ بلا حدود أو حواجز... " تجوّلتْ في بلاد كثيرة من العالم ثم حطّتْ الرحال هنا... إنها أمامي الآن لتجعلني أقضي لياليّ في أرقٍ دائم، بعد أن كانت أيامي رتيبةً رتابة الموضوعات التي أُدِّرسها للطلاب: الفاعل والمفعول والحال.... كان الكون قبل لقائها يمتدّ أمامي فسيحاً مترامي الأطراف، لا يتحرك فوقه سوى الصغيرةِ ليلى وطلابي الذين أقنعت نفسي -طواعية- بأنهم أبنائي، وقد تركتْهم لي زوجتي وهم أمانةٌ في عنقي.‏

    آه -.. صورتُها لا تفارقني منذ تلك السهرة، وكم ساءلت نفسي: "هل جارتي الحسناء المتحّررة ماجنةٌ أم شريفةٌ.. أم غيرُ ذلك ومع أنني شككتُ في طبيعة الزيارات التي تقوم بها الرجال إليها في منزلها، إلاّ أنني ، بعد كلِّ ذلك وجدتها مثل شارةِ ضوءٍ تتوهج أمام ناظريّ عبرَ هالةٍ من الجمال الآسر.‏

    وخزني ضميري: "أنتَ إنسانُ قيمٍ، تُصلّي وتصومُ" حاصرني طيفها. ارتسم في فنجان القهوة. بدّدَ جميعَ المقولات الخلقية التي بدت كقبض الريح... تحرّك الضمير مثل شوك الصّبار"لا ترحلْ بعيداً مع أحلامك. شيخ البلدة سيجلدك ثمانين جلدةً لأنك زنيت بعينيك وبأحلامك" أخذتُ رشفةً من القهوة الباردة. تذكّرتُ أمي حين كانت تقول لي: جميعُ الخلافات في العالم تعود إلى سببين: المرأة والرغيف.، ولم تكن أمي آنذاك تدري أنها قد التقتْ مع كارل ماركس وجان بول سارتر في مثل هذه المقولة. وحين حاولتُ إفهامها ذلك، سخرتْ منّي وقالت: وهل تحتاج مثل هذه الحقيقة إلى فلسفات؟!‏

    في الليالي القريبة الماضية لاحقتني الأحلام المؤرّقة، فأعتصرُ جسدَ ولادةَ بنت المستكفي، أحاولُ التوحّد معها فأرى سيف الوزير ابن عبدوس، ألتقطُ حجراً. أضربه وأهرب. اصطدم بالأديبة المصرية نوال السعداوي. ألمحُ في ملامحها جرأةً غريبة. ألتقطُ أنفاسي. أسألها عن آخر كتاباتها الجنسية، فتخبرني بأنها تُخَصّصُ وقتها لدراسة الأديبة الخليجية(فوزية) التي قصَّ لها أبوها شعرها لأنها عارضت في إحدى قصصها تعّدَد الزوجات....‏

    أنقذتني ليلى من خواطري... طلبتُ إليها أن تخلد للنوم. تمرّدتْ. نهضتْ. أدارتْ التلفاز. قلتُ لها: إن العصافير تأوي إلى أعشاشها قبل حلول الظلام. قالتْ: لكنّ التلفاز يعرض مسرحية مدرسة المشاغبين. فتركتها وشأنها.‏

    أخذت رشفةً أخرى من القهوة الباردة. عادتْ صورةُ المرأةِ تلحُّ عليَّ. كانت حياتي قبل أن ألتقيها شجرةً عّراها الشتاء من الخضرة. لكنني الآن أحسّ أن عشرات الفروع تمور الحياةُ في أغصانها... تستعر في كياني أحاسيس ومشاعرُ حادّةٌ. توقظ في أعماقي الرجل الغافي.... الشجرةُ العاريةٌ يغزوها الدفءُ فتهتزّ وتربو لتشارك في الحياة والنماء.‏

    وجدتُ وأنا أنظر إلى السماء، قمرَ الصيف فارساً جميلاً، كعاشقٍ يسبح في بحرٍ من الحب، والنجومَ أشبهَ بمصابيح تنير القلب. (آه.. الحياة لا تزال جميلةً!)..‏

    في المدرسة، تسألني المديرة عن دفتر التحضير -حسب النظام الداخلي- فأقّدمُ لها ورقةَ رسائلَ معطّرةٍ، ولم أجرؤ على القول إن النظام ينصّ على أن يكون أقدمُ المدرسين مديراً وأنه لا يبيح للمراهقات تسنّمَ الإدارة، وأن النظام يتجاهل كل طلبٍ غير مشفوع بامرأةٍ، لأن المرأة عطرُ الحياة. ويسألني طالبٌ عن سبب تقدّمِ الخبر على المبتدأ فأقول له: لأن في المبتدأ ضميراً. ومسألةُ الضمير شائكة، فبعض الدول عندما تكبر ترساناتها الحربية يضعف فيها الضمير، فتجتاحُ جيرانها، وامرؤ القيس يتناسى ضميره عندما يسرق ثياب البدويات السابحات في دارة جلجل، معبّراً عن شبقه في تلك الواحة المعزولة من النخيل.‏

    .. قلبي واحِةٌ خالية من كل شيءٍ. عندما قمتُ السنة الماضية برحلةٍ إلى تركية مع بعض الزملاء وجدتُ بعضهم ينساقُ مع بائعات الهوى. قال واحدٌ منهم: آهِ لو عرفتَ المرأةَ. عندما اعترضتُ قال لي: لو لم تكن قد خلّفتَ طفلةً لشككتُ برجولتك . نيرون أحرق روما من أجل عيني امرأةٍ شقراء. أرغمني الزميل على اصطحاب واحدة. أحسستُ بغثيانِ شديدِ. ووهنٍ جسميّ. اعتذرتُ للمرأة داخل غرفتها. فشتمتني، وقالت: أنتَ لست رجلاً!. رددتُ على شتيمتها قائلاً: وأنتِ امرأةٌ غير شريفةٍ. فشتمتني ثانيةً، وانتابني إحساسٌ بالخزي. إذ لا شيء أصعبُ على الرجل من الهزيمة في فراش امرأة -على حد تعبير غادة السمان- في الخارج تنفستُ هواءً نقياً لكنّ شعوراً بالضعة جعلني أحسّ أنني أتحوّل إلى صرصور يخرج من بالوعةٍ نتنةٍ وأنني بحاجة إلى حمامٍ ومسجد.‏

    في استنبول سألت المطربة(سبلكان): لماذا تحبين السينما، فأجابت: لأنها تعطي الجسد حقّه، وتزيدُ عدَد المعجبين، وتملأ الخزائن بالمجوهرات، ثم أعلنتْ في الندوة الصحفية عن كرهها للفن الحديث لأنه يشبه الرقص الحديث، وكلاهما بعيدٌ عن روح الشرق وأصالته، وهي لا تميل إلى فنِ وأدبِ ما بعد الحداثة، لأنه يستبدل الأحاسيس بتكوينات مجرّدةٍ تسبح في فراغٍ .‏

    أما أنا في هذه اللحظة الليلية أشعر أنني تكوينٌ مهملٌ في لوحةِ الكونِ المتسعة المتشابكة ولن ينتشلني من خيبتي وضياعي سوى امرأة.‏

    -بابا...‏

    نبّهني صوتُ ليلى..(أستغفر الله.)‏

    -مابكِ يا حبيبتي؟!...‏

    وجدتُها مشدودة إلى التلفاز. عادل الإمام يُظهِرُ براعته أمام المعلمة التي لا تخفى عليها تصرفاتُه الشبقة. ضغطتُ مفتاح القناة الثانية، طالعتني صورةٌ عاريةٌ. احتّجتْ ليلى. طلبت العودةَ إلى مدرسة المشاغبين. عاودتني الوساوس. (لا حول ولا قوة إلاّ بالله) استعذتُ بالله. أنا إنسانٌ طاهرٌ نقيّ.. بل كنت طاهراً نقياً عندما كان لي زوجةٌ أسكن إليها، أما الآن أنا لست بريئاً(وما أبرّئُ نفسي إن النفسَ لأمارة بالسوء)... شبح المرأة المجاورة يجتاح كياني.. زميلتي في المدِّرسة تبدو غيرَ سعيدةٍ في زواجها لذلك أهملتْ أمر زينتها ولباسها، حتى غدتْ امرأةً عاديةً جدّاً، بعد أن كانت قبل الزواج ترتدي كل يومٍ ثوباً جديداً، وتعيد إصلاح زينتها عند بداية كل حصة، سمعتُها تقول لزميلتنا المديرةِ المراهقة: "الزواجُ نكدٌ. في العالم قليل من السعداء وكثرةٌ هائلةٌ من الشقاء..." قال لي فؤاد سيزكين عندما التقيته في تلك الرحلة: الحياةُ صراع قلت: أمي تعلم ذلك، قال: والمرأةُ ستحكم العالم. بنازير بوتو، تانسو تشيلر. تاتشر وقد نسي جارتي الفاتنةَ، لكن فترةَ الزعامات النسوية السياسية مؤقّتةٌ، لا تعدو أن تدوم بضع سنين، في حين تدوم الزعامات النسوية الفنية في هوليود سنين طويلة، ولن تتنازل واحدةٌ عن كرسي العرش إلاّ بالموت أو الاغتيال... نبّهني الفيلسوف التركي المسلم وبلغةٍ عربيةٍ فصيحةٍ إلى أن جسد المرأة هو محّركُ النظام الاقتصادي والسياسي الحديث، وأن ملكات الجمال ووصيفاتهن سيصدّرونَ الإيدز إلى العالم الثالث، ولهن اليوم رعايا في جنوب شرق آسيا، وقد صدرتْ إليهن الأوامر للتحرّك نحو دول الشرق العربي للتصدي لمدِّ الثورة الإسلامية التي يخافون انتشارها.‏

    "-انتهت المسرحية" قالت ليلى بصوتها الناعم.‏

    قلت لها: اخلدي للنوم إذن....‏

    أخذتُ رشفةً من بقايا القهوة الباردة. منزلُ جارتي يفيضُ بالنور. لعلها تسهر الآن وحيدةً.‏

    لم أسمع وَقْعَ أقدامٍ تصعد إليها. الساعة تجاوزت منتصف الليل. أعلنتْ لي في المرة السابقة أنها مستعدةٌ لاستقبالي كل ليلةٍ، وهي تحبْ السهر. تبدو لي الآن كالشيء الجميل المدهش وسط صحراء أسافر فيها وحيداً من دون زادٍ أو رفيق. (والقيم التي أعتزُّ بها تبدو الآن غائمةً جداً، والمرأةُ جاهزةٌ لاستقبالي. وما اجتمع رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما، وأنا من أكون أمام هذه المرأة الرائعة؟!) حين أبحث عن ذاتي في معظم الأوقات التي أفكّر فيها، أجدُ نفسي إنساناً ضائعاً أشبه بقشةٍ في مهب الريح، عندما سألتني: لماذا لم تتزوج؟!. قلت لها: إنه الوفاء، أو عدم وجود السيولة النقدية، نظراً لانخفاض عملات العالم الثالث أمام الدولار، وكما أظن أنه لا توجد في البلدة امرأةٌ ترضى بي في وضعي الراهن... ثم أردفتُ بعد فترة صمتٍ: سأكون سعيداً إذا لقيتُ صاحبةَ النصيب، وسألتني: أوَلمْ يتفتّح قلبك للحبْ، اعترفتُ لها أنني باعتباري من هواة الأدب، عشقت فرانسواز ساغان في شبابي، وتمنيّتُ أن أتزوّجها كي أرفل بالسعادة التي يمكن أن توفرها لي امرأةٌ فرنسية متحرّرةٌ ذات ثروةٍ كبيرةٍ بعد أن فازت بجائزة نوبل للآداب، لكنها كانت عنصريةً جداً في نظرتها للجنس.‏

    لم أستغرب ذلك، فهي ابنةُ دولةٍ استعمرتنا ردحاً من الزمن، لذلك عدت واقترنت بزوجتي التي اختارتها لي أمي من دون أن أراها، وقد أرغمها أهلها على الاقتران بي من دون أن تراني، وعلل الجانبان تصرفهما بأن الحبّ يُصنع بعد الزواج، وهل يمكنني أن أتزوّجَ ثانيةً وأعود إلى الحالة الطبيعية، أم أن النظامَ الدولي الجديد، وأجهزةَ الكمبيوتر والأقمارَ الصناعية ستفرز ألواناً جديدة من العلاقات العاطفية والاجتماعية؟. كل اتفاقٍ بين جانبين مهما كانت صفته تقف خلفه امرأةٌ. بعد تفكّك الاتحاد السوفياتي اقترح المصلحون الاقتصاديون تنشيط دور البغاء لإنعاش السياحة، ومن ثم تصدير العاهرات وراقصات الباليه إلى دول العالم النامي بغية استقدام العملات الصعبة، وكَسْرِ حصارِ السوق السوداء. قال لي صديقي "ساطع" العائد للتو من هناك، إن المصلحين الاجتماعيين ورجال الأعمال، استفادوا من تجربة البعثة الفييتنامية، حيث كانت تُؤَمّن لكل خمسة طلابٍ يدرسون في موسكو فتاةً تقوم بأودهم وتُسكن المواء الصارخ في أعماق كلٍ منهم. كما عبّر لي الرجل الوقور الذي كان يجلس بجانبي في السيارة في رحلتي الأخيرة إلى بيروت عن رأيه، بعد أن سمعنا نكتةً جنسية من إذاعة مونت كارلو من مذياع السيارة: "إن هذا الانفتاح الجنسي في مجتمعات ما بعد الحضارة يشكّل عامل انحطاطٍ وتفكّكٍ، ويزرع في ثنايا مجتمعاتنا بذور الهدم والخراب..." ابنة الصفتلي ما قدمتْ من تل أبيب إلى مصر إلاّ لتؤديَ دورها في نشر الإيدز في أفخم فنادق القاهرة. ينقصنا مومساتٌ في العالم العربي. إسرائيل تتكفّل في تصريحاتٍ سرية بتخليص من يطبّعُ علاقاته معها من كل العقد الجنسية.مونيكا نجحتْ في تلويث غلالتها الزرقاء بماء كلنتون..... شهريار ألف ليلة وليلة، لم يترك في بغداد صبيةً إلا قتلها ليغطيَ على جرائم الاغتصاب. شهرزاد، هي الوحيدة التي عرفت كيف تمتص غريزتي الشبق والقتل في نفس الملك.... ماذا أفعل الآن وجارتي الحسناء تسهر وحدها سأذهب إليها، ولأعطيَ القيم والأخلاق إجازةً هذه المرة أيضاً، لن أهمّ بها ولن أدعها تهمّ بي، ولن يدخل صاحبها من الباب، وشاهدتي الصغيرةُ ليلى التي هي من أهلي نائمةٌ، ولن أسمح لحياتي أن تبقى مثل بركةٍ سكنَ ماؤها. لابدّ من إلقاء حجر في البركة....‏

    تسللتُ كلصٍ خائفٍ، غيرِ متمّرسٍ بأعمال السطو. فتحتُ الباب الخارجيّ بهدوءٍ، وقفتُ أمام باب منزلها مضطرباً. المرأةُ بعيدةٌ عني. في داخلي وحشٌ يبحثُ عن فريسةٍ. لكنه يجهلُ مقدرةَ هذا الخصم الذي سينازله، .. آه.. المرأةُ وحدها تهدئ النفسَ المضطربة. تعيد التوازن إلى الجسم... في الدول الموسرة يفتحون للشباب قنواتٍ للسفر إلى جنوب شرق آسيا. مددتُ يدي لأضغط مفتاح الجرس لكنني تراجعتُ. خفتُ.. أصابني الغثيان من جديد. أنا طفلٌ مراهق. يحمرُّ وجهي خجلاً حين يقف في حضرة أنثى. تقول مارلين مونرو: لقد خلق الله الرجلَ أطولَ قامةً من المرأة حتى يتعلّم الانحناء لها، مددتُ يدي ثانيةً. اهتززتُ. استجمعتُ قوتي. ضغطتُ الجرس. سمعتُ صدى الرنين يأتيني من الداخل كصوتٍ قادمٍ من كهف بعيد. سادتْ فترةُ صمتٍ خلتها دهراً. اضطربتْ مشاعري من جديدٍ. تخيّلتُ نفسي معها في غرفةٍ واحدةٍ. لكن هذا مستحيل... لا ليس مستحيلاً... نحن في زمن المتغيرات الاجتماعية والخلقية والدولية. ضغطتُ الجرس ثانيةً. سمعتُ وقعَ خطواتٍ تقترب. قفزَ قلبي بين ضلوعي. سمعتُ حركةَ المزلاج.. انفتح الباب..... طالعني وجه رجل صلبِ الملامح بشاربين كثيّن، يرتدي سروالاً داخلياً فاضحاً. وقد بدا عليه الامتعاض, نسيتْ غادة السمّان أن تصف حالة الرجل الذي ينتزع من فراشِ امرأةٍ وهو في أوج سلطانه.‏

    -ماذا تريد؟!.‏

    اضطربت الكلمات على شفتيّ... قلتُ مرتعشاً:‏

    -الـ.... السيدة....‏

    -السيدةُ مشغولةٌ. ألا تفهم!!.‏

    وجدني أقف مبهوتاً كالصنم. فعاجلني بدفعةٍ قويةٍ في صدري وأتبعها بسيلٍ من الشتائم البذيئة....‏

    تمالكتُ نفسي. استدرتُ. فتحتُ باب منزلي بهدوءٍ وحذر.... وجدتُ ليلى واقفةً... لعلّها كانت تنظرُ من ثقب الباب إلى فصلٍ جديدٍ من مسرحية المتغيرات العصرية.‏

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()