بتـــــاريخ : 11/18/2008 6:07:04 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1279 0


    نـدى.. وحالات الإسم المقهور

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : محمـــود زعـــرور | المصدر : www.awu-dam.org

    كلمات مفتاحية  :

     

    لم يكن بمقدورها الهرب من قبح هذا الوجه، أو التحايل على تحمل بشاعته.‏

    لقد أيقنتْ أن أيامها قد أسفرتْ لها عنْ أشرسِ وجهٍ قُدِّر لها أن تواجهه، وأنْ تعيشَ كل تلك الفترة الماضية في حالةٍ من الصبر تارة، ومن رسم الخطط وتجريب المحاولات من أجل الخلاص والنجاة تارةً أخرى.

    كانت المفاجآت تداهمها في كل خطوة، ويحوَّطها شبح لاتقوى على إبعاد ظلاله التي تزرع في نفسها الهلع، وتورث في روحها الضعف، والهزيمة الساحقة.‏

    لم تكن "ندى" لتعرف أنها ستواجه كل هذه القسوة، ولم تكن لتتخيل أنها سترى هذا الجور، وتعيش صور القهر بهذه الحدة، وعلى هذا النحو القاتل.‏

    كان الزمن حزناً متصلاً، وجربت أنْ تحياه بأقل الخسارات، من آلام العيش مع زوجها السابق، في ذلك البيت الريفي في القرية البعيدة، وأيضاً معاناتها المضنية مع الزوج الثاني في الزاوية الصغيرة والمعتمة لذلك الدكان المنعزل حيناً، وفي البيت الخانق في العمارة القذرة والمتهالكة حيناً آخر.‏

    لكن العزاء الكبير الذي زيَّن لها صبرها على كل ذلك، هو حلمها الزاهي، وقد سعتْ باستمرار باستدعاء هذا الحلم، والدنو من سياجه الآمن، لأنها قدَّرت أنَّ خلاصها يكمن فيه، فهو المنجى الوحيد والأكيد، وقد علَّقتْ عليه آمالها الكبرى، ومطامحها الموعودة، التي رسمتها بكثيرٍ من الانتظار والفرح.‏

    لقد قدرتْ أن طيّ الصفحات السود قريب، وأن ذلك حاصلٌ لامحالة، وسيكون لها شأن مختلف بحدوث ماترقبه.‏

    وقد كانت اعترافاتها لي مؤخراً في غاية الغرابة لأنني لم أكنُ أستطيع مواجهة تلك الاعترافات دون أنْ أظهر تأثري السريع، ولمْ يكنْ هذا التأثير أمراً هيناً بالنسبة لها.‏

    ربما ترى هذه الاستجابة جديدةً عليها، هكذا قدرتُ لأنني عرفتُ أنها تحكي بعض فصول سيرتها للمرة الأولى.‏

    وبين برهةٍ وأخرى تلتقي نظراتي بنظرات زوجتي، ويقوم بيننا للتو نوع من الاتفاق حول هذا الواقع البائس الذي واجهته "ندى" وكيف قُدَّر لها أن تعيش حالةً عجيبةً من المفارقة المؤلمة بين اسمها الرقيق وبين نقيضه الصارخ.‏

    وفيما بعد، ستقول لي زوجتي أنَّ النون يُحيل إلى النحس أو النكد، والدال مشتق من الدموع أو من الدم، وعندما سألتُها عن الألف، الحرف الثالث من الإسم. فكرتْ طويلاً، ولم تعثر على جوابٍ يناسبُ هذا التحليل.‏

    قلت لها:‏

    - "إن الألف ألم ممدود أو أنين لاينتهي".‏

    وتقول "ندى":‏

    - "إن زيارتي الأسبوعية لابنتي الصغيرة كانت عذاباً جحيماً لايُطاق".‏

    وتتابع فتقول:‏

    - "كان أقسى ماأواجهه منها هو سؤالها الأهم.. عن سر ابتعادي عنها، وكنتُ أتمزق ألماً أمام توسلاتها من أجل البقاء معها".‏

    لقد حدثتنا "ندى" عن تلك الظروف التي أجبرتْها على ترك زوجها السابق، والتخلي مكرهةً عنْ طفلتها، وكيف اهتدتْ للعمل بائعةَ في محل للألبسة، وعن أيامها القاسية التي عاشتها وهي تواجه نظرات أبيها، وشكوك زوجته، ثم تبعة طردها والتنكر لها.‏

    خرجت "ندى" في ليلةٍ حالكةِ السواد، تقدّم رجلاً وتؤخر الثانية، ومن يومها حلَّ في نفسها كرهٌ متحكم لصورة الليل، التي اقترنتْ عندها بالمخاوف جراء مواجهةِ مصيرٍ مجهول.‏

    وأنا أستمع إليها، كنتُ أعيدُ التفكير في أمر هذا اللقاء، وألوم نفسي لتسرعي في طلبه، وأصفُ إلحاحي بأنه أهوج وانفعالي.‏

    وتساءلت مراراً عن جدواه بالنسبةِ لها، وعنْ إمكانية تحقيق بعض النتائج المرجوة أو المتوقعة.‏

    قلتُ لزوجتي:‏

    - "هل ستوافق".‏

    - "لاأظن". قالت لي.‏

    وسألتها:‏

    - "هلْ سيؤلمها ذلك".‏

    حدقتْ فيَّ بتركيزٍ مثير، برهةً طويلة، ثم أجابتني بسؤالٍ قريبٍ لسؤالي:‏

    - "هل تظن أنها تستطيع بسط آلامها بسهولة والحديث عنها مع شخص غريب؟"‏

    واعترفتُ، بيني وبين نفسي، بأن زوجتي على حق، لأن المسألة دقيقة وحساسة، والخوض فيها يسبب إحراجاً كبيراً لن يكون التغلب عليه سهلاً.‏

    لكنْ، واستجابةً لرغبتي الملحة ستطلب منها البقاء كي أتحدث معها.‏

    تلك كانت رغبتي، لمساعدتها في معالجة جيدة لأيامها الحاضرة، لكنْ، وبشكلٍ مفاجئ وجدتُ نفسي غارقا في الاستماع لماضيها الذي لم يكن سوى سجن مسور بالأسى.‏

    فقدتُ مبادرتي، وتبخَّرتْ رجاحتي، وماأتصف به من سلوك حكيم، ووجدتني عاجزاً عنْ تقديمِ حلٍّ ما، أوْ بسطِ فكرةٍ منقذة.‏

    - "هذا ظلم!". أقول في نفسي.‏

    وعندما صارت تحكي لنا كيف عاشتْ في زاوية ذلك الدكان، مع أصوات المحركات، ورائحة المازوت والبنزين، وقصتها الجديدة مع الميكانيكي الذي اختارته زوجاً، أيْ حلاً، من أفضل الحلول السيئة، وكيف كان يغلق عليها محله ليلاً، تبدأ فصول البؤس بالاكتمال، وتبدأ حروف الآلام بالتشكل، وأُقدِّر أنه مامنْ كلمةٍ مهما كانت قيمتها ستفعل شيئاً، فأستمر بالإصغاء مثلما كانت تصغي هي في الليل إلى أصوات السكارى وهم عائدين إلى بيوتهم مترنحين، فتتكوَّم على نفسها، وترتجف، وتعيش الخوف كله، وتظن أن واحداً منهم سيكسر القفل ويداهمها بتهديده وبطشه

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()