بتـــــاريخ : 11/18/2008 5:24:44 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 962 0


    الخطوات

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : ظافــــر الـنجــــــار | المصدر : www.awu-dam.org

    كلمات مفتاحية  :
    قصة الخطوات ظافــــر الـنجــــــار

    من كان يعتقد أن هرّة أليفة مسالمة هي من سيتكفّل بتقويض صبري، ودفعي لأتحسّس من جديد كل جزئيّات جهنّم، التي سبق أن تعاميت عنها عمداً.بقصد امتصاص ماأمكن من هول صدماتها؟!.

    ذلك ما حدث يوم الجمعة الفائت. وكانت الهرّة قد أصبحت نزيلاً دائماً عندي.‏

    -آه منك يا حيوانة.. تتركين كل ذلك الفضاء..وكل تلك الزرقة، وتتسللين بمحض إرادتك إلى جهنم؟! قلت لها ذلك لحظة تعرّفي عليها وأنا أقدّم لها أفضل ما لديّ من فُتات.‏

    كانت حاجتي لأنيس ما، أكبر حتى من حاجتها للخبز، فأصبحنا صديقين.‏

    ورحت أحادثها، أشكو لها عزلتي، وجعي الروحي، حنيني، حكايات حبّي التي تزداد يوماً إثر يوم روعة وبهاءً، دون أن يراودني أبدأ الشكّ بإضافاتي المستمّرة، والتي بتّ أتوهم أنها واقعيّة، وأنه لم يُتح لي فرصة البوح بها من قبل.‏

    صديقتي الهرّة تصدّقني تماماً، وتواسيني بطريقة حيوانيّة فذّة، حيث تخرج عن هدوئها، وتموء بطريقة مختلفة. تخرمش ثيابي بطريقة استفزازيّة مرحة، إلى أن ابتسم وأداعبها.‏

    فتتمدّد قربي، وعيناها اللامعتان تمتصان نظراتي الشاكرة بإلفه ومودّة.‏

    في الليالي الباردة أغطّيها ببعض ثيابي، لكنني في الصباح أستيقظ لأجدها مندسّة في فراشيِ، مع هرير هادئ ومنتظم.‏

    لا أدري كيف تناهى إليّ ذات مرّة أنينها المكبوت.‏

    ".. كانت تناديني وتستغيث كطفل يسملون عينيه، فانتفضتُ، وقفزت حاملاً معي كل إحساسي الجارح بالقهر، مقرّراً أنّ المعركة معركتي أيضاً، وسأخوضها حتى الاستشهاد.‏

    كان ثمّة خصوم غامضون يحاولون أكلها نيّئة وحيّة! فتصدّيت لهم، قاتلت وإيّاها بشراسة لا أعهدها بي، وانتصرنا، مع جراح بدت مقبولة كثمن للانتصار."‏

    فور استيقاظي التفتّ بكل لهفتي وجزعي باحثاً عنها. كانت قربي تلعق صغارها بلسان متعب. سألتها بفرح وأنا أرها بخير: كم يا صديقتي؟‏

    كانوا أربعة مواليد يحملون الكثير من وسامة ودماثة أمهم. وعيونهم المغمضة لا تعرف لماذا اختارت لهم أمهم جهنّم مكاناً للإقامة!‏

    وقع الخطوات وحده كان يقلق صديقتي، يستفزّها. فأربت على ظهرها، أهدّئ روعها. أفهمها أننا لسنا معنيّين دائماً بالأمر. لكنها ترفض أن تصدّق ذلك.‏

    وتحافظ على توتّرها ونزقها، إلى أن يعود الصمت خالياً من أيّة شائبة، آنذاك تقفز بارتياح إلى حضني، وتتمدّد كأيّ طفل مدلّل.‏

    عندما رفسوها أنّت بصخب حادّ، رأيت عينيها الواسعتين تنكفئان عنّي لتستسلما لوجع الرفسة التالية، ثم هرّت بما يشبه العواء وهي تنقذف إلى الخارج وترتطم بأحد الجدران. لملمت أشلاء قلبي، وانطويت لأسمع كما في حلم كابوسيّ، بقايا صوتها المتشنّج، وهو يبتعد وينحفر في ذاكرتي، ولأرى صغارها يتطايرون مع مواء خافت ومختلج.‏

    لم تمت الهرّة!‏

    عادت الحيوانة تتسلّل ليلاً، بحذر وانكسار شديدين وسط هدوء عميقٍ وصمتٍ شامل.‏

    فغرتُ فمي دهشةُ وفرحاً، ومددتُ لها يداً حانية، فأجفلتْ. تردّدت في الاقتراب منّي. فتّشتْ عيناها المكان برهبة، ثم أغمضتها واستسلمت لندائي الهامس ويدي.‏

    صديقتي لم تعد تجيد المداعبة، انتباهها كله بات مشدوداً إلى الخارج. ومن حين لآخر ترتعد دون سبب واضح، وتهرب.‏

    في لحظة سكون كليّ غابت لتعود بعد برهة، حاملة بفمها أحد صغارها. رمته بلطف أمامي لكأنني أبوه!‏

    لم أسالها عن البقية، كانت الفاجعة واضحة في عينها.‏

    احتضنتها واحتضنت الصغير. فتمدّدتْ بوداعة ولعقت يدي، ونظراتها الراضية تتمسّح بي، إلى أن وخزها الإيقاع القادم للخطوات.‏

    فقفزت هاربة، ثم عادت كالموتورة، فاتحةً شدقيها لالتقاط صغيرها والفرار به.‏

    وقع الخطوات كان قد أصبح أكثر وضوحاً وقسوة، فأغمضت عينيّ طارداً آثار الرعب الذي بات يلازم الهرّة، ومن ثمن يتسلل إلي.‏

    لم أستسلم لمخاوفنا المشتركة، وفكّرت بالتحكّم بردود فعل صديقتي المرعوبة، حيث أن وقع الخطوات لن ينقطع، وأعصابنا لا تحتمل الاستنفار إلى مالانهاية. فأجهدت نفسي لتهدئتها وردعها عن الهرب، وإذ رأيتها تستنفر وتتحفّز لالتقاط صغيرها والفرار، أمسكت بها، واحتفظت بالصغير عل مبعدة منها، فنهرني بتكشيرة حانقة لم أرها من قبل، وأفلتت مندفعة نحو الصغير حاولت إفهامها بالقوّة أن الخطوات عابرة، ففوجئت بها تنشب أظفارها وتدمي يدي بشراسة، قبل أن تطبق فمها على صغيرها وتهمّ بالفرار، وعيناها المرعوبتان تصرخان بي: دعني يا غبيّ. وتحثّانني بشكل غامض على الهرب ومحاولة النجاة بما تبقى من جلدي

    كلمات مفتاحية  :
    قصة الخطوات ظافــــر الـنجــــــار

    تعليقات الزوار ()