بتـــــاريخ : 11/17/2008 7:42:57 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1066 0


    سترة الخاكي

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : شوقي بغدادي | المصدر : www.awu-dam.org

    كلمات مفتاحية  :

    كان الوقت ظهراً، وكانت الفتاة أوّلَ من صعدَ إلى صدر إحدى سيّارات "الخدمة"، وسرعان ماتبعها شاب يلبس سترة خاكية اللون جديدة نسبيّاً، فجلس إلى جانبها، ثم لم يلبث أن صعد فتىً مراهق إلى جواره، فأفسح له مكاناً فسيحاً ملتصقاً ما أمكنه ذلك بالفتاة التي انكمشت على نفسها دون أن تنجح في الابتعاد عنه إذ كان صدر السيارة ضيّقاً يكاد لا يتّسع للركاب الثلاثة. وماهي إلاّ دقائق حتى امتلأت السيّارة وانطلقت بحمولتها في اتجاه "ركن الدين"...‏

    كان واضحاً أن الفتاة صغيرة السن بالرغم من امتلاء جسدها، ولقد كان اضطرابها واضحاً من الموقف الذي حشرها إلى جوار الشاب متين البنيان طويل القامة الذي التصق بها ومدّ ذراعه اليسرى المجاور لها على امتداد فخذه بشكل يكاد يلاصق فخذها، أما الفتى المراهق فقد كان يراقب الوضع من زاوية عينه اليسرى دون أن يجرؤ على الإلفتات. كان فتىً صغيراً ملتحياً وخجولاً على مايبدو، ولكنّه زائغ النظرات مما يوحي بارتباك داخلي أو فضول خاصٍ. أما في المقدّمة فقد كان السائق كهلاً نحيفاً مستغرقاً في قيادة سيّارته المحاصرة بالزحام. وقد جلست إلى جواره امرأة هرمة ظلت تسعل بصوتٍ مخنوق طوال الطريق ومعها صبي في العاشرة أصرّ على الجلوس قرب النافذة وظلّ يلاحق مناظر الطريق دون أن يمنح المرأة العجوز التي معه نظرة واحدة..‏

    تداعيات مُحتملة للشخصيّات‏

    الفتاة الصغيرة‏

    إنه شاب لا يخلو من الوسامة، ولكنه وقح كما يبدو، سُترته توحي أنه عسكري أو من رجال الأمن. في استطاعته أن يسحب ذراعه في الاتجاه الآخر. ولكنه يتعمد وضعها بهذا الشكل. يا إلهي.. كوعه صار فوق حضني مباشرةً. ماعساني أصنع؟! لو قلت له اسحب يدك فقد يغضب ويُسمعني كلماتٍ نابية. وقد يضربني ويضرب الجميع لو آزروني ضدّه. ستكون فضيحة لا ضرورة لها. إنْ هي إلاّ دقائق ثمّ نصل. ولكن السير واقف عند جسر فيكتوريا وزحام السيارات شديد. والسائق غير آبه بما يدور خلفه. لا أحد يهتمّ حتى الفتى المجاور له لا يتجاسر على النظر. إنه خائف مثلي بالتأكيد. لا.. هذا كثير!.. لقد أمست ذراعه بأكملها تقريباً فوق فخذي، ولا ينقصه إلا أن يضع أصابعه فوق ركبتي. يالها من كفّ قوية طويلة الأصابع. إنها تتحرّك باتجاهي، ولكن كوعه يمتدّ ويتراخى ويغوص في أحضاني. أهذه هي إذن اللذة التي حدّثتني عنها "ندى" وسخرت من جهلي إيّاها، لو أنه كان أكثر لطفاً فقط، لو أن الأمر حدث في مكان لا أحد فيه سوانا. أو لو كان بعيداً عن رقابة العيون!.. أمّا هنا.. ولكن أحداً لا يرانا هنا ولا يعبأ بما يدور وراءه أو إلى جانبه. حتى هذا الشاب الذي يجاورنا لا يجرؤ على النظر. إنها خلوة شبه تامة يا"عفاف" يجب أن تعترفي بأنك تأثرت قليلاً أو كثيراً وأنك لم تعودي ناقمة عليه تماماً. غير أنك تستغربين جرأته فقط وتقولين لنفسك: هل كل الرجال يملكون مثل هذه الجرأة هكذا في وضح النهار، وفي سيارة عامة، وفي حضور الناس، أم لأنه رجل من نوعٍ خاصّ، يلبس ثياباً خاصّة، ويقوم بعمل معيّن يستمدّ منه جرأته هذه. ومع ذلك فأنت لست ناقمة ياعفاف. أنت خائفة فقط، وإذا لم تستجيبي للمتعة الخفيّة في كيانك كله فليس إلاّ لأنك خائفة من التجربة الجديدة، استرخي إذن. دعيه يتصرّف. أتركي لأصابعه الحرّية في أن تستقرّ على ركبتك أو تصعد إلى صدرك أو أن يلتفت بأكمله نحوك كي يحتويك بين ذراعيه وتدفني رأسك في صدره العريض.. ولكن هذا عيب ياعفاف. ولا يجوز أن توافقي عليه...‏

    ذو السُترة الخاكية‏

    هذه لقطة ثمينة، فهي عدا عن كونها مليحة وذات جسد يتفجّر بالأنوثة، فهي فتاة صغيرة السن كما يبدو من نظرتها المنكسرة الخجول، معنى هذا أنها لن تجرؤ على الاعتراض لأنها تخاف. ولابدّ أن سُترتي كافية لإقناعها بأنني رجل قوي لا يمكن الاعتراض عليه بسهولة. يبقى علي فقط أن أكون حذراً من الآخرين. ولكن الآخرين لا وزن لهم كما يظهر على الإطلاق.. جاري فتى مراهق ورع ولكنه كما يبدو قلق مذعور لم يجرؤ حتى على الإلتفات. وفي الصف الأمامي لا يوجد سوى العجائز والأطفال. إنها فرصة نادرة لم تُتَحْ لك كثيراً من قبل. إبدأ إذن بإسناد كوعك إلى جذعها، ثم ألصق فخذك بفخذها، ثم تسلّل بذراعك إلى حضنها مع اهتزاز السيارة كي تبدو الحركة طبيعية في أوّل الأمر. ماذا اكتشفت حتى الآن. مازلتم قبل ساحة "السبع بحرات"، وعندما تلّف السيارة مع دائرة الساحة سوف تلاحظ مدى استسلامها للاندفاع المعاكس، وماعليك عندئذٍ إلى أن تسترخي قليلاً محافظاً على وضع الإلتصاق الكامل الذي سهّله ضيق المكان. إنها تنظر من النافذة ولا تُدير رأسها إلا قليلاً. ولكنك تلاحظ أنها لا تعترض بشكل جدي وإن هي إلا حركات شكلية لإنقاذ المظاهر. ابسط أصابعك المتوتّرة إذن وضعها بكاملها على تلك الركبة الرائعة ولا تخفْ. أنت رجل قوي الآن. وسترتك قادرة على حمايتك ضدّ الأخطار المتوقعة. ولكن الفتاة تنكمش قليلاً عنك ثم تعود إلى وضعها الأول بعد قليل. هل وصلت اللقمة إلى الفم أم لا. هل أخترع حديثاً يمكن أن أوجّهه إليها الآن كي أسمع صوتها، أم أؤجل كلّ هذا إلى مناسبة أخرى. وهل أهبط من السيّارة عند نزولها منها كي ألاحقها أم أكتفي بهذا القدر من المتعة التي لم أذُقْ مثلها في السيّارات العامة منذ أمد طويل. لا ينقصني إلا المال. بعض المال الفائض كي أتابع مغامرتي إلى نهايتها بثقة أكبر. ولكن بيع الملابس المستعملة على عربة جوّالة لا يدّر ربحاً كبيراً. لنفترض أنها كانت على استعداد لمسايرتك مما عساك تصنع بعدها. إلى أين تمضي بها. إنها ماتزال مرعوبة حتى الآن. يجب أن أستغلّ خوفها أكثر. ولكن ما الفائدة من مسايرةٍ قائمة على الخوف. سوف تقف السيّارة بعد قليل فتهبط منها وما إن تراني خلفها حتى تركض مذعورة إلى بيتها.. دعك منها..‏

    الفتى المراهق‏

    هذا أمرٌ لا يُصدّق. هكذا.. في وضح النهار.. وأمام عيني، وفي حضور الآخرين يدفع الرجل ذراعه مستغلاًّ خوفها. إنه لا يعبأ بحضوري على الإطلاق كأنه واثق جيداً من أنني لن أجرؤ على معارضته، ترى ماهو عمل هذا الشاب.‏

    إن سترته الخاكية تدلّ على أنه عسكري، أو موظف في مؤسسة عسكرية، ومنظره الصلب يوحي بأنه كبير الثقة بنفسه. ولكن الفتاة لا يبدو عليها الضيق تماماً. قد تكون خائفة ولكنها ليست معترضة على جرأته وملامساته بشكل جدّي. معنى هذا أنها تجد نوعاً من المتعة في هذه الملاصقة وإلا لكان في مقدورها أن تبتعد عنه أكثر أو تتظاهر بذلك إذا لم يكن متسع في المكان، أو أن تنظر إليه نظرة مؤنبة على الأقل. فلماذا لا تصنع؟!. لو كنت في مكانه فهل كان في استطاعتي أن أفعل فعله.. معاذ الله.. ولكن لنفترض أن المكان ضيّق، وأن الفتاة التصقت بي غصباً عنها.. بسبب ضيق المكان مثلاً.. فهل تكون منزعجة أم مسرورة؟!. ترى كيف كانت ستتصرّف. إنها فتاة شهيّة حقاً. ولكن هذا عيب.. وحرام.. ولكنه لذيذ شهيّ. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. سوف أسترق النظر بشكل لايضايقهما. إنه يكاد يدير ظهره نحوي، وأصابعه تلامس أطراف الفستان عند الركبة. يا إلهي.. كأنّه يهمّ برفع طرف الفستان قليلاً إلى الأعلى...‏

    ***‏

    لم يحدث شيء أكثر من هذا في ذلك اليوم. وعندما هبطت الفتاة لم يلاحقها أحد، ثم تفرّق الجميع كلّ في اتجاه، ومع ذلك فالقصة لم تنتهِ عند هذا الحدّ إذ كان ثمّة مضاعفات تتلامح في أفق كلّ من هؤلاء الأشخاص الثلاثة فبعد مرور عدّة أسابيع أو عدّة أشهر على ذلك اليوم انفجرت ثلاث فضائح، الواحدة تلو الأخرى... وهاكم إيّاها...‏

    ***‏

    الفضيحة الأولى‏

    وقعت الفضيحة الأولى نهار الجمعة عندما خرجت "عفاف" من دارها خلسة بالرغم من وجود والديها وأخوتها جميعاً في الدار كي تغيب أكثر من خمس ساعات لم يعرف أحد حتى الآن أين قضتها، مع أن "عفاف" لم تتجاوز بعد الرابعة عشرة من عمرها، ولم يُعرف عنها أنها فتاة متمرّدة خارجة على إرادة الأهل، بل على العكس.. كان المعروف عنها حتى ذلك اليوم أنها فتاة خجول، ميّالة للانطواء على نفسها، وأنها بالرغم من نموّها الجسدي المبكّر وملاحة قسماتها فقد كانت جاهلة بأمور الحبّ، والجنس، والعلاقات الغامضة مع الرجل.‏

    لم تكن ملاكاً بالتأكيد ولكنها وبشهادة الجميع كانت أكثر البنات في المدرسة بعداً عن المشاكل. وما أكثرها بين بنات اليوم!.. ومع ذلك فلقد خرجت عفاف خلسة من دار أهلها، ودون أن تستأذن من أمها على الأقل وغابت مدّة خمس ساعات من قبل موعد صلاة الجمعة بقليل إلى ماقبل صلاة المغرب بساعة أو ساعة ونصف تقريباً.‏

    هي تدّعي أنها كانت عند رفيقتها، ولكن أخاها الكبير يشكّ بأنها كانت طوال ذلك الوقت عند الرفيقة المذكورة. صحيح أن رفيقتها أيّدت كلام عفاف ولكن الأخ يقول إن زيارة الرفيقة لم تكن سوى تغطية على لقاء آخر مشبوه.. الأمّ كانت تشك أيضاً، غير أنها كانت تحمي ابنتها بدفاعها عنها خوفاً من انفجار غضب إخوتها الشبان بشكل خاص. أما الأب فقد كان يتردّد بين شكوك ابنه ودفاع زوجته. ولقد توقّف التحقيق معها أخيراً دون أن يعرف الأهل الحقيقة. ومن أين لهم أن يعرفوا، فلقد تكرّر بعدها غياب عفاف. وكانت في كلّ مرّة تُبدي مهارة أكبر في تبرير غيابها مستعينة بأخواتها الصغيرات أحياناً ولم يجد معها التحقيق شيئاً..‏

    يا إلهي.. لكم تغيّرت عفاف بعد ذلك اليوم المشهود في السيّارة إيّاها!..‏

    الفضيحة الثانية‏

    وقعت الفضيحة الثانية بعد أيّام، وكان يمكن أن تقع في أيّ يومٍ آخر، إذ كان لابدّ من وقوعها ذات يوم بعد أن استفحل أمر أولئك الشباب.‏

    كانوا ثلاثة شبان تتراوح أعمارهم بين التاسعة عشرة والحادية والعشرين اقتربوا من رجل كان يمشي مع زوجته الشابة في أحد الشوارع الجانبية الخالية من المارة نسبيّاً. وكان الثلاثة يرتدون سترات خاكية شبيهة بالسترات العسكرية، فأوقفوا الرجل وطلبوا منه إبراز بطاقة هوّيته الشخصية، فأذعن على الفور، ولم يحتج إلاحين طلبوا منه مرافقتهم إلى مدخل إحدى النبايات. ولكنه رضخ أخيراً.‏

    وهناك دفعوه هو وزوجته للصعود أمامهم على الدرج حتى وصلوا بهما إلى السطوح، وعندئذٍ اكتشف الرجل الخدعة، فقاومهم وصرخت امرأته عالياً، فكمَّ أحدهم فمُها، وجرّ الآخران زوجها بعيداً عنها.‏

    في تلك اللحظة فقط توضّح للزوجين الموقف البشع الذي اقتيدا إليه. المسألة إذن أكثر من قضيّة سرقة بالإكراه. وإلاّ فلماذا لم ينتزع أحدٌ محفظة الزوج من جيبه حتى الآن؟!..‏

    هل كانت هناك في الوقت ذاته امرأة تسترق النظر قبل أن تهمّ بنشر غسيلها على السطوح ثم تراجعت كي تطلب النجدة؟!. هل كان هناك ولد؟. المهمّ أن صراخ المرأة لم يذهب عبثاً فقد حضر على الصوت -أو لسببٍ آخر... لا ندري- ثلاثة رجال وامرأتان من الجيران، فهرب على الفور اثنان من المعتدين مما شجّع الرجال القادمين فسدّوا الطريق على الشاب الثالث الذي بقي وحيداً، فقبضوا عليه وجرّوه إلى الشارع وكان قد انضم إليهم جمع غفير من الجيران، وحين حضرت الشرطة، اكتشف الجميع أن الشاب لم يكن عسكرياً، ولامن رجال الأمن وأنه لم يكن سوى شاب مدني بسيط يعمل بائعاً جوّالاً للثياب المستعملة.‏

    وفي المخفر اكتشفوا أكثر من ذلك، أن الشاب ذو سوابق حين تعرّف عليه رئيس المخفر، وأنه قُبض عليه أكثر من مرّة بتهمة السرقة أو التحرّش بالنساء في سيّارات النقل العامة، وعلى قارعة الطريق...‏

    الفضيحة الثالثة‏

    أما الفضيحة الثالثة فقد وقعت بعد أسبوعين في إحدى الحافلات العامة إذ اقترب في الزحام فتىً في سن المراهقة ولكنه مُلتحٍ، من إحدى السيّدات اقتراباً شديداً أزعجها، فابتعدت عنه، غير أنه لاحقها حين ضاقت به ذرعاً، فصفعته على وجهه، فأطبق عليه الجمهور ولم يُفْلِت من بين أيديهم إلاّ بعد شفاعة من أحد الرجال المسنين الذي ادّعى أنه يعرف الشاب، وأنه من أسرة تقيّة ورعة ولسوف يتكفّل شخصيّاً بإبلاغ أهله كي يعاقبوه، فأخلى الناسُ سبيل الفتى المذعور ومضى متعثراً مبتعداً وهو يذرف الدموع مُجَلَّلاً بخزيه وعاره.. إلاّ أن فكرة ثابتة ظلّت تلح عليه طوال الطريق حين بدأ يسأل نفسه متعجّباً: "لماذا تضايقت المرأة مني بهذا الشكل؟!..وهل كان ممكناً أن تسكت وترضخ للأمر الواقع لو أنني كنتُ ألبس سترةً تشبه السترة التي كان يرتديها ذلك الشاب الرهيب الذي اجتمعت به في تلك السيارة ذات يوم ولمحته يتجاسر على الفتاة أكثر منّي بمئة مرّة دون أن تحتجّ عليه بكلمة، أو بنظرةِ استنكار واحدة؟."‏

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()