بتـــــاريخ : 11/17/2008 7:03:54 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1085 0


    صفقة وهم

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : رياض خليل | المصدر : www.awu-dam.org

    كلمات مفتاحية  :

    1-

    قبل الزواج:‏

    تعانقتا. دارتا في مكانهما دورتين. كانت نهلة لا تكف.. تصيح:‏

    - افرحي لي.. هنئيني..افرحي لي يامنال.‏

    نبت لنهلة جناحان. راحت تدور حول منال فراشةً بلون الغبطة والنشوة والحظ السعيد. بدت وكأنها عثرت على كنز. منال الحائرة شاركتها الفرحة، قبل أن تسألها عما حصل. والواقع أن نهلة لم تترك لصديقتها فرصة للاستفسار، كانت تمطرها بالقبلات الساخنة بسخاء، وتهتف:‏

    - الحظ..لقد جائني الحظ يا منال..باركي لي..‏

    - عريس؟‏

    علقت نهلة معاتبةً.. مستنكرةً:‏

    - وتقولينها هكذا؟! عريس؟!..لا..إنه ليس عريساً..إنه عريس (تشدد على اللفظة الثانية) "لقطة"، أتعرفين مامعنى عريس "لقطة" ياهبلاء؟! وهل هناك في الدنيا أهم من العريس؟!‏

    وضحكت منال من قلبها، وقالت مهنئة:‏

    - مبارك عليك.. أنت تستأهلين كل خير. أجابتها نهلة:‏

    - أنت أولى المدعوات هه.. أولى المدعوات. قالت منال:‏

    - احكي لي عنه يانهلة.. فضفضي.. كيف.... وأين تعرفتما؟!!‏

    - لا... لا.. هذا كله غير مهم.‏

    - حسناً.. احكي عن المهم ياعزيزتي.‏

    - منال..آه..لوترينه.. بالتأكيد سأريك إياه، وستحكمين عليه بعينيك... بعينيك الجميلتين الزرقاوين، حذرتها منال بقولها:‏

    - لا تقولي هذا..إذا سمعك..سيغار. تابعت نهلة:‏

    - بزته الأنيقة، ربطة عنقه..توافق الألوان. طوله. تناسقه طلعة وجهه البهية المهيبة. حذاؤه اللامع الجديد. رزانته..وقاره..كله جديد..وعصري.. وجميل..واضح أنه ابن أكابر..رجل شبعان مهيب وخفيف الدم معاً. إنه ساحر... ساحر حقيقي. لا تملكين أمامه إلا الخضوع والانقياد والاستسلام.‏

    - مااسمه؟!‏

    - لا..لا..هذا غير مهم..اسمه غير مهم..لو رأيت سيارته ذات الطراز الحديث والفخم... لو رأيت حقيبة "السمسونايت" في يده اليمنى...عفواً..في يده اليسرى..نعم لقد تذكرت كان في إصبع من أصابع كفه اليمنى خاتمٌ ذهبيٌّ ثقيلٌ وثمين... وفي يده.. بل في معصم يده اليسرى ساعة ذهبية باهظة.الثمن. اعذريني لأنني أتأتئ وأتلعثم..إنها الفرحة..الفرحة هي السبب.‏

    وأخذت نفساً عميقاً..وتراخت جالسة.. أغمضت عينيها لتستريح قليلاً ومضت في مركب شفيف، في بحر أزرق نشوان. وانطلقت تناجي نفسها، لكأنها نسيت وجود منال معها:‏

    - عريس... صدقيني.. عريس.هذا شيء ليس قليلاً...(لمنال) مالك تلفظينها هكذا بشحٍ.. ولا مبالاة. (لنفسهَا) مثلما تمنيت وحلمت واشتهيت. إنه نفسه.. فارس أحلامي.. ياللعجب! ياللحظ السعيد! (لمنال) شيء لا يصدق..هه..إنه الشخص نفسه الذي طالما راودني طيفه في أحلام يقظتي..ومنامي. أيعقل هذا؟ لونه.. قوامه.. ابتسامته أسنانه اللؤلؤية. والأهم من ذلك كله، "فيللته" الرائعة وسط مزرعته الغناء..لو رأيتها يامنال.. إنها جنة... فردوس لو رأيت المسبح والورد والأشجار. لو رأيت الأثاث والغرف..تصدقين؟! تصدقين لو قلت لك: إنه حسب حساب كل شيء..إنه رجل عاقل..عملي..دقيق..تصوري..حتى لعب الأطفال الخاصة غرفة نومهم ذات الأثاث المدهش والألوان الزاهية... حتى هذه لم ينسَ تحضيرها واقتناءها.. لقد أعدّ لكل شيء عدته... سلفاً هل سمعت برجل يخصص غرفة جاهزة لأطفاله... ألعاب وأسرّة لأطفاله..وقبل أن يعرف من هي ذات الحظ السعيد، التي سيكون من نصيبها؟! وتكون من نصيبه:‏

    قاطعتها متشككة:‏

    - هل هذا معقول؟ قبل الزواج؟ نهلة... لعل في الأمر شيئاً!‏

    - أتكذبين عيني هاتين يامنال؟! تشكين بصحة عقلي وحواسي؟ أم أنني مراهقة..تحلم.وتتوهم؟!‏

    - أنا لم أقل..لم أقصد‏

    - أنت تحسدينني‏

    - أنا؟!‏

    - نعم..أنت..لقد رأيت كل شيء ولمست كل شيء.. تحققت من كل شيء.. صدقيني..أحياناً يبدو الواقع أغرب من الخيال..وها نحن فيها.. هل أدع هذه الفرصة التي قد لا تتكرر تفلت من يدي؟ هل أأقبل أم أحجم؟‏

    وتذكرت منال المثل الذي يقول: "يشتري المعلف والعليقة قبل أن يشتري الحصان"..من يفعل هذا؟! لابد أن في الأمر سرّاً...‏

    استطردت نهلة:‏

    - ليس فيه سوى علّة واحدة.. تافهة.. إنه.. (تتردد) إنه...‏

    - قولي.. لا تستحي..أنا أختك!‏

    - إنه ابن قرية... ليس ابن قرية تماماً.. من يراه لا يصدق أنه فلاح... عصام يعيش كابن المدن تماماً... حتى تصرفاته راقية. تظنين أنه من باريس أو لندن أو سويسرا.. كل يوم في دمشق لا يذهب إلى قريته إلا ليلاً.. قريته قريبة جداً من دمشق...‏

    قالت منال:‏

    - ماالعيب في ذلك... الفلاح ليس أقل شأناً.. ابن المدينة لا يفضل ابن القرية في شيء.. نحن في عصر زالت فيه مثل هذه المفارقات...‏

    - ليس كل الناس ينظرون للأمر مثلك...‏

    - على كل حال ليست أزمة...‏

    - طبعاً... بالتأكيد يامنال.. لا يمكن لهذا أن يشكّل عائقاً... أبداً... أبداً...‏

    - وأهلك؟!‏

    - أهلي؟!.وهل سيصح لهم حظ كهذا.. عريس ولا في الأحلام... لقد تأكدوا من كل شيء.. وشجعوني.. أقصد باركوا مشروع زواجنا من دون تحفظ.‏

    - إذن ستسكنين في القرية..‏

    -لا... لقد شارطته، قلت له: لن أقيم في القرية بشكل دائم، إنما للترفيه والاستجمام فقط. لا أستطيع الحياة في القرية، ولا الابتعاد عن أهلي...‏

    - وماذا كان جوابه؟‏

    - شيء معروف..سيستأجر لي بيتاً..سيدفع عشرة آلاف ليرة أجرة شهرية..عقد إيجار سياحي لمدة ستة أشهر..‏

    - لابد أنه ثري جداً بالفعل...وإلا فمن أين له أن يدفع مثل هذه الأجرة العالية؟!‏

    - قلت لك.. إنه لقطة، إنه لا يعرف مامعه.. وكم معه من أموال.‏

    - في هذه الحالة.. من الأفضل أن يشتري لك بيتاً في دمشق.‏

    -لا..هذا غير وارد..يقول: إنه لا يحبذ تجميد أمواله في عقار... استثمار الأموال أفضل..إنها تتضاعف بشكل خيالي.‏

    - أتمنى لك التوفيق يانهلة... وأن أزورك وأنت عروس. وانهالت نهلة تبذّر قبلاتها على وجنتي منال... شاكرة وداعية لها بحظ مماثل.. تعانقتا. دارتا دورتين في مكانهما... قبل أن تودعا إحداهما الأخرى.‏

    2- بعد الزواج:‏

    نهلة ومنال التقتا بعد غيابٍ، تعانقتا، لكنهما لم تدورا في مكانهما دورتين، كانت نهلة تشهق باكية، مالت برأسها إلى صدر منال، خبأت وجهها الحزين فيه، ضمتها منال بحنان مواسية:‏

    - كل مشكلة ولها حلاّل..دعيني أفهم ما المشكلة؟!‏

    جلستا. كانت الكلمات تعتصم في حلق نهلة. خجلاً وحرجاً وخيبةً، وكان الألم يثقل صوتها، ويلجم لسانها... شجعتها منال على استفراغ مافي نفسها من هموم وقهر:‏

    - الحصر يضرّ بصحتك.ابكي.. اصرخي... اشتمي.. افعلي مايريحك... ويخفف عنك..‏

    بصعوبة كانت العبارات تتشكل..بطيئة ..ثقيلة..متهالكة..وكانت شفتا نهلة تتحركان بمشقة:‏

    - أتذكرين يامنال يوم التقينا ثلاثتنا..قبل الزفاف بيوم.‏

    - انسي..انسي هذا ..أرجوكِ‏

    - لا.بالعكس..لن أنسى..هذا درس لا ينسى..يومها عرّفتك بعصام وهمستِ في أذني قائلة: "ضربكِ العمى..من أين عثرت على الحلقة المفقودة بين القرد والإنسان..ألا ترينه حقاً.. إنه سعدان.. شمبانزي حقيقي"..يومها أجبتكِ: لو ترينه بعينيَّ.. لابعينيكِ!" وقلتِ: "لو كان أغنى رجل في العالم لرفضته، أنا لا أعيش مع قرد مقابل كنوز الأرض كلها"..وقد ساءني كلامك..جرحني.. وتخاصمنا.‏

    ضمتها منال وقالت:‏

    - دعينا من تلك الذكريات المؤذية..ولندخل في لب ّالموضوع.‏

    - عجباً يامنال... كيف يرى الناس الأشياء... كلٌّ بمنظاره.. كيف تتغير النظرة من شخص إلى آخر..بل وعند الشخص ذاته. نعم الشخص ذاته يتغير موقفه ورؤيته حيال كل شي.. القباحة يراها جمالاً، ثم تنعكس الرؤية بعد زمن وتجربة، فنرى الجمال قباحة، تصدقين؟ الآن أتذكر كلامك..وصفك..نصحك الآن (أرى عصاماً أقبح مما كنتِ تصفينه، فعلاً كنت عمياء، ولكن ما الفائدة؟ ما الفائدة عندما نصحو بعد فوات الأوان....‏

    - ماتقولينه غير كافٍ لتعليل انزعاجك إلى هذا الحد..‏

    - مهما حكيت لك فهو قليل....‏

    - ليس ورائي مايشغلني. أنا أسمعك...‏

    - استأجر لي منزلاً مفروشاً بأجرة شهرية، سكناً بعقد سياحي. كان يغيب كثيراً عن البيت.. وكنا قليلاً مانقضي عطلة في قريته الواقعة على الحدود السورية- اللبنانية. فوجئت بوجود بيت أخيه في الفيلا، هو وزوجتاه وأولاده الكثر في الطابق الأرضي وكان عصام قد قال لي: "إنهم في زيارة"، ثم اعترف لي أنهم يملكون نصف الفيلا.. وكان عصام يعير أخاه السيارة .. وشعرت بعد ذلك.. أن لأخيه حقاً فيها.. فسألتُ عصاماً، وأجابني؟!! السيارة شراكة.. مناصفة... بيني وبين أخي"، قلت: "لِمَ لم تخبرني"، أجاب: "لمْ تسأليني"...‏

    قاطعتها منال:‏

    - كل هذه الأمور عادية... يمكنك أن تتحمليها...‏

    - ليتها كذلك يامنال.. ليت الأمر عند هذا الحد وحسب.‏

    - أوه... هنالك المزيد؟؟!‏

    - اكتشفت أن كل شيء كان زائفاً ..سراباً..وهماً.‏

    - غير معقول...‏

    - بل هو المعقول بعينه..تشاجرنا في الفيلا..أنا وزوجة أخيه قالت: "إنني أتصرف في الفيلا وكأنها ملكي"، قلت لها: "هي كذلك"، فصرخت في وجهي بلهجة حاسمة وهي تشكل دائرة بإبهام وسبابة كفيها، وتقربها من وجهي: "فتحي عينيك هكذا..أنت وزوجك ضيوفنا.. إذا كان عصام يكذب عليك..فهذا ليس ذنبنا".‏

    وصعقت... من هول ما أسمع! وتابعت زوجة أخيه:‏

    - زوجك "أندبوري" "شرشوح" إذا لم تصدقي.. فأنا مستعدة لأفقأ في عينيه حصرمة. سلي من تريدين..وستعرفين الحقيقة. بكيت وأنا أسمع كلامها..الذي مزق أعصابي..وسألتها عن السيارة، فأخبرتني قائلة:‏

    - السيارة لزوجي.. يعيرها عصاماً بعدأن يترجاه ويبوس يده وجهاً وقفا..وأحياناً يؤجره إياها..زوجك ياست مهرّب.. يستخدم سيارة أخيه للتهريب مقابل حصة اتفقا عليها..‏

    كانت منال مشدودة الأعصاب والأحاسيس، كمن تشاهد عرضاً درامياً غرائبياً شائقاً... وتابعت تقول:‏

    - لقد غشني الواطي...غشني بوابل من الأكاذيب والمخاتلة.. إنه لا يملك شيئاً، يعيش على النصب والاحتيال والدَّين والتهريب. عصام مجرد كائن مزيف.. غشاش حرباوي السلوك..معجون بالأمراض والعقد النفسية والسلوكية..تصوري... يقول: إنه يريد أن يتباهى على أهل قريته..فهو تزوج بنت مدينة.. تفوق كل بنات قريته فهماً وجمالاً، ويقول إنني ركضتُ وراءه... وأنني مستهامة به.. التافه.. قال أنا مستهامة بقباحاته!! هنا كظمت منال ضحكة داهمت حلقها بصعوبة بالغة بينما استمرت نهلة تعدد وتحصي وتصف وتحلل وتبكي نادبة حظها الأسود.‏

    وتراءى لمنال أن صديقتها نهلة تحولت إلى شريط كاسيت لا ينتهي

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()