بتـــــاريخ : 11/17/2008 6:48:42 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1120 0


    خرافة

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : رياض خليل | المصدر : www.awu-dam.org

    كلمات مفتاحية  :
    قصة خرافة رياض خليل

    وقف إزاء المرآة، دهش. اقترب منها، حدّق جيداً، ماهذا؟! جالت نظراته، رأى السرير.. الخزانة.. الجدار.. السقف... وكل محتويات الغرفة، كلها بدت له واضحة... جليّة خلال المرآة! إذن لا عيب فيها... إنها تعكس الأشياء وتفاصيلها جيّداً. تعجب! هزّ الخوف قلبه، تساءل عن تلك الظاهرة المستحيلة؟ ما تفسيرها؟! غير معقول؟ ثمة سرّ غامض...مرعب. تحرك. استدار. التصق بالمرآة، ابتعد عنها...لا فائدة! تلمّس جسده جزءاً جزءاً...ثيابه، نظر إلى أعضائه وأطرافه، تأكد من وجودها، بدت له طبيعية تماماً.‏

    خطرت له فكرة: "سأخرج...وأسأل من أصادفه لأتأكد" بدت له الفكرة سخيفة وخطيرة، لأنهم سوف يؤولونها تأويلاً يسيء لسمعته وكرامته، واستنتج: "سيعتبرونني مجنوناً إذا بحت لهم بالسرّ"..صمم على استشفاف الحقيقة منهم بصورة غير مباشرة. خرج. سار بخطوات مضطربة. الشك يعتصر رأسه. صادف جاره. حيّاه. ردّ الجار التحية مشفوعة بابتسامة مجاملة. تابع. توقف عند محل تجاري يعرف صاحبه، اصطنع معه حواراً.‏

    لم يسفر الحوار عن أي وضع غير عادي. نظر إلى زجاج واجهة المحل، الزجاج يعكس صورة الشارع والأشياء كالعادة.. إذن العيب فيه.. وليس في المرآة، ولا في الزجاج..‏

    كان الوقت ظهراً.. تابع طريقه عبر الشارع...فكرّ ملياً، راقب المارّة، لفتت انتباهه ظلالهم التي تتقدم بعضهم، وتتبع بعضهم الآخر، طبقاً لاتجاه سيرهم...أوحت له تلك الظلال بفكرة. ربما تفسّر حالته المنافية للطبيعة؟!‏

    بحث عن ظلّه أمامه، لم يجد أثراً له... عكس اتجاه سيره، متوقعاً أن يكون الظل وراءه، لم يجد أثراً له. استدار أكثر من مرة حول نفسه بلا جدوى.‏

    أحس بعض المارة ينظرون إليه باستغراب، استاء من نظراتهم المريبة. "يعتقدونني مجنوناً؟!" هكذا قال بينه وبين نفسه. توقف لحظة، رفع رأسه إلى السماء، سعياً لرؤية الشمس، انبهرت عيناه من شدّة سطوعها.‏

    طأطأ. أغمض عينيه مستسلماً للرعب الذي اجتاح أوصاله. أمام المرآة في البيت لم يعثر على صورته أو طيفه. مع أن الأشياء كلها كانت تبدو فيها. هو فقط لم يجد لنفسه مكاناً في المرآة، ولا في زجاج الواجهات العاكس للأشياء..‏

    وهاهو لا يجد لنفسه ظلاً، مع أن لكل شيء حوله ظلاً، أشجار الشارع السيارات.. المارّة.. إلا هو.. لا ظل له. لا طيف في زجاج أو مرآة؟! متى حدث ذلك؟ لا يدري. حار في الأمر غير الطبيعي. هل يتكلم؟ يصرخ؟ يجمع الناس من حوله؟ هل يذهب إلى المشفى ويسأل الأطباء عن حالته؟... هكذا كان نهر الأسئلة يتدفق مزدحماً في رأسه، دون أن يفسح له مجالاً للاختيار..‏

    ماذا سيفعل الآن؟ ومامصيره؟ "ربما حجروا عليّ في مشفى للأمراض النفسية والعصبية... ربما جعلوني مادة للاختبارات الفيزيائية...هذا خطير مؤلم..مرعب..لا..لا.." وصمت لحظة،. وراح ينظر إلى الأشياء من حوله، وراح الآخرون ينظرون إليه بشكل عادي جداً. لم يلاحظ في نظراتهم مايوحي بالغرابة. لم يستطع أن يقاوم فضوله الذي فاض عن الحد. استوقف أحد المارة.‏

    سأله: "هل تراني؟ هل ترى ظلّي؟" دهش الشخص...تفحصه بعينيه من أخمص قدمه حتى رأسه.. جسّ بكفه جبينه. ارتسمت على شفتيه ووجه إشارة تعجب كبيرة!. أجاب: "هل تعاني من شيء؟" هم بالمتابعة. منعه، قال له بلهجة حاسمة: "أجبني بوضوح وتحديد عن سؤالي"، ولكي يتخلص الرجل منه أجابه: نعم أراك.. وأرى ظلك...أنا متأكد، ولكن أستغرب مثل هذه الأسئلة....لم يسبق أن سألني شخص كهذه الاسئلة الطريفة". ابتسم الرجل...وانسل ذاهباً، بينما كان صاحبنا ساهماً يتأمل ويحلل كلامه...‏

    بعد قليل، تفحص نبضه. ذعر، لا نبض في شريان الرسغ، جسّ جبينه. كان بارداً...فكر أن يسأل شخصاً آخر... امتنع. توصل إلى أنه لا حلّ لمعاناته من خلال الآخرين.‏

    عاد إلى منزله...دخل الغرفة، وقف إزاء المرآة عبثاً، لم يجد طيفه فيها.‏

    أسرع إلى المطبخ، تناول سكيناً كبيرة بعض الشيء، ضغط برأس شفرتها على لحم ساعده، لم يشعر بأي ألم. نقلها إلى فخذه. حزّ اللحم. وصعق رعباً.‏

    إنه لشيء خارق للطبيعة. لم ير الدم. لم تسقط قطرة منه تدل على وجوده.‏

    وضع السكين إزاء صدره، مكان القلب. اخترقت السكين الصدر والقلب، ثم انتزعها، وشطر لحم بطنه، من الأعلى إلى الأسفل، دون أن يشعر بالألم، كما لم يلاحظ وجود الدم ولا سيلانه، تفحص أحشاءه، أخرج قلبه. تأمله.‏

    تحسسه، لم يكن ساخناً، كان أشبه بكتلة من المطاط، شعر بالنعاس يسطو عليه، قاومه سدى، سقط في مكانه، وغط في نوم عميق لا قرار له

    كلمات مفتاحية  :
    قصة خرافة رياض خليل

    تعليقات الزوار ()