والدتي امرأة كبيرة في السن، وهي تريد مني أن أحججها، وأيضاً لي أخٌ شقيق بلغ من العمر خمسة وعشرين سنة، وهو يريد الزواج، ووالدنا لم يترك شيئاً من المال، وسؤالي: هل أقوم بإرضاء والدتي أولاً أو بتزويج أخي، وما الحكم في كلا الحالين، هل هو واجب علي أو لا؟
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه أما بعد: فلا ريب أن الحج إنما يجب مع الاستطاعة كما قال عز وجل: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً (آل عمران:97)، وثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال لما ذكر أركان الإسلام قال: (وحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً) وما دامت الوالدة لا تستطيع الحج لا يلزمها الحج ولا يلزمك تحجيجها، لكن إذا فعلت ذلك فهو من باب القربات ومن باب البر والصلة، ومن باب الإحسان فيها تحقيقاً لرغبتها وإعانة لها على الخير والفضل أما التزويج فهو واجب عند القدرة وهو واجب على أخيك أن يتزوج إذا كان يستطيع وإذا كان لا يستطيع وأنت تستطيع فالصحيح أنه يجب عليك أن تزوجه لأنه من صلة الرحم الواجبة، كما يجب على الوالد أن يزوج أولاده إذا احتاجوا لزواج وهم عاجزون لأنه من باب الصلة وصلة الرحم من أهم الفرائض، وخطر عدم الزواج معروف فإن بقاء الشاب أعزب غير متزوج فيه خطر عظيم، وبر الوالدة معروف حاله ولكن إنما يجب برها بشرطين أحدهما: أن يكون ذلك من باب المعروف لا من المعصية، وأن يكون ذلك لا يضرك أيضا يكون فيه نفع لها من دون ضرر عليك، ومعلوم أن الحج ينفعها ولا يضرك إذا كنت تستطيع ذلك فإذا حجتها فهو من باب البر والصلة لا من باب أنه واجب عليها لعدم استطاعتها، لكن من باب البر، وصلة الأخ وتزويجه لا شك أنه من صلة الرحم، لكن جنس البر مقدم على جنس الصلة لبقية الأرحام، فإن استطعت أن تجمع بين الخيرين فتحججها وتزوج أخاك هذا خير عظيم وفضل كبير، تجمع بين الأمرين والحمد لله، حجج الوالدة واجبر خاطرها وأنت شريكها في الأجر، وصل أخاك بالتزويج لتصونه عما حرم الله عليه ويكون لك أجر عظيم في ذلك، فأما إن عجزت عن الجمع بين الأمرين فالأظهر والأقرب أنك تبدأ بإمك وتجبر خاطرها فإن برها أهم من صلة الأخ، تجمع بين برها والإحسان إليها وتؤجل تزويج أخيك إلا ما بعد تحجيجها إذا لم تستطع الجمع بين الأمرين، أما إن استطعت أن تزوج أخاك الآن ثم تحججها بعد ذلك في وقت الحج فبين الوقتين مسافة فإن القدرة على الحج ربما تتيسر لك في هذه المدة الطويلة فتحسن في أخيك وتبر في أمك، فعليك بالحزم والجد وأبشر بالخير فزوج أخاك الآن المدة بين الحج وبين هذا وقت طويل، زوج أخاك وأحسن إليه فإذا جاء وقت الحج فإنك إن شاء الله تستطيع تحجيجها لأن تحجيجها في الغالب لا يكلف كثيراً إنما الزواج هو الذي يكلف، أما الحج فإنه لا يكلف كثيرًا والحمد لله ونسأل الله أن يعينك على الخير وأن يوفقك على البر والصلة جميعاً. إذن ليبدأ أخوانا على قدر استطاعته أولا بتزويج أخيه أولاً؟ هذا طيب لأن المدة طويلة ومع النية الصالحة ومع الحرص على الخير سوف يسهل الله تحجيج أمه، ولعل أخاه ييسر فيساعده أيضا على تحجيج أمه؟ ربما، والله يقول سبحانه: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً)(الطلاق: من الآية4)) (الطلاق:3).