بتـــــاريخ : 11/15/2008 8:52:08 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1136 0


    السر

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : جمال جنيد | المصدر : www.awu-dam.org

    كلمات مفتاحية  :
    قصة السر جمال جنيد

     

    لن أروي لكم قصة.. بل سأفشي لكم سِرَّاً..‏

    أعتقد أنكم انتبهتم، انفتحت عيونكم، وتلهفت قلوبكم، وتحفزت حواسكم، ونما فيكم إنسان متطفل، يلهث وراء الأسرار...‏

    عذراً.. لكنه الواقع..‏

    هل أبدأ؟!..‏

    إذن استمعوا لما أقول..‏

    ولكن.. أنت هناك، لِمَ تنظر إليَّ هكذا وكأنّكَ لا تصدقني، أقسم أن عندي سِرّاً، بل أسراراً. ستتحدث فيه الألسنة الحمراء والجافة، الثرثارة وغير الثرثارة.‏

    لاشكَّ أنكم تؤمنون معي، أن السر صندوق مخبوء في خفايا النفس. في وديانها وشعابها، حيث آبار البترول التي لم تجعلني راغد العيش، مع أنني أملك صكاً بملكيتها..‏

    إذن.. دعوني أُخرج هذا السر من صناديق الأعماق، حيث أرّقني وقتاً وزماناً، وفكّرت طويلاً. قبل البوح به..‏

    قررت أن أكون كتاباً مفتوحاً، عارضتني زوجتي، ولم يفهم أولادي مايجري، لكنني قررتُ الانشطار..‏

    لا.. لا.. لا أستطيع إفضاء سري إذا كانت تلك الفتاتان تتهامسان عليَّ، وكأنني أسمعهما تقولان، وماذا يهمنا سرُّك الشخصي، الأسرار الشخصية، لا تهمنا بشيء، تدغدغ شعورنا للحظات، ثم تنطفئ الدغدغة، بانتهاء آخر كلمة تفشيها من سرك.‏

    صحيح أن سري هو سِرٌّ شخصي، لكنه يهم الأحياء والأموات، ليس أحياء عالمنا العربي، المليء بالأسرار والخفايا والخفافيش، بل الأحياء الذين يدبون على استدارة الكرة الأرضية، أما الأموات، فأنا أراهم وقد اجتمع معهم، في مكتبي، وأمام بيتي ، ومابين سطور صحيفتي...‏

    لنعد إلى السر.. اسمعوا وعُوا..‏

    تمنيت يوماً مالو لم يكن لي رأس، نعم.. هذه الفكرة الصبيانية راودتني، ضحكت لها، وعليها في سرّي وتساءلت، إذا كنت بلا رأس، كيف أرى وأسمع؟!. كيف أشم وأتذوق؟!....‏

    صدقاً، فرحت لهذه الفكرة، لكي لا يبرد رأسي من برودة الأفكار والمشاعر حولي.. ولكي لا ترى عيناي شقاءنا وترفهم على الشاشات الفضائية، ولكي لا أسمع خبر استنساخي بلا روح..‏

    عذراً.. أثقلت عليكم، وشغلتكم بأمور لا علاقة لها بالسر..‏

    قد يكون مَنْ تحدثه نفسه بالخروج، بحثاً عن هواء منعش، خارج هذه القاعة، ولكن ليبق لأكمل مابدأته..‏

    قالت لي زوجتي، ذات يوم، أنت بلا قلب، قلت لها:‏

    - وأنت بلا عقل..‏

    وطوال تلك الليلة، فكرت في العقل والقلب، وتوصلت إلى أن أغلى مايملكه الإنسان هو سِر شقائه وعذابه..‏

    أنت هناك..‏

    يبدو أنك لست معي في هذا.. الأذن تعشق قبل العين أحياناً.. من وجهة نظر بشّار، هذه حقيقة. لكنني تعلمت أن العين وماتراه قد صمّت الأذن عن كل حقيقة..‏

    عفواً.. نتحدث عن العشق ونترك الأسرار النازفة دماً في آبار النفس..‏

    أنت هناك.. ألا تصدق أنها نازفة؟!..‏

    صدّق أن حمّالة ثدي بيعت بثلاث ملايين دولار، وهنالك شعوب بأكملها تموت جوعاً..‏

    سأقول لك أمراً لا تقله لأحد.. قد تضحك من الألم.. وقد نعشق لأننا نكره، وقد نموت لأننا نحب الحياة..‏

    أسمع همسات بأنني أضيع وقتكم، أتلاعب بالألفاظـ، وأدّعي الأسرار، وكل ما أقوله مجرد رصف كلمات جوفاء، لا معنى لها، مثل بشر فقدوا الأمل بالحياة..‏

    أقول..‏

    تمددت يوماً تحت الشمس، كانت الشمس قريبة من وجهي، تحولت إلى مارد مسلوب الإرادة، لم يحقق لنفسه الأمنيات التي حققها لعلاء الدين.. حطَّ الذباب كالغربان، عيناه تحدّت قوتي المسلوبة، وأجنحته الضعيفة، غطّت وجه الشمس، وأرجله بدت لي كأشجار سنديان..‏

    أكنت أحلم؟!..‏

    وحتى لا تفهمون الأمور على غير ماهي عليه. فإن الأحلام ليست أسراراً..‏

    أنتَ هناك، وأنتِ أيضاً..‏

    للحق أشعر أنني أثرثر، ولكن، حين تعرفون السر، تصيبكم صعقة المفاجأة، تتمنون عندها لو انتبهتم لما أقول..‏

    وأرجو أن تحبوا كلماتي.. كما أحببت أن أودعكم سرّي..‏

    أتعرفون.. أنني نهضت ذات يوم، ليس ببعيد، فوجدتُ طائرة تحوم في غرفتي، كان بيتي مغلقاً تماماً..‏

    ظننت في البداية، أنني أحلم، كما أحلم كل يوم، لكنني نهضتُ، ورأيتُ نفسي في المرآة، وأمسكتُ النافذة المغلقة، فوجدتُ الشمس حبيسة غيمة مخططة، لها إحدى وخمسون عيناً كعيون الضباع في ليلة باردة‏

    زنّ محرك الطائرة أمام وجهي، حاولت إمساك الطائرة، لكنها كانت تفلتُ من بين أصابعي، صالت الطائرة، وجالت في غرفتي، ألقت قنابلها على فراش الزوجية، بعد أن التقطت له آلاف الصور. ثم قصفت طعامي وخبزي، وشوَّهت أولادي النائمين.‏

    ثم ألقت ماتبقى معها على كتبي ودفاتري ولفافة تبغي، على صورة بلدي، على صورة زواجي المعلقة على الجدار، ثم طارت فوق رأسي وشطرتني إلى نصفين.‏

    في الصباح، صنع ابني طائرة ورقية، لم تقوَ على الطيران، فكوَّرها ورماها في زاوية الغرفة. نعم.. كما تفكرون الآن تماماً.. نحن نصنع الأسرار ونحن نصدقها..‏

    تمنيتُ ألا أجلب لكم سِرّاً يؤرق نفوسكم الصافية..‏

    تمنيتُ أن أجلب لكم شجرة، قمحاً، كتاباً في الحب.. كلمات من شعر المتبني، أحلام الذين دفنت أسرارهم معهم، أولئك الذين ماتوا في الحرب، وأولئك الذين ماتوا قهراً..‏

    لكنني، حملتُ سري معي، وجئت إليكم، قد أكون قلته وقد لا أكون..‏

    لهذا...‏

    لستم الآن بحاجة إليه، لم يعد سرّي يفيدكم، ... أويُرضى فضولكم..‏

    اعتمدتُ على فهمكم وانتباهكم..‏

    وبعدماقلت ماقلت.. أصبحتُ رجلاً بلا أسرار..‏

    كلمات مفتاحية  :
    قصة السر جمال جنيد

    تعليقات الزوار ()