بتـــــاريخ : 11/15/2008 8:42:56 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1243 0


    إعلان

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : جمال جنيد | المصدر : www.awu-dam.org

    كلمات مفتاحية  :
    قصة إعلان جمال جنيد

     

    مساءً، وقبل المسلسل التلفزيوني اليومي، توقفت السيارة-كانت سوداء، لمّاعة، صقيلة، أمام بيت مصطفى- الموظف في مصلحة القطارات.‏

    كانت النجوم تبرق على سطحها الصقيل، وبداخلها القمر، فتاة بيضاء، فارعة الطول. عيناها خضراوان. وساقاها عاج مصفّى. ونظرتها تكرسح أعتى الرجال.‏

    -السيد مصطفى... موجود!..

    تقاطر أولاده ببيجاماتهم المتسخة. المطوطة، يرقصون، ويرقبون.‏

    همهمت زوجته، بفمها الكبير، كلمات غير مفهومة.‏

    ولم تتفوه بكلمة واحدة رغم الهمهمات، وكأن الشلل أصاب لسانها....‏

    ليس مصطفى الذاهل على عجل، واندس في السيارة، إلى جانب القمر، كان صوت أطفاله مرتفعاً، لكن السيارة ما إن تحركت حتى تقطعت أصواتهم، ثم انقطعت، كما انقطع مصطفى عن عالمه بلحظات أشبه بالحلم....‏

    - أين ؟‍‍‍!..‏

    لفظ تساءله، وهو يرقب بخجل شديد الحورية الأسطورة إلى جانبه..‏

    كان يفوح منها عطر حالم، أعلن عنه برقة وشفافية على شاشة التلفاز، لكنه، ولحالته الراهنة. نسي اسمه..‏

    -ستعرف يا مصطفى‍‍!..‏

    وغيرَّت بَدَّال السرعة...‏

    تلمست عيناه فخذيها، التماعهما، استدارتهما، نعومتهما، طولهما، الزغب الأشقر المنتشر عليهما...‏

    شوفاج السيارة يمنحه دفئاً على دفء..‏

    الطريق المشجرة التي رآها عبر أضواء السيارة النافرة، مثل حلم وأسطورة.‏

    اقتربت السيارة الصقيلة من قصرٍ حجري، مغسول بالأنوار، وفي جهته الغربية شلال من ماء زلال.‏

    -انزل يا مصطفى!..‏

    وقبل أن تمتد يده لفتح الباب. تقاطرت الصبايا الجميلات. والأنيقات. يفتحن له الباب ويستقبلنه بالبسمات، لو وزعنها على أهل القبور لنهضوا من مراقدهم أحياء.‏

    تفرَّس فيهن مندهشاً، كأنه رأى وجوههن من قبل...‏

    سأل واحدة:‏

    -وجهك ليس غريباً علي!..‏

    -نحن فتيات الإعلان!.‏

    يدخل مع الحورية إلى قاعة ملمعة من (بوفالو)...‏

    أحاطت به الحوريات من كل طرف، استحى لأنه كان يرتدي ملابس رثة. لكنه، حين نظر إلى نفسه وجد أنه قد لبس أرقى أزياء الـ (400)!.‏

    نظر إلى القاعة، بلسان مهدَّلٍ، يقول في نفسه:‏

    -"لابدَّ أنني دخلت هذه القاعة من قبل.. متى؟..متى؟!..... أأنا أحلم؟!..‏

    يتلمس بزته الجديدة ويكمل:‏

    -"إنها حقيقية.. أنا لا أحلم!..".‏

    في نهاية القاعة، مُدَّت مائدة مفتوحة، مما لذ وطاب، يمتلئ البطن عن آخره لو تناول المرء من كل صنف لقمة لقمة...‏

    يسيل لعابه..‏

    تنظر إليه الحورية:‏

    -موعد الطعام لم يحن بعد!.‏

    تقوده إلى طاولة عليه ضوء مذَهَّب، وورد قرنفل، أحمر.‏

    كان يشتهي لبس ربطة عنق حمراء، ينظر إلى صدره فيجد أن قميصه الأبيض تزينه ربطة عنق حمراء..‏

    تجلس القمر إلى جانبه، يحتك فخذها بفخذه، يروح إلى عالم، ويأتي من عالم...‏

    -مابك يا مصطفى؟!...‏

    -أأنا أحلم؟!..‏

    -تلمسني وستعرف!...‏

    يدها، حرير قز، وعيناها تسبي القلوب...‏

    فجأة، ينزرع الموسيقيون في ركن من القاعة، يتقدم من الميكرفون مغنية كوجه الشمس، تغني وتتأوه ثم تنصرف..‏

    أكل مصطفى اللحوم المشوية والمقلية، وأنواعاً من الكبب، وأصنافاً من الحلوى..نسي ما حوله. وهو يأكل بنهم جائع لم يذق طعاماً..‏

    تقول حوريته، وهو غارق في الطعام!..‏

    -هناك عرض إعلاني.. انتبه!.‏

    على البلاط الملمع.. تبدأ البرادات والجلايات والغسالات تركض من أقصى القاعة إلى أقصاها..‏

    يصفق الحاضرون..‏

    وتأتي الحسناوات. يعرضن الأزياء، وأكياس البطاطا، ولفافات الشعر، والمنظفات.. و...‏

    تذكر أنه لم يلبس قميصاً أبيض، لكنه يتذكر أنه قبل قليل رأى نفسه يلبس قميصاً كالضوء حين نظر إلى ربطة عنقه الحمراء.‏

    بطن مصطفى تنتفخ من الطعام، كأنه سم زعاف..‏

    يرى الصبية اثنتين. بل ثلاثة. يميل. إلى قمره الخلاب قائلاً:‏

    -أليس هناك دورة مياه؟!..‏

    -بلى يا حبيبي... في الركن الأيسر هناك!..‏

    يمشي مصطفى مترنحاً...‏

    يشعر بالراحة بعد أن أفرغ مثانته وأمعاءه، في دورة مياه لماعة.. لمّاعة..‏

    يفرك يديه سعيداً، يفكر بالطعام مرة أخرى..‏

    وبالفخذين المزغوبين اللماعين..‏

    يدخل القاعة. لا يجد أحداً؛ لا الناس، ولا الطاولات، ولا الصبايا، ولا قمرة الأبيض..‏

    يجد فقط. عدة رجال أشداء، في ثياب السهرة. يشيرون إليه، ويركضون خلفه...‏

    يهرب منهم...‏

    ينظر إلى ثيابه، يجدها ممزقة، يركض ويركض.. حتى بعد أن يتوقف الرجال ويختفون عن أنظاره،‏

    وأخيراً قرب الحاوية يجد نفسه أمام باب بيته في زاوية الحارة..‏

    كلمات مفتاحية  :
    قصة إعلان جمال جنيد

    تعليقات الزوار ()