بتـــــاريخ : 11/12/2008 6:19:33 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 941 0


    راهــب لـــيل

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : ابراهيم كبة | المصدر : www.awu-dam.org

    كلمات مفتاحية  :

     

     

    حول جنتي أحسست بالشيطان‏

     

    انّه يسبح حولي كهواء غير محسوس‏

     

    استنشقه وأحس به يحرق رئتي‏

     

    ويملؤها بشهوة أبدية مجرمة‏

     

    وانّه ليعرف حبّي للفن‏

     

    فيتخذ شكل أداة فاتنة مغرية‏

     

    - شارل بود لير -‏

     

     

    انّه لا يرى شيئا البته.عماء وحسب.لم يعبأ أول وهلة.وجعل يجسّ الأشياء جسّا.ادلهمّ الأفق وعزفت ريح تشرين.وسرى الليل سريان ثعبان في لجّة.ليل الخريف ينفث الشجن والحزن في أعماقه. انبعث صوت اذان الفجر وهولا يزال يقظا،ينصت الى صوت تنفسه. الليل بهيم،وقبّة السماء حالكة الأديم.الليل سروالسرّ ليل.تعالى صياح ديكة بدّد صمت الفجر وسكينته.لذعته أنسام الصباح تكوّر تحت غطاء الصوف،وغفا.خاطبه في غفوته قائلا:‏

     

    -لا أراك ولا تراني،فما معنى هذا؟‏

     

    وقال أيضا:‏

     

    -أراك وتراني،فما معنى هذا؟‏

     

    واستطرد:‏

     

    -تأرجحت بين الأشجار.وهاأنذا أتأرجح بين الأفلاك. تمخّض الأوقيانوس عنه.هطل رذاذ خفيف في الخارج وجرى الزمان جريانا.أفعمت خياشيمه رائحة مطر الخريف.هزّ جذع النخلة.ياجوهر الكون،انّي أنفاس الزمان وهمسه.شقشق الفجر،بيد أنّ غبشا ما لازال يلفّ الأشياء ويطمس المعالم.الحياة في الفجر ذات نبض خاص.أهاج شعاع الشمس طاقة كامنة خافتة الحركة.عانى من حثاثة وسنه.لكن ولادة النهار نفثت فيه النشاط وبعثت الحماس.عليه أن يتناول الافطار.غسل وجهه وأعدّ لنفسه الشاى وشطائر المربى.انّي وليد الخلود ولكن لا خلود لي.ولا أزال الى الآن أجهل معنى الأزل والأبد.وتنتابني دهشة صادقة لأى طارىء.و (نورهان) ترقص بلا اثارة.بيد انها مثيرة وخلاّبة.نظر الى قبّة السماء من شرفة منزله.انها زرقاء صافية.حلّقت حمامة حتى غابت عن بصره.أمّه عمياء وهي لا تفتأ صامتة وغائبة عن الوجود.‏

     

    -قتلت أخي.ودفعت الثمن.قتلته حقا.هجم عليّ في الحانة شهر مدية وهمّ أن يغرزها في صدرى.عندئذ طاش صوابي،وقتلته. لاأزال حيّا.وأعتقد أن جريمتي لغز من ألغاز الحب والحياة.‏

     

    حين تلا القاضي حكم السجن.هتف صائحا:‏

     

    بدأ العدوان وهمّ أن يقتلني لولا انّي عاجلته‏

     

    ألف عتمة الزنزانة.بيد انّه لم يأنس للنزلاء.غلام أمرد،وشاب في الثلاثين،وكهل أرعن.‏

     

    قال لنفسه:‏

     

    -ويل لمن تراوده نفسه على العبث.الموت ولا حضيض الرذيلة. تحاشاه النزلاء الثلاثة.انّه عملاق.وأعصابه هائجة دائما.قال لنفسه أيضا:‏

     

    -اثم هنا،وثمل هناك‏

     

    حين خرج لفحته شمس الخريف وهواء تشرين.ضريبة الجريمة طالت يااله الكون.تغيّرت المدينة.غدت رحى هائلة.لا أحد ينتظره سوى أمّه و (نورهان) .لثم يد أمّه ووجنة (نورهان) بينما تطايرت أوراق الخريف على رصيف الشارع.‏

     

    -ـأمّاه.آلامي كبركان‏

     

    -لعلها ليست جريمة بل قصاص.وخير لنا أن ننسى لكنها عمياء.وهي تنوء تحت وطأة ضربة هائلة.وهي أيضا قليلة الاصغاء.هائمة في فضاء بلا حد.وقد قالت له بعدئذ:‏

     

    -أنت مثل شجرة النخيل بين النبات.ومثل الجمل بين الحيوان ومثل راهب بين الناس‏

     

    قال بنبرة ذات مغزى:‏

     

    -ونورهان؟‏

     

    -وراء كل عظيم امرأة‏

     

    -للعظمة معان‏

     

    -انّك تفقه ما أعنيه‏

     

    -انّي أخسّ من حشرة‏

     

    - "وضرب لكم مثلا ما بعوضة فما فوقها"‏

     

    -أهلكني الحقد والحسد‏

     

    -لا تأبه‏

     

    للظلم دولة‏

     

    -وللحق دولة‏

     

    -الأفكار قوانين فيزيائية وكيميائية‏

     

    -لا أفهم شيئا‏

     

    أنا ثمرة نتن ماء آجن وغاز ولظى.وشباب الأحلام أقباس من غضارة الصبا أو هذر الشيخوخة.الخريف يمجّ صفرة شاحبة.وأمّه جثّة عجفاء تسعى.ناجى بصره (نورهان) .استكانت مثل قطّة. اعصفي يا ريح تشرين.اعصف أيها الهم.وارسف أنت في الأكفان والأغلال.شدّ ما حرصت على مرضاته وغفرانه.وأتى الخطر مثل خطى الليل وسريان الأشباح.ثّم علا صوت رحى عملاقة ضخمة تسحق الأمل والهناء ودعة الأنفس.الى أن لوثت نفثات الطاغوت الناس.وعندما سرى الداء الى بيته.قال لأمّه:‏

     

    -أمّاه.لا حيلة لي‏

     

    -لا تقنط. ربما أتى الحل بغتة‏

     

    في أحلامه.رأى أمّه.ربّة الحياة وخصب الطبيعة وربّة الحرب أيضا. أزاح أخاه برقع الأم فألّم به الخبال وانعقد لسانه.أثناء صباه كان يرى بطن أمّه يتضخّم.انها دائما حبلى.وقدرما أثار الأمر فضوله.أثار استياءه ضياعه في الزحام.وعندما نما غدت صلاته شكاة وأسئلة حائرة.كيف ولماذا والى أين وحتّام.وصرخ بيأس أمّاه.أين أنت.لاصائخ لصراخه.وفي ملهى (المساء) ألفى ضالته (نورهان) .انها ترقص بلا اثارة حقا.بيد انها نقية نقاء اشعاع وبهاؤه.أهاجت غرائز طمرها الجزع والايمان.وأثارت احساسا راقيا أيضا في ذهنه.أصرّت على ايثار صالات البغاء والغناء وحين تتأوّد في غلالة حمراء.تتوتر أعصابه ويتوهج ذهنه.‏

     

    تساءل:هل هو حقا جمال زائف؟ورعشة الأعصاب وذهول اللب؟لاشك أنك الآن سلطان مملكة الجمال.ولكن لماذا سلكت طريق الأدغال؟ولماذا تنظر الى طير السماء.وتغبط سمك اللجج؟‏

     

    تخفّفت (نورهان) من غلالتها.محيّا فاتن.ونحر عاجي.ضاع عبق الأنثى في خياشيمه.التحم الاثنان في عناق حميم.هصر خصرها هصرا عنيفا.تأوهت وتأودت.خفق فؤاده خفقانا شديدا.وارتعدت أعصابه وخارت قواه.انثنى الجسم الأنثوى انثناءة اغراء.اعتراه الكلال والنصب.وفجأة صرخت (نورهان) قائلة:‏

     

    -انّي لا أرى شيئا البتة‏

     

    اضطرب ونفر من فراشه.خال حينئذ انّه يرى وجه أمّه ومحياها.‏

     

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()