بتـــــاريخ : 11/12/2008 5:57:03 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1368 0


    الـمجـانـين

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : عبد الفتاح عبد الولي | المصدر : www.awu-dam.org

    كلمات مفتاحية  :

     

     

    إذا جَنَّ الليل، نتدثَّر بجلودنا.‏

     

    في الليالي الباردة، نستمدُّ الدفء من أنفاس المساجد التي ننام لصقها.‏

     

    ولت أيام العزْ.‏

     

    في زماننا هذا لم تعد المساجد تُفتحُ للعباد.‏

     

    المساجد تُغلقُ من بعد صلاةِ العشاء بأقفال الطِّليان والتَّيوان.‏

     

    غالباً، لايموت من البرد في مدينتكم إلاَّ من يكون غريباً، بائساً أو متشرداً، جائعا لايلقى مأوىً يُكِّنُّ، ولاكلمات مرحة تُرتِّقُ شروخ الروح.‏

     

    أما وقد كشفتُ لكم سراً من أسرارنا، ألا وهو سرُّ مقاومةِ أشواك البرد، وهي هفوة لسان بريئة، لن أتعرض بسببها للتقريع في مجلس شيخ المجانين الذي ينعقد عادة في تمام الساعة، صفر، يوم يكون القمر قد شاخَ وهيأ كفنه استعداداً لمضاجعة عانسة المحاق. لن تطالني عصا اللوم، لأن حرية القول مكفولة لكل من به مس، حسب دستورنا. وبما أنكم قوم مصابون بداء الكلام فلا تثريب عليَّ إن تحفظتُ ولم أكشف عن تلك النواميس العجيبة التي تنظم سير الحياة في مجتمعنا المتطور، ليس بسبب الحالة الذهنية الحالية، او خوفاً من أي مخلوق ولكن لئلا تسارعوا بقطع جوازات سفرٍ بلاعودة وتطلبوا من معتمدينا حق اللجوء والانتماءِ إلى عالمنا الأرحب. بصراحة، حتى، لا تَزُقّوا علينا الِمْهَرة." وحتى لاتتلوثُ مدننا العظيمة بعوادم عقولكم. من الخير لكم ياهؤلاء أن تقتنعوا بجناتكُم ولا تطمعوا بِجِنانِ المجانين.‏

     

    القناعة كنز لايفنى‏

     

    الشراهة قد تخنق‏

     

    والكلبُ المُجَّربُ يتقنُ ترويض العظمة الجامحة.‏

     

    هاهمْ يسرحون يمرحون في كل مكان، لايبصبصون بذيولهم إلاّ لنا.‏

     

    ألفنا كلاب الشوارع وألِفَتْنا. حقاً، إنها تتقاتلُ بشراسة، بيدَ أنها لاتتعدى الخط الأحمر، إذْ لم يحدث إطلاقاً أن وصل الخصام بينها إلى حدَّ القتل وإراقة الدماء.‏

     

    في مسالخ التشريح لاتوجد فوارق بين كلاب الشوارع والكلاب المدجنة على حدِّ علمنا، بيدَ أننا وبعد رصدٍ دقيق لاحظنا ثمة اختلافاً في الطِّباعِ والصفات، إذا أن كلاب الزِّينة تشتهر في الغالب بالخنوع والطاعة والنظافة وبصبصة الذيل لكل من هبَّ ودب ونادراً ماتصاب بنوبات السُّعار. أما كلاب الشوارع، فلم تتخلَّ عن سجيتها وبقيت محافظة على روح الإقدام والشجاعة وإنكار الذَّات.‏

     

    النابُ المسعور، يحكم كلاب الشوارع ويدعى أبو الضواري وهو مقاتل لايشق لهُ غبار، تاجهُ: مصنوع من ذراتٍ بنفسجية، تتوسطهُ جوهرة نادرة لاتُقَدَّرُ بثمن... مهلاً!! لاتدعوا لعابكم يسيل بدون إرادة. لقد حاول جبابرة المدينة وعتاة لصوصها أن يستولوا على التَّاج وجوهرتهِ، ولم يفلحوا. أُبيدت كل الجيوش التي جيشوها وفشلت كل الخطط التي خططوها أمام بوابة النَّاب المسعور.‏

     

    النَّاب الكاسر.- وهذا لقب آخر لملك كلاب الشوارع.ليس مهيباً كالأكاسرة ولارهيباً كالأباطرة. لم تجرَ لهُ عمليات توسيع الصدر ليتسع للنياشين والأوسمة ومختلف "الدَّنادِح". إنه بسيط يرتدي حلة رمَّانية من الشعر الأشعث. على منخره علامةٌ داكنة، يُشاركُ رعيتهُ الأفراح والأتراح، ويُغازلُ خلسةً الصبايا الملاح. إن قُرِعَت طبول الحرب تقدم الصفوف. يأنفُ اكتناز الكنوز. لاولدان ولاجواري عنده، لاقصور ولامنتجعات لديهِ ولاحتى حاشية تحيط به، بيد أنهُ- وهذه من الزلاَّت والشطحات التي يتصف بها أصحاب الصولجان-، يدَّعي انحداره من سلالةٍ تناسلت من صلب الكلب الأول الذي حملتهُ السفينة قبيل الطوفان العظيم. وتلك قصة طويلة يرددها في كل المناسبات، عندما تكون خليلتهُ نائمة، لأنها الوحيدة التي تعرف أصلهُ وفصلهُ وهي من العوام، جميلة، ماجنة وسليطة اللسان. تعشق الطَّرب والسَّهر وجهاراً تراودُ فتيان الكلاب عن نفسها. والناب المسعور بجلالة قدره يهابها ولايعصي لها أمراً. بموجب فرمانٍ عالٍ، أطلق عليها لقب "زهرة الليل"، وبما أنها تنام النهار كله فقد أجبرته على أن يغير النهار إلى ليل كلبي، والليل إلى نهارٍ مستكلب. هل أدركتم الآن لماذا تهجر شهوةِ النوم عيونكم في ليالي هذه المدينة؟!. لاتتهموا أعشاب (القات) ووريقاتهِ المسحورة ياأعضاء حزب القات، فأنتم تعرفون ان حزبكم أضحى حزب الأغلبية في السّاحة والإنتساب إليه لايسبب الأرق مذ رفع إمامكم (أحمد ياجِنَّاه) شعار: "القات، القات في القلب راحات. أعداؤه ماتوا، واصحابهُ عاشوا." عواء كلاب الشوارع هو السبب الرئيسي للسهر والحمى وامراض الشرايين وأوجاع القلب والسرطان والفشل الكلوي. وأمامكمُ خياران للقضاء على الأرق، إما الدخول في حرب ضروس مع الكلاب، وإما أن تستبدلوا النهار بالليل. بلى، هناك كلاب لاتنام في النهار وكلاب مُدَجَّنة حبذت حياة الاسترخاء والترف وهي كلاب ضلت الطريق فَشُرِّدت من مملكتها التي تُطبق بصرامة قانون التَّغريب على رعاياها الجبناء وعلى الخارجين عن الجماعة. إنها كلاب بائسة -طبقاً لمفاهيم جمعية الرفق بالحيوان... أما لماذا هي بائسة؟! فلأنها معرضة دوماً للسَّحل فوق اسفلت شوارعكم، أو لأنها مُسخت وفٌقدت كلبيتها الأولى، أو لأن بعض جزاريكم يذبحونها ويبيعون لحومها لكم.‏

     

    بين العقل والجنون شعرة، لم أقطعها إلى الآن حتى لا تتهموني بالجنون كما اتهتم صاحبي العريان الذي نال حق الإنتماء البارحة إلى قبيلة المجانين الديمقراطية الشعبية. قال إنهُ رأى فيما يرى النائم إنهُ استقل عربة مُجَنَّحة تجرها ملايين الضفادع وفي كل مكان يمرُ به، كانت الجماهير الغفيرة تستقبلهُ بالهتاف وتمطرهُ بوابل من الرصاص الذي لايخترق الجسد فحسب، بل يمزقهُ إلى أشلاء تتحول بقدرة قادر إلى ديدان تأكل نفسها. ويقول إن الدودة الوحيدة التي نفدت بجلدها كانت هو نفسه، ولمَّا استوى على رأس الإبرة الموشاة بديباج أحمر، استرخى مهموماً بقضم أظفارهُ حتى أحسَّ بآلامٍ فظيعة في أصابعه المزدانة بالخواتم الغالية. فجأة أخذ الفضاء يتوعك فسدَّ أذنيه كي لايسمع دوي الرعود التي تزفر بالحيَّات والعقاب والنمل الأبيض. وها هو بجانبي يبكي ويضحك في وقت واحد. دهنَ وجههُ.بشحم السيارات وكحل عينيه بالقار، وأنا أتطلع بنشوةٍ إلى نوافذ المفرج العالي. مفرجي يسبح في باب السَّبح، بين عطبِ الغمام المندوف كطائر يحترق من شدَّة الوُجد. من جبل "نقُم" نزلت خالتي الغمامة تسير الهوينى كرغوة حليب الجن، تزف عرائسها القابضات بمجامر بخور اللبان وشبَّ الفؤاد.‏

     

    يالجمال العرائس‏

     

    يلبسن دروعاً من نوار الفُلِّ‏

     

    قوافلهن الدخانية تتوغل بين بيوت صنعاء العالية‏

     

    أصابعهن النديات تتحسس طين الجدران وتخاريش الجص وقضاضُ القبابِ والمآذن‏

     

    تتغامرُ عيونهن ضاحكات على أسرار ناس الفراش.‏

     

     

    الستائر اللَّبنية ترتعشُ وراء زجاج الشبابيك. ياربي!!،‏

     

    كم هي بردانه هذه الستائر!. دافئة هي الفراخ الزغب تحت أجنحة أمها الحمامة.‏

     

    -ياحمامة. أين ذهبت الشمس؟!‏

     

    -ذهبت إلى "دَمْتْ" لتغطس غطستين في المياه الكبريتية.‏

     

    البردُ دقدق عجرها والمفاصل.‏

     

     

    الوجهُ الذي يشبهُ لبن البلس البري غاب. غاب وجهُ حبيبتي بعد أن سكن مقصورة قلبي. كان يطلُّ عليَّ من وراء غبشةِ زجاج النافذة الوسطى للمفرج العالي. هل دخل حوصلة غراب البين؟! قلْ ياب "السَّبَح"، ِلمَ طال حبل الغياب وطوّل؟! بدأت لبلابة اليأس تتسلق صدري. القُلَيْبُ مكروب. أضربُ حربائي بعيدان الصبر. تتكسرُ عيداني.‏

     

    لهفة. خدر. ترقبٌ دائري يلفُّ بي. ادور حول مفرجي العالي كخذروفٍ لايتوقف عن الدوران. المفرج العالي يدور. رأسي يدور. المكان يشدني إلى حضنه. أبكي بين أحضانه. يطبطبُ على ظهري. أشعر بالأمان بين يديه. في قفصهِ الحريز أودع لواعج نفسي، أدفن أطماري. حوائجي وكل كنوزي. صاحبي أمين مؤتمن لايفشي أسراري ولايخون. هو الوحيد الذي رأى نجمة حبي عندما بزغت من اسفلت باب" السَّبح". شاهد كيف طلع شُعاعها من أعماق قلبي، ثم كيف نشرت فِضَّتها حتى اشتعلت مواقد السماء. تفجرت وقتئذٍ كل الكواكب. أما الجبال المحيطة بالمدينة كالسوار فقد اندكَّت دكَّا وأعلنت المآذن بأن القيامة.. قامتْ. هلَّل الناس. سبَّحُوا وكبَّروا. ماهطل من السماء ذلك اليوم لم يكن رِجْزا، بل كان حُلياً من بلور، كان نجيمات متقدة من الفسفور. فجأة، ازدادت قامات الناس طولاً وقت انهمار الللآلئ، والأبصار أضحت أقوى من الفولاذ، تمكن الناس يومها من رؤية مالم ترهُ زرقاء اليمامة. والهواء الذي يتنفسون غدا عطراً. خرجت البنات من منازلهن متبرجات 0عين الحسود فيها عود-، جرينَ كالقطط في الأزقة، دُرنَ في الشوارع وعلى السطوح. مثل القمارى رحن يجمعن الحُلي ونجيمات الفسفور. خبأن لُقِيَهُن بين النهود وتحت الشعر وفي جيوبهن وفي أماكن أخرى بهيَّة. بعدئذ لم يذهبن "للتَّفرْطةِ" كعادتهن، بل مكثن في بيوتهن يطرزن ثيابهن باللآلئ ويزوقن قلائدهن و"المْرِّيات" والأساور والتيجان بنَمنماتٍ ونقوش زاهية كأزهار الخُرافة.‏

     

    في صباح ذلك اليوم وضع شيخ المجانين بين طيات عمَّتهِ "عِرْقُ وَالَة" تفوح منه رائحة زكية. وعندما انبهرت العيون وتحجَّرتِ الأجفانِ من هول مارأت بعد إشعاع قلبي، إخضرَّ" عرقُ الوَالَة" وطال. طال حتى صار شجرة كبيرة، جذورها ضربت عميقاً في رأس شيخ المجانين وفروعها الباسقة كادت تلامس السماء. أتى كل مجانين المدينة من كل حدب وصوب حاملين الفؤوس. تسلقوا ظهر شيخهم وساق الشجرة العجيبة وانتشروا بين فروعها وراحوا يقلمونها. ضجت الدنيا. قامت ولم تقعد. عقد عقال الحارات اجتماعاً قرروا فيه إحراق شجرة المجانين من جذورها بعد رشها بالكيروسين وقرأوا "يس". لما أقبلت السيارات الكبيرة و"وَنُّانَاتها" تسبقها، كان المجانين وشيخهم قد اختفوا، وحتى يومنا هذا لم يجدوا لهم أثراً. قال طفل حارة " بحر رجرج " إنهم فروا باتجاه الجبل تحت جنح الضباب الكثيف. أما العزِّي صاحب بقالة (الحرية)، فقد أكد أنهُ رأى بأم عينيه كيف انشقت الأرض وابتلعت المجانين وشجرتهم العجيبة، وهو مالم تؤكدهُ الوسائل الاعلامية الرسمية ولا الأجهزةُ الأمنية للمدينة.‏

     

    ¯¯¯‏

     

    بعد نصف قرنٍ عدتُ. رجعتُ إلى موقعي القديم متخفياً خلف لحية كثيفة ووجهٍ مُشوَّه. تلمست بعينين غائمتين رجع همس نميم كان ينبعث من قلب باب "السَّبح" ومن نوافذ مفرجي العالي المطفأة. أخذتُ استدرج الصور المشوشة وأصاول الوجه الذي كان يشبه لبن البلس البري. الستائر جامدة. ماالذي جرى خلف المفرج العالي؟!. لماذا لا تعود أصابع حبيبتي تزيح الستارة كسالف العهد؟!.‏

     

    -لاذنب لها.‏

     

    -بلى. كان يجب أن تكون في انتظاري.‏

     

    - " من يغيب عن العين..."‏

     

    أدري "يغيب عن القلب" لكنها تعرف السبب.‏

     

    - من الصعب فهم لغة العيون بالناظور.‏

     

    -لم أمهل. كنتُ على وشك أن أرى وجهها، ولكنهم كسروا ناظوري -مقرب البعيد-.‏

     

    -عينان جامحتان ووجه شموس.‏

     

    -انتظر لحظة. هل تعرفها؟‏

     

    -حقَّ المعرفة...‏

     

    -استحلفك بالله.. قُلْ لي...‏

     

    -وداعاً.‏

     

     

    صرتُ ذلك الآخر الذي جن جنونه. كل الشوارع تعرفه. انهُ هناك يقف على رجل واحدة متكئاً على ركن المنزل القديم. أسند الرجل الأخرى على الجدار، ينظر بقلق إلى مفرجه العالي كمن ينتظر موعد غرام. بقالة (العزِّي) مقفلة والزقاق على يساره ساكن يتوسد بقايا ظلال يابس. أما الشارع الممتد أمامه فقد أصيب بالصُّرع. يتشنج. يصرخُ هائجاً والرؤوس تفقد صوابها من شدة الضجيج، هذا هو حال (باب السَّبح)، كأنَّ كُلّ رُوَّاده لو يُعَذْبِلُوا من الشيطان قبل دخوله ولهذا ركب الجن على ظهورهم حتى أحالوهم إلى مجانين من كل جنس ولون.‏

     

    مجنون المفرج العالي يدخن وينتف شعيرات ذقنه. يبصق بوجه الشارع. الستائر سوداء. الوجه الذي يشبه لبن البلس البري ذاب كفص ملح. انسكب المفرج العالي في عينيه دفعة واحدة وانصهر في المحجرين. لم يتطلع إلى أيما اتجاه ولم يأبه بالضجة التي تتصاعد من أمام دكان بائع (البُرَعِي). لم يلاحظ نصل (الجَنْبِيةِ) وهو يخفق كالبرق. في عيون الشارع شبت حرائق. احترقت الأجفان المرعوبة. لم ير سرب الحمام عندما طار من (الشواقيص) ومن رفوف النوافذ واجتاز سطوح المنازل المدببة، متحاشياً أكياس النيلون والقراطيس الهائمة التي تلعب مع خيول الريح. سمع زقزقات فراخ الحمام، كانت مذعورة. وسمع تحطم أواني زجاجية وفخارية ونحاسية وتقلب.عربات اليد المحملة بمختلف البضائع الرخيصة كحبوب المجاذيب. داست الأقدام المجنونة على عُصب التبغ ولتتها. عطس..وعطس الشارع عطساً متواصلاً حتى احمرت عيونهُ ونزل المخاط كسيل الجبل من مناخره. من بين الأصوات الهادرة مَيَّز صوت بائع الزلابيا، كان يصيح كالمجنون: "ياغارة الله. غيروا عليهم." أحاط الجمهور بحلبة الطّعان يتفرج على صراع الديكة. الذين في المؤخرة وقفوا على صفائح التَّنك أو تعلقوا على أبواب الدكاكين. كانت الصفائح التنكية تحدث بين حين وآخر جلبة تطعن الآذان كلما فقد من اعتلاها توازنهُ. من بين أصبعيهِ طار عقب سيجارة ملتهب مخلفاً نصف دائرةٍ من الدخان وسقط داخل مقلى الزلابيا. غاص عائماً مع الأقراص المنتفخة الأوداج. لفَّ مع دوَّامات الزيتِ الحار مخترقاً الفقاعات التي تكركر. النساء المطلات من الشبابيك يصرخن من خلف لُثَمِهِنَّ السوداء كطيور العَيْلِ وقت السفاد. رشاش ماء حار أخذ يطرطش بالقرب منهُ. لم يلتفت. مسح غضون وَجَهه المشوَّه وتنهد. قال طفل حارة "بحر رجرج" الذي كان يرش أحجار المنزل القديم ببولهِ مضخماً مخارج الكلمات:‏

     

    -"مجانين!!‏

     

    كلكم مجانين‏

     

    لو رأيت كيف قتله‏

     

    خرَّجَ كرشه مثل الذبيحة‏

     

    الدّم يفور مثل الزَّيت في مقلى الزلابيا‏

     

    والفرث مثل البُرَعي‏

     

    الدُّخان. يَعَوْ يابي. يطلع من بطنه. الله يستر!!‏

     

    ماأحد قدم يِفْرَعْ بينهم. كلهم وقفوا يتفرجوا!‏

     

    قالوا ثأر. مادرَّاني!!‏

     

    القاتل طحس من بين أرجل الناس. مثل الثَّعْلْ اسمع صوت ونّينات سيارات النجدة‏

     

    العسكر يتقافزوا. أي بالله. مثل النسور‏

     

    البنادق تزبط وتنطح‏

     

    أخذوا صاحب البُرَعي وصاحب الزلابيا‏

     

    الله المستعان!!‏

     

    تركوا الرجل ينازعُ‏

     

    خاطرك يامجنون..‏

    عَادْ.. أرُوحْ اْتَفرَّج... نهاية الفيلم

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()