بتـــــاريخ : 11/12/2008 3:44:54 AM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1390 0


    الدوامه

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : ابراهيم خرّيط | المصدر : www.awu-dam.org

    كلمات مفتاحية  :
    قصة الدوامه ابراهيم خرّيط

     

     

    عندما دخلت قاعة الدرس كان العرق يتصبب مني،يسيل على وجهي ،ينحدر الى عنقي..وينساب الى ظهري.‏

     

    لم يكن الجو حارا ولا دافئا،بل كان شديد البرودة فقد تحولت غدران الماء في الطريق الى طبقات من الثلج والصقيع.‏

     

    وقفت لحظة التقط انفاسي اللاهثة.‏

     

    نظرت الى ساعتي..لم اتاخر سوى دقيقة أو دقيقتين.ما كان بوسعي أن أصل قبل ذلك.الفرصة عشرون دقيقة والطريق طويل والطلبات كثيرة.‏

     

    أنا أحسب الزمن بالدقائق والثواني ،أتقن العمليات الحسابية الأربع..أجمع،أضرب،أطرح،أقسم..أضع خططا يومية واسبوعية وشهرية،ومع هذا يضيع الزمن سدى.أمور كثيرة لم تنجز ، العمر يفر في غفلة مني ، وحساب.الورق لا ينطبق على حساب الواقع،فأدرك انني اركض وراء وهم واسعى وراء سراب.‏

     

    مع خيوط الضوء الأولى اشتري الخبز،ثم اتناول فطوري على عجل،وقبل أن أذهب الى المدرسة آخذ الصغير الى الحضانة.‏

     

    في الفرصة الأولى أنطلق بدارجتي لشراء الخضار بينما يلتف زملائي حول المدفأة في غرفة المدرسين يشربون الشاي الساخن ويدخنون.‏

     

    أصل الى السوق،أرجو البائع أن يسرع..يرمقني بنظرة استخفاف ويتابع حديثه مع زبون تبدو عليه امارات النعمة والثراء..أنظر الى الساعة،أحاول أن أجعله يفهم أن وقتي قصير،يلبي طلبي بتثاقل،أحمل حاجتي الى البيت،أعود الى المدرسة..الطلاب يدخلون الصفوف..لاوقت لتناول كأس من الشاي فالمدير ينظر الى ساعته نظرة أفهم معناها.‏

     

    في الفرصة الثانية أنطلق الى المؤسسة أو الى الجمعية احمل في جيبي بطاقات التموين ودفتر اشتراك في جمعية المعلمين،ولكن ما الفائدة وقداصطف المواطنون في صفوف طويلة تذكرني بصفوف التلاميذ في المدرسة؟‏

     

    أبحث عن مؤسسة أخرى اقل ازدحاما وانا أنظر بين لحظة وأخرى الى الساعة..أشعر بفرح بفرح عظيم عندما لاأرى أمام احدى المؤسسات سوى شخصين أو ثلاثة..أسأل..يرد البائع:مؤسستنا لاتبيع المواد المقننة هذا اليوم.أسأل بلهفة:أية مؤسسة إذاً؟ يصلني الرد قريبا مثيرا مضحكا مبكيا:السكر في الجورة والرز في المجمع،والشاي في الصناعة أو العمال والزيت...‏

     

    أقول له:كفى،لاوقت لدي اليوم،ربما غدا أو بعد غد.‏

     

    المسافة طويلة ودراجتي تئن..جف الزيت في مفاصلها ومسحت اظافر اطاراتها..أتذكر أنني يجب أن ألحظ ذلك في موازنة الشهر القادم.‏

     

    اذا ،علي أن أستغني عن شراء حذاء جديد بدلا من حذائي المهترئ.‏

     

    أنظر الى الساعة..الدقائق العشرون تكاد تنقضي.أسرع بالعودة الى المدرسة،أصل متأخرا..مرة أخرى لاوقت لشرب الشاي.‏

     

    أعود الى البيت ظهرا،التهم طعامي بسرعة،أقرأ ورقة وضعتها زوجتي على الطاولة قبل أن تذهب الى عملها:فول،توابل،منظفات..‏

     

    أنطلق بدراجتي مرة أخرى،ثم أعود حاملا بعض الأكياس قبل أن يبدأ دوامي المسائي..درسان في مدرسة خاصة وثالث في بيت أحد الموسرين..ورابع أحياناً..أعود مساء،ألتقي بزوجتي وأطفالي..غرباء نحن،نعم غرباء،لانرى بعضنا في ضوء النهار..نركض،نجرى،نعدو..نصوم ونصوم وياليتنا نحصل على الثوم..الثوم صار سعره خياليا هذا العام..الثوم وحده..‏

     

    أبدا.مساء،أحاول أن أصلح حذائي المهترئ أنظر أرى أمامي عدة أحذية للزوجة والأولاد.‏

     

    يفاجئني أحد أطفالي:‏

     

    -الكتاب بحاجة الى غلاف.‏

     

    أقول له:حسنا..هيئ المخرز والمسامير.‏

     

    يسألني الكبير عن معنى بيت من الشعر لشاعر لم أسمع به ابدا،والأوسط يريد أن أساعده في حل مسألة،أقرأ..اشترت سيدة دجاجة ثمنها تسع ليرات وطبق بيض ثمنه عشر ليرات وصفيحة من السمن الحيواني ثمنها عشرون ليرةو...أرمي الكتاب جانبا..أضحك،أرى على وجه الفتى علامة دهشة وذهول.أقول له:هذه المسألة غير معقولة،كلها أغلاط،مستحيلة..بلغ معلمك ذلك.‏

     

    يدق أحد الجيران بابي..متعلم،مثقف،شهاداته تملأ الجدران..يسألني بلطف وأدب:‏

     

    -يا جار..ألا تساعدني في تركيب اسطوانة الغاز؟أبتسم،يلح في ذهني سؤال:ماذا علمتك المدارس ياجار؟أكتم دهشتي واقول:حسنا.هات المفتاح ياولد.تقول زوجتي وكأنها تذكرت أمرا:جارتنا قالت منذ زمان ان سشوار ابنتها معطل.‏

     

    أقول لها:لابأس،ارسلي من يأتي به.‏

     

    أقضي وقتا طويلا في اصلاحه.‏

     

    في الحقيقة،أنا أحب الأعمال اليدوية والفنية.تسحرني،لاأعرف كيف يمضي الوقت سريعا عندما اتعامل معها.‏

     

    تتناهى الى مسامعي تحية العلم..أقول محدثا نفسي:هاقد انتهت برامج التلفزيون وانت لم تنته بعد.ماذا وراء ذلك كله؟!الوجبة الشهية صارت حلما.الفاكهة لم تدخل بيتك منذ زمن طويل..اللحم..البيض..أطباق لانعرفها إلا في المناسبات..‏

     

    أتذكر أنني لم احضّر دروس اليوم التالي ،أتناول الكتاب والقلم والدفتر..أقرأ..أكتب..يضيق صدري ويعصر الألم قلبي اذ أدرك أن أمورا كثيرة ما زالت معلقة.‏

    وفي الصباح أستيقظ منقبض النفس أشعر بالغثيان.ألتهم طعامي بسرعة ،بضع لقيمات لاتشبع طفلا،أفحص عجلات الدراجة،أتأكد من وجود البطاقات التموينية في جيبي،أتلمس نقودي القليلة،أعصرها بيدي،أخرج الى الشارع،أقفز فوق دراجتي،أحمل الصغير الى الحضانة،تتقاذفني المدرسة والجمعية والمؤسسة مثل كرة ،وأدور في هذه الدوامة من جديد

    كلمات مفتاحية  :
    قصة الدوامه ابراهيم خرّيط

    تعليقات الزوار ()