قضى الله تعالى أن يُرسل لكلّ أمة رسولاً؛ ليكون حُجَّة عليهم يوم القيامة، والأُمَّة تأتي في القرآن الكريم لمعاني عدة -كما ذكر ذلك علماء التفسير- والمراد بها في هذه الآيات: الجماعة العظيمة من الناس يجمعهم أمر ما دين أو زمن أو مكان واحد، سواء أكان ذلك الجامع اختياريًّا أم قهريًّا، ولا تعلّق لهم بعدد معين أو بسنين معينة كأُمّة عاد التي أرسل الله عز وجل إليها نبيه هود, وأمة ثمود التي أرسل الله إليهم صالح, وأمة مدين التي أرسل الله إليهم نبيه شعيب, وأمة اليهود التي أرسل الله إليهم موسى عليه السلام.
أما زعمهم بأن الكتاب المقدس يقول: إن الأنبياء والرسل من بني إسرائيل فقط إليهم وإلى كل العالم، فهذا كلام غير صحيح، يُكَذِّبه الواقع، ويكذبه أيضا الكتاب المقدس؛ لأنه لو كان الأنبياء من بني إسرائيل فقط إليهم وإلى كل العالم، فأين أنبياء ورسل العالم قبل وجود بني إسرائيل أصلاً، وكيف يقال إنهم لسائر العالم وعيسى عليه السلام يقول كما في الإنجيل: "لم أُرْسل إلا إلى خراف بني إسرائيل الضالة" [إنجيل متَّى 15: 24]؟ فلم يَقُل أن بعثته كانت لسائر الأمم.
وأما أنه لم يخرج للأمم في أفريقيا وأوربا وأمريكا وأستراليا وآسيا أنبياء منهم وإليهم، فنقول: هذه بلادٌ وليست أممًا، ومع هذا فهذه البلاد مُطَالَبة بأن يؤمنوا برسول قد أرسله الله إليهم جعله الله خاتم الرسل إلى يوم القيامة، وهو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
ومن العجب أن يستشهد السائل بقوله تعالى: {وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلاَءِ}، على أن المراد بالآية أمة في الدنيا، والصحيح أن الآية تتحدث عن أمر في الآخرة وهو شهادة كل نبي على أمته، وليس لها علاقة بإرسال الرسل إلى الأقوام، وكذا عن شهادة النبي صلى الله عليه وسلم على أمته وعلى الأمم.
|