السائل هنا لم يفهم سعة دلالة القرآن الكريم، ولم يفهم صلاحية عود الضمير على أكثر من لفظ بما ينتج كثرة المعاني القرآنية، وهذه خصيصة من خواص القرآن الكريم.
فالآية الكريمة يحتمل أن يكون الناسي فيها هو الساقي الذي نجا، ويحتمل أن يكون نبي الله يوسف عليه السلام، وعلى فرض أن الناسي هو الساقي فلا شبهة على الآية، وهو وجه صحيح؛ بل هو أرجح من القول الأخر؛ وذلك لوجود قرينتين تدلان على ذلك.
أولهما: أن الهاء في قوله فأنساه عائدة على أقرب مذكور وهو الناجي، وهذا هو الظاهر والمتبادر.
ثانيهما: أن الله تعالى قال بعد ذلك: {وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ}[ يوسف 45].
وعلى فرض حمل الآية على الوجه الثاني وجعل الناسي هو نبي الله يوسف عليه السلام؛ فهذا أيضاً وجه صحيح لا يفهم منه ما فهم السائل من عقاب الله عز وجل على النسيان. بل في سياق الآية ملمح لطيف، وهو أنه ينبغي على العبد أن يأخذ بالأسباب ولا يعلق قلبه إلا بالله وحده، أو أن الأليق بمقام نبي الله يوسف عليه السلام ألا يستعين بغير الله عز وجل.
وأما النسيان من حيث هو فقد تقرر في شريعة الإسلام أن الله يعفو عنه؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الله تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي الخَطَأَ والنِّسيانَ، وما استُكْرِهُوا عليهِ". (1)
الهوامش:
---------------------------
(1) الحديثُ خرَّجه ابن ماجه 2045، و ابنُ حبَّان في " صحيحه " 7291 والدارقطني في السنن 4/170 ، من حديث ابن عباس. |