|
الآية لا تُثْبِتُ -من قريب ولا بعيد- أنَّ النبي كان يميل إلى ما يعبدون -حاشاه صلى الله عليه وسلم– بل على العكس تمامًا تنفي الآية ما ادَّعَاه السائل، وبتحليل بسيط للآيات تجد أنها تلفتنا لفتًا واضحًا إلى أن ركون النبي صلى الله عليه وسلم إليهم غير واقع، ولا مُقَارب الوقوع، وذلك من أربعة أوجه:
1- لفظ "لولا" الذي يفيد أن جوابه ممتنع، والمعنى: ركونك إليهم قد امتنع حدوثه لأنَّا قد ثبَّتناك.
2- وفعل المقاربة "كدت" المقتضي أنه لم يقع في الركون.
3- والتحقير المستفاد من التنوين في قوله "شيئًا".
4- والتقليل المستفاد من معنى "قليلاً".
وعلى ذلك فمُجْمَل معنى الآية: "لولا إفهامنا إيَّاك وجه الحق لَخُشِيَ أن تقترب من ركون ضعيف قليل، ولكن ذلك لم يقع".(1)
وأكثر ما تلفتك إليه الآية إلى حفظ الله تعالى نبيَّه صلى الله عليه وآله وسلم، وتثبيته له من محاولة أهل الضلال أن يُخَادِعوه صلى الله عليه وسلم؛ ولولا تثبيته تعالى له لخال عليه خداعهم ومكرهم، فوقع فيما يخالف ما يوحى إليه، لكن الله الحفيظ الذي يرعاه بعنايته ويعصمه عن الآثام -خصوصًا فيما يتعلق بالوحي- كانت رعايته فوق تدبيرهم.
وهذا شأنهم أن يُخَادِعوا ويُرَاوِغُوا، كما قال تعالى يصف حالهم هذا: {وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة :109]، وقال: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} [القلم :9]، وشأن الله معه الحفظ والرعاية.
الهوامش:
------------------------------------
(1) انظر التحرير والتنوير (8/281)
|