حين تصاب القلوب بالعمى بسبب ما يغشاها من الحقد والكراهية يدفعها حقدها إلى تشويه الخصم بما يعيب ، وبما لا يعيب ، واتهامه بما لا يصلح أن يكون تهمة ، حتى إنك لترى من يعيب إنساناً مثلاً بأن عينيه واسعتان أو أنه أبيض اللون طويل القامة ، أو مثلاً قد أصيب بالحمى ومات بها ، أو أن فلاناً من الناس قد ضربه وأسال دمه ؛ أو أن تعيب الورد بأن لونه أحمر مثلاً ؛ وغير ذلك مما يستهجنه العقلاء ويرفضونه ويرونه إفلاسًا وعجزًا .
إن محمداً - صلى الله عليه وسلم - قدمت له امرأة من نساء اليهود شاة مسمومة فأكل منها فمات - صلى الله عليه وسلم - .
وينقلون عن تفسير البيضاوى :
أنه لما فتحت خيبر واطمأن الناس سألت زينب بنت الحارس - وهى امرأة سلام بن مشكم ( اليهودى ) - عن أى الشاة أحب إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - ؟ فقيل لها : إنه يحب الذراع لأنه أبعدها عن الأذى فعمدت إلى عنزة لها فذبحتها ثم عمدت إلى سمّ لا يلبث أن يقتل لساعته فسمَّت به الِشاة ، وذهبت بها جارية لها إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - وقالت له : يا محمد هذه هدية أهديها إليك .
وتناول محمد الذراع فنهش منها . . فقال - صلى الله عليه وسلم - : ارفعوا أيديكم فإن هذه الذراع والكتف تخبرنى بأنها مسمومة ؛ ثم سار إلى اليهودية فسألها لم فعلت ذلك ؟ قالت : نلت من قومى ما نلت . . . وكان ذلك بعد فتح " خيبر " أحد أكبر حصون اليهود فى المدينة وأنه - صلى الله عليه وسلم - قد عفا عنها .
ثم يفصحون عن تفسير البيضاوى :
أنه - صلى الله عليه وسلم - لما اقترب موته قال لعائشة - رضى الله عنها - يا عائشة هذا أوان انقطاع أبهرى (1) .
فليس فى موته - صِلى الله عليه وسلم - بعد سنوات متأثرًا بذلك السُّم إلا أن جمع الله له بين الحسنيين ، أنه لم يسلط عليه من يقتله مباشرة وعصمه من الناس كتب له النجاة من كيد الكائدين ، كذلك كتب له الشهادة ليكتب مع الشهداء عند ربهم وما أعظم أجر الشهيد .
وأيضًا . . لا شك أن عدم موته بالسم فور أكله للشاة المسمومة وحياته بعد ذلك سنوات يُعد معجزة من معجزاته ، وعَلَمًا من أعلام نبوته يبرهن على صدقه ، وعلى أنه رسول من عند الله حقًا ويقينًا .
وقد اقتضت حكمة الله تعالى أن يموت فى الأجل الذى أجله له رغم تأثره بالسم من لحظة أكله للشاة المسمومة حتى موته بعد ذلك بسنوات .
الهوامش:
--------------------
(1) الأبهران عرقان متصلان بالقلب وإذا قطعا كانت الوفاة
|