أولاً: كل هذه المعلومات لم يأت السائل عليها بأي إثبات يعتبر.
ثانيًا: نقول للسائل ما قولك في شأن مريم -عليها السلام- كيف تربت؟ وكيف شبت؟ وما حال أمها وأبيها ؟لم يذكر الكتاب المقدس شيئا عن هذا فلما جاءهم القرآن بخبره ذهبوا يطعنون فيه، قال الله تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } [ النمل 76]
يقول الشيخ الطاهر بن عاشور: "ليس في كتب النصارى ذكر لاسم أبي مريم أم عيسى ولا لمولدها ولكنها تبدأ فجأة بأن عذراء في بلدة الناصرة كانت مخطوبة ليوسف النجار قد حملت من غير زوج" (1).
ثالثًا: يذكر السائل أن مريم -عليها السلام- كانت من سبط يهوذا وهذا ليس صحيحًا؛ فقد جاء في بدء إنجيل لوقا أن إليصابات زوجة زكريا -عليه السلام- كانت من نسل هارون من سبط لاوى وكان زكريا من نسل هارون من سبط لاوى وتزوجها؛ لأن شريعتهم توجب أن يتزوج كل واحد من سبطه فقط وأن مريم كانت قريبة لإليصابات، وإذا ثبت أنها قريبة لها ثبت أن مريم من سبط لاوى (انظر إنجيل لوقا) (2).
رابعًا: قد تقرر أن من علم حجة على من لم يعلم، وفقد الوجدان لا يلزم منه فقد الوجود، بمعنى أن خلو كتبهم من هذه الأحداث - على فرض صدقه - لا يعني أنها لم تحدث، وما ذكره القرآن الكريم في كفالة نبي الله زكريا للسيدة مريم العذراء هو المنسجم مع طبيعة الأمور، والله أعلم.
وهذه الآيات قد تحدثت عن تكفيل الله تعالى نبيه زكريا لمريم الصديقة وكفالة نبي الله زكريا لها وإحسانه إليها، وفي معنى الكفالة يقول البيضاوي: "أي جعله كافلا لها وضامنا لمصالحها" (3).
ويقول صاحب التسهيل: "وكفلها زكريا" أي ضمها إلى إنفاقه وحضانته، والكافل هو الحاضن، وكان زكريا زوج خالتها" (4)
ولأنها كانت أنثى -والأنوثة تستلزم الرعاية والعناية أبداً- استحقت أن يقوم على رعايتها رجل، فاختار الله لها هذا النبي العظيم لحكمة جليلة اقتضت ذلك؛ يقول ابن كثير: "وإنما قدر الله كون زكريا كفلها لسعادتها؛ لتقتبس منه علمًا جمًّا نافعًا وعملا صالحًا، ولأنه كان زوج خالتها -على ما ذكره ابن إسحاق وابن جرير وغيرهما-، وقيل: زوج أختها، كما ورد في الصحيح " فإذا بيحيى وعيسى وهما ابنا الخالة" (5).
وقد يطلق على ما ذكره ابن إسحاق ذلك أيضاً توسعًا فعلى هذا كانت في حضانة خالتها" (6).
وذكر صاحب زاد المسير قصة كفالة نبي الله زكريا للسيدة الصديقة مريم، ومفادها أنه بعد ولادتها اختصموا من يأخذها، فخرجوا إلى نهر، وألقوا أقلامهم؛ حتى يروا من يثبت قلمه فيأخذها ليتكفل بها، فثبت قلم زكريا عليه السلام فكفلها بهذه القرعة، وفي هذا يقول الله عز وجل: { ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ} [ آل عمران 44]، وجعل زكريا لها مكانًا في المسجد هو أشرف مكان فيه، فإذا عرض لها عارض يمنع من المقام بالمسجد أخذها إلى بيته، ثم أعادها إلى المسجد مرة أخرى بعد زوال هذا العارض(7).
الهوامش:
--------------------------------------------
(1) التحرير والتنوير 3/243.
(2) حقائق الإسلام في مواجهة شبهات المشككين صـ466 .
(3) تفسير البيضاوي 1/66 .
(4) التسهيل لعلوم التنزيل 1/105 .
(5) أخرجه البخاري كتاب الأنبياء،باب قول الله تعالى{ ذكر رحمة ربك عبده زكرياء إذ نادى} 3/1263حديث 3247، ولا يدل دلالة قاطعة على مراد ابن كثير لأنه يحتمل معنى آخر هو أنها ابنة أختها وليست أختها مباشرة كما يقولون ابن خالة فوقية أو ابن عم فوقى.
(6) ابن كثير 1/359 وما بعدها .
(7) انظر زاد المسير 1/379 بتصرف كبير وانظر تفسير القاسمي 4/92 وما بعدها والقرطبي 4/70.
|