سبق أن عدوا الأربعين جمع قلة ، وهنا جزموا بأن الثلاثين يوماً الرمضانية ، أو التسعة والعشرين يوماً جمع كثرة ، وأن القرآن أخطأ مرة أخرى حين عبَّر عنها بجمع القلة " معدودات " أليست هذه نادرة من نوادر الدهر ؟ كيف تكون الأربعون أقل من الثلاثين أو التسعة والعشرين ؟ هل هذا يصدر عن عاقل على وجه الأرض ؟
وما عدوه خطأً فى هذه الآية ، وهو قوله تعالى : " معدودات " فهو عين الصواب لغة وبياناً ، وقد أشرنا من قبل إلى أن معاملة غير العاقل معاملة العاقل أسلوب بلاغى رفيع المستوى ، وهو عند البلاغيين استعارة ، شبه فيها غير العاقل بالعاقل لداعٍ بلاغى ، يراعيه البليغ فى كلامه.
وكلمة " معدودات " فى وصف أيام الصيام أتى بها القرآن لخصوصية بيانية ، هى تعظيم شأن تلك الأيام ، حتى لكأنها لرفعة منزلتها عند الله عز وجل صارت من ذوى العقول ، وهى أوقات لا روح فيها كالأحياء العاقلين.
فليس المدار فيها اعتبار قلة ، أو كثرة ، بل المراد التنويه بفضلها ، وعلو منزلتها عند الله تعالى.
أما القلة فتفهم من سياق الكلام ، الذى حدد أيام الصيام بالشهر الواحد : ( شهر رمضان الذى أنزل فيه القرآن هدىً للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ) (2).
ولهذا التنزيل مواضع أخرى كثيرة فى القرآن الكريم وحسبنا من القلادة ما أحاط بالعنق.
الهوامش:
----------------------
(1) البقرة: 183-184.
(2) البقرة: 185.
|