كما نجد فروقاً - كذلك - فى التمهيد : ففى سورة " البقرة " لم يتقدم عليها تمهيد . أما فى سورة " الأعراف " فقد كان التمهيد صدر آية : [ ولقد خلقناكم ثم صورناكم ](1) ، ثم قال : [ ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم ] والعطف بـ " ثم " المفيدة للترتيب مع التراخى يدل على أن فى التعبير تجوزاً . إذ ليس المخلوق والمصوّر هم المخاطبين بل آدم عليه السلام ليصح الترتيب . والمعنى : " خلقنا أباكم آدم طيناً غير مصوّر ثم صوَّرناه بعد ذلك " .
والمجاز فيها مرسل والعلاقة المصححة هى المسببة . إذ وجود المخاطبين مسبب على وجود المراد بالحديث وهو آدم .
كذلك مهِّد لها فى سورة " الحجر " بالحديث عن خلق الجان والإنسان : [ ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمأٍ مسنون * والجان خلقناه من قبل من نار السموم] ثم قال : [ وإذ قال ربك للملائكة إنى خالق بشراً من صلصال من حمأٍ مسنون] (2) .
أمافى سورة " الإسراء " فلم يأت فيها تمهيد مثل سورة " البقرة " . وكذلك سورة " الكهف " وسورة " طه " تقدّم القصة فيها تمهيد هو فى الواقع إجمال بديع للقصة كلها ومدخل لسرد أحداثها بالغ الجودة : [ ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسى ولم نجد له عزماً ] (3) . كان هذا هو مدخل القصة فى سورة " طه " كما سردت بعده أحداثها سرداً محكماً .
وكذلك خلت سورة " ص " من التمهيد المباشر للقصة . وبذلك تكون القصة قد مُهِّدَ لها فى ثلاثة مواضع هى : الأعراف - الحجر - طه .
ولم يُمهِّد لها تمهيداً مباشراً فى أربعة مواضع هى : البقرة - الإسراء - الكهف - ص .
وكذلك نجد فروقاً فى الأمر بالسجود . فتارة يكون بصريح الأمر من الفعل " سجد " نفسه وذلك فى خمسة مواضع هى : البقرة - الأعراف - الإسراء -طه - الكهف .
أما فى سورة الحجر والله - سبحانه وتعالى - أعلم وسورة " ص " فلم يأت بالأمر الصريح من الفعل . بل تقدَّم عليه " أمر " من فعل آخر " وقع " وجعل السجود حالاً . من فاعل ذلك الفعل الذين هم الملائكة . ومن دقة النظم أن هذه العبارة جاءت فى السورتين فى سياق حديث واحد : [ فإذا سويته ونفخت فيه من روحى فقعوا له ساجدين ] (4) .
ولعل السر فى هذا التصرف - [ فقعوا له ساجدين ] بدلاً من :[ اسجدوا لآدم ] - أن التفصيل فى هاتين السورتين فى هذا الموضوع بالذات حيث قال : [ فإذا سويته ونفخت فيه من روحى ] بعد قوله فى سورة الحجر : [ إنى خالق بشراً من صلصال من حمأٍ مسنون ] وبعد قوله فى سورة " ص " : [ إنى خالق بشراً من طين ] .
أن هذا التفصيل فيه شرح أكثر لبيان قدرة الله سبحانه وتعالى وذلك أمر أدعى إلى تعظيم الله القادر والانكباب من عَلٍ على الحياة تقديراً له حق قدره ذلك لأن : ( فقعوا له ساجدين ) فى معنى الانكباب الفورى وهو معنى زائد على مجرد الأمر الوارد فى المواضع الأخرى : " اسجدوا لآدم " .
ويلاحظ - كذلك - أن إحدى هاتين العبارتين جاءت فى سورة "ص " وسورة " ص " هذه هى أول سورة تحدثت عن القصة ، وهى مكية . فإن سورة الحجر مكية كذلك . والقوم فى مكة شديدو العناد للإسلام . فناسب حالتهم هذه ، التفصيل فى القول والاتجاه به نحو القوة . وذلك تكفلت به السورتان : سورة " ص " وسورة " الحجر " .
ملاحظة جديرة بالتسجيل :
هذه خلاصة وجيزة لما اشترك من عناصر القصة فى جميع المصادر . ونرى أن نذكر ملاحظة جديرة بالتسجيل هى أن الإشارة جاءت عابرة عن قصة آدم فى سورة الكهف . وهى وإن اشتملت على العناصر الثلاثة التى لم يخل منها مصدر من مصادر القصة ، فإن جانب القصص غير ظاهر فيها .
وإنما جئ بها تمهيداً لإنكار أن يتخذ الناس إبليس وذريته أولياء من دون الله . . والعهد المكى لم يكن فى حاجة إلى تفصيل بعد أن تحدثت عنها خمس سور مكية فى تفصيل ووضوح .
لذلك جاءت آية " الكهف " لمحة عابرة إلى حديث طويل معلوم وذائع أمره . كما أن هذه السورة على وجازة ما جاء فى آيتها من حديث القصة فإنها اشتملت على جديد لم يصرح به فى غيرها . وذلك الجديد هو : [ إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه] (5) . فنسبته إلى الجن والحكم عليه بالفسق لم يرد إلا فى آية " الكهف " .
وهذا يعطينا قيمة عظيمة هى أن القصة المتكررة فى القرآن لم تخل من جديد وإن قصرت فى موضع دون آخر .
ثانيا - المعانى المشتركة بين مجموعة دون أخرى :
من المعانى المشتركة بين مجموعة دون أخرى : سؤال الله - سبحانه وتعالى - إبليس عن عدم امتثاله لأمره وما ترتب على ذلك من أمور .
وقد ورد هذا السؤال فى ثلاثة مصادر :
الأول - فى سورة الأعراف ، قال سبحانه وتعالى : [ قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتنى من نار وخلقته من طين * قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين * قال انظرنى إلى يوم يبعثون * قال إنك من المنظرين* قال فبما أغويتنى لأقعدن لهم صراطك المستقيم * ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين * قال اخرج منها مذءوماً مدحوراً لمن تبعك منهم لأملأن جهنم منكم أجمعين ] (6) .
الثانى فى سورة الحجر ، قال سبحانه وتعالى : [ قال يا إبليس ما لك ألا تكون مع الساجدين * قال لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمأٍ مسنون * قال فاخرج منها فإنك رجيم * وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين * قال رب فأنظرنى إلى يوم يبعثون * قال فإنك من المنظرين * إلى يوم الوقت المعلوم * قال رب بما أغويتنى لأزينن لهم فى الأرض ولأغوينهم أجمعين * إلا عبادك منهم المخلصين * قال هذا صراط على مستقيم * إن عبادى ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين * وإن جهنم لموعدهم أجمعين * لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم ] (7) .
الثالث - سورة " ص " ، قال سبحانه وتعالى : [ قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدى استكبرت أم كنت من العالين * قال أنا خير منه خلقتنى من نار وخلقته من طين * قال فاخرج منها فإنك رجيم * وإن عليك لعنتى إلى يوم الدين * قال رب فأنظرنى إلى يوم يبعثون * قال فإنك من المنظرين * إلى يوم الوقت المعلوم * قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين * إلا عبادك منهم المخلصين * قال فالحق والحق أقول * لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين ] (8) .
والباحث يرى أن السؤال قد اختلف فى صياغته من موضع إلى آخر . وأنه قد ترتب عليه أمور :
1ـ اعتذار إبليس وحجته أنه مخلوق من نار ، وآدم من طين مع اختلاف فى الصياغة .
2ـ رد عليه من الله رافض لعذره وآمر له بالخروج أو الهبوط من الجنة ، منكر عليه أن يتكبر فيها ، موجب عليه اللعنة مع الاختلاف فى طرق تعريف اللعنة .
مرة بـ " الـ " . وأخرى بالإضافة إلى الله .
3ـ طلب إبليس أن ينظره ربه إلى يوم البعث . واستجابة الله له .
4ـ إعلان إبليس - مقسماً مرة ومعللاً أخرى - ليغوين الناس إلا من يعصمه الله .
5ـ إعلام الله إبليس بحصانة عباده المخلصين . وتوعده لإبليس بأن يملأ منه جهنم وممن اتبعه أجمعين .
6ـ إن فى المواضع الثلاثة فروقاً دقيقة فى الصياغة . وفى تصوير المعانى سواء فيما قاله الله لإبليس أو فيماً حكاه القرآن من مقولة اللعين .
7ـ إن سورة الإسراء تشترك معها فيما ترتب على السؤال دون أن يرد فيها ذكر له ؛ لأن مقولة إبليس فيها نزلت منزلة إبائه السجود .
[ إلا إبليس قال أأسجد لمن خلقت طيناً * قال أرأيتك هذا الذى كرمت علىَّ لئن أخرتن إلى يوم القيامة لأحتَنِكَنَّ ذريته إلا قليلاً * قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفوراً * واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم فى الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غروراً * إن عبادى ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلاً ) (9) .
* * *
ملاحظات :
وكذلك : أن هذه العناصر التى اشتركت فيها كل من سورة الأعراف . وسورة الحجر . وسورة " ص" . وسورة الإسراء . كان مهدها مكة ؛ لأن هذه السورة مكية النزول . وحال القوم فى مكة من الإعراض والصدود والجدل العقيم فى محاربة الدعوة الجديدة تناسبه عناصر القصة المذكورة بما فيها من قوة وعنف فى الرد على إبليس وتوعده بالعذاب هو ومن اتبعه , كما أن رفض الحجة التى بنى عليها اللعين اعتذاره وإهدارها من الأساس شبيه برفض الإسلام لدعاوى وحجج المعاندين من مشركى مكة .
كما نرى أن اختلاف الصياغة من موضع إلى آخر أمر اقتضاه المقام ولم يكن مجرد اتفاق .
ونضرب لذلك مثلاً : قال إبليس فى سورة " الحجر " معتذراً عن مخالفته أمر ربه : [ قال لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمأٍ مسنون] (10) . .
بينما نسب خلقه إلى الطين فى كل من سورة الأعراف وسورة الإسراء وسورة "ص" .
والطين سابق على الصلصال والحمأ المسنون . قال الراغب :
الصلصال تردد الصوت من الشىء الجاف ومنه قيل : صل المسمار، وسمى الطين الجاف صلصالً قال : [ من صلصال كالفخار] ، [ من صلصال من حمأٍ مسنون](11) .
فأوثر الصلصال فى سورة " الحجر " لتقدمه فى قوله تعالى : [ إنى خالق بشراً من صلصال من حمأٍ مسنون] (12) . ولعل إيثار هذا أيضاً على أن يقول : " من طين " لأن مبدأ خلق الإنسان هنا قوبل بمبدأ خلق الجان ، ولما قال فى خلق الجان : [ من نار السموم] ناسب أن يكون المقابل له : [ صلصال من حمأٍ مسنون] لأن الطين إذا قوبل بالنار جف ويبس وسمع له صوت إذا حُرِّك .
ومما يؤيد هذا قوله فى سورة الرحمن : [ خلق الإنسان من صلصال كالفخار * وخلق الجان من مارج من نار] (13) . فآثر الصلصال فى مقابلة المارج الذى من نار .
أما إيثار الطين فى " الأعراف " و "الإسراء " و " ص " فحيث لم يقتض المقام سواه ولأنه أسبق وجوداً من الصلصال .
هذا مثل أذكره للقياس ولبيان أن كل اختلاف فى الصياغة إنما هو لسببٍ وداعٍ وليس لمجرد التعبير الخالى من الدقائق والأسرار .
ومن المعانى التى اشتركت فيها مجموعة دون أخرى : أمر الله آدم وحواء أن يسكنا الجنة بعد طرد إبليس منها
وهذه مرحلة تالية فى بناء القصة للمرحلة السابقة من مخالفة إبليس وعناده وما ترتب عليها .
فننظر فى مصادرها وصياغاتها :
* سكنى الجنة :
جاء أمر الله لآدم عليه السلام أن يسكن الجنة هو وزوجه فى ثلاث سور :
الأولى : " البقرة " ، قال سبحانه وتعالى : [ وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكُلا منها رغداً حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين] (14) .
الثانية : " الأعراف " قال سبحانه وتعالى : [ ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين ] (15) .
الثالثة : " طه " قال سبحانه وتعالى : [ فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى(16) * إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى * وأنك لا تَظْمَأُ فيها ولا تضحى] (17) .
ولعل أول ما يلاحظه الباحث فى هذه النصوص الثلاثة أن الأمر بالسكنى فى الجنة جاء صريحاً فى آيتى " البقرة والأعراف ".
وخولف ذلك فى سورة " طه " لأن ما فيها نصح وتحذير لآدم وزوجه من إغواء الشيطان لهما ؛ لأنه لهما عدو .
فجاء قوله تعالى : ( فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى ) دليلاً على تمكنهما من الجنة حيث نهاهما الله أن يخرجهما منها الشيطان .
وفى سورة طه - كذلك - تفصيل لمظاهر النعيم التى كانا ينعمان بها فى الجنة . ويقابل هذا التفصيل فى " البقرة والأعراف " الإذن لهما بأن يتمتعا بما شاءا حيث كانا فيها مع زيادة وصف الأكل ب " الرغد " فى سورة البقرة .
كما يلاحظ أن آية البقرة قد صدرت بقوله : [ وقلنا يا آدم ] ، أما الأعراف فقد حُذف منها القول وصدرت بالنداء وحده : ( ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة ] ، كما صدرت آية " طه " بالقول مسبوقاً بالفاء دون الواو كما فى " البقرة " : [ فقلنا يا آدم أن هذا عدو لك ولزوجك] .
ولعل السر فى ذلك أن القول فى " البقرة " عطف على نظيره فى صدر الآية السابقة : [ وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا ] .
أما فى سورة الأعراف فقد حُذف القول . وبُدىءَ فى خطاب آدم بالنداء لأنه قد سبق عليه قوله تعالى : [ قال اخرج منها مذءوما مدحوراً لمن تبعك منهم لأملأن جهنم منكم أجمعين] (18) . فلو قال بعده : " وقلنا . . " لتوهم متوهم أن " قال " فى الآية السابقة ليست من قول الله لإسناده إلى ضمير الغائب وإسناد " قلنا " لضمير المتكلم ، وقد عرفنا حرص القرآن على إسناد القول إلى ضمير المتكلم فى موضع الأمر بالسكنى لآدم وزوجه .
والأظهر هنا أن الواو للاستئناف فى : ( ويا آدم اسكن ) حتى تظهر المغايرة التامة بين مأمور بالخروج مذءوماً مدحوراً ، ومأمور بالتمكن معززاً مكرماً .
أما العطف فى سورة طه بـ " الفاء " : [ فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك ] فَلِمَا فى " الفاء " من الترتيب والتعقيب . وما تفيده كذلك من معنى السببية .
إذ تقدَّم عليها امتناع إبليس عن السجود له .
فأبان العطف بـ " الفاء " ترتب نصح الله لآدم على امتناع إبليس عن السجود .
وأن ذلك حدث دونما فصل بين الامتناع والنصح - هذا من حيث الترتيب والتعقيب - أما من حيث السببية فإن كون إبليس ممتنعاً عن السجود لآدم . فذلك سبب فى أنه عدوهما والحقود عليهما .
* وسوسة الشيطان لهما وما ترتب عليها :
وهذه المرحلة من القصة قد اشتركت فى الحديث عنها مجموعة من السور هى : " البقرة " قال سبحانه وتعالى : [ فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم فى الأرض مستقر ومتاع إلى حين * فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم ] (19) .
" الأعراف " قال سبحانه وتعالى : [ فوسوس لهما الشيطان ليبدى لهما ما وورى عنهما من سوءاتهما وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين * وقاسمهما إنى لكما لمن الناصحين * فدلاهما بغرور فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوءاتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة ] (20) .
تلك هى مواضع ورود مرحلة وسوسة الشيطان لآدم وزوجه . حسداً منه وحقداً عليهما على أن بقيا فى الجنة وطُرِد هو منها .
والذى نلاحظه هنا أمور :
أولاً : أن السورتين المكيتين اتفقتا فى التفصيل والتعبير عن إغواء الشيطان لهما بالوسوسة ، بينما عبرّت عنه السورة المدنية بالإزلال . كما جاءت فيها المعانى مجملة .
ثانياً : أن التفصيل فى كلتا السورتين المكيتين - مع اختصاص الأعراف بنصيب وافر فيه - صور لنا لقطات هامة هى : الغرض من الوسوسة - أسلوب الخداع الذى سلكه اللعين فى الإضلال ، وهذا الأسلوب اعتمد على الإغراء والتأكيد بالقسم - بدو سوءات آدم وحواء - اجتهادهما فى سترها بورق الجنة -
تأنيب الله لهما على ما بدر منهما . ومخالفتهما نصحه .
ثالثاً : أن سورة " البقرة وطه " اتفقتا فى الإشارة إلى توبة الله عن آدم واجتبائه له وانفردت سورة " الأعراف " بالحديث عن تندمهما ودعائهما ربهما بالمغفرة والرحمة . فكأن ما فى " البقرة وطه " من الإشارة إلى التوبة واجتباء الله لآدم استجابة لذلك الدعاء الذى انفردت به " الأعراف " خاصة وأن كلا من السورتين - طه والبقرة - نزلتا بعد " الأعراف ". إذ أن الأعراف هى السورة الثانية التى تحدثت عن قصة آدم بعد سورة " ص " ، وهذا يفسر لنا سر التفصيل فيها لهذه المرحلة أكثر مما ورد فى طه . وهى قسيمتها فيه . .
* * *
أمر الله لهم بالهبوط إلى الأرض :
وهذه مرحلة جاءت فى بعض المصادر دون بعضها . . ومصادر ورودها هى : " البقرة " قال سبحانه وتعالى : [ قلنا اهبطوا منها جميعاً فإما يأتينكم منى هدى فمن تبع هداى فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون * والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ] (21) .
" الأعراف " قال سبحانه وتعالى : [ قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم فى الأرض مستقر ومتاع إلى حين * قال فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون] (22) .
" طه " قال سبحانه وتعالى : [ قال اهبطا منها جميعاً بعضكم لبعض عدو فإمّا يأتينكم منى هدى فمن اتبع هداى فلا يضل ولا يشقى * ومن أعرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى * قال رب لم حشرتنى أعمى وقد كنت بصيراً * قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى * وكذلك نجزى من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى ] (23) .
من التأمل والمقارنة بين هذه النصوص يخرج الباحث بما يأتى :
أولاً : أن الأمر بـ " الهبوط " جاء بصيغة الجمع فى " البقرة والأعراف " ؛ لأن المخاطب ثلاثة : آدم وزوجه وإبليس .
وجاء بصيغة التثنية فى طه . ولعل سره أن المأمور بالهبوط فريقان : آدم وزوجه فريق ، وإبليس فريق آخر .
ثانياً : أن الأمر فى " البقرة وطه " قد اقترن ضمير المخاطب فيه بالتوكيد بلفظ : " جميعاً " ولم يرد ذلك فى الأعراف .
ثالثاً : أن التصريح بـ " ثبوت العداوة بينهم " أمر مشترك بين " الأعراف وطه " ، أما آية " البقرة " هنا فقد خلت منه ؛ لأنها جاءت تأكيداً بالهبوط للآية التى قبلها . وفيها صرح الله بثبوت تلك العداوة . فاكتفى بها .
رابعاً : أن ترقب هدى الله قد صرح به فى كل من " البقرة وطه " . . ولم يأت فى " الأعراف " إطلاقاً .
خامساً : أن بيان أن من اتبع الهدى [ فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ] ، أو : [ فلا يضل ولا يشقى ] من خصائص سورتى " البقرة وطه " مع اختصاص " طه " بشئ من التفصيل إذا ما قورنت " بالبقرة " . هذا البيان لم يرد فى " الأعراف " ؛ لأنه تابع لترقب الهدى الذى لم يرد فيها كما مر .
سادساً : التصريح بـ : " الاستقرار فى الأرض والتمتع فيها إلى حين " من خصائص سورتى " البقرة والأعراف " . مع اختصاص " الأعراف " بشرح تفصيلى لأدوار سنة الله التى سيخضعون لها فى الأرض قال : [ فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون ] (24) .
ولكل من هذه الفروق دواع ومقتضيات يطول بنا الحديث لو تتبعناها على أن هناك فروقاً دقيقة بين الألفاظ المتقابلة فى هذه المواضع . نضرب مثلاً بواحد منها :
فقد جاء فى سورة " البقرة " : [ . . فمن تبع هداى ] (25) .
وجاء فى سورة طه : [ فمن اتبع هداى ] (26) .
الفعل " تبع " مخفف فى " البقرة " ومشدد فى " طه " . يقول جماعة إن تشديد الاتباع لسبق التصريح بمعصية آدم . وقد سبقه أيضاً الا تباع مشدداً فى نفس السورة فى قوله تعالى : [ يومئذ يتبعون الداعى لا عوج له ] (27) .
وفى توجيه التشديد وعدمه آراء أُخر لعل هذا أقواها .
وتوجيه آخر أراه حريًّا بالقبول ، هو أن القرآن فى مكة كان يتجه كثيراً نحو القوة والعنف لغلظة القوم وتماديهم فى الضلال . بخلاف المدنى الذى يميل إلى الهدوء والشرح والتفصيل .
هذه آخر مرحلة يتحدث عنها العهد المكى - مرحلة الهبوط من الجنة والاستقرار فى الأرض - وقد اشترك العهد المدنى معه فى بيان هذه المراحل مع الفروق التى لحظناها بين النصوص جميعاً .
لكن بقى هناك شئ هام . وهام جداً لم ترد إليه إشارة واحدة فى العهد المكى ، وإنما استأثر به العهد المدنى . شئ هام تكاد حكاية القصة فى المدينة تختلف به عن حكايتها فى مكة اختلافاً أساسيًّا وهو أن العهد المدنى قد أضاف جديداً إلى هذه القصة . . فما هو ذلك الجديد ؟
* الجديد فى القصة فى العهد المدنى :
إن الجديد الذى ورد فى العهد المدنى عناصر بارزة فى القصة أرجأها الله تعالى فلم ترد فى المكى . وهى تتمثل فيما يلى :
أولاً : جاء فيه أنه قال للملائكة : [ إنى جاعل فى الأرض خليفة] (28)
ولم يقل لهم كما قال فى المكى : [ إنى خالق بشراً من طين] (29) . - مثلاً - كما فى سورة " ص " .
وجعل آدم خليفة مرحلة أرقى من خلقه ولاحقة به فى الوجود .
ثانياً : جاء فيه أن الملائكة تعجبوا من هذا الجعل وبنوا تعجبهم على وصفين فى المجعول . ووصفين فيهم .
أما الوصفان اللذان فى المجعول : فكونه مفسداً فى الأرض وسافكاً للدماء وأما الوصفان اللذان فيهم : فكونهم مسبحين بحمد الله ومقدسين له ، فردَّ الله عليهم بأنه يعلم ما لا يعلمون .
ثالثا : وجاء فيه تعليم الله آدم الأسماء كلها و مسسمياتها وأعده بذلك لمباراة بينه وبين الملائكة ليتحقق له الانتصار عليهم .
رابعاً : وجاء فيه أن الله عرض المسميات على الملائكة وطلب منهم أن ينبئوه بها فلم يستطيعوا وفوَّضوا الأمر إلى الله مسبحين له .
خامساً : وجاء فيه أن الله أمر آدم أن ينبئهم بالأسماء ففعل . فلما أنبأهم بأسمائهم قال الله لهم : [ ألم أقل لكم إنى أعلم غيب السموات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون] (30) .
وأول ما يلاحظه الباحث - هنا - أن نص السورة البقرة حين اشتمل على معان جديدة لم ترد فى غيره قبلاً . كما وضحناها آنفاً . واشتمل على معان تحدثت عنها السور المكية ، فإنه فى بناء القصة فى المدينة قدم القرآن المعانى الجديدة ، وبعد الفراغ منها ساق المعانى التى وردت فى العهد المكى .
وبذلك اكتمل بناء القصة ولم يعدْ فيها موضع لإضافة جديدة .
فى المدنى كانت عبارة : [ إنى جاعل فى الأرض خليفة] (31) بديلاً عن عبارة : [ إنى خالق بشراً] (32) .
لأن العهد المكى كان عهد تكوين فى كل شىء . . تكوين للعقيدة الصالحة ، تكوين للأخلاق الإنسانية الفاضلة ، تكوين لجماعة تؤمن بالحق وترفض الباطل . فناسبه من قصة آدم عليه السلام مراحل التكوين الأولى . مراحل الخلق والإيجاد من الطين أو الصلصال والحمأ المسنون .
أما " الجعل " فمناسب للعهد المدنى لأنه طور لاحق للإيجاد والخلق . ولأن مفعوله خليفة ، والخلافة مجعولة لآدم متنقلة فى ذريته جيلاً بعد جيل ؛ لأن فى الجعل معنى التحويل من شىء إلى شىء .
قال العلاَّمة العمادى (33) فى تفسير أول سورة الأنعام :
" والجعل هو الإنشاء والإبداء كالخلق . خلا أنه مختص بالإنشاء التكوينى وفيه معنى التقدير والتسوية . وهذا عام له كما فى قوله تعالى : [ وجعل الظلمات والنور] (34) ، وللتشريع كما فى قوله سبحانه وتعالى [ ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ] (35) . وأيّاً ما كان فهو إنباء عن ملابسة مفعوله بشىء آخر يكون فيه أو له أو منه " .
فالخلق لا يُطلق إلا على الإيجاد والإبداع . أما الجعل فقد يُستعمل فى معنى الخلق . وقد يفارق ذلك المعنى إلى معان أخرى كما ذكره العمادى . ولذلك وضع بإزاء الخلافة لأن الخلافة مجعولة لا مخلوقة .
ومن ملاءمات القصة فى " البقرة " للعهد المدنى أن اليهود كانوا فى المدينة وهم أهل كتاب . ولهم بماضى الأمم وحقائق الخلق دراية . فجاءهم القرآن بتفاصيل دقيقة من جعل الخلافة لآدم . ومحاورة الملائكة ربهم . وتعليم آدم الأسماء ، وعجز الملائكة عن التنبؤ بها ، وتحقيق ذلك لآدم .
ومن تلك الملاءمة أيضاً قوله سبحانه وتعالى : [ إنى أعلم غيب السموات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون] (36) .
فهذه العبارة تؤدى إلى جانب المقصود منها معنى آخر هو تهديد ظاهرة النفاق التى جدَّت فى المدينة ولم تعرف عنها مكة شيئاً .
فيها تهديد لهم بكشف أسرارهم وإظهار خفاياهم ؛ لأن النفاق يقوم على كتمان الكفر وإظهار الإيمان والطاعة .
* * *
* ملاحظة مهمة أخرى :
ومن الملاحظات المهمة فى نصوص القصة كلها فى جميع مصادرها أن بعض المعانى تُذكر مع بعض معيَّن . فإذا لم يُذكر ذلك البعض المعيَّن لم يذكر - كذلك - ما جرى المنهج القرآنى على ذكره معه .
فسؤال الله إبليس عن عدم السجود يُذكر معه بعد اعتذاره طلب إبليس من ربه أن يجعله من المنظرين . ويُذكر معه -كذلك - إعلان إبليس تصديه لإضلال الناس إلا عباد الله المَخْلَصين .
وهذا المعنى جاء فى كل من سور " ص " - و " الحجر " - و " الإسراء " . ولم يرد فى هذه السور الثلاث الأمر لهم بالهبوط من الجنة إلى الأرض .
وإذا ذُكر الهبوط من الجنة إلى الأرض ، ذُكر معه ترقب الهُدى . فمن اتبعه هَداه إلى الحق . ومَن خالفه هلك .
وقد ذُكر هذا المعنى فى سورتى " البقرة " و" طه " . ولم يختلف هذا المنهج إلا فى الأعراف حيث ذُكر فيها الهبوط ولم يُذكر ترقب الهُدى . ولعل السر فى ذلك أن " طه " نزلت بعد " الأعراف " مباشرة فأرجى ذلك إليها .
كذلك فإن إعلان توبة الله على آدم قرينة ذكر الهُدى وترقبه ذلك فى " البقرة " و" طه ".
إن المنهج القرآنى يسير على اعتبارات دقيقة فى بناء القصة وائتلاف أجزائها ، وتظهر هذه الجوانب الحكيمة كلما أطال الباحث النظر فى نصوصه وقارن ودرس واستنتج .
وفوق هذه العناصر المشتركة بين كل النصوص ، ثم المشتركة بين مجموعة دون أخرى ، نجد لكل ملامح خاصة لم تأت فيما عداه . فما هى إذن ؟
* * *
ثالثاً : الملامح الخاصة بكل مصدر من مصادر قصة آدم :
نضرب مثلاً ، ولا نستقصى . وليكن ذلك بحسب وضع السور فى المصحف ولنبدأ بسورة البقرة .
إن العهد بهذه السورة ليس ببعيد . إذ يكاد ما جاء بها يكون ملامح خاصة لها . . فليس فيها مكرر سوى أمر السجود والهبوط وترقب الهُدَى . وما عدا ذلك فخاص بها .
وسورة " الأعراف " : اخْتُصت فيما به بذكر تندم آدم وحواء ودعائهما الله بالمغفرة والرحمة وإلا كانا من الخاسرين .
وسورة " الحجر " : اختُصت بذكر الصلصال والحمأ المسنون . وبذكر الأبواب السبعة للنار وأن لكل باب جزءاً مقسوماً .
وسورة " الإسراء " : اختُصت بوضع مقولة إبليس موضع إبائه السجود . وبالتصريح بحقده على آدم : [ أرأيتك هذا الذى كرمت علىَّ] (37) . وبالإمداد له فى الضلال ، وأن يجلب عليهم بخيله وَرَجْلِه ، وأن يشاركهم فى الأموال والأولاد . وأن وعده لهم ما هو إلا غرور .
وسورة " الكهف " : اختُصت بوصف إبليس بأنه كان من الجن وأنه فسق عن أمر ربه وبإنكار أن يتخذ هو وذريته أولياء من دون الله .
وسورة " طه " : اختُصت بإجمال جامع ورد على وجه التمهيد للقصة : [ ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسى ولم نجد له عزماً ] (38) .
وبتفصيل النعيم الذى سيلقاه آدم وحواء فى الجنة . وبأن الله اجتبى آدم وهداه .
وسورة " ص " : اختُصت بقوله سبحانه وتعالى : [ لما خلقت بيدى ] (39) . . إلى غير هذه الأمور التى يطول بنا الحديث لو تتبعناها جزئية جزئية .
وكم فى هذه النصوص من الحكم والأسرار !
* * *
أولاً : أن الاختلاف راجع فى الأغلب إلى اختلاف الأحوال . ففى كل عبارة جاءت على نهج معيَّن رعاية ومناسبة لمقام الحديث . ويتصل بهذا المظهر من مظاهر التحدى حيث يكون المعنى الأصلى واحداً . وتحدث بتكراره زيادات ومعانٍ ثانية لم يزدد بها إلا حلاوة وطلاوة .
على خلاف المعهود فى بلاغة الناس . فإن التكرار فيه يُعرَّضه للقوة والضعف والتهافت وإن وُفَّقَ فى موضع خُذِلَ وسقط فى موضع آخر .
ثانياً : الفروق اللفظية التى يجئ عليها المكرر عندما نبحث عن أسرارها يتجلى لنا بوضوح لماذا آثر القرآن لفظاً على لفظٍ وأسلوباً على أسلوب ؟ مما يؤدى فى النهاية إلى الإقرار اليقينى بإعجاز القرآن .
ثالثاً : يقول الإمام البقاعى فى تفسيره سورة " البقرة " : " إن المقصود من حكاية القصص فى القرآن إنما هى المعانى . فلا يضر اختلاف اللفظ إذا أدى جميعها ولم يكن هناك تناقض . فإنها كانت حين وقوعها بأوفى المعانى ، ثم إن الله - تعالى - يُعبِّر لنا فى كل سورة يذكر القصة فيها بالألفاظ المناسبة للمعانى ، ويطرح ما لا يقتضيه المقام (40) .
* * *
* خلاصة :
ذلك هو جانب التكرار فى القرآن الكريم . فأين موضع العيب فيما جاء فى القرآن مكرراً ؟
* * *
الهوامش:
-----------------------
(1) الأعراف : 11 .
(2) الحجر : 26-28 .
(3) طه : 115 .
(4) الآية 29 من سورة " الحجر " وهى نفس الآية 72 من سورة " ص " .
(5) الكهف : 50 .
(6) الأعراف : 12 ـ 18 .
(7) الحجر : 32 ـ 44 .
(8) ص : 75 ـ 85 .
(9) الإسراء : 61-65 .
(10) الحجر :33 .
(11) المفردات : ص 284 .
(12) الحجر : 28 .
(13) الرحمن : 14-15 .
(14) البقرة : 35 .
(15) الأعراف : 19 .
(16) الراجح فى إفراد الخطاب هنا - كما أرى - هو أن آدم بما يحمل من مسئولية القوامة وتدبير أمر الأسرة يكون أول من يشعر بالشقاء .
(17) طه : 117-119 .
(18) الأعراف : 18 .
(19) البقرة : 36 - 37 .
(20) الأعراف 20 - 22 .
(21) البقرة : 38 - 39 .
(22) الأعراف : 24 -25 .
(23) طه : 132 - 127 .
(24) الأعراف : 25 .
(25) البقرة : 38 .
(26) طه : 123 .
(27) المناهج الجديدة فى تفسير آيات الله المجيدةً 79 - الدكتور عبد الغنى الراجحى - والآية من سورة طه : 108 .
(28) البقرة : 30 .
(29) ص : 71 .
(30) البقرة : 33.
(31)البقرة : 30 .
(32) ص : 71 .
(33) هو العلاَّمة أبو السعود صاحب التفسير المشهور بـ " إرشاد العقل السليم " .
(34) الأنعام : 1.
(35) المائدة : 103 .
(36) البقرة : 33 .
(37) الإسراء : 62 .
(38) طه : 115 .
(39) ص : 75 .
(40) المناهج الجديدة فى تفسير آيات الله المجيدة ص 39- الدكتور عبد الغنى الراجحى .
|