بتـــــاريخ : 11/8/2008 12:30:03 PM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1439 0


    التصوير الفوتغرافي

    الناقل : heba | العمر :43 | المصدر : www.dar-alifta.org

    كلمات مفتاحية  :
    فتوى ابحاث شرعية التصوير الفوتوغرافى

     مبنى التشريع الإسلامي قائم على قاعدة رفع الحرج ويسر التكاليف، والمجتهد هو مَن يدقق النظر ويبحث ويحقق ويتأمل ويوازن -بعد استيفائه أدوات الاجتهاد-، فالاجتهاد والتجديد لا يعنيان الاتجاه إلى التحريم لمجرد الظواهر، والقول بالحلِّ فيما لا يوجد فيه نصٌّ مُحَرِّم أولى من القول بالمنع أو الحظر؛ لأن الأصل في الأشياء الإباحة.

         وقد كثُر الكلام حول حكم الصور الفوتوغرافية بين قائل بالحِلّ وقائل بالحرمة، والصواب أن الحكم على التصوير المعاصر بالإباحة أو التحريم لا يترتَّب على كونه يُسمَّى تصويرًا بل يترتَّب على فهم حقيقته أولا؛ فالحكم على الشيء فرع عن تصوره.
        وهذا بحث في تحرير المسألة ونصرة القول بالجواز، مع عرض رأي القائلين بالمنع، ومناقشته مناقشة علمية، كما تقتضيه آداب البحث.

    معنى التصوير والصورة في اللغة والنصوص الشرعية
     
    أولا: معنى التصوير والصورة في اللغة:
        قال صاحب تاج العروس: " الصُّورة - بالضم - الشكل والهيئة والحقيقة والصفة، ج: صُوَرٌ –بضم، ففتح- وصِوَرٌ كـ"عِنَب"، قال شيخنا: وهو قليلٌ كذا ذكره بعضهم. قلت: وفي الصحاح: والصِّورُ بكسر الصاد لغةً في الصُّوَرِ جمع صُورَة".
        ثم قال: "وتُستعمل الصُّورةُ بمعنى النوع والصفة، ومنه الحديث: أتَانِي اللَّيْلَةَ رَبِّي فِي أحْسَنِ صُورَةٍ ([1])".
        ثم قال: " وقال المصنف -يعني الفيروزآبادي صاحب القاموس- في البصائر: الصُّورَةُ ما ينـتقش به الأعيان، وتتميَّزُ بها عن غيرها، وذلك ضَرْبان:
        ضَرْبٌ محسوس يُدركُه الخاصَّة والعامَّة، كصُورَةِ الإنسان والفرس والحِمار.
        والثاني: معقولٌ يُدرِكه الخاصَّةُ دونَ العامَّة، كالصُّورَةِ التي اختُصَّ الإنسانُ بها من العقل، والروية، والمعاني التي مُيِّزَ بها. وإلى الصورتين أشار تعالى بقوله: {وَصَوَّرَكُمْ فأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ} [غافر: 64] {فِي أيِّ صُورَة مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} [الانفطار: 8] {هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشاءُ} [آل عمران: 6]، وقوله صلى الله عليه وسلم: "فإنَّ اللهَ خَلَقَ آدَمَ على صُورَتِه" ([2]). أراد بها ما خصَّ الإنسان به من الهيئة المُدْرَكَة بالبصر والبصيرة، وبها فضَّله على كثير من خَلْقِه".
        ثم قال: "والصُّورَةُ: الوَجْهُ، ومنه حديث ابن مُقَرِّن: "أما عَلِمتَ أَنَّ الصُّورَةَ مُحَرَّمةٌ" ([3])، والمراد المنع من اللطم على الوَجْه، والحديث الآخر: "كرِهَ أَن تُعْلَمَ الصُّورَةُ" ([4]) أي يُجْعَلَ في الوَجْه كَيٌّ أَو سِمَةٌ. وتَصَوَّرْتُ الشيء: توهَّمْت صُورَتَه، فتَصَوَّرَ لي. والتصاويرُ: التَّمَاثيلُ"([5]).
        وقال الفيومي في المصباح المنير: "(ص و ر): الصُّورة: التمثال، وجمعها: صُوَر، مثل: غُرْفَة وغُرَف، وتَصَوَّرتُ الشيءَ، مثَّلت صورتَه وشكلَه في الذِّهن، فتصوَّر هو.  وقد تُطلَق الصورةُ ويراد بها الصِّفة، كقولهم: صورةُ الأَمْر كذا، أي: صفتُه، ومنه قولهم: صورةُ المسألة كذا، أي: صفتُها" ([6]).
        فالصورة تطلق على شكل الشيء، وهيئته، وحقيقته، وصفته، ونوعه، وتطلق على: الوجه، وتطلق على: الهيئة والصفة التي توهمها المرء للشيء في ذهنه، كما تطلق على: التمثال ([7]).
        والتصوير: هو إعطاء الشيء شكله وهيئته ووصفه ونوعه.
     
    ثانيًا: معنى التصوير والصورة في النصوص الشرعية:
     
    معنى التصوير والصورة في القرآن:
        1- قول الله تعالى: {هو الذي يُصَوِّرُكُمْ في الأرحامِ كَيفَ يَشاءُ} [آل عمران: 6].
        قال الإمام الرازي: "أما قوله: {هو الذي يُصَوِّرُكُمْ} [آل عمران: 6] قال الواحدي: التصوير جعل الشيء على صورة، والصورة: هيئة حاصلة للشيء عند إيقاع التأليف بين أجزائه، وأصله من صاره يصوره إذا أماله، فهي صورة؛ لأنها مائلة إلى شكل أبويه" ([8]).
        ويقول العلامة الألوسي: "والتصوير: جعل الشيء على صورة لم يكن عليها، والصورة: هيئة يكون عليها الشيء بالتأليف" ([9]).
         2- قول الله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ} [الأعراف: 11].
        قال العلامة الطاهر بن عاشور: "والتصوير: جعل الشيء صورة، والصورة: الشكل الذي يشكَّل به الجسم، كما يشكَّل الطين بصورة نوع من الأنواع.
        وعُطِفَت جملة {صَوَّرناكم} بحرف (ثم) الدَّالة على تراخي رتبة التصوير عن رتبة الخلق؛ لأن التصوير حالة كمال في الخلق؛ بأن كان الإنسان على الصورة الإنسانية المتقنة حسنًا وشرفًا، بما فيها من مشاعر الإدراك والتدبير، سواء أكان التصوير مقارنًا للخلق كما في خلق آدم، أم كان بعد الخلق بمدَّة، كما في تصوير الأجنَّة من عظام ولحم وعصب وعروق ومشاعر" ([10]).
         3- قول الله تعالى: {هُوَ اللهُ الخَالِقُ البَارِئُ المُصَوِّرُ} [الحشر: 24].
         قال الإمام القرطبي: "والمصور: مصور الصور ومركبها على هيئات مختلفة، فالتصوير مرتب على الخلق والبراية وتابع لهما ([11]). ومعنى التصوير: التخطيط والتشكيل، وخلق الله الإنسان في أرحام الأمهات ثلاث خِلَق: جعله عَلَقَةً، ثم مُضْغَةً، ثم جعله صُورةً، وهو التشكيل الذي يكون به صورة وهيئة يعرف بها ويتميَّز عن غيره بسمتها، فتبارك الله أحسن الخالقين " ([12]).
        فيتلخَّص مما سبق أن التصوير في القرآن جاء بمعنى: جعل الشيء صورة، وبمعنى التخطيط والتشكيل الذي يكون به للشيء صورة وهيئة يتميَّز بها عن غيره. والصورة جاءت بمعنى: الهيئة الحاصلة للشيء عند إيقاع التأليف بين أجزائه، أو الشكل الذي يتشكَّل به الجسم أو الهيئة التي يعرف بها الشيء ويتميَّز بها عن غيره.
     
    معنى التصوير والصورة في السنة ([13]):
        1- أخرج البخاري عن ابن عباس عن أبي طلحة رضي الله عنهم، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لَا تَدْخُلُ المَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ ولا تَصَاوِيرُ" ([14]).
        قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري: "قال الخطَّابي: والصورة التي لا تدخل الملائكة البيت الذي هي فيه ما يحرم اقتناؤه، وهو ما يكون من الصور التي فيها الروح مما لم يقطع رأسه، أو لم يمتهن" ([15]).
         وفي رواية أخرجها أبو داود بسنده: " لا تَدْخُلُ المَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ ولا كَلْبٌ ولا جُنُبٌ" ([16]).
        وقال العلامة السهارنفوري في بذل المجهود عند شرحه للحديث: "المراد بالصورة: صورة حيوان إن كان معلَّقًا على حائط، أو ثوب ملبوس، أو عمامة، أو نحو ذلك، مما لا يعد ممتهنًا، بخلاف ما كان في بساط يداس، أو مخدة أو وسادة، أو نحوها مما يمتهن، فلا تمنع دخول الملائكة" ([17]).
         2- وروى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النَّبي صلى الله عليه وسلم: "وَمَنْ صَوَّرَ صُورَةً عُذِّبَ وَكُلِّفَ أَنْ يَنْفُخَ فِيهَا وَلَيْسَ بِنَافِخٍ" ([18]).
        قال ابن حجر: "استُدل به على جواز تصوير ما لا روح فيه من شجر أو شمس أو قمر، ونقل أبو محمد الجويني وجهًا بالمنع؛ لأن مِن الكفار مَن عَبَدها" ([19]).
        ومعنى هذا أنه يطلب إليه أن يجعل فيها حياة حقيقية، وهذا التكليف إنما هو للتعجيز والتقريع ([20]).
         3- وجاءت الصورة بمعنى (التمثال) في حديث وَهْب بن مُنَبِّه عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه زمن الفتح وهو بالبطحاء من مكة أن يأتيَ الكعبة فيمحو كلَّ صورة فيها فلم يدخلها النبي صلى الله عليه وسلم حتى مُحِيَت كل صورة فيها ([21]).
        قال العلامة السهارنفوري في شرحه: "أي: كل تمثال على صورة نبي أو ملك من الملائكة أو نحو ذلك، مما كان نقشًا في حائط أو له جِرم أو غير ذلك مما فيه الروح" ([22]).
        وروى البخاري عن عائشة رضي الله عنها في باب "ما وطئ من التصاوير" أنها قالت: "وَقَدْ سَتَرْتُ بِقِرَامٍ لِي علَى سَهْوَةٍ لِي فِيهَا تَمَاثِيلُ " ([23]).
        فقال ابن حجر في شرحه للحديث: "قوله: "فيها تماثيل": بمثناة ثم مثلثة جمع تمثال: وهو الشيء المصوَّر، أعم من أن يكون شاخصًا أو يكون نقشًا أو دهانًا أو نسجًا في ثوب، وفي رواية بُكَير بن الأشج عن عبد الرحمن بن القاسم عند مسلم أنها نصبت سترًا فيه تصاوير" ([24]).
        4- وجاءت الصورة بمعنى (الوجه) في الحديث الذي أخرجه البخاري عن ابن عمر أنه كره أن تُعلَمَ الصورة، وقال ابن عمر رضي الله عنهما: نهى النَّبي صلى الله عليه وسلم أن تُضرَب، تابعه قتيبة حدثنا العنقزِي عن حنظلة وقال: تُضرب الصورة ([25]).
        قال في فتح الباري: "والمراد بالصورة: الوجه" ([26]).
         5- وجاءت الصورة بمعنى (الصِّفَة) في الحديث الذي أخرجه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خَلَقَ اللهُ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ " ([27]).
        قال ابن حجر في فتح الباري: "اختُلف إلى ماذا يعود الضمير، فقيل: إلى آدم، أي: خلقه على صورته التي استمر عليها، إلى أن أُهبط وإلى أن مات، دفعًا لتوهم مَن يظن أنه لما كان في الجنة كان على صفة أخرى..." إلى أن قال: " والمراد بالصورة: الصفة، والمعنى: أن الله خلقه على صفته من العلم والحياة والسمع والبصر وغير ذلك. وإن كانت صفات الله لا يشبهها شيء" ([28]).
        وقال في بيان قوله عليه الصلاة والسلام: "فَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ الجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ آدَمَ" ([29]): "أي: على صفته"  ([30]).
        6- وجاءت الصورة بمعنى مثال الهيئة منطبعًا على خرقة حرير.
        روى الترمذي عن أبي مُلَيْكَة عن عائشة رضي الله عنها: "أن جبريل جاء بصورتها في خِرْقَة حريرٍ خضراءَ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن هذه زوجتك في الدنيا والآخرة" ([31]).
    قال في تحفة الأحوذي: "قوله: "إن جبرائيل جاء" أي: في المنام " بصورتها"، أي: بصورة عائشة، والباء للتعدية "في خرقة حرير" الخِرْقة -بكسر المعجمة، وسكون الراء-: القطعة من الثوب. ووقع عند الآجري من وجه آخر عن عائشة: (لقد نزل جبرئيل بصورتي في راحته، حين أُمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزوجني). ويُجمع بين رواية الترمذي وبين هذه الرواية بأن المراد: أن صورتها كانت في خرقة، والخرقة في راحته" ([32]).
         فالمراد بالصورة: صورة ما فيه روح سواء أكان شخصًا له ظل أم نقشًا أم دهانًا أم نسجًا في ثوب، وأنها في متناول نصوص النهي ما دامت على صفة يمكن أن يعيش الحي بها، أما إذا قطع رأسها أو حلَّت أوصالها مثلا فلا تتناولها نصوص النهي.
        ويرخص في اتخاذها إن كان على صفة فيها استهانة كأن تكون على وسادة أو بساط يداس أو آنية تستعمل فلا.
        ووردت الصورة بمعنى الوجه وبمعنى الصفة والشكل والهيئة. وجاءت كلمة صوَّر: بمعنى صنع صورة الشيء.
      
    حكم التصوير الفوتوغرافي
         التصوير الفوتوغرافي أو الضوئي المعاصر: هو فن تسجيل المرئيات وتثبيتها عن طريق الآلة المعروفة، فهو يسجل الأشخاص والأغراض والأماكن والحوادث، فيُمكِّن الإنسان من الاحتفاظ بما رأى، وأن يوثقه ويستمتع به بصورة مستمرة، وأن يعود إليه كلما أراد ([33]).
        وآلة التصوير أشبه بعين صناعية، ونظام التصوير فيها يشبه -إلى حد ما- نظام الرؤية في العين، فإن الآلة ترى الأشياء وتحتفظ بما رأت لتمكِّنك من النظر إليه كلما أردت ذلك.
        فالتصوير الضوئي لا يتجاوز كونه حبس العكس كالمرآة، فالأجسام ينعكس نورها على المرآة فيظهر عكس شكلها ([34])، فما يجري في آلة التصوير فهو انعكاس ([35]).
        فالانعكاس أو العكس يعني: استقبال الجسم المصقول (المرآة ونحوها) للنور المنعكس عليه عن الجسم المقابل له، مما يجعل شكل الجسم يظهر عليه، وبمقدار شدة صقل وصفاء هذا الجسم العاكس تكون دقة حكايته لشكل الجسم المقابل له، فآلة التصوير أشبه بالمرآة؛ إذ تستقبل النور المنعكس عليها عن الأجسام المقابلة لها من خلال عدستها ليسقط على الفلم، ولكن أثر الأجسام المنعكسة على المرآة سرعان ما يزول بعد تحولها عن مقابلة هذه الأجسام، أو تحول الأجسام عن مقابلتها، فلو أن أحد الناس اخترع زرٍّا يضغط عليه عند الوقوف أمام المرآة ليُثَبِّت صورتَه ويحبسها في مكانها ثم يغادرها وقد انطبعت الصورة في المرآة لما ساغ لأحد أن يقول هذا حرام، وإلا حرُم النظر في المرآة ([36])؛ لأنه يحرم النظر لما لا يحل، بينما يثبت الأثر على الفلم في آلة التصوير، فهي بذلك لا تختلف عن المرآة إلا من حيث ثبوت أثر المشهد المنعكس عليها، والذي يظهره العمل الكيميائي المسمى بـ(التحميض).  
        وإذا صح اعتبار الوقوف أمام المرآة وظهور هيئتنا على صفحتها تصويرًا يدخل ضمن دائرة التصوير الذي وردت بحقه النصوص الشرعية، صح اعتبار انعكاس شكلنا على الفلم من خلال ما يسمى بآلة التصوير تصويرًا بالمعنى نفسه.
        ومن المعلوم أن الوقوف أمام المرآة لا يعتبر تصويرًا بالمعنى المذكور، وكذلك الأمر بما احتفظت به الأفلام وأُظهر على الورق المقوَّى مما نسميه بـ(الصور).
         فالتصوير المعاصر لا يتضمَّن إعطاء الشيء شكله أو هيئته أو صفته، كما ليس فيه تخطيط ولا تشكيل يؤدي إلى إعطاء الشيء هيئة يعرف بها، كما ليس فيه مضاهاة وهي مشاكلة الشيء بالشيء، وانطباع الصورة على الفلم أو المرآة ليس من عمل الإنسان أصلا، وإنما هو من خصائص المادة التي خلقها الله؛ إذ تنطبع عليها صورة وهيئة الأشكال المقابلة لها مما يؤدي إلى ظهور مثالها أو خيالها عليها.
      
    (مناقشة القائلين بالمنع من التصوير الفوتغرافي):
     ذهب بعض العلماء إلى القول بحرمة التصوير الفوتوغرافي، واستدلوا بما يلي:
        أولا: الصورة الفوتوغرافية داخلة في مسمَّى الصورة لغةً وعرفًا، أما في اللغة؛ فلأن الصورة في اللغة هي الشكل، والصورة الفوتوغرافية يقال لها: شكل، فإذًا هي صورة لغة.
        وأما عرفًا: فلأن هذا هو ما تعارف عليه الناس فيما بينهم من غير نكير، فالكل يطلق على الصورة الفوتوغرافية " صورة " ويُسمَّى آخذها " مصوِّرًا "، بل ويقول أهل العرف: ذهبنا للمصور، فأخذ لنا صورة، ويقول أصحاب الدوائر الحكومية في شروطهم للمقبولين: لابد من صورة شمسية أو ملونة مقاسها كذا في كذا، وهذا أمر مشهور معروف لا ينكره أحد، فتُسمَّى الصورة الفوتوغرافية تصويرًا، وتكون داخلة في عموم الأحاديث الدالة على تحريم التصوير والتشديد فيه، وليس على التفريق بينهما دليل شرعي ألبتة؛ وعلى هذا فإنه يجب المنع منها على وجه العموم، لأنه قد ثبت أن الصورة الفوتوغرافية تدخل في مسمَّى الصورة لغةً وعرفًا.
        وجواب ذلك أننا لا نُسَلّم دخول الصورة الفوتوغرافية تحت مسمَّى الصورة في اللغة أو العرف؛ لأن ما يُسمَّى اليوم بالتصوير الفوتوغرافي إنما هو مجرد اصطلاح لا يعني التطابق بالدلالة، فهو ليس المعني بالتصوير المحرَّم الوارد في أحاديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل إن إطلاق اسم التصوير عليه يدخل تحت نوع من أنواع المشاكلة، لذا فإن حكم الحرمة لا ينسحب عليه، كما لا ينسحب حكم حرمة الحرير الطبيعي على ما يُسمَّى اليوم حريرًا مما قد أبدعته الصناعات الحديثة؛ لمشابهته له في المسمَّى العرفي.
        فالحكم الشرعي الذي يتعلق بشيء إنما ينصرف إلى ذلك الشيء لا إلى ما اشترك معه في الاسم وخالفه في الحقيقة والماهية.
        والاشتراك بين الصورة بالمعنى اللغوي والشرعي والعرفي إنما هو في مجرد الاسم فقط، فلا يدخل في الأحاديث الدالة على النهي بتصوير ذوات الأرواح.
        فإن الأدلة فيها لفظ (صوَّر) و (مصوِّر) بالتشديد، أي: جعل هذا الشيء على صورة معينة، فمادة (صوَّر) تقتضي أن يكون هناك فعل في نفس الصورة، ومعلوم أن نقل الصورة بالآلة لم يحصل فيه من المصوِّر أي عمل في هذه الصورة، فلم يحصل منه تخطيط فيها، ولا رسم، ولا زيادة، ولا نقص حتى يكون مضاهيًا خلق الله، وإنما هو سلط الآلة على المصوَّر فانطبع بالصورة خلق الله على الصفة التي خلقها الله عليها، فهو إذًا حبس للعكس ليس إلا، فلا يكون داخلا في عموم أدلة التحريم.
     
        ثانيًا: العلة في تحريم التصوير هي المضاهاة بخلق الله، أي: التشبيه بخلق الله كما جاء النص على ذلك في حديث السيدة عائشة رضي الله عنها: "يا عَائِشَةُ أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا عِنْدَ اللهِ يَوْمَ القِيَامَةِ الَّذِينَ يُضَاهُونَ بِخَلْقِ اللهَِ" ([37])، ولا يخفى على عاقل أن التصوير بالآلة الفوتوغرافية أشد مضاهاة بخلق الله من التصوير باليد؛ فيكون التصوير بالآلة الفوتوغرافية أشد تحريمًا من التصوير باليد لما فيه من مزيد المطابقة بين الصورة والمصوَّر.
         المضاهاة هي مشاكلة الشيء بالشيء، والتصوير المنهي عنه هو إيجاد صورة وصنع صورة لم تكن موجودة ولا مصنوعة من قبل تضاهي بها حيوانًا خلقه الله تعالى، وليس هذا المعنى موجودا في أخذ الصورة بآلة التصوير الفوتوغرافي ([38]).
     
        ثالثًا: ليس في الكتاب ولا في السنة ما يدل على إباحة التقاط الصورة بالآلة الفوتوغرافية.
        وجوابه أن الإباحة لا تحتاج إلى دليل، فالأصل في الأشياء الإباحة؛ لأن الله سبحانه سَخَّر كل شيء في الأرض لمنفعة الإنسان فقال:{هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا}[البقرة: 29]، وقد عرَّف الإمام البيضاوي المباح في كتابه المنهاج فقال: "المباح: ما لا يتعلَّق بفعله وتركه مدحٌ ولا ذمٌّ" ([39]).
     
    (الخلاصة):
        والخلاصة أن التصوير الفوتوغرافي إن استُخدم لتحقيق واجب، وكان وسيلةً لتحقيق ذلك الواجب أصبح اتخاذ الصور واجبًا، كالتصوير في المجالات العسكرية لدفع خطر العدو وللتمكن من مواجهته ومقاتلته، والتصوير في مجال تعلم العلوم التي تعتبر فرض كفاية أو لتشخيص الحالات المرضية والإصابات، وكذلك التصوير من أجل الهوية الخاصة أو جواز السفر، وكتصوير المجرمين لضبطهم ومعرفتهم ليقبض عليهم إذا أحدثوا جريمة ولجأوا إلى الفرار.  
        وإن استخدم التصوير لنشر المفاسد وإشاعة الفسق والفجور وتدمير الأخلاق والفضيلة وإفساد المجتمع، فإن اتخاذ الصور يكون محرمًا، وكذلك النظر إليها يكون مُحَرمًا.
        وإن استخدم التصوير في أمر مباح فإن اتخاذ الصور يكون مباحًا ما لم يكن ذريعة إلى مُحَرَّم، فإن استخدم في أمر مباح ولكنه يؤدي بسبب من الأسباب إلى مفسدة محرمة، فإنه عندئذ يأخذ حكم نتائجه.  

    والله تعالى أعلم.
     
    كتبه:
    مصطفى عبد الله عبد الحميد (الباحث بقسم الأبحاث الشرعية)
    20/ 8/ 2007م
     
    راجعه:
    أحمد ممدوح سعد (رئيس قسم الأبحاث الشرعية) 
     
    الهوامش:

    ([1]) أخرجه أحمد في مسنده (1/368) حديث (3484)، والترمذي في كتاب «تفسير القرآن» باب «سورة ص»، حديث (3233) من حديث ابن عبَّاس رضي الله عنهما.
    ([2]) أخرجه مسلم في كتاب «البر والصلة والاداب» باب «النهي عن ضرب الوجه»، حديث (6821) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
     ([3]) أخرجه أحمد في مسنده (3/447) حديث (15741)، والبخاري في الأدب المفرد حديث (179) ص (73)، ومسلم في كتاب «الأيمان» باب «صحبة الماليك وكفارة من لطم عبده»، حديث (4394).
    ([4]) أخرجه البخاري في باب «الوسم والعلم في الصورة» حديث (5221) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
     ([5]) تاج العروس، مادة (ص و ر) (12/357).
     ([6]) المصباح المنير ص (350).
     ([7]) التمثال أعم من أن يكون مُجَسَّمًا، بل يشمل المنقوش، والمدهون، وما له ظل، وما لا ظل له.
    وانظر: التصوير بين حاجة العصر وضوابط الشريعة للدكتور/ محمد توفيق البوطي ص (35)، وهو من المراجع الرئيسة التي اعتمدنا عليها في هذا البحث.
     ([8]) تفسير الرازي (7/179).
     ([9]) روح المعاني (3/78).
     ([10]) التحرير والتنوير (8/36).
     ([11]) فالتصوير مختلف عن الخلق، فالتصوير هو إعطاء المخلوق شكله الذي يتميز به عن غيره.
     ([12]) تفسير القرطبي (18/48).
     ([13]) انظر: التصوير بين حاجة العصر وضوابط الشريعة للدكتور/ محمد توفيق البوطي ص (42).
     ([14]) أخرجه البخاري في كتاب «اللباس» باب «التصاوير»، حديث (5949).
     ([15]) فتح الباري (10/382).
     ([16]) أخرجه أبو داود في كتاب «اللباس» باب «في الصور»، حديث (4152).
     ([17]) بذل المجهود (17/34).
     ([18]) أخرجه البخاري في كتاب «التعبير» باب «من كذب في حلمه» حديث (7042).
     ([19]) فتح الباري (10/394).
     ([20]) أحكام التصوير في الإسلام للشيخ محمد نجيب المطيعي ص (20).
     ([21]) أخرجه أبو داود في كتاب «اللباس» باب «في الصور» حديث (4156).
     ([22]) بذل المجهود (17/39).
     ([23]) أخرجه البخاري في كتاب «اللباس» باب «ما وطئ من التصاوير» حديث (5954). قال ابن الأثير: " السهوة: بيت صغير منحدر في الأرض قليلا شبيه بالمخدع والخزانة، والقرام: الستر الرقيق".
     ([24]) فتح الباري (10/387).
     ([25]) أخرجه البخاري في كتاب «الذبائح والصيد» باب «الوسم والعلم في الصورة» حديث (5541).
     ([26]) فتح الباري (9/671).
     ([27]) أخرجه البخاري في كتاب «الاستئذان» باب «بدء السلام» حديث (6227).
     ([28]) فتح الباري (11/3)
     ([29]) أخرجه البخاري في كتاب «أحاديث الأنبياء» باب «خلق آدم صلوات الله عليه وذريته» حديث (3326).
     ([30]) فتح الباري (6/367).
     ([31]) أخرجه الترمذي في كتاب «المناقب» باب «من فضل عائشة رضي الله عنها» حديث (3880).
     ([32]) تحفة الأحوذي (10/257).
     ([33]) انظر: التصوير بين حاجة العصر وضوابط الشريعة للدكتور/ محمد توفيق البوطي ص (123).
     ([34]) المرآة سميت بذلك؛ لأن المرء يتراءى فيها، أي: يرى نفسه فيها. انظر: التصوير بين حاجة العصر وضوابط الشريعة للدكتور/ محمد توفيق البوطي ص (178- 180) بتصرف.
     ([35]) وقد جاء في المصباح المنير: " عكست عليه أمرَه: رَدَدْتُه عليه "، أي أن فيه معنى الارتداد. المصباح المنير ص 424.
     ([36]) أحكام التصوير في الإسلام للشيخ محمد نجيب المطيعي ص (53).
    ([37]) متفق عليه: أخرجه البخاري في كتاب «اللباس» باب «ما وطئ من التصاوير» حديث (5954)، ومسلم في كتاب «اللباس والزينة» باب «تحريم تصوير صورة الحيوان وتحريم اتخاذ ما فيه ممتهنة بالفرش ونحوه، وأن الملائكة عليهم السلام لا يدخلون بيتا فيه صورة أو كلب» حديث (2107).
     ([38]) أحكام التصوير في الإسلام للشيخ محمد نجيب المطيعي ص (50).
     ([39]) انظر: شرح البدخشي على المنهاج للبيضاوي (1/48).
    كلمات مفتاحية  :
    فتوى ابحاث شرعية التصوير الفوتوغرافى

    تعليقات الزوار ()