بتـــــاريخ : 11/7/2008 2:36:29 AM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 2162 0


    التسوية بين الأبناء والأقارب في الهبات والعطايا

    الناقل : heba | العمر :42 | المصدر : www.dar-alifta.org

    كلمات مفتاحية  :
    بسم الله الرحمن الرحيم
        الحمد لله البَرِّ الجَوَاد, الذي جَلَّت نعمه عن الإحصاء بالأعداد, الموفِّق بكرمه لطُرُق السداد، المانّ بالتفقه في الدين على من لَطَف به من العباد. أحمده أبلغ الحمد وأكملَه وأزكاه وأشملَه, وأَشهَد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الواحد القهّار الكريم الغفّار, وأَشهَد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله وحبيبه وخليله، صلوات الله وسلامه عليه وعلى إخوانه من النبيين، وآل كلٍّ، وسائر الصالحين، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد..
        فهذا جزءٌ في مسألة التسوية بين الأبناء في العطية، وهي من المسائل التي اختَلفت فيها أقوال المجتهدين، وتباينت فيها أنظار المحققين، فذهب جمهور العلماء إلى أنّ التسوية تُستَحب ولا تجب، وذهبت طائفة من العلماء إلى الوجوب. وهذه المسألة كغيرها من مسائل الفروع الاجتهادية مسألة ظنية تحتمل الرأي والرأي الآخر تبعًا لتفاوت المدارك والنظر في الأدلة، وكل مجتهد فيها مُثاب مأجور عند الله تعالى؛ مصداقًا لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "إذا حَكَم الحاكِم فاجتَهَد ثم أصابَ فله أَجران وإذا حَكَم فاجتَهَد ثمّ أخطأ فله أَجر" ([1]). لكنَّ بعض الكاتبين قديمًا وحديثًا أبَوا إلا أن يجعلوا ما استحسنوه هو شرع الله الذي لا ينبغي أن يكون غيره شرعًا لله، واعتبروا رأي المخالف -الذي هو هنا رأي الجمهور- قسيمًا للحق، وشنَّعوا بتشنيعات لا ينبغي مثلها في مسائل غايتها أنها تدور بين ظنٍّ راجح وظنٍّ مرجوح لكنها لم تخرج عن دائرة الظن، والذي عليه أهل الحق أن المسائل المجتَهَد فيها تدور بين الإصابة والإخطاء بدون تأثيم لقائلها أصلا، لا بين الحق والباطل.
        فعمَدنا إلى تحرير هذا الجزء في بيان وِجهة الجمهور، وتقرير مذهبهم، والانتصار له، والجواب عن جميع الإيرادات الواردة عليه، مع مزيد عناية بتحرير مذهب أئمتنا الشافعية رضي الله عنهم أجمعين، مع ذِكر أدلة الخصوم والجواب عنها جميعًا، في مباحث أُخَر ذات عُلقة بأصل البحث لا استغناء عنها لإتمام الكلام عليه. فجاء تمامه في تسعة مباحث، سِرنا في جميعها على طريقة المصنِّفين في الخلاف العالي، سالكين مسلك علماء الأصول والجدليين وأصحاب البحث والمناظرة في المناقشات والأخذ والرَّد، مستمدين من الله تعالى في كل حَرف منه المعونة والصيانة واللُّطف، فجاء -والحمد لله- في نمط عجيب، ونسيج فريد، وهيئة لا نحسب أننا سبقنا إليها، فاعتبر بهذا أول مُصَنَّف مُفرَد في هذه المسألة يقرر رأي الجمهور([2])، وذلك بحسب معرفتي واطلاعي بعد البحث والتقصي, والفضل مواهب، والناس في الفنون مراتب, وقد تظفر الأواخر بما تركته الأوائل، وكم ترك الأول للآخر، وسبحان الفتاح العليم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم.

     
    المبحث الأول
    في حكم التسوية بين الأبناء في العطايا والهبات
    وبيان أنها مستحبة لا من الواجبات 
        ذهب جماهير علماء الأمصار إلى أن التسوية بين الأبناء في العطية مستحبة، وأن التفضيل بينهم في ذلك مكروه في الجملة، وأن العطية على وجه المفاضلة لو حصلت فهي صحيحة نافذة، على تفصيل بينهم في ذلك، وممن قال بهذا الليث بن سعد، وسفيان الثوري([3])، وهو الأخير من قولي إسحاق بن راهويه([4])، وهو قول القاضي شُريح([5])، ونقل ابن قدامة أن معناه قد روي عن جابر بن زيد، والحَسَن بن صالح ([6])، وهو مذهب الأئمة الثلاثة: أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وهو المقرّر في كتب مذاهبهم المدونة.
        قال في بدائع الصنائع من كتب الحنفية: "وينبغي للرجل أن يعدل بين أولاده في النُّحلَى" ([7]).
        وفي البحر الرائق من كتبهم أيضًا: "يُكره تفضيل بعض الأولاد على البعض في الهبة حالة الصحة إلا لزيادة فضل له في الدِّين" ([8]).
        وأما المالكية فقال الخَرَشي في شرح المختصر: "وأما هبة الرجل لبعض ولده ماله كله أو جُلَّه فمكروه" ([9]).
        وجاء في رسالة ابن أبي زيد وشرحها كفاية الطالب الرباني لأبي الحَسَن المالكي: "(و) من كان له ولدان فأكثر ومعه مال (يُكره) له كراهة تنـزيه على المشهور (أن يَهَب لبعض ولده ماله كله) أو جُلَّه ما لم يقم عليه أولاده الآخرون فيمنعونه من ذلك؛ مخافة أن تعود نفقته عليهم, والأصل فيما ذكر ما في حديث الصحيحين: ((اتّقوا الله، واعدلوا في أولادكم)) ([10])، (وأما) إذا وَهَب له (الشيء) اليسير (منه) أي من ماله (فذلك سائغ) أي جائز غير مكروه, وقَيَّدنا باليسير؛ لقوله في الجَلَّاب: ويكره له أن يَهَب ماله كله إلا أن يكون يسيرًا" اهـ([11]).
        وأما الشافعية فقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري: "(يُكره) للوالد وإن علا (أن يَهَب لأحد ولديه أكثر) من الآخر (ولو ذَكَرًا)" اهـ([12]).
        وقال العلامة الشربيني في الإقناع: "يُسَنُّ للوالد وإن علا العدل في عطية أولاده بأن يسوي بين الذَّكَر والأنثى؛ لخبر البخاري: (اتّقوا الله، واعدلوا بين أولادكم)، ويكره تَركه؛ لهذا الخبر. ومحل الكراهة عند الاستواء في الحاجة وعدمها، وإلا فلا كراهة" اهـ([13]).
        وقال المُحَقِّق ابن حَجَر الهيتمي: "إذا ارتكب التفضيل المكروه فالأولى أن يُعطي الآخرين ما يحصل به العَدل, فإن لم يَفعل سُنَّ له على ما حكاه في البحر أن يرجع -أي: في الكل- عند التخصيص، وفي الزائد فقط عند التفضيل, قاله الأَذرَعي ([14]) ... ولا كراهة في التخصيص، ولا يستحب الرجوع حيث رضي المحروم بذلك لدينه أو لغناه, أو علم منه ذلك بصريح قوله وثقته به, أو أذن ابتداء في الهبة لأخيه دونه, أو التمس هو له ذلك" اهـ بتصرف ([15]).

     
    (فصل في بيان أدلة الجمهور)
        ويدل على ما ذهب إليه الجمهور من استحباب التسوية وعدم وجوبها دليل المنقول والمعقول، وذلك في أربعة أدلة على الإجمال:
    (الدليل الأول)
        ما ورد في الصحيح من حديث النُّعمان بن بَشِير رضي الله عنهما أنه قال: "انطَلَق بي أبي يحملني إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله اشهَد أني قد نحلت النُّعمان كذا وكذا من مالي. فقال: أَكُلَّ بنيك قد نحلت مثل ما نحلت النُّعمان؟ قال: لا. قال: فأَشهِد على هذا غيري. ثم قال: أَيَسُرُّك أن يكونوا إليك في البِر سواء؟ قال: بلى. قال: فلا إذًا" ([16]).
        وقد ورد هذا الحديث في كتب السنّة بروايات مختلفة، وهذه الروايات وإن اختلفت في شيء من ألفاظها فإنها لم تختلف من حيث معناها، بل جميعها يرتد إلى معنى واحد.
        وهذا الحديث هو عمدة الباب، وقد استدل به من أوجب التسوية كما استدل به من لم يوجبها ولكلٍّ وجهة في الاستدلال به، ونحن هنا نثبت دلالته على ندب التسوية وعدم وجوبها من خلال رواياته المختلفة، ثم نتبع ذلك بنقض الاستدلال به على الوجوب.
    أما دلالته على الندب فذلك من وجوه:
    الوجه الأول:
        وهو يظهر في الرواية السابقة، ومحل الشاهد منها هو قوله عليه الصلاة والسلام: "أشهِد على هذا غيري"؛ فلو كان ما فعله بَشِيرٌ حرامًا لم يكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليأمره باستشهاد غيره عليه؛ لأنه صلى الله عليه وآله وسلم لا يأمر بمحرَّم. والأمر هنا محمول على الإباحة؛ لأن صيغة "افعل" عند الإطلاق تحتمل الوجوب أو الندب، فإن تَعَذَّر حملت على الإباحة.
        وهنا لا جائز أن يحمل الأمر على الوجوب الذي هو الأصل في مدلول صيغة الأمر، ولا على الندب الذي هو أقرب المجازات إلى الحقيقة؛ لاقتضاء قرينة المقام لذلك، فيُحمَل الأمر على الإباحة.
        قال القاضي عبد الوهّاب البغدادي: "إن دَلّ الدليل على انتفاء الوجوب والندب كان للإباحة" ([17]).
    وقال الإمام النووي: "ويَحتَمل-أي: كلام الشارع- عند إطلاقه صيغة (أفعل) على الوجوب أو الندب، فإن تعذر فعلى الإباحة" ([18]).
     الوجه الثاني:
        وهو في الرواية الوارد فيها أن بَشِيرًا لما استشهَد النبي صلى الله عليه وآله وسلم على نُحله لابنه، وعَلِم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأنه لم يُسَوّ بين سائر بنيه في ذلك النُّحل، قال له: "أَيَسُرُّك أن يكونوا إليك في البِر سواء؟ قال: بلى. قال: فلا إذًا" ([19]).
        وفي أخرى: "أكلَّ ولدك أعطيته هذا؟ قال: لا. قال: أليس تريد منهم البِر مثل ما تريد من ذا؟ قال: بلى. قال: فإني لا أَشهَد" ([20]).
        وفي رواية: "إن لهم عليك من الحَق أن تعدل بينهم، كما أن لك عليهم من الحَق أن يَبَرُّوك" ([21]).
        وفي رواية: "اعدلوا بين أولادكم في النُّحْل، كما تحبون أن يعدلوا بينكم في البِر واللُّطف" ([22]).
        وفي رواية: "سَووا بين أولادكم في العطية، كما تحبون أن يسووا بينكم في البِر" ([23]).
    فهذه الروايات قد دلت أن الأمر بالتسوية للاستحباب دون الوجوب؛ للتعليل في الأوليين بإرادة الأب أن يستوي أبناؤه في بره، وما في الباقي من تشبيه التسوية بين الأولاد في العطية بالتسوية بينهم في بِر الوالدين، والتسوية في البِر لما كانت ليست واجبة على الأولاد بل مندوبًا إليها، لم تكن التسوية في العطية واجبة على الآباء بل مندوبًا إليها؛ فكان هذا التشبيه قرينًة تدل على أن الأمر للندب، وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما ينبه الصحابي بذلك على مراعاة الأحسن ([24]).
     الوجه الثالث:
        وهو في الرواية المتفق على صحتها، وفيها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لبشير بن سعد رضي الله عنه: "أَكُلَّ ولدك نحلت مثله؟ قال: لا. قال: فارجعه" ([25]).
        فقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "ارجعه" ([26]) دليل على أن هذه الهبة وقعت صحيحة وخرجت من يد بَشِير بن سعد أبي النُّعمان؛ فلو كانت غير صحيحة لم يكن للأمر بالارتجاع معنى؛ لأنها حينئذ تكون ما مضت ولا صَحَّت فيرتجع، وكان أن يقال له -كما يقول الشافعي-: "إعطاؤك إياه وتركه سواء؛ لأنه -أي: النُّحل- غير جائز، فهو على أصل ملكك الأول. أشبه من أن يقال: ارجعه" ([27]).
        إذا ثَبَت هذا فنقول: إنه يَلزم من صِحَّة الهبة أن تكون جائزة، وذلك يظهر من تعريف الأصوليين للصحَّة بأنها موافقة وقوع الفعل ذي الوجهين الشرعَ، فالفعل الذي يقع تارة موافقًا للشرع لاستجماعه ما يعتبر فيه شرعًا، وتارة مخالفًا له لانتفاء ذلك، عبادة كان أو عقدًا، الصحةُ موافقته الشرعَ ([28])، وكون الشيء يوافق الشرع يقتضي أنه مأذون فيه منه، والإذن ينافي المنع الذي هو مُقتَضَى التحريم.
        قال الإمام أبو إسحاق الإسفراييني: "كل صحيح جائز من حيث كونه مأذونًا في فعله، وليس كل جائز صحيحًا، ككثير من المباحات" اهـ ([29]).
        وهذا الاستنباط الدقيق هو ما أدركه عالم قريش الإمام الأَجَلّ محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه حيث قال عند عدّه لأنواع الدلالات والفوائد المستخرجة من حديث النُّعمان بن بَشِير رضي الله عنهما: "فيه دلالة على أمور... ومنها أن إعطاءه بعضهم جائز، ولولا ذلك لما قال صلى الله عليه وآله وسلم: (فارجعه)" اهـ ([30])، فمقتضى عبارة الإمام أنه اعتبر الجواز فرعًا عن الصحة المدلولِ عليها بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "ارجعه".
        فإن قيل: إن الصحَّة والمعصية يمكن اجتماعهما، كما في الطلاق في الحيض، والصلاة في المغصوب، فالأول واقع مع ثبوت الإثم، والثانية صحيحة -إن تمت شروطها وأركانها- مع ثبوت الإثم، فيثبت بذلك أن هناك صحيحًا لا يوافق الشرع.
        قلنا: هذا ممنوع؛ فقولنا: إن الصحَّة موافقة وقوع الفعل ذي الوجهين الشرعَ، المراد بالموافقة فيه موافقة خاصة، وهي استجماع الشيء ما يعتبر فيه ركنًا أو شرطًا، لا مطلق الموافقة التي هي استجماع الشيء ما يعتبر فيه على وجه الركنية أو الشرطية أو غيرهما، فالطلاق في الحيض قد استجمع ما يعتبر فيه شرعًا من كونه صادرًا من زوجٍ مكلف إلى آخر ما يعتبر فيه مما فَصَّلَه الفقهاء، وأما الخلوُّ عن الحيض فلم يعتبر فيه لا ركنًا ولا شرطًا، وإن كان واجبًا في نفسه لمعنى خارج عن ماهية الطلاق -وهو الإضرار بالمرأة من حيث تطويل العدة عليها-، وفرقٌ بين ما يُعتبر في الشيء بأن يكون ركنًا له أو شرطًا فيه وما يجب معه من غير اعتباره كذلك. فالحاصل أن هنا أمرين: حِلُّ الطلاق، والاعتداد به. والخلو عن الحيض معتبر في حِلِّه لا في الاعتداد به، كما أن الصلاة لا يُعتبر في الاعتداد بها اجتناب غَصبُ سترتها أو مكانها وإن اعتبر ذلك في حِلِّها، فتصح بسترة مغصوبة وفي مكان مغصوب وتكون معتدًّا بها مع الحرمة، فالحرمة عارضةٌ فيهما لصفات عارضة، وأحكام الصفات لا تنتقل للموصوفات، وأحكام الموصوفات لا تنتقل للصفات، كما قرره القرافي في الفروق ([31]).
        وقال الإمام الشافعي رضي الله عنه: "المعصية والصحَّة متنافيان؛ لأن معنى الصحَّة تَرَتُّب الآثار المشروعة على الشيء، فلا يجتمع المشروعية والمعصية في ذات واحدة بالنسبة إلى شيء واحد" ([32])
        وأما تعريض الحافظ ابن حَجَر -رحمه الله تعالى- في فتح الباري بالاستدلال بهذه الرواية بقوله: "الذي يَظهر أنَّ معنى قوله: (ارجعه) أي: لا تُمضِ الهبةَ المذكورة، ولا يَلزَم من ذلك تقدم صحّة الهبة" اهـ ([33])، فلا يظهر؛ لأن حمله الإرجاع على المعنى المذكور في كلامه خلاف المفهوم في الاستعمال المتبادَر إلى الذهن، والحمل على المتبادَر أَولَى.
        وإنما أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بَشِيرًا بالرجوع؛ لأن الوالد له أن يرجع في وهبه لولده، وإن كان الأفضل خلاف ذلك، لكن استحباب التسوية رَجَح على ذلك، فلذلك أمره به، والله تعالى أعلم.
     الوجه الرابع:
        وهو في الرواية الواردة وفيها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لأبي النُّعمان: "ألك ولدٌ غيره قال: نعم، وصفّ بيده بكفه أجمع كذا ألا سَوّيت بينهم" ([34])، فتلك الرواية تشير أن الحثَّ على التسوية بين الأبناء في العطية إرشادي، وأنه صَدَر من النبي صلى الله عليه وآله وسلم على وجه المشورة، وأن ذلك لو فعله أبو النُّعمان لكان أفضل وأحسن، لا أنه واجب وحَتم ([35]).
        وقد حاول أبو محمد بن حزم -رحمه الله تعالى- التعكير على الاستدلال بهذه الرواية بتضعيفه أحد رجال السند، وهو فِطْر بن خليفة الكوفي، وبأنها وردت من طريق آخر جاء فيه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لبَشِير رضي الله عنه: "هل لك بنون سواه؟ قال: نعم. قال: سَوِّ بينهم." قال ابن حزم: "فهذا إيجاب للتسوية بينهم" اهـ  ([36]).
        أما محاولة توهين هذه الرواية بفِطْر بن خليفة فمردودة؛ فحديثه مخرّج في البخاري والسنن الأربعة، وقد وثقه الحفاظ الكبار؛ كأحمد بن حنبل، ويحيى القَطَّان، ويحيى بن معين، والدارقطني، والنَّسائي، والعِجلي، وقال أبو حاتم: صالح الحديث. ([37]) ومن تَكَلّم فيه كالجُوزجاني؛ فإنما كان ذلك من أجل ما رمي به من التَشَيُّع.
        قال الحافظ ابن حَجَر -رحمه الله-: "وممن ينبغي أن يُتَوقف في قبول قوله في الجَرح: من كان بينه وبين من جَرَحه عداوةٌ سببها الاختلاف في الاعتقاد، فإن الحاذق إذا تأمل ثَلْب أبي إسحاق الجُوزجاني لأهل الكوفة رأى العَجَب؛ وذلك لشدة انحرافه في النّصب وشهرة أهلها بالتَشَيُّع، فتراه لا يتوقف في جَرْح من ذَكَره منهم بلسان ذَلِقة وعبارة طَلِقة...فهذا إذا عارضه مثله أو أكبر منه فوَثَّق رجلا ضَعَّفه قُبِل التوثيق" اهـ. ([38])
        وأما اعتراضه بالرواية الأخرى الواردة لهذا الحديث بلفظ: "سَوِّ بينهم" ([39]) فالأمر فيها مصروف عن الوجوب إلى الاستحباب بضميمة الأدلة الأخرى، على أنّ مَدار الروايتين على فِطر بن خليفة، وقد اختلف الرواة عنه في النقل؛ فعند النسائي جاء الحديث بلفظ: "ألا سَوَّيت بينهم"، وعنده من طريق آخر بلفظ: "سَوِّ بينهم"، وقد وردت رواية أخرى عن فِطر بن خليفة عند أحمد في مسنده من طريق آخر وفيه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لبَشِير: "هل لك من ولد سواه؟ قال: نعم. قال: فكلهم أعطيت ما أعطيته؟ قال: لا. قال فِطر: فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم هكذا، أي: سَوِّ بينهم." فهذه الرواية صريحة في أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يأمر بالتسوية بلفظ، وإنما بإشارة منه تفهم إرادة المساواة ([40])، فيُحتَمَل أن هذا هو ما حدث ثم عَبَّر كل واحد من الرواة بعد ذلك بما فهم من إرادة المساواة، فقال بعضهم: "ألا سَوَّيت بينهم"، وقال الآخر: "سَوِّ بينهم"، ويكون ذلك من باب الرواية بالمعنى، ويزيد هذا الاحتمال قوة ما أورده مسلم في صحيحه أن محمد بن سيرين قال: "إنما تحدثنا أنه قال: قاربوا بين أولادكم"، فلا يمكن مع هذا الاستدلال برواية: "سَوِّ بينهم" الأخيرة على الوجوب اعتمادًا على مجرد صيغة الأمر الواردة بها.
     
    (الدليل الثاني)
        قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "كُلُّ أَحَدٍ أَحَقُّ بماله من والده ووَلَده والناس أَجمَعين" ([41])، فهذا الحديث يقرر أصل إطلاق تصرف الإنسان في ماله.
        قال الفيومي في المصباح المنير: "قولهم: (هو أَحَقُّ بكذا) يُستعمل بمعنيين، أحدهما: اختصاصه بذلك من غير مشاركة، نحو زيد أحق بماله، أي: لا حَقّ لغيره فيه. والثاني: أن يكون أفعل التفضيل، فيقتضي اشتراكه مع غيره وترجيحه على غيره، كقولهم: زيد أحسن وجهًا من فلان، ومعناه ثبوت الحسن لهما وترجيحه للأول، قاله الأزهري وغيره. ومن هذا الباب: (الأيِّم أحق بنفسها مِن وليها) ([42])، فهما مشتركان ولكن حقها آكد" اهـ ([43]).
        والحديث على المعنى الأول الذي ذكره الفيومي واضح يقتضي استيعاب الحق كله، وعلى المعنى الثاني فيشير إلى أنه وإن كان هناك شيء من الحقوق قد يثبت للغير في مال المرء، كالنفقة الواجبة للوالد أو الولد، والزكاة للمستحق مثلا إلا أن هذه الحقوق -التي قد لا تثبت أصلا في حق بعض الناس لعدم المستوجب لها- إذا قيست بسائر حقوق الإنسان في التصرف في ماله بكافة أنواع التصرفات كانت غيضًا من فيض، وكان حق صاحب المال في التصرف فيه هو المترجح وإن كان للآخر فيه نصيب.
        قال مُحَشّي التُّحفة الشيخ عبد الحميد الشَّرْواني ([44]): "مدلول أفعل التفضيل الزيادةُ على كل ما عداه مما يشاركه في أصل المعنى، فلا يُتصور معه مشاركٌ ولا أبلغ" اهـ ([45]).
        أما اعتراض ابن القيم على الاستدلال بهذا الحديث، وقوله إنه من باب الاستدلال بالمتشابه في مقابلة المُحكَم غاية الإحكام -يقصد حديث النُّعمان بن بَشير- ([46])، فهو خلاف التحقيق. ونحن نمنع أن يكون الاستدلال بحديث: "كُلُّ أَحَدٍ أَحَقُّ بماله" من باب الاستدلال بالمتشابه، وكذا نمنع أن يكون حديث النُّعمان من قبيل المُحكَم؛ أما حديث: "كُلُّ أَحَدٍ أَحَقُّ بماله" فنَصٌّ في معناه، ودلالته واضحة غاية الوضوح وليست مبهمة، فلا يكون مجملا، وكذلك ليس هو بالمؤول، والمجمل والمؤول هما نوعا المتشابه ([47]). والذي يتوجه عليه التأويل هو حديث النُّعمان لا حديثنا، فدعوى أن حديث النُّعمان مُحكَم غاية الإحكام دعوى لا برهان عليها، بل نقول: إن حديثنا هو المُحكَم لا حديث النُّعمان، على أن حديث النُّعمان دليل لنا لا علينا، ومدلوله يوافق مدلول حديث: "كُلُّ أَحَدٍ أَحَقُّ بماله" ولا يخالفه، والله تعالى أعلم.

     (الدليل الثالث)
        ما جاء أن أبا بكر رضي الله عنه فَضَّل عائشة رضي الله عنها بأن نَحَلها جادَّ عشرين وَسْقًا من ماله بالغابة ([48])، فلما حضرته الوفاة قال: "والله يا بُنَية ما من الناس أحدٌ أَحَبّ إليَّ غِنى بعدي منك، ولا أَعَزّ عليّ فقرًا بعدي منك، وإني كنت نحلتُك جادّ عشرين وَسْقًا، فلو كنتِ جَدَدتيه واحتزتيه كان لك، وإنما هو اليوم مال وارث، وإنما هما أخواك وأختاك، فاقتسموه على كتاب الله. قالت عائشة: فقلت: يا أبت، والله لو كان كذا وكذا لتركته، إنما هي أسماء فمن الأخرى؟ فقال أبو بكر: ذو بطن بنت خارجة، أراها جارية" ([49]).
         وكذلك فَضّل عمر ابنه عاصمًا رضي الله عنهما بشيء أعطاه إياه، وفَضّل عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه ولد أم كلثوم، وقيل: إنه فَضَّل ابنته من أم كلثوم رضي الله عنها بأربعة آلاف درهم، وقطع ابن عمر رضي الله عنهما ثلاثة أرؤس أو أربعة لبعض ولده دون بعض، وعن القاسم بن عبد الرحمن الأنصاري أنه كان مع ابن عمر إذ اشترى أرضًا من رجل من الأنصار, ثم قال له ابن عمر: هذه الأرض لابني واقد؛ فإنه مسكين. نحله إياها دون ولده ([50]).
        والاستدلال بهذه الآثار ليس من باب الاحتجاج بأفعال الصحابة ومعارضة السُّنّة بها، كما اعترض به أبو محمد بن حزم على من استَدَل بذلك، فقال: "أمّا ما مَوّهوا به عن الصحابة رضي الله عنهم فكله لا حجة لهم فيه; لأنه لا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم" اهـ ([51]).  وإنما مَوطن الحجة في أنهم فعلوا ذلك بمحضر من الصحابة، ولم ينقل أنه قد عارضهم أحد منهم أو أنكر عليهم، ففيه قرينة ظاهرة على أن الأمر بالتسوية للندب وأنها ليست واجبة. قال البيضاوي: "وقُرِّر ذلك ولم يُنكَر عليهم، فيكون ذلك إجماعًا" ([52])، أي: سكوتيًّا، وهو حُجّة عند الجمهور ومنهم الشافعي وأكثر أصحابه ([53])، والاستدلال بمثل ذلك شائعٌ مُتكرر في كتب الفقه على اختلاف مذاهبها، بل واستعمله ابن حزم نفسه في مواطن من المُحَلَّى ([54]).
        أما الاحتمالات التي طرحها الإمام الموفَّق صاحب المغني، وقال إنه يَتَعيَّن حَملُ أثر نُحل أبي بكرٍ عائشةَ على أحدها، فجُلُّها احتمالاتٌ ضعيفةٌ مخدوشة.
         فقد قال إنه يحتمل أن يكون أبو بكر قد خَصَّ عائشة بعطيته لحاجتها وعجزها عن الكسب والتسبب فيه, مع اختصاصها بفضلها, وكونها أم المؤمنين زوج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وغير ذلك من فضائلها، أو إنه يحتمل أن يكون قد نحلها ونحل غيرها من ولده, أو نحلها وهو يريد أن ينحل غيرها, فأدركه الموت قبل ذلك. قال ابن قدامة: "ويتعين حمل حديثه على أحد هذه الوجوه; لأن حمله على مثل محل النِّزاع منهيٌّ عنه, وأقل أحواله الكراهة, والظاهر من حال أبي بكر اجتناب المكروهات" اهـ ([55]).
        أما احتمال أن يكون أبو بكر قد نحل عائشة ونحل غيرها من أولاده فغير وارد؛ لأن الفَرض في هذا الاحتمال حتى يستقيم جوابًا أن يكون أبو بكر قد نحل أولاده جميعًا بالتساوي، ولو كان ذلك كذلك لما كان ثَمّ داع لأن يطلب من عائشة أن ترد ما وهبها إياه.
        فإن قيل: بل أعطاهم لا على وجه التسوية. قلنا: احتمال لا دليل عليه، ويظل معه الإشكال قائمًا؛ لأن النـزاع ليس في مطلق الإعطاء، وإنما في وجوب أن يقترن الإعطاء بالتسوية في المعطَى.
        وأما احتمال أنه نحلها وهو يريد أن ينحل غيرها فأدركه الموت قبل ذلك، فمدفوع بأنه لو كان ذلك كذلك لفعله أبو بكر دون حاجة منه لأن يرتجع من عائشة ما وهبها إياه.
        وأما الاحتمال الأول، وهو أن أبا بكر قد خَصّ عائشة لحاجتها وفضلها فهو أقوى الاحتمالات المذكورة، ودليله ما ذكره ابن قدامة.
        ولا يظن ظانٌّ أن تقويتنا لهذا الوجه في تأويل أثر أبي بكر يَكِرّ بالبطلان على استدلالنا به على عدم تحريم المفاضلة في العطية بين الأبناء -من حيث إن دعوانا عامة والأثر محمول على حال معينة-؛ لأن الدليل على جواز المفاضلة بين الأبناء في العطية ليس هو نفس فعل الصديق رضي الله عنه بل هو إقرار الصحابة لما فعله بلا نكير منهم حتى صار إجماعًا سكوتيًّا كما ذكرنا. والصحابة كان إقرارهم وسكوتهم عن صورة التفضيل من حيث هو تفضيل، وإذا كان أبو بكر قد فَضّل عائشة للمعنى المشار إليه، فهو معنى خفي لا يُدرَك إلا أن يُصَرِّح هو به، فإن لم يُصَرَّح به لم يرفع ذلك عن الصحابة لزوم الإنكار والنصح إن كان التفضيل عندهم ممنوعًا محرمًا، فلما سكتوا ولم يستفصلوا عَلِمنا أن تركهم للإنكار كان لعدم اعتبارهم التفضيل محرمًا.
        وبهذا يظهر أن صنيع فقهاء الشافعية في ذكرهم هذا الأثر في معرض الاستدلال على عدم تحريم المفاضلة بين الأبناء في العطية ثم ذِكرُهم في موضع آخر أن تفضيل الصحابة رضي الله تعالى عنهم محمولٌ على تفاوت الأبناء في الحاجة لا تناقض فيه ([56])؛ فحملهم تفضيل أبي بكر وغيره من الصحابة على ما ذَكَروا هو حمل اجتهادي أدّاهم إليه السبر والتقسيم، أما ذكرهم له في معرض الاستدلال فمحمولٌ على ما مَر.
        قال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في حاشيته على شرح الجلال المحلي لجمع الجوامع -عند قول الماتن فالشارح: "(وقيل): قوله -أي: الصحابي- حجة (إن انتشر) من غير ظهور مخالف له"-: "نقله الأصوليون عن القديم، وظاهر كلام ابن الصبّاغ أنه في الجديد أيضًا، وعليه فتضعيف المصنف له من حيث إنه قول صحابي، لا من حيث إنه انتشر وسكت الباقون عليه، فإنه حينئذ حجة، وعليه يُحمل كلام أئمتنا فيما يقع من الاحتجاج به من ذلك" اهـ ([57]).
         وأما قول ابن قدامة إنه يتعين حمل أثر أبي بكر على أحد الوجوه التي ذكرها؛ لأن الظاهر من حال أبي بكر اجتناب المكروهات، فيَرِد عليه أن الكراهة تزول إذا كان القصد بيان الجواز، فينتفي تعين حمل الأثر على أحد هذه الأوجه ([58]).
        والعجب أن الإمام الموفَّق قد اعترض بمثل اعتراض ابن حزم، بأن قول أبي بكر لا يعارض قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا يُحتَج به معه ([59])، في حين أنه هو نفسه يرى أن الأب إن خَصّ بعض أولاده لمعنى يقتضي تخصيصه, كحاجة, أو زمَانة, أو عمى, أو كثرة عائلة, أو اشتغاله بالعلم أو نحوه من الفضائل, أو صرف عطيته عن بعض ولده لفِسقه, أو بدعته, أو لكونه يستعين بما يأخذه على معصية الله, أو ينفقه فيها، فإن ذلك يجوز؛ واحتج على ذلك بأثر أبي بكر رضي الله عنه المذكور، وقال في حديث بَشِير إنه قضية عين لا عموم لها ([60]).
        وهو بذلك قد ارتكب ما اعتَرَض به من الاستدلال بأثر أبي بكر، وخالف رواية حديث النُّعمان بن بَشِير التي استدل بها على وجوب التسوية، والتي فيها قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "فاتّقوا الله، واعدلوا بين أولادكم" ([61])، وهي من حيث الأمر بالتسوية بلا قيد مطلقةٌ تشمل جميع الأحوال، ومن حيث التعبير بالجمع المعرف بالإضافة تفيد عموم الأولاد كلهم، سواء أكانوا متساوين أم متفاضلين في الحاجة وغيرها.
        قال العلامة التهانوي مُعَلِّقًا على كلام ابن قدامة: "فالعجب أن يجوز له تخصيص قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتقييده بحديث أبي بكر، ولا يجوز لنا تأويل ما فيه من الأمر على معنى الندب دون الوجوب بهذا الحديث بعينه! فمن أين له أن يرده علينا بأن قول أبي بكر لا يعارض قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا يحتج به معه؟ " اهـ ([62]).
        وهناك وجه أخير في الاستدلال بفعل أبي بكر وغيره من الصحابة على عدم وجوب التسوية من جهة أخرى غير ما قررناه، وهو ما سلكه الإمام التهانوي حيث يرى أن هذه الأفعال مُفَسِّرةٌ لحديث النُّعمان بن بَشِير لا مُعارِضةٌ له؛ لأنه لا يجوز أن تَخفَى هذه السُّنّة عن جميع هؤلاء، ويعرفها النُّعمان وحده ([63]).
        وأما قول الحافظ ابن حجر إن عروة قد أجاب عن قصة عائشة بأن إخوتها كانوا راضين بذلك، وأنه يجاب بمثل ذلك عن قصة عمر ([64])، فيجاب عنه بأنّا لو سلّمنا أنّ إخوة عائشة كانوا راضين، فأم كلثوم ابنة أبى بكر التي كانت حملاً وقت كلامه، وقال عنها: "ذو بطن بنت خارجة" لم تكن راضية. ولا دليل على أنه لو لم يكونوا راضين لم يكن أبو بكر ليفعل ذلك، فتأثير رضاهم من عدمه دعوى لا بُدَّ لها من دليل. ثم إن كان عروة قد نقل ذلك في قصة أبي بكر، فما الدليل على رضا إخوة عاصم بن عمر عندما نحله عمر دونهم؟ ولو ثبت رضاهم سألنا ثانية: فما الدليل على تأثيره في الجواز؟ ([65])، والله تعالى أعلم.

     (الدليل الرابع)
        وهو النظر والقياس، فالقول باستحباب التسوية بين الأبناء في العطية هو ما يقتضيه النظر، ويَدُلّ عليه القياس؛ فإن الإجماع قد انعقد على جواز عطية الرجل ماله لغير ولده، فإذا جاز أن يخرج جميع ولده عن ماله جاز له أن يخرج عن ذلك بعضهم ([66]).
        وهذا من باب القياس الأَولَى، وهو: ما كان الفرع فيه أولَى بالحُكم من الأصل لقوة العلّة فيه، مثل: قياس الضرب على التأفيف، بجامع الإيذاء، فإن الضرب أولَى بالتحريم من التأفيف؛ لشدة الإيذاء ([67]).
        وقد اعترض الحافظ ابن حَجَر - وهو ممن يميل إلى الوجوب- على الاستدلال بهذا القياس بأنه قياس مع وجود النَّص، أي: قياسٌ فاسد الاعتبار. قال: "ولا يَخفَى ضَعفُه" اهـ ([68]).
        ويجاب عن اعتراض الحافظ بمنع أن يكون القياس مُعارِضًا للنَّص، بل هو موافق لمدلول الروايات الواردة المفيدة عدمَ وجوب التسوية؛ كقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "أَشهِد عليه غيري"، وقوله: "ارجعه"، وقوله: "ألا سَوَّيت بينهم" -باللفظ أو بالإشارة-، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الآخر: "كُلُّ أَحَدٍ أَحَقُّ بماله" ([69]).
        وأما الروايات الأخرى التي فَهِم منها الخصوم الوجوب؛ كرواية: "لا أَشهَد على جَور" ([70])، ورواية: "سَوِّ بينهم" ([71])، ورواية: "اعدلوا بين أبنائكم" ([72]) وغيرها، فهي مُؤَوّلة عندنا على الندب؛ جمعًا بين الأدلة، وسيأتي بسط الكلام عليها عند مناقشة أدلة الخصوم.
        وهذا هو معنى كلام العَيني في دفعه اعتراض الحافظ، حيث قال: "أما إذا عُمِل بالنَّص على وجه من الوجوه، ثم إذا قيس ذلك الوجه إلى وجه آخر، لا يقال إنه عَمَلٌ بالقياس مع وجود النَّص، فافهم!" اهـ ([73])، فالإمام العيني أجاب بما يسمى عند الأصوليين بالقول بالموجَب، وهو: تسليم الدليل مع بقاء النِّزاع، بأن يظهر عدم استلزام الدليل لمحل النِّزاع ([74]). فكأنه يقول: نحن نقول بموجَب النص, إلا أن مدلوله لا ينافي ذلك القياس.
    فيتحَصَّل معنا أربعة أجوبة عن دعوى فساد الاعتبار:
         أولها: منع ظهور دليل الخصم في إفادة الوجوب.
        الثاني: تأويل دليل الخصم؛ بصرفه عن المعنى الظاهر المفيد للوجوب؛ جمعًا بين الأدلة.
        الثالث: القول بالموجَب.
        الرابع: معارضة نصوص الخصم بنصوص أخرى موافقة لمقتضى القياس؛ كحديث: "كُلُّ أَحَد أَحَقُّ بماله"، وروايات حديث النُّعمان السابقة التي دَلّت على عدم وجوب التسوية.
        وقد نَصّ الأصوليون على أنه يكفى في الإجابة عن القَدح بفساد الاعتبار أحد هذه الأجوبة الأربعة.
    قال الزركشي في البحر: "وجوابه-أي: القَدح بفساد الاعتبار-: الطعن في مستنده، أو منع ظهوره، أو التأويل، أو القول بالموجب، أو المعارضة بنَصٍّ آخر ليسلم القياس، أو يتبين أن هذا القياس مما يجب ترجيحه على النَّص بوجوه الترجيح" اهـ ([75]).
        ولنا مسلك آخر في تأويل الألفاظ الواردة في روايات حديث النُّعمان التي يفيد ظاهرها وجوب التسوية غير مسلك الجمع بين الروايات، وهو أن نقول: إن هذا الظاهر مُؤولٌ بنفس القياس المذكور، والتأويل بالقياس صحيحٌ جائز؛ لأن ما جاز التخصيص به جاز التأويل به ([76])، وتخصيص النَّص بالقياس جائزٌ عند الجمهور، وهو منقول عن الأئمة الأربعة وغيرهم، ونقل الشيخ أبو حامد الإسفراييني الإجماع على جوازه في القياس الجلي، وقَطَع به الماوردي، والروياني ([77])، وقياس الأَولَى -ومنه القياس المذكور- من أنواع القياس الجلي الذي يقطع فيه بنفي تأثير الفارق بين الأصل والفرع([78])، فيصح التأويل به بلا إشكال.
        والتأويل الممنوع هو ما عاد على النص بالإبطال، أما حمل ظاهر اللفظ على معنى محتمل مرجوح بدليل فهو تأويل صحيح طالما وافق وضع اللغة، أو عُرف الاستعمال، أو عادة صاحب الشرع.
        وقد التفت الإمام أبو الوليد بن رشد -رحمه الله تعالى- إلى ذلك المعنى، فقال: "سبب الخلاف في هذه المسألة: معارضة القياس للفظ النَّهي الوارد ([79])، وذلك أن النَّهي يَقتضي عند الأكثر بصيغته التحريم، كما يقتضي الأمر الوجوب، فمن ذهب إلى الجمع بين السماع والقياس حَمَل الحديث على الندب، أو خَصّصه في بعض الصور كما فعل مالك، ولا خلاف عند القائلين بالقياس أنه يجوز تخصيص عموم السُّنّة بالقياس، وكذلك العدول بها عن ظاهرها، أعني: أن يُعدَل بلفظ النهي عن مفهوم الحظر إلى مفهوم الكراهية. وأما أهل الظاهر فلما لم يَجُز عندهم القياس في الشرع اعتمدوا ظاهر الحديث، وقالوا بتحريم التفضيل في الهبـة" اهـ ([80]).
        وقد ذكر الإمام الماوردي صاحب الحاوي من أئمتنا الشافعية استدلالا آخر من القياس على عدم تحريم المفاضلة؛ فقال: "لأنه لما جازت هبة بعض الأولاد للأب، جازت هبة الأب لبعض الأولاد" اهـ ([81])، ولم يظهر لي وَجهه، وفيما ذكرناه الكفاية إن شاء الله، والله تعالى أعلم.

     
    المبحث الثاني
    في مناقشة مذهب موجبي التَّسوية 
        القول بوجوب التسوية والتعديل بين الأبناء في العطايا والهبات هو مذهب أحمد ([82])، وأحد قولي إسحاق بن راهويه ([83])، ورواية عن مالك ([84])، وقال به بعض المالكية ([85])، وحُكِي عن الثَّوري ([86])، وهو قول طاوس، وابن المبارك ([87])، ورُوِي معناه عن مجاهد، وابن جُريج، وعطاء ([88])، وحكاه ابن حزم عن النَّخَعي، والشَّعبي، وشُرَيح، وعبد الله بن شداد بن الهاد، وابن شُبرُمة من فقهاء السلف ([89])، وبه صَرّح البخاري ([90])، واختاره أبو حاتم بن حِبَّان من الشافعية ([91]), وهو مذهب أهل الظاهر جميعًا ([92]).
        ونُقِل القول بالوجوب أيضًا عن أبي يوسف القاضي صاحب أبي حنيفة ([93])، وعنه أن التسوية تجب إن قَصَد بالتفضيل الإضرار ([94]).
        ثم اختلف هؤلاء الموجبون؛ فمنهم من رأى أن الوالد إن خالف فلم يُسَوّ بين أولاده فهبته تلك باطلة وفعله هذا مفسوخٌ مردودٌ أبدًا, وأنه إن مات فالتعديل بين الأولاد دَينٌ عليه يُقضَى من رأس ماله.
        وقال بهذا الإمام أحمد في رواية اختارها جَمعٌ من أصحابه ([95])، وكذلك هو مذهب أهل الظاهر ([96])، وذكر الحافظ ابن حَجَر في الفتح أنه المشهور عن القائلين بوجوب التسوية ([97]).
        ومنهم من رأى أنها تصح، وأنه يجب على الأب أن يرجع عن هبته تلك أو يَعُمّ أولاده بالنُّحْلة، فإن مات قبل التعديل ثبتت العطية للولد المُفَضَّل، ولم يكن لباقي الورثة أن يرجعوا عليه، وهذا هو معتمد مذهب الحنابلة ([98]).
        وفيما يلي بيان ما استدل به القائلون بالوجوب، مع مناقشته دليلا دليلا.
     (الدليل الأول)
        استدل موجبو التسوية بحديث النُّعمان بن بَشِير رضي الله عنهما الذي استدل به الجمهور على عدم الوجوب، ولكن من أوجه أُخَر.
     الوجه الأول:
        وهو في بعض روايات حديث النُّعمان بن بَشِير رضي الله عنهما، وفيها قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لبَشِير -لما علم أنه نَحَل ابنه النُّعمان دون باقي ولده-: "ارجعه"، وفي لفظ آخر: "اردُده".  قالوا: فالأمر بالارتجاع والرد إنما كان لأن الهبة على هذا الوجه ممنوعة محرمة ([99]).
        ونحن نمنع أن يكون قوله عليه الصلاة والسلام: "ارجعه" دالا على وجوب التسوية وتحريم المفاضلة، بل نَدَّعي أنه دليلٌ لنا على عدم التحريم؛ لأنه يدل على أن الهبة قد وقعت صحيحة مما يلزم عنه جوازها، وقد سَبَق تقرير ذلك مطولا عند الكلام على الوجه الثالث في الدليل الأول من أدلة المجيزين.
        ورواية: "اردُده" لا تخالف رواية: "ارجعه"، بل هي بمعناها؛ فالردُّ في اللغة صَرْف الشيء ورَجْعُه ([100])، ومنه الرِدَّة -أعاذنا الله تعالى منها- وهي: الرجوع عن دين الإسلام.
        وقولنا بالجواز لا ينافي قولنا بكراهة التفضيل؛ لوجود قدر مشترك بين الجواز والكراهة، وهو الإذن في الفعل ([101]). فيُحمَل الأمر في هذا الحديث على الإرشاد استدراكًا للمكروه لا المحرّم، فيكون الأمر هنا أمر ندب لا أمر وجوب.
     الوجه الثاني:
        وهو فيما ورد في بعض روايات حديث النُّعمان بن بَشِير من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لبَشير لما استشهده على عطيته لابنه: "أَشهِد على هذا غَيري" ([102]).
        قالوا: وهذا الأمر من النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد خرج مخرج التهديد، وذلك مثل قوله تعالى: {اعمَلوا ما شِئتُم}[فصلت: 40]، وقوله: {كُلُوا وتَمَتَّعوا قَلِيلا إنَّكم مُجرِمون}[المرسلات: 46]، ولا يَصِح بحال أن يُحمَل على الإباحة; لأنه قد سُمِّي في الحديث جَورًا, وأَمَر النبي صلى الله عليه وآله وسلم برَدِّه, ومُحال مع هذا أن يأذن الله لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم في الشهادة على ما هذا شأنه ([103]).
    وهذا التوجيه والاستدلال منهم يُناقش من وجوه:
        أولها: لا نُسَلِّم أن قوله عليه الصلاة والسلام لبَشِير: "أَشهِد علَى هذا غَيري" يُفيد التهديد؛ لأن التهديد هو التخويف والتوعد بالعقوبة ([104]), وهذا المعنى واضح في الآيتين المذكورتين نظيرًا للحديث؛ فقوله تعالى: {اعمَلوا ما شِئتُم إنه بما تَعمَلونَ بَصيرٌ} واضح أن الأمر فيه مُستَعمَلٌ في التهديد، أو في الإِغراء المُكَنَّى به عن التهديد، وجملة: {إنه بما تَعمَلونَ بَصيرٌ} وعيدٌ بالعقاب على أعمالهم على وجه الكناية، ونظيره ما يقوله الملك المهيب عند الغضب الشديد إذا أخذ يعاتب بعض عبيده، ثم يقول لهم: "اعملوا ما شئتم"، فإن هذا مما يدل على الوعيد الشديد ([105]).
        وقوله تعالى: {كُلُوا وتَمَتَّعوا قَلِيلا إنَّكم مُجرِمون}، أي: ليس أكلكم وتمتعكم بلذات الدنيا بشيء؛ لأنه تمتع قليل، ثم مأواكم العذاب الأبدي. وجملة: {إنَّكم مُجرِمون} خبرٌ مُستَعمَلٌ في التهديد والوعيد بالسوءِ، أي: إن إجرامكم مُهْوٍ بكم إلى العذاب ([106]).
        أما رواية حديث النُّعمان بن بَشير المستَدَل بها فليس فيها شيء من هذا، وسياقها لا يحتمله؛ فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يُخَوِّف بَشيرًا أو يتوعده بعقوبة حتى يقال بحمل الأمر فيها على التهديد، بل الأمر فيها يفيد الإباحة؛ لأن القاعدة أنه إذا تَعَذّر الحَمل على الحقيقة تَعَيَّن المجاز، وإذا تعارض المجازان فالأقرب إلى الحقيقة أولى ([107]). وقوله عليه الصلاة والسلام المذكور قد وَرَدَ بصيغة الأمر، وهي حقيقة في الوجوب، فلما تَعَذَّر حَملُها على حقيقتها، تَعَيَّن حَملُها على المجاز. وكلٌّ من التهديد والإباحة مجازان لها، لكنهما مجازان متنافيان لا يجوز الحَمل عليهما معًا؛ فالتهديد هنا يقتضي التَّرك، والإباحة تقتضي التخيير بين الفعل والتَّرك، فتعارضا، فقُدِّمَت الإباحة؛ لأنها أقرب المجازات إلى الحقيقة بعد الندب.
        وقد تقدم النقل عن القاضي عبد الوهاب والإمام النووي في أنه إذا دَلّ الدليل على انتفاء الوجوب والندب كان للإباحة. ولذلك قال النووي في شرحه على صحيح مسلم مُجيبًا عن استدلال الخصم برواية: "أَشهِد عليه غيري": "فإن قيل: قاله تهديدًا. قلنا: الأصل في كلام الشارع غير هذا" اهـ ([108]).
        وهذا الذي قَرَّرناه هو ما فهِمه شيخ الإسلام وإمام الدنيا الإمام محمد بن إدريس الشافعي من الحديث، حيث قال: "رُوي عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أنه قال: (أَشهِد غيري)، فهذا يَدُلُّ على أنه اختيار" اهـ ([109]). وتَذَوُّق من هو مثل الشافعي للعربية ومدلولات الألفاظ إنما هو تَذَوُّقُ عربيٍّ قُح لم تخالط مداركَه شوائبُ العُجمة، فَفَهْمُه مُقَدَّمٌ على فَهم غيره من هذه الحيثية، وقد اعتبر فطاحل اللغة وأئمتها قولَ الشافعي في اللغة حُجة فيها؛ فقال الإمام عبد الملك بن هشام -صاحب المغازي-: "قول الشافعي حُجّة في اللغة" ([110])،وكان إذا شك في شيء من اللغة بعث إلى الشافعي فسأله عنه([111])، ولما لقي ابنُ هشام الشافعيَّ قال: "ما ظننت أن الله يخلق مثل الشافعي" ([112])، وابن هشام هذا هو الذي يقول فيه الربيع إنه كان بمصر كالأصمَعي بالعراق ([113])، ويصفه المُزَني بأنه كان علامة أهل مصر باللغة والشعر ([114])، وروى ابن أبي حاتم عن الإمام اللغوي ذي الفنون أبي عبيد القاسم بن سَلّام أنه قال: "كان الشافعي ممن يؤخذ عنه اللغة أو من أهل اللغة -الشك من ابن أبي حاتم-" ([115])، وقال فيه الإمام اللغوي أبو حاتم سهل بن محمد السجستاني -تلميذ الأخفَش والأصمَعي، وشيخ ابن دُريد والمُبَرِّد-:  "الشافعي أعلم باللغة منّا" ([116])، وقال ثَعلب: "إن الشافعي رحمه الله من بيت اللغة يجب أن يؤخذ عنه" ([117]), وإنما ذكرتُ هذه الأقوال كلها ليُتَبَيَّن قدر الشافعي عند أئمة اللغة، وأن فهمه فيها وتذوقه لها معتبرٌ مُقَدَّم على فهم وتذوق غيره ممن لم يبلغ مبلغه في العربية -التي هي لسان الشرع الشريف- أو يدرك شأوه في سبرها والوقوف على مراميها.
        ثانيها: سَلَّمنا أنه يدل على التهديد، ولكن لا نُسَلِّم أن مدلول التهديد منحصرٌ في التحريم، قال في جمع الجوامع وشرحه للعلامة المحلّي -عند ذكره المعاني التي تَرِد لها صيغة الأمر-: "(والتهديد) {اعمَلُوا ما شِئتُم}[فصلت: 40]، ويَصدُق مع التحريم والكراهة" اهـ. قال العلامة العَطّار مُعَلِّقًا على عبارة المحلي: "وَجْه الصدق أنّ التهديد للمنع, والمنع يكون للتحريم والكراهة" اهـ ([118]).
        فإن قيل: التهديد هنا منصرفٌ إلى التحريم؛ لأنه قد سُمِّي في الحديث جَورًا, وأَمَرَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم بردّه، فهذه قرينةٌ تفيد إرادة التهديد.
        قلنا: طريقة الجَمع بين الروايات أَولَى من طريقة الترجيح بينها؛ لأنه لا يُلجأ للترجيح إلا عند تعذر الجَمع، والجَمع يقتضي تأويل ما وَرَدَ وظاهره إفادة الإيجاب، وصرفَه عن هذا الظاهر إلى الندب، فنحمل الأمر بالرَّد على الاستحباب، ونحمل وصفه عليه الصلاة والسلام لهذا الفعل بالجَور على إرادة أنه مكروه، وأنه قد سماه جَورًا باعتبار ما فيه من عدم العدل المطلوب؛ فالجَور هو مطلق الميل عن الاستواء والاعتدال أعم من أن يكون حرامًا، فيشمل المكروه أيضًا.
        ويؤكد ذلك أن الرواية التي فيها قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "فأَشهِد عليه غيري" هي هي التي رَبَط فيها بين النَّهي عن المفاضلة بين الأبناء وبين رغبة الأب في أن يستوي أبناؤه في بره؛ وتمامها -كما في صحيح مسلم- أن بَشير بن سعد رضي الله عنه قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: يا رسول الله اشهَد أني قد نحلت النُّعمان كذا وكذا من مالي. فقال: "أَكُلَّ بنيك قد نحلت مثل ما نحلت النعمان؟" قال: لا. قال: "فأشهِد على هذا غيري". ثم قال: "أَيَسُرُّك أن يكونوا إليك في البِر سواء؟" قال: بلى. قال: "فلا إذًا". والتسوية في البِر لما كانت ليست واجبة على الأولاد، لم تكن التسوية في العطية واجبة على الآباء -كما سبق تقريره-.
        قال الحافظ ابن عبد البَر: "وأما قصة النُّعمان بن بَشِير هذه فقد رُوي في حديثه ألفاظ مختلفة، أكثرها تدل على أن ذلك على الندب لا على الإيجاب"، وذَكَر بعض الألفاظ الواردة في روايات هذا الحديث مما قدمنا، ثم قال:"فهذه الألفاظ كلها، مع قوله: (أَشهِد على هذا غيري)، دليل واضح على جواز العطية" اهـ ([119]).
        ثالثها: أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد يَتَوقَّى الشهادة على ماله أن يَشهَد عليه، وعلى الأمور التي قد كانت؛ فالشهادة أمرٌ يتضمنه الشاهدُ للمشهود له ويلتزم له به، فله أن لا يَتضمن ذلك وألا يلتزم به، ويكون امتناعه صلى الله عليه وآله وسلم عن أن يشهد؛ لئلا يصير ذلك سُنّة ([120]).
        رابعها: وهو ما أجاب به الإمام أبو جعفر الطحاوي من أن قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "أَشهِد عليه غيري" يحتمل أن يكون معناه: أي إني أنا الإمام، والإمام ليس من شأنه أن يَشهد، وإنما من شأنه أن يَحكُم. وارتضَى هذا الجواب الإمام أبو الحسَن بن القَصّار شيخ المالكية وقاضي بغداد ([121]).
    وتُعُقِّب هذا الجواب بأنه لا يَلزم من كون الإمام ليس من شأنه أن يَشهد أن يمتنع من تحمل الشهادة ولا من أدائها إذا تَعَيَّنَت عليه ([122]).
        وهذا التعقُّب في الحقيقة هو المتعقَّب؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم تتعيّن عليه الشهادة هنا، فلا بأس من امتناعه عن تَحَمُّلها، خاصة وقد وُجِد معنىً تشريعي لامتناعه.
        قال العَيني في شرح البخاري ناقضًا هذا التعقُّب: "لا يَلزم أيضًا أن لا يمتنع من تحمُّل الشهادة؛ فإن التحمُّل ليس بمُتعيِّن، لا سيِّما في حق النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن مقامه أجلّ من ذلك، وكلامنا في التحمُّل لا في الأداء" اهـ ([123]).
        وكذلك فإن مقصود الشهادة وهو الإثبات الحاصل بالأداء لن يحصل إذا كان قد تحملها صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأنه هو الحاكم، فلا يمكن رَدُّها عند غيره.
        وما قاله ابن حزم في نَقض هذا الجواب قد جانبه فيه التوفيق؛ حيث قال في مُحَلّاه: "وزاد بعضهم ضلالا وفرية فقال: معنى قوله عليه الصلاة والسلام: (أَشهِد علَى هذا غيري) أي: إني إمام، والإمام لا يشهد. فجمعوا فِريتين, إحداهما: الكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في تقويله ما لم يَقُل، فليتبوأ من أطلق هذا مقعده من النار. والثانية: قولهم: إن الإمام لا يَشهَد. فقد كذبوا وأفكوا في ذلك, بل الإمام يشهد; لأنه أحد المسلمين المخاطبين بأن لا يأبوا إذا دعوا, وبقوله عز وجل: {كونُوا قَوَّامين بالقِسطِ شُهَداء لله ولَو عَلَى أَنفُسِكُم أَو الوالِدَين والأقرَبِين}[النساء: 135]، فهذا أمرٌ للأئمة بلا شكٍّ ولا مِرية. والعجب من قِلّة حياء هذا القائل ومن قوله، ومذهبه أن الإمام إذا شَهِد عند حاكم من حُكّامه جازت شهادته, فلو لم يكن من شأنه أن يشهد لما جازت شهادته" اهـ ([124]).
        وهو في كلامه هذا قد جمع بين سَوأتين، الأولَى: التَّهَوُّر، والثانية: سوء الأدب مع أئمة الدين.
    أما الأولَى: فإنه في كلامه هذا يتعقب الإمام أبا جعفر الطحاوي -وإن لم يصرِّح باسمه-، والطحاوي لم يقل: إن ذلك هو معنى الحديث على جهة القطع، حتى يُرمَى بتقويل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما لم يقل، بل قد طرحه كمعنى محتمَل للحديث، لا ترفضه اللغة وتحتمله قرائن الأحوال.
        وابن حزم بنى نقضه وسَورته الغضبية على أن الطحاوي قد قال: "إنّ الإمام لا يَشهد"، ولكنّ الطحاوي لم يقل هذا، بل نصّ عبارته: "الإمام ليس من شأنه أن يَشهد وإنما من شأنه أن يَحكُم"، وبَونٌ شاسعٌ وفَرقٌ واضحٌ بين العبارتين؛ فعبارة الطحاوي تفيد أن الأصل في الإمام الحُكم بين المتقاضين لا تَحَمُّل الشهادات، ولا تنفي أنه يجوز له تحمّلها. كما يقال: الشأن في المسلم الصِّدق. يعني أن ذلك هو الأصل فيه، وأنه هو حاله الغالب، لا أنه لا يجوز عليه خلاف الصدق. فلا وجه لإلزام ابن حزم للطحاوي بأن مذهبه أن الإمام إذا شهد عند حاكم من حُكّامه جازت شهادته, فلو لم يكن من شأنه أن يشهد لما جازت شهادته؛ وعبارة الطحاوي لا تفيد منع الحاكم من الشهادة أو إبطال شهادته بأي نوع من أنواع الدلالة اللفظية؛ لا مطابقة و لا تَضَمُّنًا، ولا التزامًا.
        وأما الثانية: فواضحة وضوح الشمس في رابعة النهار؛ فابن حزم قد سَلّ لسانه على الطحاوي واستباح عرضه ورماه بجُملة من التُّهَم الشنيعة؛ كالضلال والافتراء، والكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتقويله ما لم يقل، والإفك، وقلة الحياء. وكل هذا منه بناء على نَقل مَغلوط وفَهم غير سديد.
        ولم يَكتَف بهذا بل زاد في الطُّنبور نَغَمة، وأوغَل في التشنيع والتعريض بالطحاوي؛ لقوله في الإجابة عن الحديث: "إن النُّعمان لعلّه كان كبيرًا ولم يكن قد قبض الموهوب، فجاز لأبيه الرجوع" ([125])، فقال ابن حزم: "ثم أتى بعضهم بما كان الخَرَس أَولَى به فقال: لعلّ النُّعمان كان كبيرًا ولم يكن قبض النُّحْل. وقائل هذا إما في نصاب التيوس جهلا, وإما منزوع الحياء والدين" اهـ ([126])، ومن رأى طريقة زَين الحفّاظ ومفخرة الشافعية الحافظ ابن حَجَر العسقلاني -رحمه الله تعالى- في تَعَقُّبه للطحاوي عَلِم مَبلَغ أدب أهل العلم بعضهم مع بعض في النقاش والرد، وأن اختلاف الأنظار لم يقطع رحِم العلم فيما بينهم؛ قال الحافظ: "ثالثها-أي حُجَج المجيزين-: أن النُّعمان كان كبيرًا، ولم يكن قَبَض الموهوب، فجاز لأبيه الرجوع، ذكره الطحاوي، وهو خلاف ما في أكثر طُرُق الحديث أيضًا، خصوصًا قوله: (ارجعه)، فإنه يدل على تَقَدُّم وقوع القَبض، والذي تضافرت عليه الروايات أنه كان صغيرًا وكان أبوه قابضًا له لصغره، فأُمِر برد العطية المذكورة بعد ما كانت في حكم المقبوض" اهـ ([127])، ومع هذا لم يُسَلِّم له العَيني، وقال: إن الطحاوي لم يقل هذا إلا وقد أخذه من الرواية الواردة وفيها أن النُّعمان بن بَشِير قال: "نحلني أبي غلامًا، فأمرتني أمي أن أذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأُشهِده على ذلك ... الحديث" ([128])، وهي تدل على أن النُّعمان كان كبيرًا؛ إذ لو كان صغيرًا كيف كان أمه تقول له: اذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ووَصَفَ كلام الحافظ بأنه طَعنٌ في كلام الطحاوي من غير وَجه، ومن غير إنصاف ([129])، فكيف به أمام أوابِد ابن حزم التي شانَ بها ذكاءه وحفظه.
        قال الذهبي في ترجمة ابن حزم من السِّيَر: "بَسَط لسانه وقلمه، ولم يتأدب مع الأئمة في الخطاب، بل فجَّج العبارة، وسَبَّ وجَدَع، فكان جزاؤه من جِنس فعله، بحيث إنه أعرض عن تصانيفه جماعة من الأئمة، وهجروها، ونفروا منها، وأُحرقت في وقت، واعتنى بها آخرون من العلماء، وفتشوها انتقادًا واستفادة، وأخذًا ومؤاخذة، ورأوا فيها الدُّر الثمين ممزوجًا في الرَّصف بالخرز المَهين، فتارة يطربون، ومرة يعجبون، ومن تفرده يهزؤون" اهـ ([130]).
         وقد أشار إلى شيء من صنائع ابن حزم الإمام أبو بكر بن العربي المالكي -رحمه الله تعالى-، فقال عنه: "زعم أنه إمام الائمة، يضع ويرفع، و يحكُم و يُشَرِّع، ينسب إلى دين الله ما ليس فيه، و يقول عن العلماء ما لم يقولوا؛ تنفيراً للقلوب عنهم" اهـ ([131]).
        وقد صَنَّف غير واحد من الكبار في الرد على ابن حزم، منهم: الإمام القاضي عيسى بن سَهل الأندلسي في كتابه "التنبيه على شذوذ ابن حزم"، ومنهم: الإمام أبو بكر بن العربي في كتابيه: "النواهي عن الدواهي"، و"الغرة"، ومنهم: ابن زرقون الأشبيلي في "المعلَّى في الرد على المُحَلَّى"، ومنهم: الحافظ قُطب الدين الحَلَبي في "القِدح المعَلَّى في الكلام على بعض أحاديث المُحَلَّى"، ولبعض المتأخرين من شيوخ الحنفية في الهند: "السيف المُجَلَّى في الرد على المُحَلَّى".
        ولو نصبت حَلَبة التشنيع لكان ابن حزم فيها هو الخاسر فروعًا وأصولا، ففي الفروع هو ظاهريٌ جامد ينفي القياس ولا يقول بالتعليل، وقوله في مسئلة البول في الماء الراكد معروف، وهو كما قيل: "فساده مُغنٍ عن إفساده"، وقوله الآخر في أصول الدين بأن القدرة القديمة تتعلق بالمحال -فكما يقول الإمام الكوثري ([132])- شَناعةٌ لا تُتَصَوَّر فوقها شَناعة.
     الوجه الثالث:
        وهو في بعض روايات حديث النُّعمان، وفيه قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا أَشهَد على جَور" ([133]).
        قالوا: قد امتنع النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الشهادة عليه، وسماه جَورًا، والجَور حرامٌ لا يحلُّ إمضاؤه في دين الله تعالى, ولو جاز ذلك لجاز إمضاء كل جَور وكل ظلم، فدلَّ ذلك على حرمة المفاضلة بين الأبناء في العطية. ([134])
    وهذا الاستدلال مردودٌ من وجوه:
        الأول: نمنع أن يكون كلُّ جَور محرمًا، لأن الجَور هو الميل عن القصد والاستواء والاعتدال، فهو بهذا الاعتبار يَصدُق على المكروه كما يصدق على المُحَرَّم؛ فالمكروه مائلٌ عن سَنَن الاستقامة، وخارجٌ عن الاعتدال، وكل ما خرج عن الاعتدال فهو جَور سواء أكان حرامًا أو مكروهًا. ومسلك الجمع بين الأدلة يُعَيِّن معنى الكراهة ويُرَجحه، فعدم التسوية وإن سُمّي جَورًا لم يلزم من ذلك أن يكون حرامًا؛ لأن التحريم مبني على القول بوجوب التسوية، وهو ممنوع ([135]).
        الثاني: الاستدلال بامتناع النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الشهادة غير صحيح؛ لأنه مبني على حُرمة ما امتنع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الشهادة عليه، وهو ممنوع؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم له أن يمتنع عن الشهادة على المكروه، كما يمتنع عن الشهادة على المُحَرّم، فمجرد تركه الشهادة وامتناعه عنها لا يستفاد منه تحريم؛ ويكون المعنى في امتناعه ألا يصير ذلك سُنّة.
    قال الشاطبي في موافقاته: "أما التَّرك فمَحَلُّه في الأصل غير المأذون فيه، وهو المكروه والممنوع، فتَرْكُه عليه الصلاة والسلام دالٌّ على مَرجوحية الفعل، وهو إما مطلقًا، وإما في حال، فالمتروك مطلقًا ظاهر، والمتروك في حال؛ كتركه الشهادة لمن نحل بعض ولده دون بعض" اهـ ([136]).
        الثالث: اختلف الرواة في هذا الحَرْف، فقال بعضهم: "هذا جَور"، وقال بعضهم: "هذا تَلجِئة" ([137]).
        قال في النهاية: "التَّلجِئة: تَفعِلة من الإلجاء، كأنه قد ألجأك إلى أن تأتيَ أمرًا باطنُه خلاف ظاهره، وأحوَجَك إلى أن تَفعل فِعلاً تَكرهُه" اهـ ([138]).
        فالمعنى على هذا: أنه أمرٌ قد أَكرَهَتك عليه امرأتُك، وحَمَلَتك عليه بإلحاحها دون رغبة منك في فِعله، فتفسر بهذا رواية: "هذا جَور"، وتُحمل على هذا المعنى، ويكون الجَور فيها منسوبًا إلى عَمْرَة بنت رَواحَة الأنصارية أم النُّعمان وزوج بَشِير رضي الله عنهم أجمعين، لا إلى بَشِير رضي الله عنه الذي هو الواهب.
        قال ابن الأثير: "وكان بَشِير قد أفْرد ابْنَه النُّعمـان بشيء دون إخوته حَمَلَتْهُ عليه أمُّه" اهـ ([139]).
    ويؤيد هذا رواية مسلم، وفيها أن عَمرة سألت زوجها بعض الموهبة من ماله لابنها فالتوَى بها-أي ماطلها- سَنَة ثم بدا له، فقالت: "لا أرضى حتى تُشهِد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على ما وَهَبتَ لابني، فذهب بَشِيرٌ بابنه النُّعمان إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقال له: يا رسول الله إن أم هذا بنت رواحة أعجبها أن أُشهِدك على الذي وهبتُ لابنها. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا بَشِير ألك ولد سوى هذا؟ قال: نعم. فقال: أكلَّهم وهبتَ له مثل هذا؟ قال: لا. قال: فلا تُشهِدني إذًا؛ فإني لا أَشهَد على جَور" ([140]).
        وفي رواية أن بَشِيرًا قال: "يا رسول الله إن أم هذا ابنة رَواحَة قاتلتـني على الذي وهبتُ له" ([141]).
        وفي رواية أنه قال: "يا رسول الله إن عَمرة بنت رَواحَة نَفِست بغلام، وإني سميته نعمان، وإنها أبت أن تربيه حتى جعلت له حديقة لي هي أفضل مالي، وأنها قالت: أشهِد النبي صلى الله عليه وآله وسلم" ([142]).
        فهذه الروايات بمجموعها تُبَيِّن بجلاء أن امرأة بَشِير هي التي طلبت منه ذلك، ونازعته، وأَلَحَّت عليه إلحاحًا شديدًا -ويظهر هذا في قول بَشِير رضي الله عنه: "قاتلتـني على الذي وهبتُ له"- فأخذ في مماطلتها وتسويف مطلبها مدة ([143])، ثم لَبّى طلبها حين أَبَت أن تربي ولده إلا بذلك.
     الوجه الرابع:
        وهو في الرواية الواردة وفيها أن النبي صلى الله علي وآله وسلم قال: "لا أَشهَد إلا على حَق" ([144]).
        قالوا: فدَلّ ذلك على أن الذي فعله أبو النُّعمان لم يكن حقًّا, وإذ ليس حقًّا فهو باطل وضلال؛ لقوله تعالى: {فماذا بَعدَ الحَقِّ إلا الضَلال}[يونس: 32] ([145]).
    ويجاب عن هذا الاستدلال من وجهين:
        الأول: الاستدلال بالرواية المذكورة على تحريم المفاضلة من باب الاستدلال بالمفهوم، فمفهومها أن عدم التسوية ليس بحَق، ولكنّ هذا المفهوم معارَضٌ بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "أَشهِد على هذا غيري"، وبقوله: "ارجعه"، وبقوله: "كلُّ أحد أَحَقُّ بماله من والده وولده والناس أجمعين" ([146])، وهذه الروايات جميعًا من باب المنطوق الصريح في الإذن -كما سبق تقريره في مواضعه-، والمُدَوَّن في الأصول أن المفهوم إنما يكون حجة إذا لم يعارضه منطوق، فإن حصل التعارض قُدِّمت دلالة المنطوق على دلالة المفهوم؛ لأن المنطوق أقوى دلالة على الحكم من المفهوم ([147]).
        الثاني: أن يقال: إن الحق المذكور في الحديث أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يشهد إلا عليه هو الحق الذي لا تقصير فيه عن أعلى مراتب الحق، وإن كان ما دونه حقًّا ([148])، فالمكروه حقٌّ من وجه دون وجه.
    ولنا مسلكان في تدعيم هذا الوجه الأخير في الجواب:
        فإما أن نقول: إنّ طريقة الجمع بين الأدلة تقتضي منّا أن نصرف ما دلّ منها على تحريم المفاضلة ووجوب التسوية بين الأولاد إلى الكراهة في الأول وإلى الاستحباب في الثاني، فيتحتم تأويل هذه الرواية وحملها على المعني المذكور.
        أو أن يُخَرَّج على ما نَصَّ عليه الأصوليون من الحنفية من أنَّ الشيء إذا أُطلِق فإنه يَنصرف للفَرد الكامل ([149]). وقوله عليه الصلاة والسلام: "لا أَشهَد إلا على حَقّ" مُطلقٌ، فيُراد به ما يكون حَقًّا من كل الوجوه، والمكروه ليس كذلك؛ لأنه لما كان حَقًّا من وجه دون وجه لم يدخل تحت المطلق; لأن المطلق يتناول الكامل الذي هو موجود من كل وجه، فلا يكون المكروه حَقًّا بهذا الاعتبار.
        فمن قال بقاعدة المطلَق للكامِل فله أن يَنصر هذا الوجه في الجواب بكلٍّ من المسلكين المذكورين، ومن لم يقل به فيكفيه الوجه الأول في تقريره.
        إذا تقرر هذا الوجه في الجواب فإنه ينهدم به طريقة السَّبر والتقسيم التي سَلَكها ابن حزم لإبطال مذهب الجمهور؛ حيث قال: "ويكفي من هذا أن نقول: تلك العطية والصدقة أحَقٌّ جائز هي أم باطلٌ غير جائز -ولا سبيل إلى قسم ثالث-؟ فإن قالوا: حقٌّ جائز. أعظموا الفرية؛ إذ أخبروا أنه عليه الصلاة والسلام أبى أن يَشهد على الحق، وهو الذي أتانا عن ربنا تعالى بقوله تعالى: {ولا يَأبَ الشُّهَداءُ إذا ما دُعُوا}[البقرة: 282]، وبقوله تعالى: {ولا يُضَارَّ كاتِبٌ ولا شَهيد}[البقرة: 282]. وإن قالوا: إنها باطلٌ غير جائز. أعظموا الفرية؛ إذ أخبروا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حَكَم بالباطل, وأنفذ الجَور، وأَمَر بالإشهاد على عَقده, وكلا القولين مُخرِجٌ إلى الكفر بلا مِرية, ولا بُدّ من أحدهما" اهـ ([150]).
        فإن العطية هنا حقٌّ من وجه دون وجه، لا حقٌّ مطلق، وهذه هي حقيقة المكروه، فالكراهة من حيث إنها من أقسام النهي يكون المكروه مطلوب التَّرك منهيًّا عنه؛ لكونه مُتَعلَّقًا للنهي، فهو من هذه الحيثية لا يعتبر حَقًّا، ومن جهة أخرى هو مأذون فيه، من حيث إنه لا يعاقب على فعله، فيكون حقًّا من وجه دون وجه.
        ومن هنا قال الحافظ ابن عبد البَر: "وأما رواية من روى عن الشَّعبي عن النُّعمان بن بَشِير في هذا الحديث: (أكُلَّ ولدك أعطيته؟ قال: لا، قال: فإني لا أَشهَد إلا على حَق)، وكذلك رواية جابر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قصة النُّعمان بن بَشِير هذه ([151])، فيحتمل أن لا يكون مخالفًا لما تقدم -يعني من الروايات الدالة على عدم الوجوب-؛ لاحتماله أن يكون أراد الحق الذي لا تقصير فيه عن أعلى مراتب الحق، وإن كان ما دونه حَقًّا" اهـ ([152]).
        ويمكن أيضًا نقض كلام ابن حزم من جهة أخرى بإبطال ما زعمه من الحصر، بإيجاد قسم ثالث وهو الباطل الجائز؛ فالمكروه من حيث هو منهيٌ عنه باطلٌ على معنى قَسِيم الحق، ومن حيث انتفاء الإثم والعقاب عن فاعله هو مأذونٌ فيه. قال العلامة العطار في حاشيته على شرح جمع الجوامع: "الإذن في الفعل...قَدرٌ مشترك بين الإيجاب، والنَّدب، والإباحة، والكراهة" اهـ ([153]).
        والمأذون فيه حقٌّ وإن تفاوتت أفراده في الحَقيِّة قوَّة وضعفًا، والمكروه في أدنى درجات الحَق، كما أشار إليه الحافظ ابن عبد البَر في كلامه المذكور آنفًا.
        وجَعْل المكروه تارة من قبيل الحق وتارة من قبيل الباطل لا تناقض فيه؛ فحقيقة المكروه واحدة، ولكن اختلفت العبارات باختلاف الاعتبارات، فانفَكّت جهة التناقض.
        أما قوله تعالى: {ولا يَأبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا}[البقرة: 282]، فقد نَقَل الإمامُ البَغَوي في تفسيره قولَ بعض المفسرين أن هذه الآية في إقامة الشهادة وأدائها، فيكون معنى الآية على هذا: ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا لأداء الشهادة التي تَحَمَّلوها، قال البَغَوي: "وهو قول مُجاهد، وعطاء، وعِكرمة، وسعيد بن جُبير" اهـ ([154])، ونسبه الحافظ ابن كَثير في تفسيره إلى الجمهور ([155])، ويَتَقَوَّى هذا المعنى بأنّ "الشاهد" حقيقة فيمن تَحَمَّل؛ لأنه لا يسمى شاهدًا قبل التحمل إلا على وجه المجاز، والأصل هو الحمل على الحقيقة حتى يقوم دليل المجاز، وإلا فلا حاجة إلى العدول عنها إليه.
        أما تَحَمُّل الشهادة فهو فرض كفاية، فيجوز الامتناع عنه في حق الأفراد لا في حق المجموع، وقد ذكرنا فيما مضى المعاني في امتناع النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الشهادة، ومنها: أنه لم تَتَعَيَّن عليه الشهادة، وأن مقامه أعلى من ذلك، وأنه لا يشهد على باطل حرامًا كان أو مكروهًا لما فيه من معنى الإقرار، وهو ممتنع.
        قال القاضي أبو يَعلَى: "إنما يَلزم الشاهد أن لا يأبى إذا دُعي لإقامة الشهادة إذا لم يوجد من يشهد غيره، فأما إن كان قد تحمَّلها جماعة، لم تَتَعَيَّن عليه، وكذلك في حال تَحَمُّلها؛ لأنه فَرضٌ على الكفاية كالجهاد، فلا يجوز لجميع الناس الامتناع منه" اهـ ([156]).
        وأما آية: {ولا يُضَارَّ كاتِبٌ ولا شَهيدٌ}[البقرة: 282] فهي لنا لا علينا؛ فهي تنهى عن المضارّة، والمضارّة هي: إدخال الضُّر، و{يُضَارَّ} -في الآية- يحتمل البناء للمعلوم وللمجهول، فالآية تحتمل أن يكون الشهيد مصدرًا للإضرار؛ بأن يُوقِع أحد المتعاقدين في إضاعة حَقٍّ أو تَعَب في الإجابة إلى الشهادة، أو أن يوقعه أحد المتعاقدين أو كلاهما في حَرَج أو خسارة ([157])، فعلى أي من المعنيين لا مدخلية للآية في الاستدلال على مراد ابن حزم؛ ففي خصوص المعنى الأول؛ لانتفاء الضرر عن المستشهد بامتناع النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الشهادة؛ لأنها غير مُتَعَيِّنة عليه. وأما انتفاء المعنى الثاني فواضح.
    فبان بما سبق تهافت ما قاله ابن حزم وبطلان ما استَدلّ به جملة وتفصيلا.
     الوجه الخامس:
        وهو في الروايات الواردة لحديث النُّعمان وفيها الأمر بالتسوية، كرواية: "سَوِّ بينهم"، ورواية: "فاتّقوا الله، واعدلوا بين أولادكم" ([158])، وحاصل كلام المانعين أن هاتين الروايتين قد وَرَدَ فيهما طلب التسوية والعدل بين الأبناء بصيغة الأمر، والأمر يقتضي الوجوب ([159]). وقوله صلى الله عليه وآله وسلم في الرواية الثانية: "اتّقوا الله" مؤذنٌ بأن خلاف التسوية ليس بتقوى, وأن التسوية تقوى ([160]).
        ويناقش ذلك بأن الأمر وإن كان الأصل فيه الدلالة على الوجوب، إلا أن ذلك الأصل يُعدل عنه إذا كان ثَمّ قرينةٌ صارفةٌ له عن إفادة الوجوب، والجمع بين الأدلة يصرف الأمر بالتسوية والعدل عن ظاهره المفيد للوجوب إلى استحباب ذلك، كما أن رواية: "سَوِّ بينهم" قد اختلف الرواة في نقلها بما لا ينتهض معه الاستدلال بها، والأمر بالعدل بين الأولاد جاء في رواية مقرونًا بالتسوية في البِر، وهي ليست واجبة على الأولاد بل مندوبًا إليها، فدَلَّ هذا على أن الأمر للندب، وقد سبق بسط الكلام على هذا كله.
        أما الاستدلال بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "اتّقوا الله" على وجوب التسوية، فغير مُسلّم؛ لأن الأمر بالتقوى كما يشمل فعل المأمورات وترك المحرمات، فإنه يشمل أيضًا ترك المكروهات وفعل المندوبات، ولكن الطلب في الأوليين جازم، وفي الأخيرين غير جازم، فالتقوى بالمعنى الأول واجبة، وبالمعنى الثاني مستحبة، وإعمال جميع الأدلة يُعَيِّن المعنى الثاني، والله تعالى أعلم.
     الوجه السادس:
        وهو في الرواية الواردة وفيها نهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم لبَشِير رضي الله عنه عندما قال له: "أَكُلَّ بنيك قد نحلت مثل ما نحلت النُّعمان؟ قال: لا. قال: فأَشهِد على هذا غيري. ثم قال: أَيَسُرُّك أن يكونوا إليك في البِر سواء؟ قال: بلى. قال: فلا إذًا" ([161]).
        قال ابن حزم: "قوله عليه السلام: (فلا إذًا) نهيٌ صحيح كافٍ لمن عَقَل" اهـ ([162]).
        وما قلناه سابقًا من وجوب إعمال سائر الأدلة نُكَرِّره هنا، ونزيده بسطًا؛ فنقول: إن الدليلين إذا كان ظاهرهما التعارض، وأمكن الجَمع بينهما وإعمالهما معًا -ولو بوجه- كان ذلك أَولَى من إهمالهما, أو العمل بأحدهما وإهمال الآخر؛ لأن الأصل هو الإعمال وتكثير الفائدة من كلام الشارع، والإهمال والإلغاء خلاف الأصل، فلا يُلجأ له إلا عند التعارض وتَعَذُّر الجمع بين الدليلين أو الأدلة.
        وعليه فإن هذا النهي مصروفٌ عن حقيقته وهي التحريم إلى الكراهة؛ جمعًا بين الأدلة وإعمالا لجميعها، لا سِيِّما أن هذه الرواية بعينها قد وردت مقترنة بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "أَيَسُرُّك أن يكونوا إليك في البِر سواء؟"، وقد سبق بيان دلالته على عدم وجوب التسوية، وأنه من القرائن الصارفة لما كان من الروايات ظاهره الوجوب إلى الاستحباب، والله تعالى أعلم.
     
    (الدليل الثاني)
        استدل القائلون بوجوب التسوية بالمعقول؛ فقالوا: إن تفضيل بعض الأولاد على بعض يورث العداوة والبغضاء وقطيعة الرحم فيما بينهم، أو العقوق للوالد الذي قام بالتفضيل، وكلٌّ من قَطع الرحم والعقوق مُحَرَّم، فما يؤدي إليهما يكون مُحَرَّمًا أيضًا، والتفضيل مما يؤدي إليهما، فمُنِع منه, كتزويج المرأة على عمتها أو خالتها ([163]).
        وهذا الاستدلال قضيته مسألة سد الذرائع، أو تحريم الوسائل متى كان الفعل السالم عن المفسدة وسيلة للمفسدة، وجوابه: منع اعتبار سد الذرائع، كما هو مذهب الشافعي وغيره من العلماء ([164]).  وقد أحسن ابن حزم واتّسق مع نفسه حينما لم يذكر هذا الوجه في الاستدلال -مع طول نفسه في تقرير وجوب التسوية-؛ لأنه لا يقول بسد الذرائع أصلا، ويرى أنه لا حكم إلا لليقين وحده ([165]).
        كما أن ما ذكروه من المعاني لا يصلح التعليل به؛ لأنه لا يَطَّرد -ومن شرط العِلّة أن تكون مُطّردة ([166])-، بل يتخَلَّف في كثير من الأحوال والصور؛ فقد يحصل مع شخص دون شخص، أو لا يحصل شيء منه أصلا في حالة لم يطَّلع عليه أحدٌ غير الموهوب له، فترتُّب المحرَّم عليه غير مُتَعَيِّن.
        ولذلك كانت دِقّة الإمام ابن دقيق العيد ظاهرة عندما قال: إن الحكمة من طلب التسوية بين الأولاد هو ما يؤدي إليه التفضيل من الإيحاش والتباغض, وعدم البِرّ من الولد لوالده ([167])؛ فأطلق عليه وصف الحكمة لا العلّة. والشأن في ذلك هو الشأن في المنع من الجمع بين المرأة وخالتها أو المرأة وعمتها في النكاح؛ فقَطْع باب التباغض والتنافس بين المرأتين حكمة فيه لا علّة له؛ فالمنافسة بين الضرائر مما لا بد منه عادة، والأحكام تتعلق بعِللها لا بحِكَمها.
        وبذلك أيضًا يُعلَم الجواب عن القول بأن التسوية بين الأبناء من باب مقدمة الواجب ([168])؛ على معنى أن قطع الرحم والعقوق محرمان، وترك الحرام واجب، فما يؤدي إلى تركه يكون واجبًا، فيَثبُت بذلك وجوبُ التسوية. بأن نقول: كون الشيء واجبًا لأنه مقدمةٌ للواجب يعني تَعَيُّنَه لحصول ذلك الواجب؛ فلا يتم الواجب إلا به، أما إن كانت مقدمة الواجب غير مقصودة بالذات لم تجب.
        ونزيد على ما سبق في الجواب عن هذا الوجه بأن نمنع صدق قاعدة: "للوسائل حُكم المقاصد" على ما نحن فيه؛ لأن محلُّها -كما نصَّ عليه العلامة ابن حَجَر المكي- يكون في وسيلة ومقصد كلاهما من فعل شخص واحد، فحينئذ يكون للوسيلة حكم المقصد؛ لاتحاد الفاعل ([169]).
        وإن سَلّمنا -تَنَزُّلا- للمانعين ما عَلَّلوا به المنع هنا توجه عليهم سؤال: لم حرَّمتموه بين الأولاد وأجزتموه بين غيرهم من الأقارب الوارثين؟ ([170]) والتفضيل بين هؤلاء أيضًا قد يُفضي إلى الوحشة والعداوة وقطع الرحم، وهذه المعاني ممنوعة مطلقًا، والأولاد وغيرهم فيها سواء ([171]).
     
    (الدليل الثالث)
        وهو إجماع الصحابة الذي ادّعاه أبو محمد بن حزم وحاول إثباته؛ حيث ذكر بعض الآثار الواردة عن بعض الصحابة فَهِم هو منها إفادتها مُدّعاه:
         أولها: أثر سعد بن عُبادة رضي الله عنه، وفيه أنه قسم ماله بين بنيه في حياته، فوُلِد له بعد ما مات، فلقي عمر أبا بكر فقال له: ما نِمتُ الليلة من أجل ابن سعد هذا المولود لم يترك له شيء. فقال أبو بكر: وأنا والله, فانطلق بنا إلى قيس بن سعد نُكَلِّمُه في أخيه, فأتيناه فكَلَّمناه، فقال قيس: أما شيء أمضاه سعد فلا أرده أبدًا, ولكن أُشهِدكما أن نصيـبي له. قال ابن حزم: "قد زاد قيس على حقه, وإقرار أبي بكر لتلك القسمة دليل على صحّة اعتدالها".
        الثاني: أثر أبي بكر الصديق في عطيته لعائشة أم المؤمنين رضي الله عنهما، وفيه قوله: "يا بنية, إني نحلتك نخلا من خيبر, وإني أخاف أن أكون آثرتك على ولدي, وإنك لم تكوني احتزتيه, فرُدّيه على ولدي! فقالت: يا أبتاه, لو كانت لي خيبر بجُدادها ذهبًا لرددته".
        الثالث: ما ورد عن معاوية بن حَيدة أن أباه حَيدة كان له بنون لعَلّات أصاغر ([172]), وكان له مال كثير فجعله لبني عَلَّة واحدة , فخرج ابنه معاوية حتى قدم على عثمان بن عفان فأخبره بذلك, فخَيَّر عثمان الشيخ بين أن يرد إليه ماله وبين أن يوزعه بينهم، فارتَدَّ ماله, فلما مات تركه الأكابر لإخوتهم ([173]).
        قال ابن حزم: "فهؤلاء أبو بكر, وعمر, وعثمان, وقيس بن سعد, وعائشة أم المؤمنين بحضرة الصحابة رضي الله عنهم لا يُعرف لهم منهم مخالف" اهـ ([174]).
    ويناقش الاستدلال بهذه الآثار بالآتي:
        أولا: أما أثر سعد بن عبادة رضي الله عنه الذي ذكره ابن حزم مستدلا به على دعواه ليس فيه دلالة ولا رائحة دلالة على وجوب التسوية، وغاية ما فيه أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما قد أشفقا على المولود الجديد، فتشفّعا عند أخيه قيس أن يقسم له شيئًا من المال، وذلك على وجه النصيحة والإرشاد، لا على وجه الحتم والإلزام.
        وقول قيس بن سعد لأبي بكر وعمر رضي الله عنهم أجمعين: "أما شيء أمضاه سعد فلا أرده أبدًا"، يبطل استدلال ابن حزم من أساسه؛ فلو كان ما فعله سعد محرّمًا لم يكن قيس ليقول ذلك، ولو فُرِض وفعل لما سكت عنه أبو بكر وعمر دون نصح أو إنكار. وأما تنازله عن نصيبه لأخيه فهو هبة مُستَأنَفة من باب الفَضل إكرامًا لأخيه، وكرامةً لشفاعة أبي بكر وعمر له عنده، وليس هذا من الإشراك فيما كان أبوه قد وهبه له.
        هذا من ناحية المعنى، أما من ناحية الإسناد، فالأثر ضعيف منقطع؛ لأن ابن سيرين لم يدرك سعد بن عبادة، ولا أبا بكر، ولا عمر، ولم يسقه بصيغة التحديث عن قيس، فمثله لا يُحتج به، ولا يقوم معارضًا للأدلة النافية للتحريم ([175]).
        ثانيًا: وأما أثر أبي بكر رضي الله عنه فإنه يقتضي أنه خَصّ عائشة رضي الله عنها بالهبة دون سائر إخوتها، وأنها لو قَبَضت ما وهبها إياه لكانت الهبة لازمة؛ لأنها لا تتم إلا بالقَبض لا بمجرد العَقد، أما لو لم تكن قد احتازته لم تكن الهبة لازمة، بل تبقى على أصل ملك أبي بكر الأول، فيرشدها حينئذ إلى أداء الحقوق لإخوتها من هذا المال بعد وفاته.
        وليس في شيء من هذا ما يَدُلُّ لابن حزم على مراده، بل هو دليلٌ للجمهور على -ما سبق بيانه-؛ فالصِّدِّيق لم يُشِر من قريب أو من بعيد إلى أن ما فعله من تخصيصها بما وهبها إياه هو أمر ممنوع أو هو نادم عليه وأنه يريد أن يصححه قبل أن توافيه المَنِيَّة، فضلا عن أنه رضي الله عنه يتنـزّه عن اقتحام المحرمات، واستدلال ابن حزم العجيب بالأثر يلزم منه أن أبا بكر قد ارتكب المحظور ثم أراد تصحيحه، وهذا -فوق أن الأثر لا يدل عليه- فيه ما فيه من نسبة الصديق الأعظم إلى ما يُنـَزَّه عنه.
        ثالثًا: أما أثر عثمان رضي الله عنه فيَحتَمل أنه فعله على جهة السياسة الشرعية؛ لأنه علم أن هناك ضررًا عظيمًا سينـزل بباقي الأبناء من جَرَّاء فعلة أبيهم، والحاكم له ولاية المنع فيما يعود ضرره على الرعية، وله تقييد المباح إذا كان ثمَّ مصلحة معتبرة، لا سيِّما وأن الأب له شرعًا أن يرجع في هبته لولده، فصار هناك فسحة لرفع الضرر، وتصحيح الوضع على وجه التسوية والعدل.
        على أنّا نُلزم ابن حزم بتضعيف هذه الرواية، من جهة بَهْز بن حَكيم؛ فهو ضعيف عنده، وقد صَرّح في غير موضع من المُحَلَّى بضعفه ([176])، وزاد في بعض هذه المواضع الإشارة إلى أبيه حكيم أيضًا، فقال: "بَهْز بن حَكيم غير مشهور العدالة, ووالده حَكيم كذلك" ([177])، وقال: "حديث بَهْز بن حَكيم عن أبيه عن جده ضعيف" ([178]). ومع ذلك فقد أجاز لنفسه أن يورده مستدلا به منتصرًا لمذهبه، ولو كان فاعل ذلك هو أحد خصومه، لسلقه بلسان حديد، ورماه باتباع الهوى، والتناقض، والتلاعب بالشرع والدين.
        وبذلك يثبت بطلان ما حاول ابن حزم أن يرمي إليه من إثبات إجماع الصحابة على وجوب التسوية، ودعواه هذه فوق أنها دعوى باطلة، وأن المدَّعَى هو إجماعهم على العكس -كما سبق تقريره-، فإن أحدًا من العلماء لم يجسر على ادعائها غير ابن حزم.
        وبهذا نكون قد أتينا على أدلة الموجبين جميعها بالنَّقض والرد. وعند هذا الانفصال يَتبيَّن للناظر أن القائل بالكراهة وعدم التحريم هو الذي صال وجال، وأمَّا القول بالتحريم وعدم الجواز فلم يظهر له وَجهٌ فيه يُجاز، والله تعالى أعلم.
     

     
    المبحث الثالث
    في صفة التسوية 
        التسوية المطلوبة بين الأولاد تكون بإعطاء كل واحد منهم مثل ما أُعطي الآخر، لا فَرق في هذا بين ذكر وأنثى، بل تُعطَى الأنثى مثل ما يُعطَى الذَّكَر.
        هذا هو أصح الوجهين عند أصحابنا الشافعية، قال الإمام النووي: "في كيفية العدل بين الأولاد في الهبة وجهان، أصحهما: أن يسوي بين الذَّكَر والأنثى" اهـ ([179])، وهو معتمد المذهب الحنفي، واختيار القاضي أبي يوسف من رجالاته ([180])، ورواية عن أحمد اختارها ابن عَقيل والحارثي من أصحابه ([181])، ونُقل عن مالك ([182])، واختاره القاضي أبو الحَسَن بن القَصَّار من أصحابه ([183])، وهو قول ابن المبارك ([184])، والثَّوري ([185])، ومذهب داود وأصحابه ([186])، ونسبه العمراني إلى أكثر أهل العلم ([187]).
        وقال جماعة من أهل العلم إن التسوية المطلوبة تكون بقسمة الهبة بين الأولاد على حسب القسمة الشرعية للميراث، فيجعل للذَّكَر مثل حظ الأنثيين.
        وممن قال بهذا عطاء بن أبي رباح، وشريح القاضي، وإسحق بن راهويه، ومحمد بن الحسن الشيباني صاحب أبي حنيفة ([188])، وهو قول الثوري ([189])، ومذهب أحمد ([190])، وهو مقابل الأصح من الوجهين عند الشافعية ([191])، وهو اختيار أبي إسحاق بن شعبان شيخ مالكية مصر في زمانه ([192])، وهو الذي نص عليه المتأخرون من المالكية في كتب فروع المذهب ([193]).
    واستدل هؤلاء بالأدلة الآتية:
        أولا: أنّ الله تعالى قَسَم بينهم, فجعل للذَّكَر مثل حظ الأنثيين, وأَولَى ما اقتُدِي به قِسمة الله ([194]).
        ثانيًا: أنّ العطية في الحياة أحد حالَي العطية, فيُجعَل للذَّكَر منها مثل حظ الأُنثيين, كحالة الموت، يعني الميراث. يحققه أن العطية استعجال لما يكون بعد الموت, فينبغي أن تكون على حسبه, كما أن مُعجِّل الزكاة قبل وجوبها يؤديها على صفة أدائها بعد وجوبها, وكذلك الكَفّارات المعَجَّلة ([195]).
        ثالثًا: أنّ الذَّكَر أحوج من الأنثى؛ من قِبَل أنهما إذا تَزَوجا جميعًا، فالصداق، والنفقة، ونفقة الأولاد على الذَّكَر, والأنثى لها ذلك, فكان أَولَى بالتفضيل; لزيادة حاجته، وقد قسم الله تعالى الميراث, ففَضّل الذَّكَر مقرونًا بهذا المعنى فتعلَّل به, ويَتَعَدّى ذلك إلى العطية في الحياة ([196]).
    ولنا على ما قررناه أدلة عِدّة:

    (الدليل الأول)
        وهو حديث النُّعمان بن بَشِير رضي الله عنهما، واستدلالنا به من أوجه:
     الوجه الأول:
        وهو في قوله صلى الله عليه وآله وسلم لبَشير: "أَكُلَّ ولدك نَحَلت مثل ما نَحَلته؟ قال: لا، قال: فلا أَشهَد على شيء أليس يَسُرُّك أن يكونوا إليك في البِر سواء؟ قال: بَلَى. قال: فلا إذًا" ([197]).
        فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم طلب من بَشِير أن ينحل كلَّ أولاده مثل ما نحل النُّعمان، ولم يَستَفصِل منه عن بقية أولاده، أذكور هم أم إناث؟ فدلَّ هذا على أنه لا فَرق بين الذكور والإناث في التسوية المطلوبة بين الأولاد في العطية. والتَمَسُّك بهذا المعنى مبناه قاعدة الشافعي المشهورة القائلة: إنّ ترك الاستفصال في وقائع الأحوال مع قيام الاحتمال يُنَـزَّل مَنـزِلة العموم في المقال ([198]).  ومعنى القاعدة: أن قضايا الأعيان إذا عُرِضَت على الشارع وهي مُحتَمَلة الوقوع على أحد وجهين أو وجوه، وتَرَك الشارع الاستفصال فيها، فتركه الاستفصال فيها دليلٌ أن الحُكم فيها مُتّحـدٌ في الوجهين أو الوجوه ([199]).
        وهذا هو معنى ما ذكره الطحاوي؛ حيث قال: "وفي حديث أبي الضُّحَى فقال النبي صلى الله عليه وآله  وسلم: (ألك ولد غيره؟ فقال: نعم. فقال: ألا سَوّيت بينهم؟) ([200])، ولم يقل: ألك ولد غيره ذكَر أو أنثى؟ وذلك لا يكون وإلا وحُكم الأنثى فيه كحُكم الذَّكَر، ولولا ذلك لما ذكر التسوية إلا بعد علمه أنهم ذكور كلهم، فلما أمسك عن البحث عن ذلك ثبت استواء حكمهم في ذلك عنده" اهـ ([201]).
    الوجه الثاني:
        وهو في قوله صلى الله عليه وآله وسلم لبشير: "أليس يَسُرُّك أن يكونوا إليك في البِر سواء؟"؛ فهو دالٌّ على إرادة التسوية بين الإناث والذكور؛ لأنه لا يراد من البنت شيء من البِر إلا الذي يراد من الابن مثله. فلما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أراد من الأب لولده ما يريد من ولده له، وكان ما يريد من الأنثى من البِر مثل ما يريد من الذَّكَر، كان ما أراد منه لهم من العطية للأنثى مثل ما أراد للذَّكَر ([202]).
     الوجه الثالث:
        وهو في الرواية الواردة في حديث النُّعمان بن بَشِير، وفيها قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "فاتّقوا الله، واعدلوا بين أولادكم" ([203]).
        والعَدل -لغة-: السَّوِيَّة؛ قالَ الرَّاغِبُ في مفرداته: "العدالة والمعادلة لفظٌ يقتضي معنى المساواة، ويُستعمل باعتبار المُضايفة" اهـ ([204]). ومنه: العَديل، وهو المساوي في الوزن والقدر، ويقال: فلان يعدل فلانًا، أي: يساويه، وعَدل فلانًا بفلان: إذا سَوَّى بينهما، وما يعدلك عندنا شيء، أي: ما يقع عندنا شيء موقعك ولا يساويك، وعدل بالله: على المشرِك؛ لأنه ساوَى معبوده بالله تعالى ([205]).
        فالمقصود أن العَدل التسويةُ في كل شيء حتى يقوم المُخَصِّص ([206])، فالأمر بالعَدل في الحديث يدل دلالة منطوق على طلب التسوية بين الأولاد، لا فرق في ذلك بين ذَكَر وأنثى؛ فلفظ الولد في اللغة يطلق على الذَّكَر والأنثى ([207])، والتعبير بالجمع المُعَرَّف بالإضافة يفيد عموم الأولاد كلهم لا فرق بين ذَكَر وأنثى.
        فهذه أوجهٌ ثلاثة في الاستدلال بحديث النُّعمان بن بَشِير رضي الله عنهما.
        وقد حاول الإمام ابن قدامة الحنبلي أن يدفع الاستدلال بحديث بَشِير على التسوية بين الذكور والإناث، فقال: "حديث بَشِير قضية في عَين, وحكاية حال لا عموم لها, وإنما ثبت حكمها فيما ماثلها, ولا نعلم حال أولاد بَشِير, هل كان فيهم أنثى أو لا؟ ولَعَلّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد علم أنه ليس له إلا ولد ذَكَر" اهـ ([208]).
    أما قوله إن حديث بَشِير قضية عَين وحكاية حال لا عموم لها فلا يُسَلَّم؛ لأمرين:
        أولهما: أن عدم العموم خلاف الأصل في خطاب الشارع من عدم اختصاص الحكم بأحد من المكلفين، ولم يقم دليل ينقلنا عن هذا الأصل.
        ولو سَلَّمنا له دعواه لكَرَّ ذلك على أَصل مذهبه في المسألة من إيجاب التسوية بين الأولاد بالبطلان؛ لكون حديث بَشِير هو عمدة الباب عنده، فلخصمه القائل بعدم الوجوب أن يدّعي أن حديث بَشير واقعة عين أيضًا.
        الثاني: أن الألفاظ التي وَرَد بها حديث النُّعمان بن بَشِير في رواياته المختلفة تنفي اختصاص بَشِير بالحكم، كقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "فاتّقوا الله، واعدلوا بين أولادكم"، وقوله: "لا أَشهَد إلا على الحق"، وقوله: "لا أَشهَد على جَور"، وقوله: "أليس يَسُرُّك أن يكونوا إليك في البِر سواء؟ قال: بلى. قال: فلا إذًا" ([209])، فهذه الألفاظ جميعها تدل على عدم اختصاصه بالحكم، وأنه حكمٌ عام.
        وقول ابن قدامة بعد ذلك: "وإنما ثبت حكمها -أي واقعة النُّعمان- فيما ماثلها" ([210]) مخالف لما قرّره من كونها قاصرة على بَشِير ولا عموم لها.
        وأما قوله: "إننا لا نعلم حال أولاد بَشِير, هل كان فيهم أنثى أو لا؟ ولعلّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد علم أنه ليس له إلا ولد ذَكَر" ([211]). فيُرَدُّ بأن رواية: "فاتّقوا الله، واعدلوا بين أولادكم" الخطاب فيها لسائر الأمة أعم من أن تختص ببَشِير وأولاده.
        قال شيخ الإسلام الإمام تقيُّ الدين السُّبكي في جواب سؤال رُفِع إليه: "متى تساوت الاحتمالات أو تقاربت تمسكنا بترك الاستفصال, وإن أمكن أن يكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم عَلِم من صورة الحال ما يقتضي الجواب في تلك الواقعة; لأن التمسك بلفظه صلى الله عليه وآله وسلم. ولفظُه مع ترك الاستفصال يُنـَزّل مَنـزلة العموم في المقال, والعموم يُتَمَسّك به من غير نَظَر إلى احتمال التخصيص وإنكار إرادته" اهـ ([212]).
        وكذلك فإن ما قاله ابن قدامة وقرّره لا يتماشى مع أصول مذهب إمامه الإمام أحمد؛ قال المجد ابن تيمية في المُسَوَّدة: "مسألةٌ: قال الشافعي: ترك الاستفصال من الرسول في حكايات الأحوال مع الاحتمال يُنـَزّل مَنـزلة العموم في المقال. قلت: وهذا ظاهر كلام أحمد رحمه الله؛ لأنه احتج فى مواضع كثيرة بمثل ذلك، وكذلك أصحابنا، وأمثلة ذلك كثيرة" اهـ ([213]).
     
    (الدليل الثاني)
        وهو حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وفيه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "ساووا بين أولادكم في العَطيّة، ولو كنتُ مُؤثِرًا أحدًا لآثرتُ النساء على الرجال"، وفي رواية: "سَووا بين أولادكم في العَطيّة، فلو كنتُ مُفَضِّلا أحدًا لفَضَّلتُ النساء" ([214]).
        قال التهانوي: "وهو نَصٌّ في محل النِّزاع فلا يُعدَل عنه" اهـ ([215]).
        وأجاب ابن قدامة عن هذا الحديث بأن التسوية فيه محمولة على القِسمة على كتاب الله تعالى. وأنه يَحتمل أنه أراد التسوية في أصل العطاء لا في صفته؛ فإن القسمة لا تقتضي التسوية من كل وجه. قال: "ودليل ذلك قول عطاء: (ما كانوا يَقسِمون إلا على كتاب الله تعالى). وهذا خبرٌ عن جميعهم, على أن الصحيح من خبر ابن عباس أنه مُرسَل" اهـ ([216]).
        ويُنقض هذا الجواب بأنّ حمل التسوية في الحديث على القسمة على كتاب الله بعيدٌ غاية البعد؛ لأنه مخالف لأصل وضع التسوية المقتضي للمماثلة والمعادلة، قال في المصباح المنير: "ساواه مساواة: ماثله وعادله قدرًا أو قيمة" اهـ ([217]). وعَجُز الحديث -وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "ولو كنت مُفَضِّلا أحدًا لفضَّلتُ النساء"- يؤكد ما أفاده الصَّدر؛ فمقابلة التسوية بالتفضيل تُعَيِّن أن التسوية المطلوبة لا تفضيل فيها أصلا.
        ودعوى الاحتمال في أنه أراد التسوية في أصل العطاء لا في صفته، يرده قوله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث النُّعمان: "أكُلَّ ولدك نَحَلت مثل ما نَحَلته؟" ([218]).
        وأما أثر عطاء المذكور، فهو معبِّرٌ عن مذهب نفسه في عطية الأولاد مِن أنها تُوَزَّع حَسَب القِسمة الشرعية؛ فقد سُئل: "أَحَقٌ تسوية النُّحْل بين الولد على كتاب الله؟ قال: نعم" ([219]). وقوله في الأثر معنا: "ما نجدهم كانوا يقتسمون إلا على كتاب الله"، يعني: ما أظنهم ولا أتوقعهم إلا أنهم كانوا يفعلون ذلك، لا أنه يحكي ذلك عن جميع الصحابة أو السلف كما زعم ابن قدامة. ونظير ذلك قول ضُباعة بنت الزبير رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: "والله ما أجدني إلا وجِعَة" ([220])، أي: متوقعة لحصول وَجَع مُستَقبَل ([221]).
        وأجاب التهانوي عن أثر عطاء هذا بأنه محمولٌ على القِسمة في المرض إذا أَحَسّ الرجل بموته، قال: "والكلام في هبة الصحيح دون المريض" اهـ ([222]). فكأن التهانوي بهذا يشير إلى أن الأثر خارج عن محل النِّزاع، والذي يظهر لي -والعلم عند الله تعالى- أن هذا الجواب منه ضعيف؛ لأنه يخالف السياق الذي وَرَد فيه الأثر؛ فقد روى سعيد بن منصور في سننه بإسناده إلى ابن جُرَيج عن عطاء أن سعد بن عُبادة قسم ماله بين ولده، وترك حَبَلا لم يشعر به ومات، فمشَى أبو بكر وعمر إلى قيس بن سعد، فقال: "أما أمرٌ صنعه سعد فلن أغيره، ولكن أُشهِدكما أن نصيبي له". قال ابن جريج: "فقلت لعطاء: أقَسَم له على كتاب الله؟ قال: ما نجدهم كانوا يقتسمون إلا على كتاب الله" ([223]).  ومعروف أن سعد بن عبادة رضي الله عنه لم يسبق موته مرض موت حتى يقال: إنه قسم ماله فيه أو نحو ذلك ([224]). ومع هذا كله فلا يمكن أن تُعارَض به عمومات الأدلة.
        وقول ابن قدامة: إن الصحيح في خبر ابن عباس الإرسال، يُفهَم منه أن الرواية الموصولة غير صحيحة، وهو ما لا نقول به ولا نُسَلِّمه، ولنا تقوية أمير المؤمنين في الحديث الحافظ ابن حَجَر له ([225]).
        وإن سلَّمنا بضعفه وأن الصحيح فيه هو الإرسال لم يُشكل ذلك علينا أيضًا، بل يتوجه الإشكال على الخصم؛ أما عدم إشكاله علينا؛ فلأنه دليل لنا من جملة أدلة، وإبطال الخصم له بمجرده لا تبطل به دعوانا؛ لأن بُطلان الدليل المعَيَّن لا يلزم منه بُطلان المدلول المعَيَّن، ولنا باقي أدلتنا.
        أما الإشكال الذي يتوجه على الخصم؛ فهو أنّ اطِّراحه الاحتجاج بالحديث لعلّة الإرسال مخالفٌ لأصول مذهبه؛ فمذهب أحمد قبول مراسيل غير الصحابة والاحتجاج بها؛ قال في التحرير وشرحه لابن النَّجَّار من كتب الأصول الحنبلية: "(وهو) أي المُرسَل (حُجّة كمراسيل الصحابة) عند أحمد وأصحابه" اهـ ([226]). وفي المُسَوَّدة لآل تيميّة: "مسألةٌ: الخَبَر المُرسَل حُجّة، نَصَّ عليه فى مواضع، وبه قال مالك وأبو حنيفة -حكاه عنه أبو الطَيِّب، والقاضي في أول مسألة الرضاع في تعليقه-، والكرخي الحنفي، والمعتزلة" اهـ ([227]). وقال ابن القيم عند بيان الأصول التي بني الإمام أحمد عليها فتاواه: "الأصل الرابع: الأخذ بالمُرسَل والحديث الضعيف إذا لم يكن في الباب شيء يدفعه, وهو الذي رَجّحَه على القياس" اهـ ([228]).
     
    (الدليل الثالث)
        ما ورد أن رجلا كان مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فجاء ابنٌ له، فقَبَّله وأجلسه على فَخِذه، ثم جاءت بنت له، فأجلسها إلى جنبه، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "فهلّا عدلت بينهما"، وفي رواية: "فما عدلت بينهما" ([229]).
        فهذا شاهد في الجُملة لاعتبار التسوية المطلوبة أنها تكون بإعطاء كل واحد من الأولاد مثل ما أُعطِيَ الآخر، لا فَرق في هذا بين ذَكَر وأنثى.
        قال الإمام الطحاوي: "أفلا يُرَى أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد أراد منه التعديل بين الابنة والابن، وأن لا يُفَضِّل أحدهما على الآخر، فذلك دليلٌ على ما ذكرنا في العطية أيضًا" اهـ ([230]).
     
    (الدليل الرابع)
        وهو النظر والقياس، بأن يقال: إنّ عطية الأولاد عطيةٌ في الحياة، فاستوَى فيها الذَّكَر والأنثى، كالنَّفَقة والكُِسوة ([231]).
        وأيضًا فإنّ في التسوية تأليفًا للقلوب، وتفضيلُ الذكور قد يورث وَحشة بين الأخوة، فكانت التسوية أَولَى ([232]). والله تعالى أعلم.
        أما ما استدلّ به أصحاب المذهب الثاني القائلون بأن الهبة تقسم كقسمة الإرث فيناقش بما يلي:
    الدليل الأول:
        أما استدلالهم بأن الله تعالى قَسَم بين الأولاد, فجَعَل للذَّكَر مثل حظ الأنثيين, وأَولَى ما اقتُدِي به قِسمة الله، فيُدفع بأربعة دفوع:
        أولها: الفرق بين الميراث وبين الهبة حال الحياة، من جهة أن الأول مختص بما بعد الموت، ولكل حالٍ أحكام ([233])، ومن جهة أن الهبة تطوعٌ، وليست فرضًا كالميراث ([234]).
        الثاني: أن الشخص في الميراث يكون راضيًا بما فرضه الله تعالى، بخلافه في الهبة ([235])، فالتفضيل فيها يورث الوَحشة، ولا كذلك بعد الموت ([236]).
        الثالث: أنّ الذَّكَر والأنثى إنما يختلفان في الميراث بالعُصوبة، أما بالرحم المجردة فهما فيه سواء، كالإخوة والأخوات من الأم ([237]).
        الرابع: أنّ التُّهمة في قسمة الميراث مُنتفية، وفي الهبة واردة ([238]).

    (الدليل الثاني)
        أما استدلالهم بأن العطية في الحياة أحد حالَي العطية, فيُجعَل للذَّكَر منها مثل حظ الأُنثيين, كحالة الموت، يعني الميراث؛ لأن العطية استعجال لما يكون بعد الموت, فينبغي أن تكون على حسبه, كما أن مُعجِّل الزكاة قبل وجوبها يؤديها على صفة أدائها بعد وجوبها, وكذلك الكَفّارات المعَجَّلة، فيُرَدُّ بأن قسمة المال بعد الموت قد فرَضَها الله تعالى؛ ويحصل التمليك في الإرث بمجرد الموت ولو لم يرض المورِّث أو المورَّث، وأما الهبة فهي على الاختيار ولا تنعقد إلا برضا طرفي العقد، فافترقا.
        والإرث لا يسمى عطية حتى يقال: إنه أحد حالي العطية؛ إذ العطية تستدعي وجود مُعطٍ أو واهب ذي أهلية للتمليك، وهذه الأخيرة منتفيةٌ عن الميت.
        ولا يصح أن يقال: إن العطية استعجال لما يكون بعد الموت؛ لأنه لا يُدرى من منهما سيُفضي إلى ربه أولا، ولا مَن سيرث مَن.
        والأقيسة المذكورة فاسدةُ الاعتبار؛ لأنها في مقابلة النصوص الشرعية -السالف ذكرها- الدالّةِ على استواء الذكور والإناث.
     
    (الدليل الثالث)
        أما استدلالهم بأن الذَّكَر أحوج من الأنثى؛ لأنهما إذا تَزَوجا جميعًا، فالصداق، والنفقة، ونفقة الأولاد على الذَّكَر, والأنثى لها ذلك, فكان أَولَى بالتفضيل; لزيادة حاجته، وقد قسم الله تعالى الميراث, ففَضّل الذَّكَر مقرونًا بهذا المعنى فتعلَّل به, ويَتَعَدّى ذلك إلى العطية في الحياة، فيناقش بأن التعليل بما ذُكِر ممنوع؛ لعدم الاطِّراد، فالإرث ثابت وإن لم يوجد ما ذُكِر، كأن لا يكون الذََّكَر الوارث متزوجًا فلا يكون ملتزمًا بنفقة وغيرها، أو يكون ذا زوجة غَنيَّة لا تحتاج لنفقته فتُسقِطها عنه، أو غير ذلك، ولا يُعَدُّ ذلك مانعًا له من الإرث، والشأن في العِلَّة أن يدور معها الحكم وجودًا وعدمًا. فالمعنى المذكور حِكمة لا علَّة، والحِكمة لا يَلزم اطِّرادها، ولا يَضُرُّ تَخَلُّفُها. وهذا المسلك في الدَّفع هو ما يسمَّى عند الأصوليين والجدليين بـ"النقض"، أو "المناقضة"، وهو: تَخَلُّف الحُكم مع وجود العلّة ولو في صورة ([239]). وهو من جُملة قوادح العلّة التي يوردها المعترِض على المستدِل.
        ويُدفع هذا الاستدلال أيضًا بأن نقول: إن تفضيل الذَّكَر على الأنثى في الميراث مَعدولٌ به عن سَنَن القياس، ومن شروط حُكم الأصل ألا يكون معدولا به عن سَنَن القياس، وإلا فلا يقاس عليه.
        و المعدولُ به عن سَنَن القياس على ضربين أحدهما: لكونه لم يُعقَل معناه، والضرب الثاني: ما عُقِل معناه, ولكن لا نظير له، سواء كان له معنى ظاهر أو لا ([240]). والتفضيل المذكور إما أن يقال: إنه غير معقول المعنَى؛ كأعداد الركعات، ومقادير الحدود، وغير معقول المعنى لا علّة له فيقاس عليه، أو أن يقال: إنه معقول المعنى لكنه لم يَتَعَدّ إلى محل آخر، والعلّة ما لم تكن مُتَعَدية كان الحُكم مَعدولا به عن سَنَن القياس ([241]).
        كما يَرِد على استدلالهم أيضًا القدح بفساد الاعتبار -كسابقه-.
        ويَرِد عليه أيضًا أن الذَّكَر أقدر على الكسب من الأنثى، فكانت أحق بالتفضيل، وإليه أشار النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: "لو كنت مُفَضِّلا أحدًا لفضَّلتُ النساء" ([242]). والله تعالى أعلم.

     
    المبحث الرابع
     في التفضيل بين الأبناء في العطية لمعنى يقتضي التفضيل
         أثبتنا فيما سبق بالدليل والتَّعليل أن المفاضلة بين الأولاد في العطية من قَبيل المكروهات، ولكنّ هذه الكراهة تنتفي إذا كانت المفاضلة والتخصيص لمعنى معتبر يقتضي التخصيص؛ كأن يَختَص أحدهم بحاجة، أو مَرَض، أو كثرة عيال، أو اشتغال بالعلم، ونحوه، وكذلك إذا كان حرمان الابن لعقوق أو لفسق، فلا يكره حرمانه.
        هذا هو ما قَرّره فقهاؤنا الشافعية؛ ونقل العلامة ابن حَجَر المكي في فتاويه أن ابن الرِّفعة من علمائنا قد بَحَث أن محل كراهة التفضيل إن استوت حاجات الأبناء، بخلاف ما إذا اختلفت؛ لانتفاء محذور إفضاء التفضيل للعقوق حينئذ ([243]).
        وقال العلامة الخطيب في شرح المِنهاج: "تنبيه: محل الكراهة عند الاستواء في الحاجة أو عدمها، وإلا فلا كراهة, وعلى ذلك يُحمَل تفضيل الصحابة رضي الله تعالى عنهم فيما مَرّ, ويُستَثنَى العاق والفاسق إذا علم أنه يصرفه في المعاصي، فلا يُكرَه حرمانه" اهـ ([244]).
        أما انتفاء الكراهة إذا كان التفضيل بين الأبناء لاختصاص أحدهم بحاجة، أو مَرَض، أو كثرة عيال، أو اشتغال بالعلم، ونحوه؛ فذلك لأن القاعدة أن الكراهة تزول بالحاجة ([245])، كما أن محذور احتمال إفضاء التفضيل إلى العقوق ينتفي أيضًا في هذه الصور.
        وأما انتفاؤها إن كان حرمان الابن لعقوقه أو لفسقه، فهو ظاهر أيضًا، طالما كان الحرمان رادعًا له عن غَيِّه.
        قال العلامة ابن حَجَر الهيتَمي: "أما الرجوع عند العدل بينهم في هبة الجميع أو في هبة بعضهم فمكروه، إلا إن احتاج إليه لدَين أو نفقة عيال -قاله الأَذرَعي-، وإلا لمصلحة؛ كأن يكونوا عَقَقَة، أو يستعينوا بما أعطاه لهم في معصية وأصروا عليها بعد إنذاره لهم بالرجوع، فلا يكره، كذا ذكره الشيخان. وقال الإسنوي: بل القياس استحباب الرجوع في الثانية إن لم يكن واجبًا، وبُحِث في العاق أن الرجوع إن زاده عقوقًا كُرِه، أو أزال عقوقه استحب, وإن لم يُفِد شيئًا فيهما أبيح. قال: ويحتمل استحباب عدمه. وقوله: (إن لم يكن واجبًا) وافقه فيه الأَذرَعي؛ فقال: الذي يظهر أنه إذا علم أنه يستعين به في معصية, وتَعَيَّن الرجوع طريقًا في كَفّه أو انكفافه عنها أنه يجب الرجوع حينئذ، فتأمله تجده حقًّا إن شاء الله سبحانه وتعالى" اهـ ([246]).
        ويؤيد ذلك ما ورد عن بعض الصحابة من التفضيل، ومن هذا الوارد ما هو صريح في الدلالة؛ كأثر القاسم بن عبد الرحمن الأنصاري، وفيه أنه كان مع ابن عمر رضي الله عنه إذ اشترى أرضًا من رجل من الأنصار, ثم قال له ابن عمر: هذه الأرض لابني واقد؛ فإنه مسكين. نحله إياها دون ولده. فابن عمر رضي الله عنه قد ذكر أن سبب تخصيصه ابنه واقدًا هو رفع المسكنة عنه.
        ومنه ما ليس بصريح في الدلالة؛ كتخصيص أبي بكر عائشة بأن نَحَلها جادَّ عشرين وَسْقًا من ماله بالغابة، وأثر عمر في تفضيله ابنه عاصمًا، وعبد الرحمن بن عوف في تفضيله ولد أم كلثوم رضي الله عنهم أجمعين، أما نُحل أبي بكر عائشة فليس إلا لامتيازها بالفضل -وقد سبق بيان وجهه عند الكلام على أدلة الجمهور-، وأما باقي الآثار فيمكن حملها على أنه قد قامت بالولد المعطى حاجةٌ دون إخوته، ففُضِّل لهذا، والقرينة على ذلك أن الظاهر من حال الصحابة تنزههم عن مقارفة المحظورات ([247]).
        واستدل ابن قدامة من الحنابلة على ذلك بالقياس، فقال: "لأن بعضهم اختص بمعنى يقتضي العطية, فجاز أن يختص بها, كما لو اختص بالقرابة" اهـ ([248])، أي: لو قام معنى في أحد الأقارب يقتضي أن يُعطَى دون غيره من الأقارب، فإن ذلك جائز، فكذلك الابن بجامع القرابة في كلٍّ.
        وهذا الذي قررناه قد روي نحوه عن أبي حنيفة؛ جاء في الفتاوى الهندية: "ورُوِي عن أبي حنيفة -رحمه الله تعالى- أنه لا بأس به -أي: تفضيل أحد الأولاد على الآخر- إذا كان التفضيل لزيادة فضل له في الدِّين, وإن كانا سواء يُكرَه" اهـ ([249]).
        وبه قال المتأخرون من مشايخ الحنفية؛ قال في مَجمع الأَنهر: "وإن كان بعض أولاده مشتغلا بالعلم دون الكسب لا بأس بأن يفضله على غيره, وعلى جواب المتأخرين لا بأس بأن يعطي من أولاده من كان عالمًا متأدبًا، ولا يُعطي منهم من كان فاسقًا فاجرًا" اهـ ([250]).
        ونقل أبو الوليد الباجي عن العُتبية أن مالكًا سُئِل في الرجل يكون له الولد فيَبَرُّه بعضهم، فيريد أن يعطيه عطية من ماله دون غيره، فقال: "لا بأس بذلك" ([251]).
        قال الباجي: "وعندي أنه إذا أَعطَى البعضَ على سبيل الإيثار أنه مكروه, وإنما يجوز ذلك ويَعرَى من الكراهية إذا أَعطَى البعض لوجهٍِ ما من جِهَةٍ يَختص بها أحدهم, أو غرامة تلزمه, أو خير يظهر منه، فيَخُص بذلك خيرَهم على مِثله، والله أعلم" اهـ ([252]).
        ولكن الموجود في كتب متأخري المالكية -كحاشية العدوي على شرح الرسالة- أنّ التفضيل بين الأبناء مكروه مطلقًا, لا فرق في ذلك بين أن يكون الولد صغيرًا أو كبيرًا، عاقًّا أم لا ([253]).
        وقد رُوِيَ عن أحمد ما يَدُلُّ على موافقته لما قرّره الشافعية ومتأخري الحنفية من جواز تخصيص بعض الأولاد إن كان ثَمّ معنى معتبر يقتضي التخصيص؛ فإنه قال في تخصيص بعضهم بالوقف: "لا بأس إذا كان لحاجة، وأكرهه إذا كان على سبيل الأَثَرَة". والعطية في معنى الوقف ([254]).
        وهذا الرواية اختارها بعض الحنابلة -وإن كانت ليست هي المُفتَى به في المذهب-؛ قال المرداوي: "وقيل: إن أعطاه لمعنى فيه من حاجة, أو زَمانة, أو عَمَى, أو كثرة عائلة, أو لاشتغاله بالعلم ونحوه. أو مَنَع بعض ولده؛ لفسقه, أو بدعته, أو لكونه يعصي الله بما يأخذه ونحوه جاز التخصيص. واختاره المصنف -أي: ابن قدامة المقدسي-، واقتصر عليه ابن رزين في شرحه -شرح مختصر الخرقي- إلا أن تكون النسخة مغلوطة، وقَطَع به الناظم -أي: ابن عبد القوي ناظم المفردات-، وقدّمه في الفائق -أي: ابن قاضي الجَبَل-، وقال: هو ظاهر كلامه"، ثم قال المرداوي: "وهذا قوي جدًا" اهـ ([255]).
        وأما ما نسبه بعض المعاصرين ([256]) إلى مذهب الظاهرية من أنهم يقولون بجواز تخصيص أحد الأولاد دون باقي إخوته إذا كان ذا حاجة -بناء على ما فهمه من عبارة ابن حزم في المُحَلَّى: "وينفق على الفقير منهم دون الغني"- فلا يصح، وعبارة ابن حزم لا تُفيد ما فهمه منها، ويظهر ذلك من سياقها؛ قال ابن حزم: "لا يَحِل لأحد أن يَهَب, ولا أن يَتَصدق على أحد من ولده إلا حتى يعطي أو يتصدق على كل واحد منهم بمثل ذلك. ولا يحل أن يفضل ذكرًا على أنثى, ولا أنثى على ذكر, فإن فَعَل فهو مفسوخ مردود أبدًا ولا بُد, وإنما هذا في التطوع، وأما في النفقات الواجبات فلا, وكذلك الكسوة الواجبة. لكن يُنفق على كل امرئ منهم بحسب حاجته, ويُنفق على الفقير منهم دون الغني" اهـ ([257])، فعبارة ابن حزم تتعلق بالنفقات الواجبة لا بعطايا الأب أو هباته لأولاده كما فَهِم.
        وذهب المتقدمون من مشايخ الحنفية إلى أنه لو نحل بعضًا من أولاده وحَرَم بعضًا فلا يكون ذلك عدلا، سواء كان المحروم فقيهًا تقيًّا أو جاهلا فاسقًا ([258]).
        وهو منصوص كتب متأخري المالكية كما سبق آنفًا.
        والمعتمد من مذهب أحمد أنه لا فرق في امتناع التخصيص والتفضيل بين كون البعض ذا حاجة، أو زَمَانة، أو عَمَى، أو عيال، أو صلاح، أو علم، أو لا, ولا بين كون البعض الآخر فاسِقًا, أو مُبتدعًا, أو مُبَذِّرًا، أو لا. قال البُّهُوتي: "وهو ظاهر كلام الأصحاب، ونَصّ عليه في رواية يوسُف بن موسَى في الرجل له الولد البار الصالح وآخر غير بار، لا يُنِيل البارَّ دون الآخر" اهـ ([259]).
        واستُدِل عليه بعموم الأمر بالتسوية في حديث النُّعمان بن بَشير؛ فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يَستَفصِل بَشِيرًا في عطيته ([260]). ولنا أدلتنا السابقة. والله تعالى أعلم.
     

     
    المبحث الخامس
    في حكم تسوية الأم بين أولادها في العطية 
        يُندَب للأم أن تعدل بين أولادها في العطايا والهبات، ويكره لها المفاضلة بينهم، كالأب سواء بسواء.
        وقد صَرّح بأن الأم كالأب في مطلوبية العدل بين الأبناء أئمتنا الشافعية ومعهم فقهاء المالكية والحنابلة على خلاف بينهم هل هو على الوجوب أو الاستحباب.
        قال الإمام النووي في الروضـة: "وإذا وَهَبَت الأم لأولادها فهي كالأب في العدل بينهم" اهـ ([261]).
        وهو مُقتضَى عبارة المنهاج؛ حيث قال: "ويُسَنُّ للوالد العَدل في عطية أبنائه"؛ فقد فَسَّر شارحا المنهاج ابن حَجَر والرملي "الوالد" بالأصل وإن علا ([262])، الصادق بالأم.
        وجاء في الرسالة وشرحها لأبي الحسن المسمى بكفاية الطالب الربّاني من كتب المالكية: "(و) من كان له ولدان فأكثر ومعه مال (يُكره) له كراهة تنـزيه على المشهور (أن يَهَب لبعض ولده ماله كله) أو جُلَّه".
        قال مُحَشِّيه الشيخ علي الصعيدي العدوي: "قوله: (يكره له) أي: للشخص، أي: سواء كان أبا أو لا" اهـ ([263]).
        وقال صاحب المغني من الحنابلة: "والأم في المَنع من المفاضلة بين الأولاد كالأب" اهـ ([264]).
        ولم يَنُص الحنفية على التفرقة بين الأب والأم، ولكنّ المفهوم من إطلاقهم المساواة بينهما في ذلك؛ قال ابن نجيم في شرح الكنـز: "يُكره تفضيل بعض الأولاد على البعض في الهبة حالة الصحة، إلا لزيادة فضل لَه في الدِّين" اهـ ([265]).
        وهذا هو ظاهر عبارة "المُحَلَّى" عمدة كتب الظاهرية؛ قال فيه: "لا يَحِلّ لأحد أن يَهَب, ولا أن يتصدق على أحد من ولده إلا حتى يعطي أو يتصدق على كل واحد منهم بمثل ذلك" اهـ ([266]).
        ولم نر نقلا صريحًا لخلاف ذلك داخل المذاهب السُّنِّيَّة، وإنما نقله بعض فقهاء الإباضية عن مذهبهم؛ جاء في شرح النيل لأطفيش من كتب الإباضية: "(وفي وجوبها على الأم بين أولادها قولان) ذكرهما في العدالة من كتاب النفقات فيها, وفي المُشرِك أيضًا، قيل: تجب؛ قياسًا على الأب، وقيل: لا؛ لأن الأمر بالتسوية ورد في الأب، وأنه خلاف الأم في ذلك؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((أنت ومالُك لأبيك)) ([267]), وليست الأم كذلك، فهي قاصرة عن حُكم الأب" اهـ ([268]).
        ولنا قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "اتّقوا الله, واعدلوا بين أولادكم" ([269])، وقوله: "اعدلوا بين أولادكم في النُّحْل، كما تحبون أن يعدلوا بينكم في البِر واللطف" ([270])؛ فلم يُفَرِّق النبي صلى الله عليه وآله وسلم بين الأب والأم في الأمر بالعدل، والأم أحد الوالدَين، فلا يَصح أن يقال: إن الأمر بالتسوية وَرَدَ في الأب دون الأم.
        وفي الرواية الأخيرة دلالةٌ على المُراد من وجه آخر، وهو أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد رَبَط بين الأمر بالعَدل وبين محبة الوالد أن يستوي أبناؤه في بِرِّه، ومثلها الرواية الأخرى الواردة، وفيها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لبَشِير: "أَيَسُرُّك أن يكونوا لك في البِر سواء؟ قال: بلى. قال: فلا" ([271])، فرَبَط بين النَّهي عن المفاضلة بين الأولاد وبين رغبة الأب في أن يستوي أبناؤه في برِّه، ولا فرق بين الأم والأب في ذلك، فيثبت أنه يتعلق بالأم ما يتعلق بالأب من طلب التسوية والنهي عن المفاضلة بين الأولاد.
        أما من ناحية النظر: فلا فارق بين الأم والأب يوجب اختلافهما في الحكم، وإذا غَضَضنا الطرف عن الروايات السابقة التي تأمر بالتسوية مطلقًا دون أن تفرق بين الأم والأب، فإنّ مطلوبية التسوية بين الأبناء من الأم ثابتة أيضًا بما يسميه الأصوليون بالقياس في معنى الأصل أو الجمع بنفي الفارق، وفيه ينتفي الفرق المؤثر بين الأصل والفرع بما يوجب اتحادهما في الحكم ([272]). ومثاله: قياس البول في إناء وصبه في الماء الراكد على البول فيه في المنع بجامع أن لا فارق بينهما في مقصود المنع الثابت بالحديث الوارد في النهي أن يبال في الماء الراكد ([273]).
         وكذلك فإن ما يمكن أن يحصل بتخصيص الأب بعض ولده من الحسد والعداوة بين الإخوة واردٌ أيضًا في تخصيص الأم بعض ولدها, فدلَّ ذلك كله على أن الأب والأم سواء في حكم التسوية بين الأولاد ([274]).
        أما الاستدلال بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "أنت ومالُك لأبيك" على قصور الأم عن الأب، وأنه خلافها في ذلك، فمردودٌ من أوجه:
        الأول: أننا نمنع دلالة الحديث المذكور على قُصور الأم عن حُكم الأب، بل نقول: إنّ هذا النص الوارد في الأب متناول للأم أيضًا بدلالة لَحن الخطاب، من أقسام مفهوم الموافقة عند الأصوليين، أو ما يطلق عليه الأصوليون من الحنفية دلالة النَّص. ولَحن الخطاب هو أن يكون المفهوم مساويًا للمنطوق في الحكم، كتحريم إحراق مال اليتيم؛ نظرًا للعلّة في قوله تعالى: {إنَّ الذِينَ يَأكُلُونَ أموالَ اليَتَامَى ظُلمًا إنَّما يَأكُلُونَ في بُطُونِهِمْ نارًا وسَيَصلَونَ سَعِيرًا}[النساء: 10]؛ فإن الإحراق مساوٍ للأكل في التحريم؛ لمساواتهما في الإتلاف ([275]).
        وقوله عليه الصلاة والسلام: "أنتَ ومالُك لأبيك" تستوي فيه الأم مع الأب في الحُكم؛ لأنّ العلّة فيه هي الجُزئيَّة أو البَعضِيَّة، فالابن كما أنه جزء الأب وبعضه فهو أيضًا جزء الأم وبعضها، فاستويا في الحكم.
        ويشهد للتعليل بالبَعضِيَّة ما رواه أبو داود في سننه أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: "يا رسول الله إن لي مالا وولدًا، وإن والدي يَجتاح مالي" قال: "أنت ومالك لوالدك، إن أولادكم من أطيب كسبكم، فكلوا من كسب أولادكم".
        وعن عُمَارة بن عُمَير عن عمته أنها سألت عائشة رضي الله عنها: "في حِجري يتيم أفآكل من ماله؟" فقالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إن من أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وولده من كسبه"، وفي رواية: "إن أطيب ما أكلتم من كسبكم، وإن أولادكم من كسبكم" ([276]). فأجاز النبي صلى الله عليه وآله وسلم للوالد أن يأكل من مال ابنه, وعَلّل ذلك بأن الابن من كسب الأب، أي: لأنه بعضه، وحُكم بعضه كحُكم نفسه.
        والفقهاء -باختلاف مذاهبهم- قد نظروا لاعتبار البَعضِيَّة والجُزئيَّة في كثير من المسائل والفروع؛ من ذلك ما نَصَّ عليه فقهاء الحنفية من أن الرجل إذا ملك ولده من الزنا فإنه يُعتَق عليه؛ لاعتبار الجُزئيَّة ([277]).
        وذكروا كذلك في النّفقات أن سبب وجوب نفقة الأقارب هو الولادة; لأن بها تثبت الجُزئيَّة والبَعضِيَّة. قالوا: والإنفاق على المحتاج إحياء له، ويجب على الإنسان إحياء كله وجُزئه ([278]).
        ومن المالكية من بَنَى عدم إجازة الشريعة شهادة الوالد للولد ولا الولد للوالد على ما بينهما من البعضية، فكأنه حينئذ يَشهد لنفسه؛ فجُزء المرء في معنى نفسه، وشهادة الإنسان لنفسه لا تجوز ([279]). وهذا التعليل هنا هو ما عَلّل به علماء الشافعية ذلك أيضًا ([280]).
        الثاني: أن هذا الاستدلال من قبيل الاستدلال بما يسمى بدلالة الإشارة، وهي دلالة اللفظ على ما لم يُقصَد به أصلا، ولكنه لازم له. كما في قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إلَى نِسَائِكُمْ}[البقرة: 187]  الدال على صحة صوم من أصبح جُنُبًا؛ للزومه للمقصود به من جواز جماعهن في الليل، الصادق بآخر جزء منه ([281]).
        ولكنه معارَضٌ بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "اتّقوا الله, واعدلوا بين أولادكم" ([282])، الدالِّ بعبارته أن الأم كالأب في العدل بين الأبناء؛ فالأم أحد الوالدَين. والمقَرّر في قواعد الترجيح أن العبارة تُقَدّم على الإشارة عند التعارض؛ لمكان القصد بالسَّوق ([283]).
        الثالث: أن الاستدلال بالحديث المذكور على قصور الأم عن الأب في لزوم التسوية من باب الاستدلال بالمفهوم؛ والروايات الواردة وفيها الأمر بالتسوية بين الأولاد دون تفرقة بين الوالد والوالدة من باب المنطوق الصريح في الإذن، والقاعدة أنه إذا تعارضت دلالة المفهوم ودلالة المنطوق، فالمنطوق مُقَدّم على المفهوم؛ لأنه أقوى دلالة على الحكم من المفهوم؛ لظهور دلالته وبعده عن الالتباس، بخلاف مقابله ([284]). والله تعالى أعلم.

     
    المبحث السادس
    في حكم تسوية الجد في عطية أحفاده
         يُسَنُّ للجَدّ أن يُسَوّيَ في العطية بين فروعه وإن سَفَلوا، ولو كانوا الأحفاد مع وجود الأولاد، فإن لم يَعدل لغير عُذر كُرِه له ذلك، ودليله عموم الأحاديث الواردة في طلب التسوية بين الأولاد دون تفرقة بين والد ووالد.
        وصورة التسوية في حالة إعطاء أولاد الأولاد مع الأولاد أن يفرض الأسفلون في درجة الأعلين ([285]).
        هذا هو مذهب الشافعية، ونقله الإمام ابن حَجَر في التُّحفة عن أكثر العلماء، قال فيها: "(ويُسَنُّ للوالد) أي: الأصل وإن علا (العدل في عطية أولاده) أي: فروعه وإن سَفَلوا، ولو الأحفاد مع وجود الأولاد على الأوجَه، وفاقًا لغير واحد، وخلافًا لمن خَصَّص الأولاد، سواء أكانت تلك العطية هبة، أم هدية، أم صدقة، أم وقفًا، أم تبرعًا آخر، فإن لم يعدل لغير عُذر كُرِه عند أكثر العلماء، وقال جَمعٌ: يَحرُم" اهـ ([286]).
        وذهب الحنابلة إلى الوجوب؛ قال المرداوي في الإنصاف: "وهذا المذهب، وهو ظاهر كلام الأصحاب، وقدّمه في الفروع...والصحيح من المذهب: أنه إذا فعل ذلك يجب عليه" اهـ ([287]).
        ولنا ما قررناه سابقًا من عدم وجوب التسوية بين الأبناء في حق الوالد المباشر، فلأن لا تجب في حق الجَدّ مع فروعه أَولَى.
        وأما الحنفية والمالكية فلم نجد نصوصًا صريحة عندهم في حُكم تسوية الجد بين فروعه في العطية، إلا أنهم أطلقوا استحباب التسوية بين الأولاد وكراهة ضده، دون تفرقة منهم بين الأبناء والأحفاد ([288]).
        وللحنابلة وَجهٌ آخر أن التسوية في العطية مخصوصة بأولاد الصلب، ولا يَسري هذا الحكم في غير أولاد الصلب من بقية الفروع، وهو رأي ابن حزم أيضًا، وعلَّله بأن أولاد الصلب لم يأت النَّص إلا فيهم، ولم يأت في ولد الولد؛ وقد كان لأصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم بنو بنين وبنو بنات، فلم يوجب عليه الصلاة والسلام إعطاءهم ولا العدل فيهم ([289]).
        ولنا قوله عليه الصلاة والسلام: "اعدلوا بين أولادكم" ([290])، والولد حقيقةٌ في ابن الصُّلب المباشر ذكرًا كان أو أنثى، ومجازٌ في ابن الابن أو ابن البنت ذكرًا كان أو أنثى، وحَمْل اللفظ على حقيقته ومجازه معًا جائز، كما هو مذهب الشافعي وغيره على ما تقرّر في موضعه من أصول الفقه ([291])، فلفظ: "أولادكم" يشمل كل الفروع أولادًا كانوا أو أحفادًا، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: " أَيَسُرُّك أن يكونوا إليك في البِر سواء" ([292]) قرينة دالة على أن الولد يشمل الابن وابن الابن، لاشتراك الأب والجد في إرادة استواء الأبناء في بِرِّهم.
        ولنا أيضًا القياس؛ بأن نُلحِق ابن الابن بالابن بجامع الولادة في كُلٍّ، كما في النفقة، وحصول العتق، وسقوط القَوَد؛ فنفقة الابن وإن نَزَل تَلزم الأب وإن علا، كما أن الأبوة مانعٌ من استرقاق الابن وإن نزل، وكذلك فلا قصاص بقتل الإنسان ولده وإن سَفَل، كما هو مقرر في موضعه من كتب الفروع. 
        فيندفع بذلك قول ابن حزم إن النَّص لم يَرِد إلا في أولاد الصُّلب دون غيرهم من أولاد الأولاد. على أننا نوافقه في قوله بأن أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان لهم بنو بنين وبنو بنات، ولم يوجب عليه الصلاة والسلام إعطاءهم ولا العدل فيهم؛ لأننا نمنع أصلا القول بالوجوب، بل نقول باستحباب التسوية كما سبق بيانه مطولا. والله تعالى أعلم.

     
    المبحث السابع
    فيما إذا وَهَب ولده ثم حَدَث له غيره
         إذا أَعطَى الوالد لولده عطية أو وَهَبه هبة ثم وُلِد له وَلَدٌ بعد ذلك، فإنه يُستَحب له أن يُسَوّي بين الولد الحادث وبين أخيه أو إخوته في هذه العطية أو الهبة؛ ويَدُلُّ على ذلك ألفاظ روايات حديث النُّعمان بن بَشِير رضي الله عنهما؛ كقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "فاتّقوا الله، واعدلوا بين أولادكم"، وقوله: "إنّ لبنيك عليك من الحق أن تعدل بينهم"، واسم الولد أو الابن يعم السابق واللاحق.
        وكذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم لبَشِير: "أَكُلَّ ولدك أعطيته هذا؟ قال: لا. قال: أليس تريد منهم البِر مثل ما تريد من ذا؟ قال: بلى. قال: فإني لا أَشهَد".
        وقوله: "أَيَسُرُّك أن يكونوا إليك في البِر سواء؟ قال: بلى. قال: فلا إذًا" ([293]).
        فهاتين الروايتين الأخيرتين قد تَرَتّب فيهما الحُكم على الوَصف بالفاء الداخلة على الحُكم، فدَلّ ذلك على عِلّية الوَصف، وهذا ما يعتبره الأصوليون في مسالك العلّة من أنواع النَّص على العِلّة، وبعضهم اعتبره من الاستدلال على العلّة بالإيماء ([294])، فعلِمنا من ذلك أن العِلّة في أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد ترك الشهادة على نُحل بشير لابنه النُّعمان هي رغبة الوالد في أن يستوي أبناؤه في بِره، فلما كان الوالد يَرغب في أن يستوي ولده الحادث مع ولده السابق في البِر استُحِب له أن يُسَوّي بينهما في العطية؛ بأن يعطي الأخير كما أَعطَى الأول, أو يشركهما معًا فيما أعطى؛ ضرورة طَرد العلّة.
        وقد دللنا فيما سبق على أن التسوية مطلوبة على وجه الاستحباب لا الوجوب.
        وأيضًا قد تقرّر في قواعد الفقه أن الخلاف طالما كان قوي المُدرك تحتمله الأدلة المعتبرة، ولم توقع مراعاته في خلاف آخر -كما هو الشأن هنا-، فإن مراعاته مطلوبة والخروج منه مستحب ([295])، وعليه فمراعاة خلاف من أوجب ذلك تثبت الاستحباب أيضًا.
        وهذه الفرع لم يذكره أصحابنا الشافعية، وكذلك لم يتعرض له فقهاء الحنفية، ولا المالكية، وذلك بحسب ما وقفنا عليه من كلامهم وكتبهم، وإنما قد تَعَرَّض له الحنابلة، وفرقوا بين حالتين: الأولى: أن يكون المولود قد حَدَث على حياة عين أبيه، فيجب على الوالد حينئذ أن يُسَوّي بينه وبين أخيه أو إخوته.
        الثانية: أن يكون المولود قد حَدَث بعد وفاة والده، فيُستَحَب للولد المُعطَى أن يُساوي أخاه الحادث بعد وفاة أبيه. ولكن ليس للحادث الرجوع على إخوته; لأن العطية لزمت بموت أبيه.
        وهذا عندهم ليس في خصوص الولد الحادث بل هو جارٍ في كلّ وريث حادث؛ جاء في الإقناع وشرحه للعلامة البُّهوتي: "(فإن حَدَث له وارث) بعد قَسْم ماله (سَوَّى بينه وبينهم) بما تقدم (وجوبًا)؛ ليحصل التعديل. (وإن وُلِد له) أي: لمن قَسَم ماله بين وُرّاثه في حياته (ولَدٌ بعد موته، استُحِب للمعطي أن يساوي المولود الحادث بعد أبيه)؛ لما فيه من الصِّلة وإزالة الشَّحناء" اهـ ([296]).
        ويرى ابن حزم الظاهري أيضًا وجوب تسوية الوالد بين ولده الحادث بعد العطية وبين إخوته، ولكنه لم يُفَرِّق بين الولد الحادث في حياة أبيه وبين الحادث بعد وفاته -كما فعل الحنابلة-، وظاهر كلامه يُفهَم منه وجوب التعديل مطلقًا؛ قال في المُحَلَّى: "فإن كان له وَلَدٌ فأعطاهم, ثم وُلِد له وَلَدٌ فعليه أن يعطيه كما أعطاهم, أو يشركهم فيما أعطاهم, وإن تغيرت عين العطية -ما لم يَمُت أحدهم، فيصير ماله لغيره-, فعلى الأب حينئذ أن يعطي هذا الولد, كما أَعطى غيره, فإن لم يفعل أعطي مما ترك أبوه من رأس ماله مثل ذلك" اهـ ([297]).
        وقال: "إن مات الوالد فالتعديل بينهم -أي الأبناء- دَينٌ عليه, فهو من رأس ماله" اهـ ([298]).
        وكذلك لم يجعل ابن حزم وجوب التعديل عامًّا في كل وارِث حادِث كما يقول الحنابلة، بل قَصَرَه على أبناء الصُّلب فقط؛ فقال في المُحَلَّى: "ولا يلزمه ما ذكرنا -يعني من وجوب التعديل بين الأبناء في العطية- في ولد الولد, ولا في أمهاتهم, ولا في نسائهم, ولا في  رقيقهم, ولا في غير ولد, بل له أن يفضل بماله كل من أحب" ([299]). والله تعالى أعلم.

     
    المبحث الثامن
    في التسوية بين الوالدين في العطية
         تسوية الابن في العطية بين والديه من جملة المستحبات الشرعيّة، كما نَصَّ عليه فقهاء الشافعية، وتعليله ما في ذلك من جبران خاطريهما والبِر بهما.
        قال العلامة الخطيب في شرح المنهاج: "ويُسَنُّ أيضًا أن يُسَوّي الولد إذا وَهَب لوالديه شيئًا, ويُكرَه له ترك التسوية، كما مر في الأولاد, فإن فَضَّل أحدهما، فالأم أَولَى؛ لخبر: (إن لها ثُلُثَي البِر) ([300])" اهـ ([301]).
        وما ذكره العلامة الخطيب هو مُعتَمَد المذهب، ولم يُنقَل قولٌ أو وجهٌ آخر فيه، إلا ما جاء عن الإمام أبي الفَرَج الدارِمي من أئمة الشافعية العراقيين أنه قال: إن الولد إن فضَّل أحد والديه، فليفضِّل الأم.
        قال المحقِّق ابن حَجَر في التُّحفة: "ويُسَنُّ للولد أيضًا العدل في عطية أصوله، فإن فَضَّل كُرِه، خلافًا لبعضهم. نعم في الروضة عن الدارمي: (فإن فَضَّل فالأولَى أن يُفَضِّل الأم) وأقرّه؛ لما في الحديث أن لها ثُلُثَي البِر، وقضيته عدم الكراهة؛ إذ لا يقال في بعض جزئيات المكروه إنه أولى من بعض، بل في شرح مسلم عن المحاسبي الإجماع على تفضيلها في البِر على الأب، وإنما فضل عليها في الإرث؛ لما يأتي أن ملحظه العصوبة, والعاصب أقوى من غيره, وما هنا ملحظه الرحم وهي فيه أقوى; لأنها أحوج، وبهذا فارَق ما مَرّ أنه يُقَدَّم عليها في الفطرة; لأن ملحظها الشرف، كما مَر" اهـ ([302]).
        وظاهر كلام ابن حَجَر أن ما قاله الدارمي وجهٌ آخر في المذهب بعدم كراهة تفضيل الأم، وليس كذلك؛ فما نقله عن الروضة من ذكر الأولوية التي استنبط منها عدم الكراهة لا يوافق ما في الروضة؛ فنَصُّ عبارتها: "ينبغي للوالد أن يَعدِل بين أولاده في العطية، فإن لم يَعدِل فقد فَعَل مكروهًا. إلى أن قال: قلت: وإذا وهبت الأم لأولادها; فهي كالأب في العدل بينهم في كل ما ذكرنا، وكذلك الجد والجدة, وكذا الولد إذا وهب لوالديه. قال الدارمي: فإن فضَّل فليُفَضِّل الأم، والله أعلم" اهـ ([303]).
        هذا من ناحية النقل، أما من ناحية المعنى فاستنباطه عدم الكراهة من كلام الدارمي بتعليل أنه لا يقال في بعض جزئيات المكروه إنه أولى من بعض، يجاب عنه بأنه لا مانع من كون بعض أفراد المكروه أخف من بعض ([304]).
        وعليه فيكون كلام الدارمي متعلقًا بما إذا كان الولد ولا بد مُفَضِّلا، فإنه حينئذ يُقَدِّم أمه، ولا يُخرجه ذلك عن حَيِّز الكراهة، بل يكون مرتكبًا للمكروه أيضًا، لكنه أقل كراهة مما لو فضّل الأب، وعليه يُحمَل ما في شرح مسلم عن المحاسبي من الإجماع على تفضيلها في البِر على الأب ([305])، ولا يتعارض هذا مع المُعتَمَد في المذهب، بل هو تفصيلٌ له وتفريعٌ عليه.
        وهذا التحقيق هو خلاصة ما في حواشي التُّحفة، والنهاية وحواشيها.
        وذهب الحنابلة إلى أنه يجب على الابن أن يسوّي في العطية بين أبويه؛ قياسًا على الأولاد بجامع القرابة ([306]). ونحن نمنع حُكم الأصل في هذا القياس المذكور؛ لأنّا نقول باستحباب التسوية بين الأولاد لا بوجوبها، كما أننا نمنع أن يكون وصف القرابة هو العِلّة كما سيأتي بيانه قريبًا.
        ولم يتعرض فقهاء الحنفية والمالكية لهذه المسألة بخصوصها، بحسب ما اطّلعنا عليه من كتبهم.
    وما ذكرناه سابقًا من انتفاء الكراهة إذا كان التفضيل بين الأولاد راجعًا لمعنى يقتضي التفضيل، نقول به هنا أيضًا بين الوالدين، فإذا فضّل الولد أحدهما لمعني في المفَضَّل؛ كاختصاصه بحاجة أو مرض؛ ودليل ذلك ما قررناه هناك من أن الكراهة تزول بالحاجة، والله تعالى أعلم.
     

     
    المبحث التاسع
    في العدل في العطية بين الإخوة والأقارب 
        يُستَحَب للأخ أن يعدل بين إخوته في العطية؛ وقد روى البيهقي عن سعيد بن العاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "حَقُّ كبير الإخوة على صغيرهم حَقُّ الوالد على ولده" ([307])، وعن كُلَيب الجُهَني رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "الأكبر من الإخوة بمنـزلة الأب" ([308]).
        قال العلامة نور الدين علي الشَّبرامَلِّسي ([309]): "المراد أنه كما يُستَحَب للولد التسوية بين أولاده، فكبير الإخوة يُستَحَب له العدل بين إخوته فيما يَتَبرع به عليهم, وهذا بناء على الغالب من أن الكبير كِبَرًا يتميز به في العادة عن إخوته يَكفُلهم ويتصرف في أمورهم, وإلا فقد يحصل للصغير من الإخوة شرف يتميز به عن كبارهم، فينبغي له مراعاتهم والعدل بينهم" اهـ ([310]).
        ولا يخفى ما يترتب على تَحَري الأخ العدل بين الإخوة من تأليف لقلوبهم واستجلاب للمحبة والمودة بينهم، ولا ريب أن هذا مما يقصده الشرع الشريف، وكذلك فإن تَحَري العدل بين الإخوة فيه خروجٌ من خلاف من أوجبه من العلماء، والخروج من الخلاف مستحب.
        وهذه المسألة لم يتعرض لها أحد من فقهاء المذاهب الأربعة المتبوعة غير فقهاء الشافعية والحنابلة، وأما فقهاء الحنفية والمالكية فلا ذكر لها في كتبهم حسب ما اطلعنا عليه منها.
        والذي قررناه هو معتمد مذهب الشافعية؛ قال الفقيه ابن حجر في شرح المنهاج: "ويُسَنُّ على الأوجه العدل بين نحو الإخوة أيضًا، لكنها دون طلبها في الأولاد" اهـ ([311]).
        وقال العلامة الخطيب: "والإخوة ونحوهم ... لا شك أن التسوية بينهم مطلوبة، لكن دون طلبها في الأصول والفروع" اهـ ([312]).
        وذهب الحنابلة في المعتمد عندهم إلى وجوب التعديل في العطية بين كل من يرث بقرابة من ولد وغيره؛ قياسًا على الأولاد بجامع القرابة، ولأن التخصيص وعدم العدل يورث العداوة وقطيعة الرحم. والقول بوجوب ذلك في الأولاد وغيرهم من الأقارب من مفردات مذهب أحمد ([313]).
        وهذا القياس الذي ذكره الحنابلة يُنقَض بمنع حُكم الأصل فيه؛ لأنّا نقول باستحباب التسوية بين الأولاد لا بوجوبها. ولو سَلَّمنا الوجوب في الأصل فلا نُسَلِّمه في الفرع؛ لأننا لا نُسَلّم أن يكون وَصْفُ القرابة هو العِلّة، بل العِلّة هي رغبة الوالد في أن يستوي أبناؤه في بِره، كما صُرِّح به في رواية حديث النُّعمان بن بَشِير رضي الله عنهما عندما أراد إشهاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم على عطيته لولده النُّعمان، فقال له صلى الله عليه وآله وسلم: "أَكُلَّ بنيك قد نَحَلت مثل ما نَحَلت النُّعمان قال: لا. قال: فأَشهِد على هذا غيري. ثم قال: أًيَسُرُّك أن يكونوا إليك في البِر سواء؟ قال: بلى. قال: فلا إذًا" ([314]).  والتسوية في البِر لما كانت ليست بواجبة على الأولاد، لم تكن التسوية بينهم في العطية واجبة على الوالد. فلا يجب عليه أيضًا أن يُسَوّي بين باقي قرابته من باب أولَى.
        أما قولهم: إن التخصيص وعدم العدل يورث العداوة وقطيعة الرحم، فلا يُسَلَّم أيضًا؛ لعدم لزومه أو تَعَيُّنه، وهو إن كان قد يرد بين الأبناء لتنافسهم في محبة والدهم، وكونه يَشتَد عليهم تفضيل بعضهم, فالشأن في هذا المعنى أن يكون أخفت في الإخوة، ويكون أشد خفوتًا في غيرهم من الأقارب، وإذا كنا لم نعتبر هذا المعنى دليلا على وجوب التعديل بين الأبناء -كما سبق بيانه- ، فلأن لا نعتبره في غيرهم من الأقارب من باب أولى.
     
    والله تعالى أعلم، والحمد لله رب العالمين.
     
    كتبه:
    أحمد ممدوح سعد  (رئيس قسم الأبحاث الشرعية)
    20/10/ 2007م
     
     
     
    الهوامش:

    ([1]) متفق عليه: البخاري (6805) -كتاب الاعتصام بالكتاب والسنّة، باب أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ-، ومسلم (3240) -كتاب الأقضية، باب بيان أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو اخطأ- عن عمرو بن العاص رضي الله عنه.
    وفي فتح الباري 13/ 319 نقلا عن القرطبي: "بدأ بالحكم قبل  الاجتهاد، والأمر بالعكس؛ فإن الاجتهاد يتقدم الحكم؛ إذ لا يجوز الحكم قبل الاجتهاد اتفاقًا، لكن التقدير في قوله: (إذا حكم) إذا أراد أن يحكم، فعند ذلك يجتهد"اهـ. قال الحافظ: "ويحتمل أن تكون الفاء تفسيرية لا تعقيبية" اهـ.
    ([2]) قَيَّدت أوليةَ الإفراد بالتصنيف بكون البحث يُقَرِّر مذهب الجمهور وينتصر له، وإلا فإن هناك أكثر من مؤلَّف مُفرَد في المسألة، لكن هذه المؤلفات المفرَدة قد نسجها كاتبوها وبنَوها على ترجيح القول بالوجوب، ومن هؤلاء الكاتبين قديمًا: ابن قيم الجوزية؛ حيث قال في كتابه "تهذيب سنن أبي داود، وإيضاح علله، ومشكلاته" 9/ 335 -عند تعرضه للمسألة في تعليقه على حديث النُّعمان بن بَشِير عمدة الباب-: "وقد كتبت في هذه المسألة مصنَّفًا مفردًا، استوفيت فيه أدلتها، وبينت من خالف هذا الحديث، ونقضها عليهم" اهـ، ومنهم محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني؛ حيث قال في سبل السلام 2/ 130: "وذهب الجمهور إلى أنها لا تجب التسوية بل تندب, وأطالوا في الاعتذار عن الحديث, وذكر في الشرح عشرة أعذار كلها غير ناهضة -يقصد شرح القاضي شرف الدين المغربي الموسوم بـ "البدر التمام"، والذي اختصر منه الصنعانيُّ كتابَه: "سبل السلام"-, وقد كتبنا في ذلك رسالة جواب سؤال، أوضحنا فيها قوة القول بوجوب التسوية, وأن الهبة مع عدمها باطلة" اهـ. وكلٌّ من مُصَنَّف ابن القيم ورسالة الصنعاني لم أره مطبوعًا.
    ومن الكاتبين المعاصرين: الدكتور مصباح المتولي حماد في كتابه: "التسوية بين الأبناء في العطية، بحث فقهي مقارن"، طبع عام 1415هـ - 1995م بدار الطباعة المحمدية بالقاهرة، وهو أوعب ما رأيته من حيث الجمع والترتيب، وكذلك الدكتورة إيناس عباس إبراهيم في بحثها: "هبة الآباء لأبنائهم حال الحياة"، والدكتور أحمد محمد السعد في بحثه: "عطية الآباء للأبناء في الفقه الإسلامي"، وهذان البحثان الأخيران قد طبعا بمجلة الشريعة والدراسات الإسلامية الكويتية، الأول في السنة الثامنة- العدد التاسع عشر- رجب 1413هـ/ يناير 1993م، والثاني في السنة الثانية عشرة- العدد الثالث والثلاثون- شعبان 1418هـ/ ديسمبر 1997م، ومن الكاتبين على هذا المنحى أيضًا: الدكتور السيد عبد العزيز العدوي في كتابه: "التسوية بين الأولاد في الهبة، دراسة فقهية مقارنة"، طبع عام 1423هـ - 2002م بمكتبة مروة بمصر.
    ([3]) المغني 5/ 387.
    ([4]) التمهيد 7/ 227، قال الحافظ ابن عبد البَر: "وكان إسحاق يقول مثل هذا -أي: المنع من المفاضلة بين الأبناء في العطية-، ثم رجع إلى مثل قول الشافعي" اهـ.
    ([5]) مصنف ابن أبي شيبة 7/ 317، المغني 5/ 387.
    ([6]) المغني 5/ 387.
    ([7]) بدائع الصنائع 6/ 127، والنُّحلى -كبُشْرى-: العَطيّة. (تاج العروس مادة: ن ح ل)
    ([8]) البحر الرائق 7/ 288.
    ([9]) شرح الخرشي لمختصر خليل 7/ 82.
    ([10]) رواه بهذا اللفظ: البخاري في صحيحه (2398) -كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها، باب الإشهاد في الهبة-.
    ([11]) كفاية الطالب الرباني -مع حاشية العدوي- 2/ 261، 262.
    ([12]) أسنى المطالب 2/ 483.
    ([13]) الإقناع -مع حاشية البجيرمي- 3/ 270، 271.
    ([14]) الأَذرَعي: بفتح الألف، وسكون الذال المعجمة، وفتح الراء، وفي آخرها العين المهملة، وهذه النسبة إلى أذرِعاتُ: بالفتح، ثم السكون، وكسر الراء، وعين مهملة، وألف، وتاء. كأنه جمع أذرِعة جمع ذراع، جمعُ قلة. وهو بلد في أطراف الشام.
    (الأنساب للسمعاني 1/ 166، معجم البلدان 1/ 130)
     
    ([15])  الفتاوى الفقهية الكبرى 3/ 363.
    ([16]) أصل الحديث في الصحيحين وغيرهما، وقد رواه بهذا اللفظ مسلم في صحيحه  (3059) -كتاب الهبات، باب كراهة تفضيل بعض الأولاد في الهبة-.
    أما عن تعيين العطية التي أعطاها بَشير لابنه النُّعمان، فقد جاء في بعض روايات الحديث أنها كانت غلامًا -كما في رواية الشيخين وغيرهما للحديث-، وجاء في في رواية ابن حبان في صحيحه (11/ 506) أنها كانت حديقة. وجمع ابن حِبّان بين الروايتين بأن حَمَل كلَّ واحدة منهما على واقعة مختلفة: فالأولى كانت عند ولادة النُّعمان، وكانت العطية حديقة، والثانية كانت بعد أن كَبِر النُّعمان، وكانت العطية عبدًا. قال الحافظ ابن حجر بعد أن نقل كلام ابن حبان مُعَقِّبًا عليه: "وهو جَمعٌ لا بأس به، إلا أنه يُعَكِّر عليه أنه يَبعُد أن يَنسى بَشير بن سَعد مع جلالته الحكمَ في المسألة حتى يعود إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيستشهده على العطية الثانية بعد أن قال له في الأولى: (لا أشهد على جَور). وجَوَّز ابن حِبّان أن يكون بَشير ظَنّ نَسخ الحُكم، وقال غيره: يحتمل أن يكون حَمَل الأمر الأول على كراهة التنزيه، أو ظَنّ أنه لا يلزم من الامتناع في الحديقة الامتناع في العبد؛ لأن ثمن الحديقة في الأغلب أكثر من ثمن العبد. ثم ظهر لي وَجهٌ آخر من الجَمع يَسلم من هذا الخدش، ولا يحتاج إلى جواب؛ وهو أن عَمرة لما امتنعت من تربيته إلا أن يهب له شيئًا يخصه به وهب الحديقة المذكورة تطييبًا لخاطرها، ثم بدا له فارتجعها؛ لأنه لم يقبضها منه أحدٌ غيره، فعاودته عَمرة في ذلك، فمطلها سنة أو سنتين، ثم طابت نفسه أن يهب له بدل الحديقة غلامًا، ورضيت عَمرة بذلك، إلا أنها خشيت أن يرتجعه أيضًا، فقالت له: أَشهِد على ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. تريد بذلك تثبيت العطية، وأن تأمن من رجوعه فيها، ويكون مجيئه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم للإشهاد مرة واحدة، وهي الأخيرة، وغاية ما فيه أن بعض الرواة حفظ ما لم يحفظ بعض، أو كان النعمان يَقُص بعض القصة تارة ويَقُص بعضها أخرى، فسمع كلٌ ما رواه، فاقتصر عليه، والله أعلم" اهـ (فتح الباري 5/ 212، 213).
    ([17]) البحر المحيط 3/ 297.
    ([18]) شرح النووي على صحيح مسلم 11/ 66.
    ([19]) سبق تخريجه.
    ([20]) رواها مسلم في صحيحه (3060) -كتاب الهبات، باب كراهة تفضيل بعض الأولاد في الهبة-.
    ([21]) رواها أبو داود في سننه (3075) -كتاب البيوع، باب في الرجل يفضل بعض ولده في النُّحل-.
    ([22]) رواها البيهقي في سننه 6/ 178 -كتاب الهبات، جماع أبواب عطية الرجل ولده، باب ما يستدل به على أن أمره بالتسوية بينهم في العطية على الاختيار دون الإيجاب-، وابن حبان في صحيحه 11/ 503 -كتاب الهبة-. قال المناوي في فيض القدير 1/ 557: "إسناده حسن"، وهذه الرواية نسبها الحافظ في الفتح 5/ 214، 215 لمسلم، وليست فيه، ولم يذكرها المِزِيُّ ضمن روايات مسلم للحديث في تحفة الأشراف 11/ 15.
    ([23]) رواها الطحاوي في شرح معاني الآثار 4/ 86 -كتاب الهبة والصدقة، باب الرجل ينحل بعض بنيه دون بعض-.
    ([24]) انظر: شرح معاني الآثار 4/ 86، المفهم 4/ 586، فتح الباري 5/ 215، إعلاء السنن 16/ 99.
    ([25]) متفق عليه: رواه البخاري (2397) -كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها، باب الهبة للولد-، ومسلم (3052) -كتاب الهبات، باب كراهة تفضيل بعض الأولاد في الهبة- عن النُّعمان بن بَشير رضي الله عنه.
    ([26])  قوله عليه الصلاة والسلام: "ارجعه" بهمزة الوصل لا بهمزة القطع، كما قد يُتَوَهَّم، وسبب هذا الوَهَم التباس الثلاثي المزيد بالهمزة: أرجع يرجع إرجاعًا، والأمر منه: أَرجِع -بالقطع- بالثلاثي المجرد: رَجَع يرجع رَجْعًا؛ والأمر منه: ارجع -بالوصل-.
     قال ابن مالك في ألفيته عند كلامه على زيادة همزة الوصل:
    والأمرِ والمصدرِ منه وكذا

     
     
    أمرِ الثلاثي كاخش وامض وانفُذا

     
     
    ولعَلّ سبب ذلك اللَّبس تَوَهُّم لزوم: (رَجَع)، والصواب خلافه؛ كما يقول صاحب تاج العروس: "أيّ (رَجَعَ) كان: لازمًا أو واقعًا فمصدره لازمًا: الرجوع، ومصدره واقعًا -أي: متعديًا-: الرجْع" اهـ.
    فالفعل رجع له مصدران، يقال: رجع يرجع رَجعًا، بمعنى الإعادة، ويقال: رجع يرجع رجوعًا، بمعنى العود. يقال: رجعته رجعًا، فرجع رجوعًا.
    ومن الرَّجع قَوْله تَعالى: {فإنْ رَجَعَكَ اللهُ إلى طائِفة}[التوبة: 83]، وقوله: {حتى إذا جاءَ أحَدَهُمُ المَوتُ قالَ رَبّ ارجِعُون}[المؤمنون: 99]، ومن الرُّجوعِ قَوْله تَعالى: {لَئِن رَجَعْنا إلى المَدينة}[المنافقون: 8]، وقوله: {فلمّا رَجَعوا إلى أبيهِم}[يوسف: 63].
    وقوله صلى الله عليه وآله وسلم لبَشير: "ارجعه" من الأول الذي بمعنى الإعادة، لا من الثاني الذي بمعنى العود، والله أعلم.
    (ينظر: الألفية مع شرح ابن عقيل 4/ 207، تاج العروس، مادة: ر ج ع )
    ([27]) الأم 8/ 630.
    ([28]) شرح المحلي على جمع الجوامع 1/ 99 -مع حاشية البناني-.
    ([29]) البحر المحيط 2/ 24.
    ([30]) الأم 8/ 234.
    ([31]) قال في الفروق 2/ 183، 184: "القضاء على الصفة لا يلزم أن يتعدى إلى الموصوف وبالعكس، فيصح أن يقال: شُرب الخمر مَفسدة، ولا يصح أن يقال: شارب الخمر مَفسدة. ويصح أن يقال: شارب الخمر ساقط العدالة, ولا يصح أن يقال: شُرب الخمر ساقط العدالة. فظهر أن أحكام الصفات لا تنتقل للموصوفات، وأحكام الموصوفات لا تنتقل للصفات" اهـ.
    ويراجع هنا ما نقله العلامة البَنَّاني في حاشيتة على شرح جمع الجوامع (1/ 100، 101) من إجابة العلامة ابن قاسم العبَّادي عمّا أورده الناصر اللقَّاني على تعريف صاحب جمع الجوامع للصحَّة.
    ([32]) البحر المحيط 3/ 383.
    ([33]) فتح الباري 5/ 214.
    ([34]) رواه النسائي في سننه (3625) -كتاب النُّحل، باب ذكر اختلاف ألفاظ الناقلين لخبر النُّعمان-.
     قال السِّندي في حاشيتة على سنن النسائي 6/ 262: "قوله: (وصف بيده بكفه أجمع كذا) لعله كناية عن إشارة النفي أو التسوية" اهـ.
    ([35]) قرر هذا المعنى الطحاوي في شرح معاني الآثار 4/ 86.
    ([36]) المُحَلَّى 8/ 103، 104.
    ([37]) تهذيب الكمال 23/ 314، 315، مقدمة فتح الباري 1/ 435.
    ([38]) لسان الميزان 1/ 16.
    ([39]) رواه النسائي في سننه (3626) -كتاب النُّحل، باب ذكر اختلاف ألفاظ الناقلين لخبر النُّعمان-، وأحمد في مسنده 4/ 268 -أول مسند الكوفيين، حديث النُّعمان بن بَشير-، وابن حبان في صحيحه 11/ 498 -كتاب الهبة-.
    ([40]) العرب تجعل القول عبارة عن جميع الأفعال، فتطلقه على غير الكلام واللسان، فتقول: قال بيده، أي: أشار أو أخذ، وقال برجله، أي: مشى أو ضرب، وقال بالماء على يده، أي: صَبَّه، وقال بثوبه أي: رفعه.
    قال الشاعر:
    وقالت له العَينان سَمعًا وطاعَة

     
     


     
    أي: أومأت. وكل ذلك على المجاز والاتساع. (النهاية في غريب الحديث 4/ 206)
    ([41]) رواه الدارقطني في سننه 4/ 235 -كتاب في الأقضية والأحكام وغير ذلك-، ومن طريقه البيهقي في سننه 10/ 319، عن حِبّان بن أبي جَبلة مرفوعًا -كتاب المكاتَب، باب من قال: يجب على الرجل مكاتبة عبده قويًًّا أمينًا، ومن قال: لا يجبر عليها-, قال البيهقي: "هذا مرسل, حِبّان بن أبي جَبلة القرشي من التابعين"، ورواه البيهقي 6/ 178 من طريق آخر عن عمر بن المنكدر مرفوعًا مرسلا بلفظ: "كُلُّ ذي مال أَحَقُّ بماله" -كتاب الهبات، جماع أبواب عطية الرجل ولده، باب ما يستدل به على أن أمره بالتسوية بينهم في العطية على الاختيار دون الإيجاب-. وقد اختلف الحفاظ في هذا الحديث؛ فصحَّحه ابن حزم في المُحَلَّى 8/ 104، ورمز السيوطي لصحته في الجامع الصغير، وأعلّه الذهبي بالانقطاع كما نقله عنه المناوي في فيض القدير 5/ 9 وتابعه في التضعيف، وهذا الحديث عَدّه ابن القيم في إعلام الموقعين 1/ 251 من جوامع الكلم المنقولة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    ([42]) نص حديث شريف رواه الإمام مسلم في صحيحه (2545) -كتاب النكاح، باب استئذان الثيب في النكاح بالنطق والبكر-.
    ([43]) المصباح المنير ص 144، مادة: (ح ق ق)، وانظر: المجموع للنووي 2/ 317.
    ([44]) الشَّرْواني: بفتح الشين المعجمة، وسكون الراء، وفتح الواو، وفي آخرها النون. نسبة إلى "شَروان"، وهي بلدة من بلاد داغستان، بناها أنو شروان، فأسقطوا "أنو" للتخفيف، وبقي "شَروان". (الأنساب للسمعاني 7/ 327)
    ([45]) حاشية الشَّرْواني علي تحفة المحتاج 1/ 34 -مع التحفة، وحاشية ابن قاسم العبادي-.
    ([46]) إعلام الموقعين 2/ 236.
    ([47]) نهاية السول 2/ 61 -مع حاشية بخيت-، شرح المحلي على جمع الجوامع 1/ 350، 351 -مع حاشية العطار-.
    ([48]) الغابة -بالغَين المعجمة، وبعد الألف باء موحدة-: موضع مشهور بالمدينة (البناية شرح الهداية للعيني 9/ 199).
    ([49]) رواه مالك في الموطأ (1242) -كتاب الأقضية، باب ما لا يجوز من النُّحل-، والبيهقي في سننه 6/ 178 -كتاب الهبات، جماع أبواب عطية الرجل ولده، باب ما يستدل به على أن أمره بالتسوية بينهم في العطية على الاختيار دون الإيجاب-، وعبد الرزاق في المصنّف 9/ 101 -كتاب الوصايا، باب النُّحل-، وصَحّحه الحافظ في الفتح 5/ 215.
    و نَحَلها:  أي أعطاها، والمراد به التسمية بدون التسليم والقبض. والوَسْق: وِقر بعير وهو ستون صاعًا.
    وقوله: "ما من الناس أحد أحب إليّ غنى بعدي منك، ولا أعز عليّ فقرًا بعدي منك" أي أنت التي غناك أحب إليّ من غنى غيرك، ويَشُق ويشتد علي فقرك أكثر مما يَشُق ويشتد علي فقر غيرك.
    وفي تفسير قوله: "جادّ عشرين وَسْقًا" وجهـان؛ إما على أنها صفة للثمرة الموهوبـة، فتقديره: وهبها عشرين وَسْقًا مجدودة -أي: مقطوعة-، وإما على أنها صفة للنخل التي وهب ثمرتها، فمعناه: وهبها ثمرة نخل يجد منها عشرون وَسْقًا. ويُرَجِّح المعنى الثاني ما رواه عبد الرازق في مصنفه (9/ 102) أن أبا بكر قال لعائشة رضي الله عنهما: "يا بنية إني نحلتك نحلا من خيبر، وإني أخاف أن أكون آثرتك على ولدي، وإنك لم تكوني حزتيه فرديه على ولدي. فقالت عائشة: يا أبتاه لو كانت لي خيبر بجدادها لرددتها".
    وقوله: "إنما هو اليوم مال الوارث"، أي: الورثة فقد سمى بعد ذلك جماعة، وإنما فعل ذلك؛ لأنه جنس يصلح للجمع. ويريد بقوله هذا أن حق الوارث قد تعلّق بالمال، فيمنع ذلك الحيازة؛ لأنه علم أن ذلك مرض موته. والله أعلم.
    وقوله: "إنما هما أخواك وأختاك"، فمعناه: إنما يرثنى أنت وأخواك وأختاك، فأما أخواها فهما: عبد الرحمن، ومحمد ابنا أبى بكر، وأما أختاها: فأسماء، وأم كلثوم ابنتا أبى بكر، وأم كلثوم هى التى كانت حملاً فى وقت كلام أبى بكر، فقالت عائشة: من أختاى؟ تعنى إنما لى أخت واحدة وهى أسماء، فمن الأخرى؟ فقال: هى ذو بطن بنت خارجة، يعنى الحمل الذى فى بطن بنت خارجة، فإنى أظن الحمل بنتًا لا ابنًا. وبنت خارجة هى زوجة أبى بكر، واسمها: حبيبة بنت خارجة بن زيد بن أبى هريرة الأنصارى، وكانت حاملاً حال كلام أبى بكر. =
    = وفي هذا الأثر كرامتان لأبى بكر، إحداهما: إخباره بأنه يموت فى ذلك المرض؛ حيث قال: "إنما هو اليوم مال وارث". والثانية: إخباره بمولود يولد له، وهو جارية.
    قال التاج السُّبكي: "والسِّر فى إظهار ذلك استطابة قلب عائشة رضي الله عنها فى استرجاع ما وهبه لها ولم تقبضه، وإعلامها بمقدار ما يخصها؛ لتكون على ثقة منه، فأخبرها بأنه مال وارث، وأن معها أخوين وأختين لهذا، ويدل على أنه قصد استطابة قلبها ما مَهّده أولا من أنه لا أحد أحب إليه غنى بعده منها. وقوله: "إنما هما أخواك وأختاك"، أي: ليس ثَمّ غريب ولا ذو قرابة نائية، وفى هذا من الترفق ما ليس يخفى، فرضي الله عنه وأرضاه" اهـ.
    (ينظر: المنتقى شرح الموطأ 6/ 94، 103، أوجز المسالك للكاندهلوي 14/ 181، المغرب في ترتيب المعرب للمطرزي ص 77، تهذيب الأسماء واللغات 2/ 574، طبقات الشافعية الكبرى 2/ 322 )
    ([50]) الأم 8/ 234، شرح معاني الآثار 4/ 88، سنن البيهقي 6/ 178، المحلى 8/ 98، وقال العيني في عمدة القاري (13/ 147) عن رواية نحل عبد الرحمن ابن عوف لابنته من أم كلثوم أربعة آلاف درهم إنه قد رواها عبد الله بن وهب في مسنده بلاغًا. وأثر ابن عمر حسّنه التهانوي في إعلاء السنن 16/ 94.
    ([51]) المُحَلَّى 8/ 105.
    ([52]) فيض القدير 1/ 127.
    ([53]) البحر المحيط 6/ 457، 458 وفيه النقل عن النووي في شرح الوسيط قوله: "لا تغترن بإطلاق المتساهل القائل بأن الإجماع السكوتي ليس بحجة عند الشافعي, بل الصواب من مذهب الشافعي أنه حجة وإجماع. وهو موجود في كتب أصحابنا العراقيين في الأصول, ومقدمات كتبهم المبسوطة في الفروع, كتعليقة الشيخ أبي حامد, والحاوي, ومجموع المحاملي، والشامل، وغيرهم" اهـ .
    ([54]) منها تقريره جواز أن يبسط في القبر تحت الميت ثوب بأنه قد فعله الصحابة في دفن الرسول صلى الله عليه وسلم بإجماع منهم , لم ينكره أحد منهم.  (المحلي3/ 392)
    ([55]) المغني 5/ 387، 388.
    ([56]) انظر مثلا: مغني المحتاج 3/ 567.
    ([57]) حاشية شيخ الإسلام 4/ 35، وعنه: العلامة الشيخ محمد بخيت في حاشيته على نهاية السول 4/ 409.
    ([58]) انظر: إعلاء السنن للتهانوي 16/ 95، التلويح على التوضيح 1/ 73.
    ([59]) المغني 5/ 387.
    ([60]) المغني 5/ 388.
    ([61]) سبق تخريجه.
    ([62]) إعلاء السنن 16/ 95، 96.
    ([63]) إعلاء السنن 16/ 95.
    ([64]) فتح الباري 5/ 215.
    ([65]) إعلاء السنن 16/ 93.
    ([66]) بداية المجتهد 2/ 268، شرح البخاري لابن بطّال 7/ 100، التمهيد لابن عبد البَر 7/ 230، وذكر فيه أنه استدلال الشافعي وغيره، ووصَف العيني في العمدة 13/ 147 هذا الاستدلال بأنه هو الجواب القاطع.
    ([67]) أصول الفقه لشيخ شيوخنا العلامة الشيخ محمد أبي النور زهير -رحمه الله تعالى- 4/ 259، 260.
    ([68]) فتح الباري 5/ 215.
    ([69]) سبق تخريج جميع هذه الروايات.
    ([70]) متفق عليه: رواه البخاري (2456) -كتاب الشهادات، باب لا يشهد على شهادة جَور إذا أشهد-، ومسلم في صحيحه (3056، 3057) -كتاب الهبات، باب كراهة تفضيل بعض الأولاد في الهبة-.
    ([71]) سبق تخريجها.
    ([72]) يأتي تخريجها.
    ([73]) عمدة القاري 13/ 147.
    ([74]) حاشية العطار على شرح جمع الجوامع 2/ 360، 361، الكوكب المنير شرح مختصر التحرير ص572.
    وشاهد القول بالموجَب من القرآن: قوله تعالى: {وللهِ العِزَّةُ ولرسوله وللمؤمنين}[المنافقون: 8] جوابًا لقول المنافق: {لَئِن رَجَعنا إلى المدينة لَيُخرِجَنَّ الأعَزُّ مِنها الأذَلّ}[المنافقون: 8]، فسُلِّم له الإخراج الذي هو موجَب الدليل ومقتضاه، مع بقاء النـزاع في الأعز من هو؟ والأذل من هو؟ فأثبت الله تعالى أن العزة موجودة, لكنها لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين.
    ([75]) البحر المحيط 7/ 399.
    ([76]) البحر المحيط 5/ 46.
    ([77]) البحر المحيط 4/ 4/ 489، 492، 495.
    ([78]) أصول الفقه للشيخ زهير 4/ 259، 260.
    ([79])  ورد لفظ النهي في رواية مسلم لحديث النُّعمان بن بَشير رضي الله عنهما -وقد سبقت-، وفيها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبَشِير رضي الله عنه: "أَكُلَّ بنيك قد نحلت مثل ما نحلت النُّعمان؟ قال: لا. قال: فأَشهِد على هذا غيري. ثم قال: أَيَسُرُّك أن يكونوا إليك في البِر سواء؟ قال: بلى. قال: فلا إذًا".
    ([80]) بداية المجتهد 2/ 268.
    ([81]) الحاوي 7/ 545.
    ([82]) شرح منتهى الإرادات 2/ 436، كشاف القناع 4/ 310.
    ([83]) التمهيد 7/ 227، فتح الباري 5/ 214.
    ([84]) القوانين الفقهية ص 241.
    ([85]) فتح الباري 5/ 214، نيل الأوطار 6/ 10.
    ([86]) فتح الباري 5/ 214، المفهم 4/ 586.
    ([87]) المغني 5/ 387، ونَقَل فيه قول طاوس: "لا يجوز ذلك, ولا رغيف محترق"، وانظر: المفهم 4/ 585.
    ([88]) المُحَلَّى 8/ 97.
    ([89]) المُحَلَّى 8/ 97.
    ([90]) فتح الباري 5/ 214.
    ([91]) صحيح ابن حبان 11/ 501، مغني المحتاج 3/ 567، فتاوى ابن حجر الفقهية الكبرى 3/ 363.
    ([92]) المُحَلَّى 8/ 95.
    ([93]) رد المحتار 4/ 444.
    ([94]) رد المحتار 4/ 444، نيل الأوطار 6/ 11.
    ([95]) الإنصاف 7/ 141.
    ([96])  المُحَلَّى 8/ 95، 105.
    ([97]) فتح الباري 5/ 214.
    ([98]) شرح منتهى الإرادات 2/ 436، الإنصاف 7/ 140، 141.
    ([99]) المغني 5/ 387، المُحَلَّى 8/ 99، حاشية ابن القيم على سنن أبي داود 9/ 334. والرواية الوارد فيها لفظة: "ارجعه" سبق تخريجها، والأخرى الوارد فيها لفظة: "اردده" رواها مسلم في صحيحه (3053) -كتاب الهبات، باب كراهة تفضيل بعض الأولاد في الهبة-.
    ([100]) لسان العرب 3/ 172، مادة (ر د د).
    ([101]) حاشية العطار على شرح جمع الجوامع 1/ 226.
    ([102])  سبق تخريجها.
    ([103]) المغني 5/ 387، 388، المُحَلَّى 8/ 100، 101، حاشية ابن القيم على سنن أبي داود 9/ 334، إعلام الموقعين 4/ 255، فتح الباري 5/ 214، 215.
    ([104]) لسان العرب 3/ 432، المصباح المنير ص 635، مادة (هـ د د)، التلويح على التوضيح 1/ 293.
    ([105]) تفسير الفخر الرازي 27/ 132، التحرير والتنوير 24/ 305.
    ([106]) التحرير والتنوير 29/ 445، 446
    ([107]) المحصول للرازي 5/ 430، البحر المحيط 3/ 105، 113، كشف الأسرار 2/ 87، وانظر: فتح الباري 4/ 331.
    ([108]) شرح مسلم 11/ 66.
    ([109]) الأم 8/ 630.
    ([110]) تكملة المجموع للسبكي 11/ 202.
    ([111]) تهذيب الأسماء واللغات 1/ 71.
    ([112]) سير أعلام النبلاء 10/ 429.
    ([113]) تكملة المجموع للسبكي 11/ 202.
    ([114]) سير أعلام النبلاء 10/ 429.
    ([115]) آداب الشافعي ومناقبه 1/ 102.
    ([116]) تكملة المجموع للسبكي 11/ 201.
    ([117]) تكملة المجموع للسبكي 11/ 202.
    ([118]) حاشية العطار على شرح جمع الجوامع 1/ 469.
    ([119]) التمهيد 7/230-232.
    ([120]) شرح معاني الآثار 4/ 85، شرح ابن بطّال على صحيح البخاري 7/ 99، البيان للعمراني 8/ 111.
    ([121]) شرح معاني الآثار 4/ 85، فتح الباري 5/ 214.
    ([122]) فتح الباري 5/ 214، 215.
    ([123]) عمدة القاري 13/ 145.
    ([124]) المُحَلَّى 8/ 101.
    ([125]) شرح معاني الآثار 4/ 85.
    ([126]) المُحَلَّى 8/ 101.
    ([127]) فتح الباري 5/ 214.
    ([128]) هذه الرواية رواها الدارقطني في سننه 3/ 42 -كتاب البيوع-، والبيهقي في سننه 6/ 176 -كتاب الهبات، جماع أبواب عطية الرجل ولده، باب السُّنّة في التسوية بين الأولاد في العطية-، والطحاوي في شرح معاني الآثار 15/ 84 -كتاب الهبة والصدقة، باب الرجل ينحل بعض بنيه دون بعض-.
    ([129]) عمدة القاري 13/ 147. ورَدّ عليه الحافظ في انتقاض الاعتراض 2/ 182، فقال: "ومجرد قول الأم لولدها: (اذهب مع أبيك) لا يقتضي الكِبَر المطلوب في الاحتمال؛ فإنه يستلزم البلوغ حتى يمكنه القبض لنفسه، والواقع في كتب المحدثين قاطبة أن النُّعمان ولد في أول سنة من الهجرة أو بعد ذلك، فلم يكمل بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين، فكيف يسوغ لمن اطلع على ذلك وأسنده وتَحَقَقَه أن يُبرِز الاحتمال العقلي أنه كان عند العطية بالغًا لولا التعصُّب" اهـ.
    ([130]) سير أعلام النبلاء 18/ 186، 187.
    ([131]) سير أعلام النبلاء 18/ 189.
    ([132]) الإشفاق على أحكام الطلاق ص 56.
    ([133]) سبق تخريجه.
    ([134]) المُحَلَّى 8/ 100، المغني 5/ 387، حاشية ابن القيم على سنن أبي داود 9/ 334.
    ([135]) ينظر: لسان العرب 4/ 153، مادة: (ج و ر)، شرح النووي على مسلم 11/ 67، فتاوى ابن حَجَر الهيتمي 4/ 271، إعلاء السنن 16/ 98.
    ([136])  الموافقات في أصول الشريعة 4/ 59، 60.
    ([137]) اختلاف الرواة في نقل هذا الحرف مثبتٌ في رواية الإمام أحمد للحديث في مسنده 4/ 270 -أول مسند الكوفيين، حديث النُّعمان بن بَشير-، وعنه أبو داود في سننه (3075) -كتاب البيوع، باب في الرجل يُفَضِّل بعض ولده في النُّحل-، ومن طريق أبي داود البيهقيُّ في سننه 6/ 177 -كتاب الهبات، جماع أبواب عطية الرجل ولده، باب ما يستدل به على أن أمره بالتسوية بينهم في العطية على الاختيار دون الإيجاب-.
    ([138]) النهاية في غريب الحديث والأثر 4/ 51.
    ([139]) النهاية 4/51، وقَرّر هذا المعنى أيضًا الإمام التهانوي في إعلاء السنن 16/ 98، 99.
    ([140]) رواها مسلم في صحيحه (3056) -كتاب الهبات، باب كراهة تفضيل بعض الأولاد في الهبة-.
    ([141]) رواها النسائي في سننـه (3621) -كتاب النُّحل، باب ذكر ألفاظ الناقلين لخبر النُّعمان-، والبيهقي في سننه 6/ 176 -كتاب الهبات، جماع أبواب عطية الرجل ولده، باب السُّنّة في التسوية بين الأولاد في العطية-.
    ([142]) رواها ابن حبان في صحيحه 11/ 506 -كتاب الهبة-.
    ([143]) جاء في رواية النسائي أنها سَنَة، وفي رواية ابن حبان: حول أو حولين، وهذا إما شك من الراوي، أو يجمع بينهما -كما قال الحافظ في الفتح 5/ 212- بأن المدة كانت سَنَة وشيئًا، فجبَر الكسر تارة، فقال: سنتين، وألغَى أخرى، وقال: سَنَة. والله أعلم.
    ([144]) رواها مسلم في صحيحه (3061) -كتاب الهبات، باب كراهة تفضيل بعض الأولاد في الهبة-.
    ([145]) المُحَلَّى 8/ 103، حاشية ابن القيم على سنن أبي داود 9/ 334، التمهيد لابن عبد البَر 7/ 228.
    ([146]) سبق تخريج جميع هذه الروايات.
    ([147]) المحصول للرازي 5/ 433، الإحكام للآمدي 4/ 311.
    ([148]) التمهيد لابن عبد البَر 7/ 232.
    ([149]) كشف الأسرار 2/ 100، التوضيح لصدر الشريعة مع شرح التلويح 1/ 124.
    وهذه القاعدة لا تتماشى مع ما هو الراجح في أصول الشافعية من أن العبرة بأقل ما ينطلق عليه الاسم ويقتضيه، لا بأكثره، وهي المسألة المعروفة بأوائل الأسماء وأواخرها، فهل الواجب هو الأخذ بأوائل الأسماء أو بأواخرها؟ خلافٌ بين الشافعية من جهة، والحنفية من جهة أخرى؛ وللمالكية قولان في المسألة أيضًا حكاهما أبو عبد الله المَقَّري في قواعده 1/ 317، والذي اختاره القاضي عبد الوهاب منهم، ولم يذكر القرافي غيره في التنقيح (2/ 639- مع شرح الرِّجراجي) أن الأمر المعلَّق على الاسم يَقتضي الاقتصار على أوله، أما متأخرو المصنفين من المالكية فقد ذكر بعضهم كميارة في شرح تُّحفة ابن عاصم 1/ 323، والخَرَشي في شرح المختصر 8/ 119، والدردير في شرح المختصر 4/ 365 أن الاسم المطلَق يُحمَل على الكامِل من مُسَمّاه، وهذا يقتضي موافقتهم للحنفية في الأخذ بأواخر الأسماء.
    ومن ذَكَر قاعدة انصراف المطلق للفرد الكامل من متأخري الشافعية كالعلامة نور الدين الشَّبرامَلِّسي في حاشيته على نهاية المحتاج 3/ 402، والشيخ عبد الحميد الشَّرْواني في حاشيته على التُّحفة 4/ 246، فلعله قد سار على مُقتَضى القول الآخر الذي يعتبر أواخر الأسماء دون بداياتها، وإلا فإنّ المنصوص عليه في قواعد المذهب كقول راجح أو معتمد هو ما ذكرت أولا.
    قال الزركشي في المنثور 3/ 180: "المطلق عند عدم القرينة ينـزل على أقل المراتب. ولهذا لو باع عبدًا بشرط أنه كاتب، اكتُفي منه بما يطلق عليه الاسم" اهـ.
    وقال الإسنوي في التمهيد ص 263: "الحكم المعلق على الاسم هل يقتضي الاقتصار على أوله، أو لا بد من آخره؟ فيه قولان، أصحهما: الأول. ومعنى القولين -كما قال القرافي في شرح المحصول والتنقيح- أن الحكم المعلق على معنى كلي هل يكفي أدنى المراتب لتحقيق المسمى فيه، أم يجب الأعلى احتياطًا؟" اهـ.
    وقال الزنجاني في تخريج الفروع على الأصول ص58: "إذا أُمِر المكلف بفعلٍ أجزأه من ذلك ما يقع عليه اسم الفعل المأمور به، ولا يجب فعل كل ما يتناوله عند الشافعي رضي الله عنه، وأحتج في ذلك بأن الأقل مستيقن والزيادة مشكوك فيها، فلا يجب من غير دليل. وذهبت الحنفية وطائفة من علماء الأصول إلى أنه لا يجزيه فعل ما يقع عليه الاسم، بل لا بد من فعل كل ما يتناوله اسمه، واحتجوا في ذلك بأن الاسم ينَطلق على الكل حقيقة وعلى البعض مَجازًا، والكلام يُحمَل على الحقيقة عند الإطلاق إلى أن يقوم دليل المَجاز" اهـ.
    ([150]) المُحَلَّى 8/ 101.
    ([151]) وهي عند مسلم (3061) -كتاب الهبات، باب كراهة تفضيل بعض الأولاد في الهبة- بلفظ: "فليس يَصلح هذا، وإني لا أَشهَد إلا على حَق".
    ([152]) التمهيد 7/ 232.
    ([153]) حاشية العطار 1/ 226.
    ([154]) تفسير البغوي 1/ 269.
    ([155]) تفسير ابن كثير 1/ 336.
    ([156]) زاد المسير لابن الجوزي 1/ 339.
    ([157]) التحرير والتنوير 3/ 117.
    ([158]) سبق تخريجهما.
    ([159]) المغني 5/ 387، المُحَلَّى 8/ 104، فتح الباري 5/ 215، حاشية ابن القيم على سنن أبي داود 9/ 334.
    ([160]) إحكام الأحكام لابن دقيق العيد 2/ 155.
    ([161]) سبق تخريجه.
    ([162]) المُحَلَّى 8/ 100، وانظر: فتح الباري 5/ 215، حاشية ابن القيم على سنن أبي داود 9/ 334.
    ([163]) المغني 5/ 387، فتح الباري 5/ 214.
    ([164]) حاشية العطار على شرح جمع الجوامع 2/ 399، شرح الكوكب المنير ص 596.
    ([165]) الإحكام في أصول الأحكام 6/ 179، وما بعدها.
    ([166]) حاشية العطار على شرح جمع الجوامع 2/ 351.
    ([167]) إحكام الأحكام 2/ 154.
    ([168]) انظر: فتح الباري 5/ 214.
    ([169]) الفتاوى الحديثية ص 170.
    ([170]) قال صاحب المغني 5/ 390: "ليس عليه التسوية بين سائر أقاربه, ولا إعطاؤهم على قدر مواريثهم سواء كانوا من جهة واحدة, كإخوة وأخوات وأعمام وبني عم, أو من جهات, كبنات وأخوات وغيرهم" اهـ. إلا أن المتأخرين من الحنابلة قد طردوا وجوب التسوية في غير الأولاد من الورثة، قال البهوتي في شرح المنتهى 2/ 436: "يجب على واهب ذكر أو أنثى تعديل بين من يرث من واهب بقرابة من ولد وغيره، كآباء، وإخوة، وأعمام، وبَنيهم، ونحوهم في هبة شيء غير تافه" اهـ.
    ([171]) إعلاء السنن 16/ 94، 98.
    ([172]) بنو العَلات -كجَنَّات-: هم من كان أبوهم واحدًا وأمهاتهم شتى. الواحدة علة -كجَنَّة-. (المصباح المنير ص 426، مادة: ع ل ل).
    ([173]) المُحَلَّى 8/ 96.
    ([174]) المُحَلَّى 8/ 97.
    ([175]) ورواه أيضًا سعيد بن منصور في سننه 1/ 119 عن عطاء، وعن أبي صالح ذكوان -باب من قطع ميراثًا فرضه الله-، ورواه ابن أبي شيبـة في مصنفه 7/ 315 عن عطاء -كتاب الوصايا، باب الرجل يلي المال وفيهم صغير وكبير كيف ينفق-، وعبد الرزاق في مصنفه 9/ 98، 99 عن ابن سيرين، وعطاء، وأبي صالح -كتاب الوصايا، باب في التفضيل في النُّحل-، ومن طريقه الطبراني في الكبير 18/ 347، 348 عن ابن سيرين وأبي صالح، وقال الهيثمي في المجمع 4/ 225: "رواه الطبراني من طرق رجالها كلها رجال الصحيح، إلا أنها مرسلة؛ لم يسمع أحد منهم من أبي بكر".
    ([176]) المُحَلَّى 4/ 148، 162، 6/ 476، 12/ 25.
    ([177]) المُحَلَّى 6/ 476.
    ([178]) المُحَلَّى 4/ 162.
    ([179]) روضة الطالبين 5/ 379.
    ([180]) شرح معاني الآثار 4/ 89، بدائع الصنائع 6/ 127، حاشية ابن عابدين 5/ 696.
    ([181]) الإنصاف 7/ 136.
    ([182]) حكاه عنه ابن قدامة في المغني 5/ 388، وقال الحافظ ابن عبد البَر في التمهيـد 7/ 234: "ولا أحفظ لمالك في هذه المسألـة قولا" اهـ، وما حكاه صاحب المغني عن مالك مخالف لما قرره المتأخرون من فقهاء المالكيـة؛ قال العلامة الخَرَشي في شرح المختصر 7/ 82: "وأما هبة الرجل لبعض ولده ماله كله أو جُلَّه فمكروه، ويُكرَه أيضا أن يعطي ماله كلَّه لأولاده ويقسمه بينهم بالسوية إن كانوا ذكورًا وإناثًا، وإن قسمه بينهم على قدر مواريثهم فذلك جائز" اهـ، وقال العلامة الصاوي في حاشية الشرح الصغير 4/ 118: "وكذا يُكرَه أن يعطي ماله كله لأولاده، يقسم بينهم بالسوية إن كانوا ذكورًا وإناثًا, وإن قسمه بينهم على قدر مواريثهم فذلك جائز" اهـ، ومثله في شرح أبي الحسن على الرسالة 2/ 262 -مع حاشية العدوي-.
    ([183]) البيان والتحصيل 13/ 371، المفهِم 4/ 585.
    ([184]) البيان والتحصيل 13/ 371، المغني 5/ 388.
    ([185]) التمهيد لابن عبد البَر 7/ 234، البيان والتحصيل 13/ 371.
    ([186]) المُحَلَّى 8/ 105، الاستذكار 7/ 228، البيان والتحصيل 13/ 371.
    ([187])  البيان 8/ 109.
    ([188]) المغني 5/ 388، شرح معاني الآثار 4/ 89، بدائع الصنائع 6/ 127، وبعد أن نقل الكاساني الخلاف بين أبي يوسف ومحمد في المسألة قال: إن محمدًا ذكر في الموطأ أنه ينبغي للرجل أن يسوي بين ولده في النحل ولا يفضل بعضهم على بعض. وظاهر هذا يقتضي أن يكون قوله مع قول أبي يوسف.
    ([189]) المفهم 4/ 585.
    ([190]) كشاف القناع 4/ 310، وقال في الإنصاف 7/ 136: "هذا المذهب، نص عليه في رواية أبي داود, وحَرب, ومحمد بن الحكم, والمروذي, والكوسَج, وإسحاق بن إبراهيم, وأبي طالب, وابن القاسم, وسندي، وعليه جماهير الأصحاب" اهـ.
    ([191]) روضة الطالبين 5/ 379.
    ([192]) البيان والتحصيل 13/ 371، المفهِم 4/ 585.
    ([193]) شرح الخرشي على خليل 7/ 82، حاشية الصاوي على الشرح الصغير 4/ 118، حاشية العدوي على شرح الرسالة 2/ 262.
    ([194]) المغني 5/ 388، الاستذكار 7/ 228.
    ([195]) المغني 5/ 388، 389، فتح الباري 5/ 214.
    ([196]) المغني 5/ 389.
    ([197]) اللفظ للنسائي (3620) -كتاب النُّحل، باب ذِكر اختلاف ألفاظ الناقلين لخبر النُّعمان-.
    ([198]) حاشية العطار على شرح جمع الجوامع 2/ 24، 25.
    ([199]) حاشية ابن الشاط على فروق القرافي 2/ 88.
    ([200]) سبق تخريجه.
    ([201]) شرح معاني الآثار 4/ 89.
    ([202]) شرح معاني الآثار 4/ 89، المغني 5/ 388، إعلاء السنن 16/ 102.
    ([203]) سبق تخريجها.
    ([204]) مفردات غريب القرآن 2/ 72.
    ([205]) ينظر في ذلك لسان العرب، وتاج العروس، مادة (ع د ل).
    ([206]) الفروق 4/ 63.
    ([207]) المصباح المنير ص 671، مادة (و ل د).
    ([208]) المغني 5/ 389.
    ([209]) سبق تخريج جميع هذه الروايات.
    ([210]) المغني 5/ 389.
    ([211]) المغني 5/ 389.
    ([212]) فتاوى السبكي 2/ 318.
    ([213]) المُسَوَّدة في أصول الفقه ص 98، الكوكب المنير ص 364.
    ([214]) الرواية الأولَى رواها سعيـد بن منصور في سننه 1/ 119 -باب من قطع ميراثًا فرضه الله-، والثانية رواها الحارث بن أبي أسامة في مسنده- بغيـة الباحث عن زوائد مسند الحارث للهَيثمي 1/ 512 -كتاب البيوع، باب التسوية بين الأولاد في العطية-، وأخرجها من طريق سعيد بن منصور البيهقيُّ في سننه 6/ 177 -كتاب الهبات، جماع عطية الرجل ولده، باب السُّنّة في التسوية بين الأولاد في العطية-، والطبَراني في الكبير 11/ 354.
    والحديث قوّى إسناده جَمعٌ من العلماء؛ فحسَّنه الحافظ ابن حَجَر في الفتح 5/ 214، والإمام الزُّرقاني في شرحه على الموطأ 4/ 54، والصَّنعاني في سبل السلام 2/ 130.
    ([215]) إعلاء السنن 16/ 103.
    ([216]) المغني 5/ 389.
    ([217]) المصباح المنير ص 298، مادة: (س و ي).
    ([218]) إعلاء السنن 16/ 103.
    ([219]) رواه ابن أبي شيبة في مصنفه 1/ 316 -كتاب الوصايا، باب في الرجل يُفَضِّل بعض ولده على بعض-، وعبد الرزاق في مصنفه 9/ 98 –كتاب الوصايا، باب في التفضيل في النُّحل-.
    ([220]) متفق عليه: رواه البخاري (4699) -كتاب النكاح، باب الأكفاء في الدِّين-، ومسلم (2101) -كتاب الحج، باب جواز اشتراط المُحرِم التَّحلُّل بعُذر المرض- عن عائشة رضي الله عنها.
    ([221]) حاشية الجمل على شرح المنهج 2/ 162.
    ([222]) إعلاء السنن 16/ 103.
    ([223]) سنن سعيد بن منصور 1/ 119 -باب من قطع ميراثًا فرضه الله-.
    ([224]) قال ابن الأثير في أسد الغابة 2/ 358: "ولم يختلفوا أنه وُجِد ميتًا على مُغَسَّله، وقد اخضَرّ جسده، ولم يشعروا بموته بالمدبنة حتى سمعوا قائلا يقول من بئر، ولا يرون أحدًا:
    قَتَلنا سَيِّدَ الخَزرَ 




     


     
    ج سَعدَ بِن عُبَادة





     
    رَمَيناهُ بسَهمَين 


     



     
    فَلَم نُخطِ فُـؤادَه

     
    فلما سمع الغلمان ذلك ذعروا، فحُفِظ ذلك اليوم، فوجدوه اليوم الذي مات فيه سعد بالشام.
    قال ابن سيرين: بينا سعد يبول قائمًا، إذ اتكأ فمات قتله الجن. وقال البيتين" اهـ.
     
    ([225]) فتح الباري 5/ 214.
    ([226]) الكوكب المنير ص 317.
    ([227]) المُسَوَّدة في أصول الفقه ص 225.
    ([228]) إعلام الموقعين 1/ 25.
    ([229]) رواه الطحاوي في شرح معاني الآثار 4/ 89 -كتاب الهبة والصدقة، باب الرجل ينحل بعض بنيه دون بعض-، والبيهقي في شعب الإيمان 6/ 410 -الستون من شعب الإيمان، وهو باب في حقوق الأولاد والأهلين- عن أنس رضي الله عنه.
    ([230]) شرح معاني الآثار 4/ 89.
    ([231]) المغني 5/ 388.
    ([232]) بدائع الصنائع 6/ 127.
    ([233]) المُحَلَّى 8/ 105، إعلاء السنن 16/ 102.
    ([234]) التسوية بين الأبناء في العطية للدكتور مصباح حماد ص 72.
    ([235]) أسنى المطالب 2/ 483، مغني المحتاج 3/ 567.
    ([236]) إعلاء السنن 16/ 102.
    ([237]) الحاوي للماوردي 7/ 544، أسنى المطالب 2/ 483، مغني المحتاج 3/ 567.
    ([238]) تحفة المحتاج 6/ 309.
    ([239]) البحر المحيط 7/ 329.
    ([240])  الكوكب المنير ص 483.
    ([241]) حاشية العطار على شرح جمع الجوامع 2/ 259، 261.
    ([242]) إعلاء السنن 16/ 102، 103، والحديث المذكور سبق تخريجه.
    ([243]) الفتاوى الفقهية الكبرى 3/ 363.
    ([244]) مغني المحتاج 3/ 567.
    ([245]) هذه القاعدة نَصّ عليها العلامة السَّفّاريني الحنبلي في مواضع من غذاء الألباب -كما في 1/ 323، 1/ 420، 2/ 18، 2/ 64-، وذكر أنها قاعدة مذهبهم، ولم أجدها منصوصة في مذهبنا، ولكنها معقولة جدًا، =  = وفروعنا متضافرة على معناها؛ من ذلك قولهم في تنشيف بَلَل الوضوء والغسل أنه إن كانت ثَمّ حاجة إليه؛ كخوف برد، أو التصاق بنجاسة، ونحو ذلك، فلا كراهة قطعًا. (المجموع 1/ 486)
    وقولهم في النوم قبل العشاء والحديث بعدها أنه مكروه، وأن هذه الكراهة محلها إذا لم تَدع حاجة إلى الكلام, ولم يكن فيه مصلحة، أما الحديث للحاجة فلا كراهة فيه. (المجموع 3/ 44)
    وقولهم في الالتفات في الصلاة -الذي لا تحول فيه بالصدر عن القبلة- أنه إن كان لحاجة لم يُكرَه، وإلا كُرِه كراهة تنزيه. (المجموع 4/ 28)
    وقولهم في المعتكف إذا خاط ما تدعو حاجته إليه أنه لا كراهة حينئذ, أما غير المعتكف والمعتكف إذا اتخذ مسجدًا محلا لذلك، وأكثر فيه من الخياطة ونحوها فهو مكروه، ولا يبطل به اعتكافه على المشهور من مذهبنا. (المجموع 6/ 562)
    وقولهم فيمن أراد التضحية فدخل عليه عشر ذي الحجة أنه يُكرَه له أخذ شيء من أجزاء بدنه وشعره حتى يُضَحِّي، وأن محل كراهة ذلك إذا لم تَدع إليه حاجة، ذكر ذلك جماعة؛ منهم الزركشي. (أسنى المطالب 1/ 542)
    وقولهم أنه يُكرَه للقاضي أن يقضي في حال تغير الخلق بنحو غضب، وجوع مفرط، وخوف مزعج، ومدافعة خَبَث، وكل ما يُشَوِّش الخاطر، ولكن هذه الكراهة تنتفي إذا دعت الحاجة إلى الحُكم في الحال، بل قد يتعين الحُكم على الفور في صور كثيرة. (أسنى المطالب 4/ 298)
    وقد ظفرت بالنَّص على هذه القاعدة في حاشية الشهاب الرملي على أسنى المطالب من كتبنا (1/ 186) عند كلامه على كراهة دخول الصبيان المسجد، وأنها ليست على إطلاقها، بل تختص بمن لا يميز، وبحالة لا طاعة فيها ولا حاجة إليها. قال الرملي: "والحاجة قد تدفع الكراهة، كالضَبَّة الصغيرة للحاجة" اهـ، وينظر أيضًا: (2/ 450).
     
    ([246]) الفتاوى الفقهية الكبرى 3/ 363.
    ([247]) انظر: المغني 5/ 388، كشاف القناع 4/ 311، والأثر سبق تخريجه.
    ([248]) المغني 5/ 388.
    ([249]) الفتاوى الهندية 2/ 391، وانظر: حاشية ابن عابدين 4/ 444.
    ([250]) مجمع الأنهر 2/ 358، وانظر: بدائع الصنائع 6/ 127.
    ([251]) المنتقى شرح الموطأ 6/ 94.
    ([252]) المنتقى شرح الموطأ 6/ 93.
    ([253]) حاشية العدوي 2/ 261، وانظر: الفواكه الدواني للنفراوي 2/ 159.
    ([254]) المغني 5/ 388، الإنصاف 7/ 139.
    ([255]) الإنصاف 7/ 139، وانظر: المغني 5/ 388.
    ([256]) هو الدكتور مصباح المتولي حماد في كتابه: "التسوية بين الأبناء في العطية" ص 127.
    ([257]) المُحَلَّى 8/ 95.
    ([258]) بدائع الصنائع 6/ 127.
    ([259]) كشاف القناع 4/ 311، وانظر: الإنصاف 7/ 139.
    ([260]) المغني 5/ 388، كشاف القناع 4/ 311.
    ([261]) روضة الطالبين 5/ 379.
    ([262]) تحفة المحتاج 6/ 307، نهاية المحتاج 5/ 415.
    ([263]) حاشية العدوي 2/ 261، 262.
    ([264]) المغني 5/ 389، وانظر: كشاف القناع 4/ 309، شرح منتهى الإرادات 2/ 436.
    ([265]) البحر الرائق 7/ 288.
    ([266]) المُحَلَّى 8/ 95.
    ([267]) رواه أبو داود في سننه (3063) -كتاب البيوع، باب في الرجل يأكل من مال ولده-، وابن ماجه في سننه (2282، 2283) -كتاب التجارات، باب ما للرجل من مال ولده-. قال الحافظ البوصيري في مصباح الزجاجة 3/ 37: "هذا إسناد صحيح، رجاله ثقات على شرط البخاري، وله شاهد من حديث عائشة" اهـ، والحديث صحّحه أيضًا الحافظ ابن القطان، وقال المنذري: رجاله ثقات -كما في فتح الباري 5/ 211-.
    ([268]) شرح النيل وشفاء العليل 12/ 63.
    ([269]) تحفة المحتاج 6/ 307، المغني 5/ 389، والحديث المذكور سبق تخريجه.
    ([270]) سبق تخريجه.
    ([271]) سبق تخريجها، وانظر: تحفة المحتاج 6/ 307.
    ([272]) شرح المحلي على جمع الجوامع مع حاشية العطار 2/ 382.
    ([273]) الحديث رواه مسلم (423) -كتاب الطهارة، باب النهي عن البول في الماء الراكد-.
    ([274]) المغني 5/ 389، مغني المحتاج 3/ 567.
    ([275]) جمع الجوامع بشرح المحلي وحاشية البناني 1/ 240، 241، كشف الأسرار 1/ 73، 2/ 254.
    ([276]) أخرجه أصحاب السنن الأربعة وغيرهم، والرواية الأولَى عند أبي داود (3063) -كتاب البيوع، باب في الرجل يأكل من مال ولده-، وأحمد في مسنده 2/ 214 -مسند المكثرين من الصحابة، مسند عبد الله بن عمرو رضي الله عنه- وبنحوهما ابن ماجه في سننه (2282، 2283) -كتاب التجارات، باب ما للرجل من مال ولده-، والثانية رواها أبو داود (3061) عن عُمَارة بن عُمَير عن عمته عن عائشة رضي الله عنها، و(3062) عن عمارة أيضًا لكن عن أمه عن عائشة -كتاب البيوع، باب في الرجل يأكل من مال ولده-، ورواها النسائي (4373) (4374) -كتاب البيوع، باب الحث على الكسب-، وابن ماجه (2128)  =  =  -كتاب التجارات، باب الحث على المكاسب- عن عمارة عن عمته عن عائشة رضي الله عنها أيضًا، لكن دون ذِكر سؤال عمة عمارة لعائشة، والرواية الأخيرة رواها الترمذي (1278)، وقال: "حسن صحيح" -كتاب الأحكام، باب ما جاء أن الوالد يأخذ من مال ولده-.
    والحديث صحّحه من الحُفّاظ أيضًا: أبو حاتم وأبو زرعة الرازيّان، ومن المتأخرين الحافظان السخاوي والبوصيري، وأما إعلال ابن القَطّان له بأنه عن عمارة عن عمته, وتارة عن أمه, وكلتاهما لا يعرفان، فيجاب عنه بورود الحديث عند النسائي (4375، 4376) -كتاب البيوع، باب الحث على الكسب- من وجه آخر عن عائشة من رواية الأسود بن يزيد عنها.
    (ينظر: تلخيص الحبير 4/ 16، 17، المقاصد الحسنة 1/ 176، مصباح الزجاجة 3/ 37، شرح سنن النسائي للأثيوبي 80، 81)
    وقول الرجل للنبي صلى الله عليه وسلم: "إن والدي يَجتاح مالي" بتقديم الجيم وآخره حاء مهملة من الاجتياح، وهو: الاستئصال, وفي بعض النسخ: "يحتاج" بتقديم حاء مهملة وآخره جيم، من الاحتياج. قال الخطابي: "معناه يستأصله ويأتي عليه. والعرب تقول: جاحهم الزمان واجتاحهم إذا أتي على أموالهم. ومنه: الجائحة، وهي: الآفة التي تصيب المال فتهلكه. ويشبه أن يكون ما ذكره السائل من اجتياح والده ماله إنما هو بسبب النفقة عليه، وأن مقدار ما يحتاج إليه للنفقة عليه شيء كثير لا يسعه عفو ماله والفضل منه إلا أن يجتاح أصله ويأتي عليه, فلم يعذره النبي صلى الله عليه وسلم ولم يرخص له في ترك النفقة، وقال له: (أنت ومالُك لوالدك)" اهـ.
    فالحديث على معنى أنه لا ينبغي للابن أن يخالف الأب في شيء من ذلك وأن يجعل أمره فيه نافذًا كأمره فيما يملك، لا على التمليك منه للأب كسب الابن، وذلك نظير قول أبي بكر رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم: "هل أنا ومالي إلا لك يا رسول الله" فلم يُرِد أبو بكر بذلك أن ماله مِلكٌ للنبي صلى الله عليه وسلم دُونَه، ولكنه أراد أن أمره ينفذ فيه وفي نفسه.
    (ينظر: عون المعبود للعظيم آبادي 9/ 324، معالم السنن للخطابي 3/ 165، 166، شرح معاني الآثار 4/ 158)
    ([277]) المبسوط 5/ 76.
    ([278]) بدائع الصنائع 4/ 31.
    ([279]) أحكام القرآن لابن العربي 1/ 638.
    ([280]) تحفة المحتاج 1/ 230.
    ([281]) تيسير التحرير 1/ 87، 89، شرح المحلي على جمع الجوامع مع حاشية العطار 1/ 316. قال العلامة العطار: "قوله: (للمقصود به)، أي: للمنطوق المقصود باللفظ، أعني قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُم لَيلَة الصِّيَام}" اهـ.
    ([282]) تحفة المحتاج 6/ 307، المغني 5/ 389، والحديث المذكور سبق تخريجه.
    ([283]) التلويح على التوضيح 1/ 261، 2/ 222، كشف الأسرار 1/ 46.
    ([284]) المحصول 5/ 433، الإحكام للآمدي 4/ 311.
    ([285]) تحفة المحتاج 6/ 309.
    ([286]) تحفة المحتاج 6/ 307.
    ([287]) الإنصاف 7/ 137، بتصرف.
    ([288]) بدائع الصنائع 6/ 127، شرح أبي الحسن على الرسالة -بحاشية العدوي- 2/ 261، 262.
    ([289]) المُحَلَّى 8/ 96، 106.
    ([290]) سبق تخريجه.
    ([291]) البحر المحيط 2/ 401، 402، جمع الجوامع بشرح المحلي وحاشية العطار 1/ 390-392، الكوكب المنير ص369، 370.
    ([292]) سبق تخريجه.
    ([293]) جميع الروايات السابقة سبق تخريجها.
    ([294]) الإحكام للآمدي 3/ 320، 321، البحر المحيط 7/ 246، جمع الجوامع بشرح المحلي وحاشية العطار 2/ 307، الكوكب المنير ص 512.
    ([295]) الأشباه والنظائر ص 136.
    ([296]) كشاف القناع 4/ 311، 312، وانظر: المغني 5/ 394، الإنصاف 7/ 141.
    ([297]) المُحَلَّى 8/ 96.
    ([298]) المُحَلَّى 8/ 106.
    ([299]) المُحَلَّى 8/ 95، 96.
    ([300]) يشير إلى ما رواه ابن ماجه في سننه (3648) -كتاب الأدب، باب بِر الوالدين-، وأحمد 2/ 391 -باقي مسند المكثرين، واللفظ له-، والحُمَيدي في مسنديهما 2/ 476 عن أبي هريرة قال: "جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله نَبِّئني بأحق الناس مني صُحبة. فقال: نعم والله لتُنَبَّأنّ. قال: من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: ثم أمك. قال: ثم من؟ قال: ثم أبوك"، فتكرر فيها ذكر الأم مرتين في مقابل الأب مرة واحدة. قال سفيان بن عيينة -شيخ الحميدي بعد روايته لهذا الحديث-: "فيَرَون أن للأم الثلثين من البِر، وللأب الثلث" اهـ، وبنحوه عن الليث بن سعد كما في فتح الباري (10/ 402). وأصل الحديث متفق عليه رواه البخاري (5514) كتاب الأدب، باب من أحق الناس بحُسن الصحبة-، ومسلم (4621) -كتاب البِر والصلة والآداب، باب بر الوالدين، وأنهما أحق به- عن أبي هريرة رضي الله عنه، ولكن بذكر الأم ثلاث مرات. وقد عزا الحافظ في الفتح (10/ 402) هذه الرواية -التي ورد فيها ذكر الأم مرتين فقط- لمسلم في البِر والصلة من رواية محمد بن فضيل عن أبيه عن عمارة بن القعقاع، ويبدو أن نسخ الصحيح مختلفة في نقل هذه الرواية؛ ففي النسخ المطبوعة من صحيح مسلم -كالمطبوعة السلطانية، ومطبوعة دار الشعب- الرواية مُثبَتة فيها بذكر الأم ثلاث مرات، إلا أن محقق مطبوعة الشعب أشار في الهامش إلى أنه ورد الحديث في نسخة من مخطوطات الصحيح بذكر الأم مرتين فقط كما نقله الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى.
    ([301]) مغني المحتاج 3/ 567.
    ([302]) تحفة المحتاج 6/ 308.
    ([303]) روضة الطالبين 5/ 378، 379.
    ([304]) حاشية الشَّرْواني على التُّحفة 6/ 308.
    ([305]) نهاية المحتاج 5/ 416.
    ([306]) كشاف القناع 4/ 309، 310، شرح منتهى الإرادات 2/ 436، الإنصاف 7/ 138.
    ([307]) رواه البيهقي في شعب الإيمان 6/ 210 -الخامس والخمسون من شعب الإيمان، وهو باب في بِر الوالدين-، وأبو داود في المراسيل ص 336، وضعّفه الحافظ زين الدين العراقي في تخريج أحاديث الإحياء 6/  1033 -بهامش الإحياء-.
    ([308]) رواه الطبراني في معجمه الكبير 19/ 200، وابن عَديّ في الكامل 6/ 241، والبيهقي في شعب الإيمان -الخامس والخمسون من شعب الإيمان، وهو باب في بِر الوالدين-. وقال الهيثمي في المجمع 8/ 149: "فيه الواقدي، وهو ضعيف".
    ([309]) الشَّبرامَلِّسي، نسبة إلى شَبرامَلِّس، وهي قرية بمصر، تتبع الآن مركز زفتى بمحافظة الغربية. وشَبرا: بشين معجمة، فموحدة، فألف مقصورة، على وزن سَكرى، ومَلِّس: بفتح الميم، وكسر اللام المشددة، وبالسين المهملة، مركبة تركيب إضافة أو تركيب مزج. (خلاصة الأثر للمحبي 3/ 177، الخطط التوفيقية الجديدة 12/ 325)
    ([310]) حاشية الشَّبرامَلِّسي على نهاية المحتاج 5/ 416.
    ([311]) تحفة المحتاج 6/ 308.
    ([312]) مغني المحتاج 3/ 568، بتصرف.
    ([313]) كشاف القناع 4/ 309، 310، شرح منتهى الإرادات 2/ 436، الإنصاف 7/ 138، وبعض الحنابلة يرى عدم الوجوب، منهم الإمام ابن قدامة الذي انتصر له بشدة في المغني 5/ 389.
    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()