بتـــــاريخ : 11/6/2008 4:34:12 PM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1101 0


    وظيفة شهر ذي القعدة

    الناقل : heba | العمر :43 | المصدر : www.dar-alifta.org

    كلمات مفتاحية  :
    الاشهر الحرم ذو القعدة

     خرج الإمام أحمد بإسناده عن رجل من باهلة قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجة مرة فقال: من أنت ؟ قلت : أما تعرفني ؟ قال :ومن أنت ؟ قلت: أنا الباهلي الذي أتيتك عام أول فقال: إنك أتيتني وجسمك ولونك وهيئتك حسنة فما بلغ بك ما أرى ؟ قلت : والله ما أفطرت بعدك إلا ليلًا قال: من أمرك أن تعذب نفسك من أمرك أن تعذب نفسك ؟ - ثلاث مراتٍ - صم شهر الصبر (رمضان) قلت: إني أجد قوة وإني أحب أن تزيدني قال : صم يومًا من الشهر قلت: إني أجد قوة وإني أحب أن تزيدني قال: فيومين من الشهر قلت: إني أجد قوة و إني أحب أن تزيدني قال: فثلاثة أيام من الشهر قال: وألح عند الرابعة فما كاد فقلت: إني أجد قوة و إني أحب أن تزيدني قال: فمن الـحُرمِ وأفطر
    وخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه بمعناه وفي ألفاظهم زيادة ونقص وفي بعض الروايات: صُم الـحُرُمَ وأفطر], في هذا الحديث دليل على أن من تكلَّف من العبادة ما يشق عليه حتى تأذى بذلك جسده, فإنه غير مأمورٍ بذلك و لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم له:
        [من أمرك أن تُعذِّب نفسك] وأعادها عليه ثلاث مرار, وهذا كما قاله لمن رآه يمشي في الحج وقد أجهد نفسه: [ إن الله لغني عن تعذيب هذا نفسه فمروه فليركب] وقال لعبد الله ابن عمرو بن العاص حيث كان يصوم النهار ويقوم الليل ويختم القرآن في كل ليلة ولا ينام مع أهله فأمره أن يصوم و يفطر و يقرأ القرآن في كل سبع, وقال له: [ إن لنفسك عليك حقًّا وإن لأهلك عليك حقًّا فآت كل ذي حق حقه] ولما بلغه عن بعض الصحابة أنه قال: أنا أصوم و لا أفطر وقال آخر منهم: أنا أقوم و لا أنام و قال آخر منهم : لا أتزوج النساء فخطب وقال: [ ما بال رجال يقولون: كذا و كذا: لكني أصوم وأفطر وأقوم وأنام
        وآكل اللحم وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني ].
        وسبب هذا: أن الله تعالى خلق ابن آدم محتاجًا إلى ما يقوم به بدنه؛ من مأكل ومشرب ومنكح وملبس, وأباح له من ذلك كله ما هو طيب حلال, تقوى به النفس و يصح به الجسد ويتعاونان على طاعة الله عز وجل, وحرَّم من ذلك ما هو ضار خبيث يوجب للنفس طغيانها وعماها وقسوتها, وغفلتها وأشرها وبطرها, فمن أطاع نفسه في تناول ما تشتهيه مما حرَّمه الله عليه, فقد تعدَّى وطغى وظلم نفسه, ومن منعها حقها من المباح حتى تضررت بذلك فقد ظلمها ومنعها حقها؛ فإن كان ذلك سببًا لضعفها, وعجزها عن أداء شيء من فرائض الله عليه, ومن حقوق الله عز وجل أو حقوق عباده كان بذلك عاصيًا, وإن كان ذلك سببًا للعجز عن نوافل هي أفضل مما فعله, كان بذلك مُفرطًا مغبونًا خاسرًا وقد كان رجل في زمن التابعين يصوم ويواصل حتى يعجز عن القيام؛ فكان يصلي الفرض جالسًا فأنكروا ذلك عليه حتى قال عمرو بن ميمون: لو أدرك هذا أصحاب محمد صلى الله عليه
    و سلم لرجموه.
        وكان ابن مسعود يُقلُّ الصيام ويقول: إنه يضعفني عن قراءة القرآن وقراءة القرآن أحب إلي وأحرم رجلٌ من الكوفة فقدم مكة, وقد أصابه الجهد, فرآه عمر بن الخطاب و هو سيء الهيئة, فأخذ عمر بيده وجعل يدور به الـحلق ويقول للناس: انظروا إلى ما يصنع هذا بنفسه وقد وسع الله عليه, فمن تكلَّف من التطوع ما يتضرر به في جسمه؛ كما فعل هذا البَاهليُّ أو منع به حقًّا واجبًا عليه, كما فعل عبد الله بن عمرو بن العاص وغيره ممن عزم على ترك المباحات في عهد النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإنه ينهى عن ذلك ومن احتمل بدنه ذلك ولم يمنعه من حق واجب عليه, لم ينه عن ذلك إلا أن يمنعه عما هو أفضل من ذلك من النوافل, فإنه يرشد إلى عمل الأفضل وأحوال الناس تختلف فيما تحمل أبدانهم من العمل.
        كان سفيان الثوري يصوم ثلاثة أيام من الشهر, فَيُرى أثر ذلك عليه وكان غيره في زمنه يصومُ الدهر فلا يظهر عليه أثره, وكان كثيرٌ من المتقدمين يحملون على أنفسهم من الأعمال ما يضر بأجسادهم ويحتسبون أجر ذلك عند الله, وهؤلاء قوم أهل صدق وجد واجتهاد فَيُحيَّون على ذلك و لكن لا يُقتدَى بهم وإنما يُقتدى بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن خير الهدي هديه, ومن أطاعه فقد اهتدى ومن اقتدى به وسلك وراءه وصل إلى الله عز وجل, وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن التعسير ويأمر بالتيسير ودينه الذي بُعث به يسر وكان يقول:[ خير دينكم أيسره ] ورأى رجلًا يكثر الصلاة فقال: [ إنكم أمة أريد بكم اليسر ] ولم يكن أكثر تطوع النبي صلى الله عليه وسلم وخواص أصحابه بكثرة الصوم و الصلاة بل ببر القلوب وطهارتها و سلامتها وقوة تعلقها بالله خشية له ومحبة
    وإجلالا وتعظيما ورغبة فيما عنده وزهدًا فيما يفنى وفي المسند: [ عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إني أعلمكم بالله وأتقاكم له قلبًا ], قال ابن مسعود رضي الله عنه لأصحابه: أنتم أكثر صلاة و صيامًا من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم
        وهم كانوا خيرًا منكم قالوا : ولم ؟ قال: كانوا أزهد منكم في الدنيا و أرغب في الآخرة
        وقال بكر المزني : ما سبقهم أبو بكر بكثرة صيام و لا صلاة و لكن بشيء وقر في صدره قال بعض العلماء المتقدمين: الذي وقر في صدره هو حب الله والنصيحة لخلقه. 
    وسئلت فاطمة بنت عبد الملك زوجة عمر بن عبد العزيز بعد وفاته عن عمله ؟ فقالت:
        والله ما كان بأكثر الناس صلاة و لا بأكثرهم صيامًا ولكن و الله ما رأيت أحدًا أخوف لله من عمر لقد كان يذكر الله في فراشه, فينتفض انتفاض العصفور من شدة الخوف حتى نقول: ليصبحن الناس ولا خليفة لهم
        قال بعض السلف: ما بلغ من بلغ عندنا بكثرة صلاة و لا صيام ولكن بسخاوة النفوس وسلامة الصدور والنصح للأمة و زاد بعضهم و احتقار أنفسهم.
        و ذكر لبعضهم شدة اجتهاد بني إسرائيل في العبادة فقال: إنما يريد الله منكم صدق النية فيما عنده؛ فمن كان بالله أعرف وله أخوف وفيما عنده أرغب فهو أفضل ممن دونه في ذلك و إن كثر صومه و صلاته وقال أبو الدرداء رضي الله عنه : يا حبذا نوم الأكياس وفطرهم كيف يسبق سهر الجاهلين و صيامهم و لهذا المعنى كان فضل العلم النافع الدال على معرفة الله وخشيته ومحبته ومحبة ما يحبه و كراهة ما يكرهه, لا سيما عند غلبة الجهل والتعبد به أفضل من التطوع بأعمال الجوارح, قال ابن مسعود رضي الله عنه: أنتم في زمان العمل فيه أفضل من العلم, و سيأتي زمان العلم فيه أفضل من العمل.
        وقال مطرف: فضل العلم أحب إلي من فضل العبادة وخير دينكم الورع وخرجه الحاكم و غيره مرفوعًا و نصَّ كثير من الأئمة على : أن طلب العلم أفضل من صلاة النافلة وكذلك الاشتغال بتطهير القلوب أفضل من الاستكثار من الصوم و الصلاة مع غش القلوب و دغلها و مثل من يستكثر من الصوم و الصلاة مع دغل القلب و غشه؛ كمثل من بذر بذرًا في أرض دغلة كثيرة الشوك فلا يزكو ما ينبت فيها من الزرع, بل يمحقه دغل الأرض و يفسده فإذا نظفت الأرض من دغلها زكى ما ينبت فيها و نما.
        قال يحيى بن معاذ : كم من مستغفر ممقوت و ساكت مرحوم هذا استغفر و قلبه فاجر و هذا سكت و قلبه ذاكر وقال غيره : ليس الشأن فيمن يقوم الليل إنما الشأن فيمن ينام على فراشه ثم يصبح و قد سبق الركب, من سار على طريق الرسول صلى الله عليه و سلم و منهاجه و إن اقتصد؛ فإنه يسبق من سار على غير طريقه و إن اجتهد
        من لي بمثل سيرك المذلل ... تمشي رويدًا و تجي في الأول
        و المقصود أن هذا الباهلي لما رآه النبي صلى الله عليه و سلم و قد أنهكه الصوم, وغير هيئته و أضرَّ به في جسده أمره أولًا : أن يقتصر على صيام شهر الصبر و هو شهر رمضان فإنه الشهر الذي افترض الله صيامه على المسلمين و اكتفى منهم بصيامه من السنة كلها, وصيامه كفارة لما بين الرمضانين إذا اجتنبت الكبائر فطلب منه الباهلي أن يزيده من الصيام و يأمره بالتطوع و أخبره أنه يجد قوة على الصيام فقال له: [ صم يوما من الشهر, فاستزاده و قال: إني أجد قوة فقال:صم يومين من الشهر فاستزاده و قال: إني أجد قوة فقال صم ثلاثة أيام من الشهر قال : و ألح عند الثالثة فما كاد يعني ما كاد يزيده على الثلاثة أيام من الشهر ]
        و هكذا قال لعبد الله بن عمرو بن العاص أيضًا ففي صحيح مسلم عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال له : [ صم يومًا يعني من الشهر و لك أجر ما بقي قال: إني أطيق أكثر من ذلك قال: صم يومين و لك أجر ما بقي قال: إني أطيق أكثر من ذلك قال : صم ثلاثة أيام و لك أجر ما بقي ].
        ففي هذا: أن صيام ثلاثة أيام من الشهر يحصل به أجر صيام الشهر كله و كذلك صيام يومين منه و وجه ذلك أن الصيام يضاعف ما لا يضاعف غيره من الأعمال و قد سبق ذكر ذلك عند الكلام على حديث: [ كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف قال الله عز و جل : إلا الصيام فإنه لي و أنا أجزي به ], فالصيام لا يعلم منتهى مضاعفته إلا الله عز و جل, وكلما قوي الإخلاص فيه و إخفاؤه و تنزيهه من المحرمات والمكروهات كثرت مضاعفته فلا يستنكر أن يصوم الرجل يوما من الشهر فيضاعف له بثواب ثلاثين يوما, فيكتب له صيام الشهر كله و كذلك إذا صام يومين من الشهر و أما إذا صام منه ثلاثة أيام فهو ظاهر؛ لأن الحسنة بعشر أمثالها.
        وخرج الترمذي و النسائي عن أبي ذر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :[ من صام كل شهر ثلاثة أيام كان كمن صام الدهر ], فأنزل الله عز و جل تصديق ذلك : { من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها }[ الأنعام:160], اليوم بعشرة أيام و في الصحيحين عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ صم من الشهر ثلاثة أيام فإن الحسنة بعشر أمثالها و ذلك مثل صيام الدهر ] وفي رواية فيهما أيضا : [ إن بحسبك أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام, فإن لك بكل حسنة عشر أمثالها فإن ذلك صيام الدهر كله ], وفي المسند عن قرة المزني عن النبي صلى الله عليه و سلم قال :[ صيام ثلاثة أيام من كل شهر صيام الدهر و إفطاره ], يعني صيامه في مضاعفة الله و إفطاره في رخصة الله ؛كما كان أبو هريرة رضي الله عنه وأبو ذر يقولان ذلك, وكانا يصومان ثلاثة أيام من كل شهر و يقولان في سائر أيام الشهر نحن صيام ويتأولان أنهما صيام في مضاعفة الله و هما مفطران في رخصة الله و قد وصى النبي صلى الله عليه و سلم جماعة من أصحابه بصيام ثلاثة أيام من كل شهر منهم : أبو هريرة رضي الله عنه و أبو الدرداء و أبو ذر و غيرهم و في المسند أن النبي صلى الله عليه و سلم قال[ في صيام ثلاثة أيام من كل شهر: هو صوم حسن ] و فيه أيضا عن أبي ذر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول :[ صوم شهر الصبر و ثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر و يذهب مغلة الصدر قلت : و ما مغلة الصدر ؟ قال : رجس الشيطان ].
        و فيه أيضا عن رجل عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ صيام شهر الصبر و ثلاثة من كل شهر يذهبن كثيرًا من وحر الصدر ] و في غير هذه الرواية : [ وغر الصدر ] و هما بمعنى واحد يقال : وحر صدره ووغر : إذا كان فيه غل و غش و قيل : الوحر الغل و الوغر الغيظ و قد كان النبي صلى الله عليه و سلم يتحرى صيام ثلاثة أيام من كل شهر وكذلك كان إبراهيم عليه السلام ,كما خرجه ابن ماجه [ من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه مرفوعًا : صيام إبراهيم ثلاثة أيام من كل شهر صام الدهر و أفطر الدهر ]
        و في السنن [ عن حفصة رضي الله عنها : أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يصوم العشر و عاشوراء و ثلاثة أيام من كل شهر ] و في إسناده اختلاف و في صحيح مسلم [ عن عائشة رضي الله عنها : أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر ] قيل لها من أيه كان يصوم ؟ قالت: كان لا يبالي من أيه صام ففي هذا الحديث أنه صلى الله عليه و سلم, لم يكن يبالي من أي الشهر صام الأيام الثلاثة و قد روي في صفة صيام النبي صلى الله عليه وسلم للأيام الثلاثة من الشهر أنواع أخر : أحدها: ما خرجه الترمذي من حديث عائشة رضي الله عنها قالت :[ كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصوم من الشهر السبت و الأحد و الإثنين و من الشهر الآخر الثلاثاء و الأربعاء والخميس ] و قال حديث حسن و ذكر أن بعضهم رواه موقوفًا يعني من فعل عائشة رضي الله عنها غير مرفوع.
        الثاني: ما خرجه أبو داود و غيره من حديث حفصة : أن النبي صلى الله عليه و سلم [كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر الإثنين و الخميس و الإثنين من الجمعة الأخرى ], فعلى هذه الرواية كان النبي صلى الله عليه وسلم يجعلها من أول الشهر ولا يوالي بينها, بل كان يتحرى بها يوم الإثنين مرتين و الخميس مرة الثالث : عكس الثاني خرجه النسائي [ من حديث حفصة أيضا: أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يصوم من كل شهر ثلاثة أيام أول اثنين من الشهر ثم الخميس ثم الخميس الذي يليه ] وفي رواية له أيضا : [ أول اثنين من الشهر و خميسين ] و خرج أبو داود من حديث أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم معنى ذلك و في رواية في المسند : [ الإثنين و الجمعة و الخميس ] و كأنها غير محفوظة؛ فإن كانت محفوظة فهي نوع رابع
        و النوع الخامس: ما خرجه أبو داود و النسائي و الترمذي [ من حديث ابن مسعود رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يصوم من غرة كل شهر ثلاثة أيام ] و حسنه الترمذي و ذكر أن بعضهم لم يرفعه يعني أنه وقفه على ابن مسعود و ظاهر هذا أنه كان يوالي بين الأيام الثلاثة من أول كل شهر
        والنوع السادس : أنه كان يصوم أيام البيض فخرج النسائي [ عن ابن عباس رضي الله عنهما : أن النبي صلى الله عليه و سلم كان لا يدع صيام أيام البيض في حضر ولا سفر ] .
        و خرج الترمذي و النسائي عن أبي ذر رضي الله عنه :[ أن النبي صلى الله عليه و سلم أمره بصيام أيام البيض : ثلاث عشرة و أربع عشرة و خمس عشرة ] و في السنن الأربعة خلا الترمذي عن قتادة بن ملحان عن النبي صلى الله عليه و سلم نحوه.
        و خرج النسائي من حديث جابر البجلي عن النبي صلى الله عليه و سلم نحوه أيضا و قد روي عن الحسن : أنه كان يصوم خمسة أيام من أول الشهر و يقول : ما يدريني لعلي لا أدرك البيض.
        و في كتاب مناقب الحسن لأبي حيان التوحيدي : أن رجلا سأل الحسن لأي شيء استحب صيام الأيام البيض ؟ فلم يدر ما يقول فقال أعرابي عنده : لأن القمر ينكسف في لياليهن فيكون الناس عند حدوث الآيات على عبادة فقال الحسن: خذوها من غير فقيه وفي حديث الباهلي؛ أنه قال للنبي صلى الله عليه و سلم بعد ذلك : إني أجد قوة وإني أحب أن تزيدني فقال له : [ فمن الحرم و أفطر ] و في رواية : [ صم الحرم و أفطر ] و في رواية قال : [ صم الأشهر الحرم ] فهذا دليل على فضل صيام الأشهر الحرم الأربعة التي ذكرها الله تعالى في كتابه بقوله : { منها أربعة حرم }[ التوبة:36], و قد فسرها النبي صلى الله عليه و سلم في حديث أبي بكرة - [ بأنها ثلاثة متواليات : ذو القعدة و ذو الحجة والمحرم و شهر رجب ], و قد ذكرناه في وظيفة شهر رجب, و ذكرنا عن ابن عباس رضي الله عنهما أن العمل الصالح و الأجر في هذه الحرم أعظم و ذكرنا في وظائف المحرم قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله الذي تدعونه المحرم ] وسيأتي في وظائف ذي الحجة ذكر فضل صيام عشر ذي الحجة إن شاء الله و قد كان كثير من السلف يصوم الأشهر الحرم كلها روي ذلك عن ابن عمر و الحسن البصري و أبي إسحاق السبيعي.
        وقال سفيان الثوري : الأشهر الحرم أحب إلي أن أصوم منها.
        وروى خلاد الصفار عن أبي مسلم قال : صيام يوم من أشهر الحج أو قال أشهر الحرم يعدل شهرًا و صيام يوم من غير الأشهر الحرم يعدل عشرًا, وروي عن النخعي نحوه لكنه قال : من المحرم فيحتمل أنه أراد جنس الأشهر المحرمة, و روي معناه مرفوعًا من حديث أنس وإسناده ضعيف جدًّا و يروى بإسناد مجهول عن أنس مرفوعًا : [ من صام من شهر حرام الخميس و الجمعة والسبت كتب الله له عبادة تسعمائة سنة ].
        و قال كعب : اختار الله الزمان فأحبه إليه الأشهر الحرم ويروى من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا ولا يصح وعن قيس بن عباد أنه قال : ليس في الأشهر الحرم شهر إلا في اليوم العاشر منه خير, قال : ففي ذي الحجة في العاشر النحر- يوم الحج الأكبر- و في المحرم العاشر عاشوراء و في العاشر من رجب { يمحو الله ما يشاء و يثبت }[الرعد:39]. قال الراوي : و نسيت ما قال في ذي القعدة و قد تقدم في ذكر وظيفة رجب أنه روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه ذكر من عجائب الدنيا بأرض عاد عمود من نحاس عليه شجرة من نحاس, فإذا كان في الأشهر الحرم قطر منها الماء, فملؤوا منه حياضهم وسقوا مواشيهم وزروعهم فإذا ذهبت الأشهر الحرم انقطع الماء.
        و ذو القعدة من الشهر الحرم بغير خلاف و هو أول الأشهر الحرم المتوالية و هل هو أول الحرم مطلقًا أم لا ؟ فيه اختلاف ذكرناه في وظيفة رجب و هو أيضًا من أشهر الحج التي قال الله تعالى فيها: { الحج أشهر معلومات }[البقرة:197], و قيل: إن تحريم ذي القعدة كان في الجاهلية لأجل السير إلى الحج, و سمي ذا القعدة لقعودهم فيه عن القتال وتحريم المحرم لرجوع الناس فيه من الحج إلى بلادهم, وتحريم ذي الحجة لوقوع حجهم فيه و تحريم رجب كان للاعتمار فيه من البلاد القريبة.
        ومن خصائص ذي القعدة أن عُمَرَ النبي صلى الله عليه و سلم كلها, كانت في ذي القعدة سوى عمرته  التي قرنها بحجته مع أنه صلى الله عليه و سلم أحرم بها أيضًا في ذي القعدة و فعلها في ذي الحجة مع حجته و كانت عُمَرَه صلى الله عليه و سلم أربعًا : عمرة الحديبية ولم يتمها بل تحلل منها و رجع و عمرة القضاء من قابل, و عمرة الجعرانة عام الفتح لما قسم غنائم حنين و قيل : إنها كانت في آخر شوال و المشهور أنها كانت في ذي القعدة و عليه الجمهور.
        و عمرته في حجة الوداع كما دلت عليه النصوص الصحيحة و عليه جمهور العلماء أيضا
    و قد روي عن طائفة من السلف منهم ابن عمر و عائشة و عطاء تفضيل عمرة ذي القَعْدَة و شوال على عمرة رمضان لأن النبي صلى الله عليه و سلم اعتمر في ذي القَعْدَة و في أشهر الحج حيث يجب عليه الهدي إذا حجَّ من عامه؛ لأن الهدي زيادة نسك فيجتمع نسك العمرة مع نسك الهدي ولذي القعدة فضيلة أخرى و هي أنه قد قيل : إنه الثلاثون يومًا الذي واعد الله فيه موسى عليه السلام, قال ليث عن مجاهد في قوله تعالى : { و واعدنا موسى ثلاثين ليلة } قال ذو القعدة { و أتممناها بعشر }[ الأعراف: 142], قال: عشر ذي الحجة.
        يا من لا يقلع عن ارتكاب الحرام لا في شهر حلال ولا في شهر حرام يا من هو في الطاعات إلى وراء وفي المعاصي إلى قدَّام, يا من هو في كل يوم من عمره شرٌّ مما كان في قبله من الأيام! متى تستفيق من هذا المنام؟! متى تتوب من هذا الأجرام؟! يا من أنذره الشيب بالموت و هو مقيم على الآثام! أما كفاك واعظ الشيب مع واعظ القرآن والإسلام, الموت خير لك من الحياة على هذه الحال و السلام.
    يا غاديا في غفلة و رائحا إلى متى تستحسن القبائحا   
                                                           وكم إلى كم لا تخاف موقفا يستنطق الله به الجوارحا
    واعجبًا منك و أنت مبصر كيف تجنبت الطريق الواضحا 
                                                         وكيف ترضى أن تكون خاسرًا يوم يفوز من يكون رابحا

    كلمات مفتاحية  :
    الاشهر الحرم ذو القعدة

    تعليقات الزوار ()