بتـــــاريخ : 11/5/2008 7:00:40 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1008 0


    لإنقاذ الجائعين

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : كمال السيد | المصدر : www.balagh.com

    كلمات مفتاحية  :
    قصة لإنقاذ الجائعين

    وجد زيد نفسه يمضي وحيداً لكأن قدراً عجيباً جاء به إلى الكوفة عاصمة المجد المندرس؛ وكان رجل كوفي يقود بعيره ويحاور صاحباً له، ولم يكن زيد ليكترث لشيء لولا أن تناهت إلى أذنيه كلمة كان قد سمعها من قبل. قال صاحب الجمل المحمل بتمر (هجر) إنه يمضي إلى (الكناسة)، شيء ما جعله ينشدّ إلى تلك البقعة من أرض الله، وتذكّر كلمات قالها ابن أخيه (جعفر).
    كانت الشمس قد توسطت كبد السماء، والجو حاراً في تلك الظهيرة الملتهبة؛ وقد لجأ الكوفيون إلى منازلهم فراراً من الحرّ، فبدت الكوفة مقفرة كمدينة مهجورة. فجأة ظهرت امرأة عجوز عليها ثياب بالية، كانت نظراتها الزائغة تتجه إلى حمل البعير.
    سار الموكب العجيب رجل وبعير، ورجل حجازي دفعته الأقدار إلى مدينة غدرت بأجداده، وامرأة عجوز تنظر بانكسار.
    أوقف صاحب البعير بعيره، راح يعدّل حمله ويشير إلى ثقوب في العِدل محدّثاً صاحبه بشأنها ..
    اهتزت سفينة الصحراء لتمضي في رحلتها، فسقطت تمرتان، برقت عينا العجوز أملاً وهي تسرع نحوهما، وضعتهما في خرقة واستأنفت نظراتها إلى الجمل لكأنها تتمنى أن تحدث ثقوباً جديدة فيه.
    تساءل زيد أي فقر رهيب أخرج هذه البائسة في هذه الظهيرة الجهنمية.
    أراد أن يكتوي بالنار أكثر فهتف:
    ـ ماذا تفعلين يا أمة الله؟!
    ربما أرادت أن تبدد كل ما قد يعلق بذهن الإنسان من شكوك؛ فقالت بصوت يشوبه حزن عميق:
    ـ إن لي سبع بنات لا أحد ما أطعمهن به.
    كان للكلمات أثر الصاعقة، وقفز قلبه يتلفت يميناً وشمالاً، يبحث عن قيم حملها جده من السماء، وعن قيم مودعة في طينة الإنسان منذ خلق الله آدم.
    كانت العجوز تنظر إلى رجل غريب عليه سيماء النبوات؛ تُرى من يكون هذا الغريب!
    هل رأيت غيمة في السماء مشحونة بالبروق مخزونة بالوعود؟ تنوء بما تحمله من دموع ثِقال، فإذا اندلعت الصواعق انهمر المطر غزيراً؛ هكذا بدا زيد في تلك اللحظات، انفجرت آلامه دفعة واحدة، شعر بأنه يهوي من الثريا يتقطع إرباً إرباً فوق بقعة مضخمة بالدماء منقوعة بالأحزان، فتدفقت عيناه دموعاً كغيوم حزينة، هتف وهو يمضي وحيداً:
    ـ أنتِ وأمثالك سيخرجونني غداً ويسفكون دمي.
    هل سمعته المرأة وهو يتمتم بذلك؟ هل أدركت هوية هذا الحجازي الذي جاء الكوفة على قدر؟! لقد مضت تتبع البعير تؤمل نفسها في تميزات تسقط من الحمل تحملها إلى بطون جائعة. والخيول العربية تغير على شواطئ بحر الخزر من أرمينيا إلى طبرستان وتتوغل في بلاد ما وراء النهر حتى (فرغانه)، والسفن ذات الصواري تفتتح (سرقوسة) في جزيرة صقلية؛ وسيل الغنائم يتدفق إلى قصر جاثم في دمشق يحكمه رجل أحول.
    وتذكر زيد كلمات قالها عليّ في الكوفة ذات يوم:
    ـ ما جاع فقير إلا بما متع به غني.

    كلمات مفتاحية  :
    قصة لإنقاذ الجائعين

    تعليقات الزوار ()