بتـــــاريخ : 11/5/2008 6:53:16 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1103 0


    التائب الشهيد

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : كمال السيد | المصدر : www.balagh.com

    كلمات مفتاحية  :
    قصة التائب الشهيد

    الكوفة خائفة. جلست ذليلة في حضرة ابن زياد .. وزياد يشير بسوطه .. فتتساقط الرؤوس .. وتطيح الأيدي. وانحنت الرقاب (للأرقط). لقد انتصر بجيشه الوهمي القادم من الشام. الكوفة كلها أسيرة في قبضته .. تنقاد له طائعة. يصرخ فيها:
    ـ اقتلوا آل الحسين .. إنهم أناس يتطهرون.
    وينتظم العبيد. عبيد الدنيا جيشاً عرموماً يقوده (الحر).
    المهمة خطيرة .. القبض على القافلة .. فارس يقود ألف فارس مدجج السلاح يجوبون الصحراء بحثاً عن قافلة صغيرة ..
    قدر عجيب ساق هذا الرجل .. جعله في طليعة الذين يريدون اغتيال الحرية .. وهو (الحر) كما سمّته أمه ..
    والحر يجوب الصحراء في مهمة كان يلعنها في أعماق نفسه .. الرمال الممتدة إلى ما لا نهاية تدعوه إلى الرحيل .. الرحيل إلى الشمس، وكانت الأرض تشده إليها كما شدت ألفاً يسيرون خلفه.
    ويسمع الحر صوتاً عجيباً .. صوتاً قادماً من وراء الرمال:
    ـ أبشر يا حرّ بالجنة.
    ـ أية جنة وأنا سائر لقتال سبط النبي.
    الخيل تلهث .. أضر بها الظمأ .. والصحراء تلتهب .. تتوهج .. تشتعل جحيماً لا يطاق والحر يبشّر بالجنة. وتبدو في الأفق قافلة تتجه نحو ذي حسم (الجبل الصغير).
    الشمس في كبد السماء تتشظى حمماً .. تتفجر لهباً، والرمال تشتعل جمراً، والخيل تلهث .. تهوّم عيونها نحو سراب بعيد يحسبه الظمآن ماء. وقف الحر قبال الحسين في الظهيرة العظمى .. الخيول تنظر إلى الحسين .. تشم رائحة الماء، وتحمحم.
    هتف الحسين:
    ـ اسقوهم وارشفوا الخيل ..
    ومرت مئات الخيول الظامئة .. تعبّ من الماء .. وتطفئ لهب الصحراء.
    ورأى الحسين فارساً وصل متأخراً، وقد أضر به العطش، فقال بلغة حجازية:
    ـ أنخ الراوية.
    ـ .. ؟!
    ـ أنخ الجمل.
    أناخ الظامئ الجمل. ولما أراد أن يشرب، جعل الماء يسيل من السقاء، فقال الحسين بلغة حجازية:
    ـ أخنث السقاء.
    فلم يدر الرجل ما يصنع، فعطف الحسين له السقاء حتى ارتوى وسقى فرسه.
    وساد صمت رهيب رغم حمحمة الخيل .. وكان الجميع يتساءلون عن سر وجودهم في تلك البقعة الملتهبة من دنيا الله. وأذّن (ابن مسروق) للصلاة، فقال الحسين:
    ـ اتصلي بأصحابك.
    ـ لا، بل نصلي جميعاً بصلاتك.
    وصلى الحسين بالجموع .. وصلى خلفه ألف فارس كانوا يريدون القبض على الرجل القادم من الحجاز. وقال الحسين بعد الصلاة:
    ـ نحن أهل بيت محمد أولى بالأمر من هؤلاء المدعين .. السائرين بالجور والعدوان، فإن أبيتم إلا الكراهية لنا، والجهل بحقنا، وكان رأيكم على غير ما أتتني به كتبكم انصرفت عنكم ..
    تساءل الحر:
    ـ ما أدري، ما هذه الكتب التي تذكرها؟!
    فنظر الحسين إلى (ابن سمعان)، فاحضر خرجين مملوءين كتباً .. رسائل بالآلاف .. كتبها الكوفيون، كلها تقول ان أقدم علينا ليس لنا إمام غيرك.
    تمتم الحر خجلاً:
    ـ إني لست من هؤلاء .. وإني أمرت أن أقدمك الكوفة على ابن زياد.
    قال صاحب الأنف الأشم:
    ـ الموت أدنى إليك من ذلك ..
    القافلة تريد أن تستأنف رحلتها .. سفن الصحراء ترفع مراسيها.
    و(الحر) يعترض:
    ـ أنا أنفّذ أمر الخليفة.
    ـ ثكلتك أمك.
    ـ أما لو غيرك من العرب يقولها لي ما تركت ذكر أمه كائناً من كان .. ولكن ما لي إلى ذكر أمك من سبيل .. فأمك الزهراء البتول.
    واردف الحر متوسلاً:
    ـ لتسلك طريقاً وسطاً .. لا يدخلك الكوفة ولا يردك إلى المدينة، حتى أكتب إلى ابن زياد، فلعل الله يرزقني العافية.
    كانت القافلة تسير باتجاه بوصلة القدر .. باتجاه مدينة تعيش في رحم المستقبل.
    كانا يسيران على مهل .. يسيران في طريق واحد .. طريق رسمته الأقدار.
    همس الحر بحزن:
    ـ إني أذكرك الله في نفسك، فإني أشهد لئن قاتل لتقتلنّ.
    وأدرك الحسين ما تموج به أعماق (الحرّ).
    ـ أفبالموت تخوفني؟!
    سأمضي وما بالموت عار على الفتى
    إذا ما نوى حقاً وجاهد مسلما
    فإن عشت لم أندم وإن متّ لم أُلَم
    كفى بك ذلاً أن تعيش وتُرغما
    وأدرك الحرّ هدف الحسين .. الغاية التي يتحرك نحوها. ابتعد عنه .. أخذ ناحية أخرى من الطريق .. يسايره فيها من بعيد .. ولكنه شعر بنفسه تهفو إلى الرجل السائر نحو الموت .. الرجل الذي قال من قبل: مَن لحق بنا استشهد ومَن تخلّف عنا لم يبلغ الفتح.

    كلمات مفتاحية  :
    قصة التائب الشهيد

    تعليقات الزوار ()