مبادئ الإدارة المالية (4)
بين الإدارة والملاك
موعدنا اليوم مع الحلقة الرابعة من سلسلة " مبادئ الإدارة المالية " وقد تكلمنا في المرة السابقة عن الهدف من وجود الإدارة المالية, وذكرنا أنه حتى نصل إلى هذا الهدف فلابد أن ننظر من وجهة نظر الملاك وما يريدونه, وبالتالي توصلنا إلى التعريف بأنه:
هدف الإدارة المالية هو: تعظيم القيمة السوقية للأسهم العادية.
ويتضح هذا الهدف جليا في الشركات المساهمة التي تبيع أسهمها في السوق، أما بالنسبة للشركات الخاصة والتي يمتلكها شخص واحد, أو مجموعة من الشركاء دون أن يكون لها أسهم سوقية, فهناك تعريف أعم وأشمل للهدف من الإدارة المالية يلائم جميع أنواع الشركات وهذا التعريف هو:
هدف الإدارة المالية هو تعظيم ثروة الملاك
وكما هو واضح من خلال التعريفين أن الهدف من الإدارة المالية, هو تحقيق ما فيه مصلحة للملاك من ارتفاع قيمة أسهمهم وزيادة ثرواتهم, ولكن ستقابلنا هنا مشكلة, أنه في الشركات عموما وفي الشركات المساهمة خصوصا يكون هناك انفصال بين الإدارة والملكية, أي أن الذين يقومون بإدراة الشركة واتخاذ القرارات المالية فيها يختلفون عن ملاكها, ونستطيع أن نوضح ذلك أكثر بأن نقول بأن الإدارة تعتبر وكيلة عن الملاك في إدارة ثرواتهم وأموالهم.
إذن فالعلاقة بين الإدارة والملاك هي علاقة وكالة؛ فالملاك قد وكلوا الإدارة في رعاية مصالحهم وتعظيم ثرواتهم.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل هو مضمون أن تقوم الإدارة دائما بالعمل بما فيه مصلحة للملاك, أم أنها أحيانا قد تتغافل عن تحقيق مصالح الملاك لتحقيق مصالحها الشخصية؟؟
يقول د.منير هندي (فقد أثبتت الدراسات أنه بسبب انفصال الإدارة عن الملكية, قد لا تكرس إدارة المنشأة كل جهدها لتحقيق هدف الملاك, فأعضاء الإدارة هم من البشر, لذا يتوقع أن يسعوا أيضا إلى تعظيم ثرواتهم الخاصة, وذلك بمحاولة الحصول على أقصى ما يمكن من مكافآت وحوافز, وكذا بمحاولة البقاء في وظائفهم أطول فترة ممكنة, وقد يقتضي المطلب الأخير قبول لاقتراحات استثمارية تضيف القليل لثروة الملاك, ورفضهم لاقتراحات أخرى تضيف الكثير لتلك الثروة, وذلك إذا ما كانت الاقتراحات المقبولة تتحقق في أجل أقصر, أو تنطوي على قدر أقل نسبيا من المخاطر, وذلك تجنبا لاحتمالات الفشل Play It Safe ).
ولذا؛ فحتى يتم التأكد من أن المديرين يعملون في مصلحة الملاك ولا يعملون لمصالحهم الشخصية, فلابد من وجود عاملين: عامل التحفيز, وعامل التهديد.
العامل الأول: عامل التحفيز:
ويتم تحفيز المديرين عن طريق الربط بين أهدافهم الشخصية وبين أهداف الملاك, فمثلا من أنواع الحوافز المؤثرة على المديرين:
1) الحوافز المادية:
فيكون هناك حوافز مادية للمديرين إذا مانجحوا في رفع ثروات الملاك وزيادة القيمة السوقية للسهم, فمثلا قد تأتي تلك الحوافز في صورة مكافآت مادية, أو في صورة عدد من الأسهم المجانية تعطى للمديرين مكافأة لهم.
ومن الوسائل الفعالة أيضا تثبيت سعر السهم للمديرين, بمعنى أنهم يحق لهم شراء أسهم الشركة أي وقت طوال العام بالسعر الذي كانت عليه الأسهم في أول العام وليس بالسعر الحالي في السوق، وهذا بالطبع يعطيهم الحافز للعمل على رفع قيمة السهم لأنهم إذا ما نجحوا في ذلك, سيتمكنوا من شرائه بسعر أقل وبالتالي سيربحون فيه ربحا كبيرا.
2) حافز المنصب:
فلا شك أنه كلما أجاد المدير أكثر ورفع من قيمة الأسهم أكثر؛ سيكون مؤهلا تأهيلا أكبر للحصول على ترقيات, ولا يخفى على أحد أن هؤلاء المديرين الناجحين في رفع قيمة الأسهم سيكون الطلب عليهم أكبر في سوق العمل, وبالتالي ستكون رواتبهم أعلى وأعلى.
فعلى سبيل المثال؛ استطاع ستيفن كاس ( رئيس مجلس إدارة أمريكا أون لاين) تحصيل مبلغ 120 مليون دولار عن عمله في عام 1999 فقط, بينما حصل أوراف وينفري على 150 مليون دولار.
أما مايكل إيسنر (رئيس شركة والت ديزني) فقد استطاع عام 1999 تحصيل 300 مليون دولار عن فترة عمل خمس سنين.
والحقيقة أن هذه المبالغ تعتبر ضئيلة إذا ما قورنت بما في الشركات المرتبطة بالويب والانترنت, فمثلا, استطاعت مارجريت ويتمان (موقع eBay) تحصيل مبلغ 1 مليار دولار عن عمل شهر مارس عام 2000!!!
من الواضح أن وظيفة المدير المالي وظيفة مربحة حقا لمن أتقنها, أليس كذلك؟؟!!
العامل الثاني: عامل التهديد:
فيجب أن يكون هناك تهديد على المديرين باحتمال استبدالهم إذا لم يحققوا أهداف الملاك, فمع الجزرة توجد دائما العصا؛ وفي حالة عدم عمل الجزرة لمفعولها يكون للعصا مفعولها، ولذا عندما لا يجدي التحفيز في اتقان المديرين لعملهم وتحقيقهم لأهداف الملاك؛ يوجد التهديد بطرد هؤلاء المديرين واستبدالهم بآخرين, فمثلا إذا انزعج عدد من الملاك بأداء المديرين يمكنهم الحصول على تفويض من بعض الملاك الآخرين, وذلك لجمع عدد كاف من الأصوات في الجمعية العمومية, بما يمكنهم من استبعاد هؤلاء المديرين واستبدالهم بآخرين.
وهناك تهديد آخر يقع على المديرين ألا وهو التهديد بالسيطرةtake over , وهو أنه في حالة انخفاض القيمة السوقية لأسهم الشركة؛ يصبح من السهل على شركة أخرى ناجحة شراء نسبة كبيرة من أسهم الشركة بحيث تسيطر عليها, وبالتالي تقوم بإقصاء الإدارة الموجودة حاليا وتستبدلها بإدارة جديدة.
ولاشك أن مثل هذه التهديدات تدفع المديرين للعمل الدائب لأجل رفع القيمة السوقية للأسهم حتى لا تكون عرضة لمثل هذه المخاطر.
إذن يستطيع الملاك استخدام أدوات الإقناع (التحفيز), وأدوات الإجبار (التهديد) لدفع المديرين للعمل لأجل خدمة أهدافهم, وبالتالي لحل مشكلة الوكالة التي ستوجد طالما هناك فصل بين الملكية والإدارة.
وإلى أن نلقاكم في حلقة قريبة, لكم منا أطيب تحية, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.