بتـــــاريخ : 11/4/2008 8:28:12 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 819 0


    صَـدَى

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : رجـاء محمد الجاهوش | المصدر : www.balagh.com

    كلمات مفتاحية  :
    قصة صَـدَى

    تَعوّدت أن تستقبل يومها بصلاة وتسبيح ثم تتجه نحو ذلك الفنجان الذي تبتسم كلما تراه !
    إنه رفيق درب وصديق عمر ، فنجان من الفخار الأبيض ، زيّنته رسمة طفوليّة مُتقنَة لدبٍّ قويٍّ يرتدي سترةً
    حمراءَ ويندفع بكلِّ قوّتهِ نحوَ شجرةِ تفاح يهزُّها فتتناثر ثمارُها غنيمةً شهيّة .
    فنجانٌ له قيمة خاصة ، فهو أول فنجانٍ تقتنيه بعدما مَلَكَت أمرَها !
    تبتسم والابتسامة ترسمُ هالاتٍ من العَجب على محيّاها كلما تذكرت كيف كان اقتناء فنجان كهذا من الممنوعات في لائحة أسرتها ؟!
    وإذا سألت نفسها عن السبب تاهت في دروب الإجابات !
    أَلا يُسمى هذا قهراً ؟ ...
    عندما يختار لنا الآخرون نوع الآنية التي نأكل أو نشرب بها !
    أليسَ من القسوةِ أن يُحرمَ طفل من أن يقلّد غيره من الأطفالِ في أمر مُباح ؟!
    " أما زلتِ تستنكرين ؟! كُفّي عن هذا الصَّياح " تنهر نفسها بلطف ثم تمضي لإعداد فطور الصَّباح .
    -2-
    تحتضن فنجانها بين كفّيها وهي جالسة تتأمّل تلك اللوحةِ المعلّقةِ أمامها على الحائطِ : طريق طويل تكسوه الثلوج ، والأشجار على حافتيه عارية !
    ارْتَشَفَت رشفة شاي وبصرها لا يفارق تلك اللوحة ...
    " لا أرغبُ بفعل شيء ، ليكن يوم تمرد !
    لن أذهب إلى جامعتي ، أعتقد أنه يحقّ لطالبات الدراسات العليا ما لا يحق لغيرهن !
    سأجلس في المنزل ، وأمارس دور ربة البيت "
    تضحك ملء فِيها وتحملها الذكرى إلى توجيهات أمّها الصارمة عندما كانت تقصّر في واجباتها المنزلية منادية بحقوق المرأة وأنّها لم تُخلق فقط لتكون في خدمة الزوج والولد !
    فها هي الآن تحنُّ وتعود إلى فطرتها !
    ارتشفت رشفة أخرى ثم شمّرت عن ساعديها وهمّت بتنظيف المنزل وترتيبه ، وإعداد ما تيسر من طعام لوجبة الغداء لها ولأخيها ، يصاحبها في أداء مهامها تلك صوت الحادي وهو يتغنّى بالأناشيد العذبة .
    " النظافة والترتيب من أجلّ نعم الله التي أنعم بها على عباده "
    هذا ما كانت تسمعه من والدتها الحبيبة بشكل يومي ...
    " صدقتِ يا أمي .. كم أشتاق إليك وإلى والدي الحبيب وإخوتي الأعزاء وإلى عشّنا الدافئ بل لأقل إلى حديقتنا الغنّاء " !
    أما زلتِ ـ يا أماه ـ تعتنين بورودك أكثر منّا ؟! "
    هَمَى الدمع فاستسلمت له .
    يرتفع صوت المؤذن مُناديا إلى صلاة الظهر ، تجيب المؤذنَ بخشوع ثم تتوضأ وتستقبل القبلة
    بين يديّ الله تصغر مساحات الكون الشاسعة ، وتتضاءل لتصبح بحجم تلك البقعة التي تستقبل جبهتكَ لحظةَ السجود لا أكبر !
    بين يدي الله تنحني الجباه بينما الأرواح تحلّق في علو !
    بين يديّ الله تتنزّل السّكينة وتوأد بنات الصدر وأحزانه تحت تراب مناجاة صادقة : " رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُم وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَن تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ "
    دقائق غاليات ، ونفحات ربّانية تمرّ على القلبِ فتسمو به ويسمو بها .
    -3-
    جلست أمام مكتبها تنوي مراجعة بعض الدروس ، فلاحت منها التفاتة نحو تلك القصاصة الملتصقة على رفّ المكتب ...
    " كَثيرةٌ هي الأسئلة التي نَنْسَى أن نطرحَها على أنفسِنا أو ربما نَتناسَى ، فيمر اليوم تلو اليوم وهي في تَراكُم ..! "
    عَلَت وَجْهَها علامات شُرود وهي تتخيّل ذلك الكم من الأسئلة المتراكمة ماثلا أمامها كَتلّ مِن وَرق !
    مدّت يَدها لتنتشل سؤالا وتطرحه على نفسها : " هل يومي يشبه أمسي ؟!
    أم أنني تعلمتُ من تجارب أمسي فغدا يومي أنضج ..! "
    أطْرَقت ...
    بالأمس .. كنتُ أحتاج إلى من يقف بجانبي مادّا يدَ العون كي أخطو .. ولو خطوة !
    بالأمس .. كنتُ أنتظر وجودهم لأحلم ..!
    بالأمسِ .. كانت الحيرة تكتنفني كلما هممتُ بالمسير : من أين سأبدأ ؟ وإلى أين أريد الوصول ؟!
    بالأمسِ .. كانت الأحلام والآمال كثيرة متشعبة ، والعزمُ في شتات !
    بالأمسِ .. كان القلب غضا لا يعرف إلا البياض !
    أما اليوم ... فما أجمل اليومَ وما أقساه !
    اليوم .. حصاد أمس وبذرة غد
    اليوم .. سعة فهم ، زيادة خبرة ، ورحابة صدر
    اليوم .. أمل وعمل وحلم ممتد
    اليوم .. قلب بين الطفولة والكهولة يترنم !
    اليوم .. رحلة أعرف موعدها وأخشى فواتها .
    طَرق على الباب أيْقظَها من شُرودِها ، فَطَوَت سُؤالَها وأعادَتْه إلى ذلك الكم المتراكم من الأسئلة ...
    " سأحتاجك ثانية " همستْ لنفسِها ؛ ثم رَنَت نحو البابِ لتجيبَ الطَّارق ..
    السلام عليكم
    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
    عدتِ مبكرة ! هل أنتِ بخير ؟
    نعم يا أخي أنا بخير الحمد لله ، فلا تقلق .
    الحمد لله .
    يتقدّمُ بضعَ خطواتٍ فيلمحُ حلّة البيت الجديدة ، يسأل بدهشة :
    ما الأمر ؟
    لا شيء ؛ لا شيء سِوَى رَجع صَدَى !

    كلمات مفتاحية  :
    قصة صَـدَى

    تعليقات الزوار ()