ورب كلمة عابرة يلقى بها أحد الناس, فتصبح ذات إيحاء قوي في عقل الانسان, وتراه مأخوذاً بها, حيث تصير حياته سلسلة من المحاولات لتحقيق ما جاء في تلك الكلمة العابرة.
كان رجل يمشي قرب أحد القصابين فسمعه يذم بعض الذين يشترون منه اللحم, فهم يشترون لحماً قليلاً لبيوتهم, وهذا في نظر القصاب بخل لايرضاه الله ولاترضاه المروءة.
وقدأثؤت كلمة القصاب هذه في عقل الرجل, فصار يدأب على شراء اللحم الكثير في كل مرة.
وهو يضيق على نفسه بذلك, فعائلته لاتحتاج الى هذا اللحم الكثير, ولكنه يريدان يظهر أمام الناس بمظهر الكريم, ولايبالي أن يبذر رزقه القليل في سبيل ذاك يوماً بعد يوم.
ومن القصص التي لاانساها قصة ارملة عجوز كانت تسكن في محلتنا القديمة, فقد شتمتها إحدى جاراتها ذات يوم واتهمتها بالفقر المدقع, وقالت أن بيتها لايعرف الطبخ ولم يوضع فيه قدر على نار.
وكانت هذه الشتيمة بمثابة نقطة تحول في حياة الارملة, فصار معظم حديثها يدور حول شؤون الطبخ.
إذ كانت تريد أن تبرهن أنها تطبخ في بيتها كسائر الناس وان ماقالته تلك الجارة المعتدية كذب في كذب.
وكنت أراها في كل صباح تذهب الى السوق وبيدها سلة, ثم ترجع لتحدث جيرانها عن غلاء أسعار اللحوم والخضر..
وكثيراً ماتقطع حديثها فتسرع الى بيتها حيث تتظاهر بأنها تريد أن ترتب وضع القدر والطبيخ .
وبقيت الأرملة على هذا المنوال مدة طويلة, حتى صارت لاتعرف من دنياها سوى تنفيذ ذلك القول الذي فاهت به جارتها وأن تتظاهر بعكسه