|
توبة المحكوم عليه بالاعدام عند تنفيذ الحكم
الناقل :
heba
| العمر :43
| الكاتب الأصلى :
الشيخ حسن مأمون
| المصدر :
www.dar-alifta.org
بالطلب المقيد برقم 1445 سنة 1959 أنه عند تنفيذ حكم الإعدام فى مذنب يأتى واعظ السجن يلقنه بعض كلمات يستغفر الله فيها ويتوب مما قدمت يداه ، وأن الله تعالى يقول فى سورة النساء { إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليما حكيما . وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إنى تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار } النساء 17 ، 18 ، وسأل هل توبة المذنب واستغفاره لحظة الموت صحيحة وهل الواعظ وهو يلقى عبارات التوبة والوعظ فى مقامهما وطلب بيان الحكم مدعما بالأسانيد ، شاملا القتلة وغيرهم من المذنبين الذين يرتكبون جرائم يحكم عليهم بسببها بالإعدام . |
|
|
الـجـــواب
فضيلة الشيخ حسن مأمون |
|
إن التوبة شرعا هى الندم على ارتكاب الإثم ، والعزم الصادق على ترك العود إليه ، فقد ورد فى الحديث الصحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال ( التوبة النصوح الندم على الذنب حين يفرط منك فتستغفر الله تعالى ثم لا تعود إليه أبدا ) وقال عليه السلام فيما روى عن ابن مسعود - ( التوبة من الذنب أن لا تعود إليه أبدا ) فمتى وجد العزم والندم الصادقان من المؤمن المذنب على ترك المعصية ، وعدم العود إليها ، ذلا لله وخوفا من عقابه كانت توبته حينئذ صحيحة ، ونرجو أن تكون منجية له من العذاب إن شاء الله . قال تعالى { وهو الذى يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات } الشورى 25 ، وقال تعالى { وإنى لغفار لمن تاب } طه 82 ، وهذا وعد من الله لمن أخلص النية فى التوبة من الذنب والندم عليه ، ووعده الحق سبحانه لا يتخلف ، فضلا منه ورحمة . وقال الغزالى فى إحياء العلوم فى باب التوبة من الجزء الحادى عشر وهى ( أى التوبة ) واجبة على كل مسلم على الدوام وفى كل حال ، لأن البشر قلما يخلو عن معصية بجوارحه ، فإنه إن خلا فى بعض الأحوال عن معصية الجوارح ، فلا يخلو عن الهم بالذنوب بالقلب فإن خلا فى بعض الأحوال من الهم ، فلا يخلو عن وسواس الشيطان بإيراد الخواطر المتفرقة المذهلة عن ذكر الله وإن خلا عن ذلك كله فلا يخلو عن غفلة وقصور فى العلم بالله وصفاته وأفعاله ، ولكى تكون التوبة مقبولة يجب أن تكون فى وقت يستطيع المذنب فيه أن يعمل من الحسنات ما يمحو به سيئاته ، قبل أن تصل به حياته إلى نهايتها ، وتزايله كل ما كان فيه من قوة على اختيار ما ينفعه ، حينئذ يتجرع غصة اليأس عن تدارك ما فاته ولا يجد إلى إصلاح حاله سبيلا بعد أن تقطعت من حوله كل السبل على أن يعمل . وأن يعمل خيرا يزيل آثامه ، ويجده خيرا فى أخراه عملا بقوله تعالى { إن الحسنات يذهبن السيئات } هود 114 ، وقوله عليه السلام ( أتبع السيئة الحسنة تمحها ) وإلى ذلك يشير قوله تعالى { وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إنى تبت الآن } وقوله تعالى { إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب } فإن معنى القريب - قرب العهد بالخطيئة بأن يندم عليها بعد ارتكابها مباشرة ، أو بعده بقليل ويمحو أثرها بالحسنات يردفها بها قبل أن يتراكم الرين على قلبه ، فلا يقبل المحو منه . فالتوبة النصوح إذا صدرت من المذنب فى وقتها مستوفية شروطها تلحق التائب بمن لم يرتكب المعصية أصلا . لأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له . فمن قتل ظالما بقتله ووجب عليه القصاص شرعا وذهب مختارا إلى ولى الدم معترفا بجرمه ، واقتص منه ولى الأمر كان ذلك منه توبة مقبولة . يدل لذلك ما روى أن ماعزا لما جاء إلى النبى عليه السلام معترفا بأنه زنى وطلب من الرسول أن يجده ، رده عليه السلام ، فعاد إليه ثانية فرده فعاد إليه الثالثة ، فأمر به فرجم . فكان الناس فيه فريقين ، فقائل يقول لقد هلك وأحاطت به خطيئته . وقائل يقول ما توبة أصدق من توبته . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم ( لقد تاب توبة لو قسمت بين أمته لوسعتهم ) وروى أيضا أن الغامدية جاءت الرسول عليه السلام فقالت إنى قد زنيت فطهرنى ، فردها ، فلما كان الغد قالت يا رسول الله لم تردنى لعلك تريد أن ترددنى كما رددت ماعزا ، فوالله إنى لحبلى ، فقال عليه السلام أما الآن فاذهبى حتى تضعى فلما ولدت أتت بالصبى فى خرقة ، فقالت هذا قد ولدته قال اذهبى فأرضعيه حتى تفطميه فلما فطمته أتت بالصبى وفى يده كسرة خبز ، فقالت يا نبى الله قد فطمته وقد أكل الطعام فدفع الصبى إلى رجل من المسلمين ، ثم أمر بها فحفر لها إلى صدرها وأمر الناس فرجموها ، فأقبل خالد بن الوليد بحجر فرض رأسها فتضح الدم على رأسه فسبها ، فسمع رسول الله عليه السلام سبه إياها فقال مهلا يا خالد ، فوالذى نفسى بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له ثم أمر بها فصلى عليها ودفنت - أما من لاذ بذنبه فارا به منكرا له حتى أخذت الأدلة بتلابيبه فقضى بإقامة الحد عليه وتاب وهو فى طريقه إلى ساحة القصاص ، لم تقبل توبته ولم تكن منجية له من ذنبه الذى اقترفه ، لأنها توبة لم تستكمل شرائطها شرعا . فالقاتل الذى لاذ بالفرار متخفيا بجرمه ، وأقيمت عليه الدعوى بأنه قتل فلانا عمدا عدوانا ، فأنكر فقامت عليه البينة القاضية بالقصاص منه ، أو اعترف رغما منه بعد أن حاطته هذه الأدلة ، ولم تترك له إلا سبيل الاعتراف بذنبه بعد أن يئس من التخلص منه ، وقضى عليه عندئذ بالقصاص ، ثم تاب وهو فى طريقه إلى حبل المشنقة لم تقبل توبته ، لأنها أيضا لم تستوف شرائط قبولها شرعا ، وهكذا كل كبيرة يتوب منها المذنب وهو فى حال يستطيع معه أن يأتى من الحسنات ما يمحو إثمه ، فإن توبته فى هذه الحال تكون مقبولة بإذن الله . وإن لم يتب حتى جر إلى ساحة القصاص فتاب عندئذ لم تقبل توبته شرعا . وما جرى عليه العمل من تلقين التوبة للقاتل وقت تنفيذ حكم الإعدام عليه لا يقطع بقبول هذه النوبة . بل ينظر ، فإن كان هذا المذنب قد سبقت له التوبة من هذا الذنب بعد ارتكابه ، وكانت توبته فى وقتها مستوفية شروطها ، كان تلقينه التوبة حينئذ من قبيل تكرار التوبة عن هذا الذنب ، وإن لم يكن سبقت له التوبة من جرمه قبل القضاء عليه بالقصاص ، وسوقه إلى إقامة الحد عليه لم تفده توبته ، لأنها جاءت فى غير وفتها مجردة عن شروط قبولها . أعاذنا الله من الإثم ، وهدانا إلى سواء السبيل . والله الموفق ، والله أعلم |
|