الرياض - عدنان باصليب
تعتبر وظيفة الوساطة المالية من أهم الوظائف التي تضطلع بها المصارف والمؤسسات المالية بمختلف أشكالها، حيث تقوم بدور الوسيط بين المدخرين والمستثمرين أو بين المقرضين والمقترضين، بل إن البنوك تستمد أهميتها ووجودها من هذه الوظيفة بالذات وغيرها تبع لها.
لقد أدركت المجتمعات الإنسانية أهمية هذه الوظيفة في نقل رؤوس الأموال من حيث الفائض إلى حيث العجز من أجل تمويل الأنشطة الاقتصادية المختلفة من خلال عملية تخصيص أمثل للموارد الإنتاجية نحو استخداماتها الجيدة. إن التحليل المعاصر ينظر إلى المصارف كمؤسسات متخصصة في المعلومات وتتمتع بميزة اقتصاديات الحجم، وهو ما يجعلها قادرة على جمع المعلومات والمتابعة والتحصيل بكلفة ومخاطر أقل.
عوامل الإنتاج
عرف الاقتصاديون عوامل الإنتاج بأنها ذلك الخليط من الموارد الطبيعية والإنسانية التي تساهم في إنتاج القيمة المضافة، أو كل ما يحقق منفعة مباشرة أو غير مباشرة للإنسان، وعناصر الإنتاج هي العمل ورأس المال والأرض والتنظيم، ويفرق الاقتصاديون بين رأس المال والنقود، فالنقود لا تنتج شيئاً بحد ذاتها، بل تعتبر وسيطاً للتبادل ومخزناً للقيمة، ولذا فهي لا تستحق مكافأة لذاتها.
التمويل
يقصد بالتمويل بالمفهوم العام تقديم المال، ويقوم على علاقة تعاقدية بين طرفين أحدهما يملك فائضاً في رصيده من الأموال والآخر يعني عجزاً، وعليه فجوهر العملية التمويلية هو تحويل المال من حيث الفائض إلى حيث العجز من أجل تلبية حاجة استهلاكية أو استثمارية وفق صيغة تنظيم العلاقة بين أطرافها.
إن المقرض عندما يقدم قرضًا يقوم بعملية تمويل، كما أن رب المال في المشاركة يقوم بعملية تمويل، والمؤجر عندما يقوم بتأجير منفعة عينه المؤجرة يقوم بعملية تمويل كذلك، فإن أي عملية يترتب عليها دين في الذمة هي عملية تمويل كالبيع الآجل والسلم والاستصناع والضمان ولكل ما تضمن تعهداً بالدفع.
وتقوم العملية التمويلية على عدد من العناصر وهي:
المال: وهو محل العملية التمويلية، وهو في الاقتصاد الإسلامي كل ما جاز الانتفاع به من أعيان ومنافع، وتشمل منفعة الضمان والكفالة، وهو بهذا المعنى لا يختلف عن المال في مفهوم الاقتصاد الوضعي إلا في حصره في المباحات، كما ورد الاختلاف في النظر إلى بعض الأموال، وهي ما تسمى في الفقه الإسلامي الربويات، فنجد أن النظام الاقتصادي الإسلامي ينظر إلى هذه الأموال نظرة خاصة لأن جميع الناس مضطرون إليها في معايشهم دون استثناء، خصوصاً فيما يتعلق بالأثمان والنقود، فحرم فيها الربا لأنه يؤدي إلى الظلم والغبن، الأمر الذي يفسد على الناس حياتهم ومعايشهم، في المقابل نجد الاقتصاد الوضعي لا يفرق بين مال ومال، ففتح باب التبادل على مصراعيه بلا قيد أو شرط ودون اعتبار لمصالح الناس ومعايشهم وما يفسد وما يصلح، فالنقود سلعة كأي سلعة في التبادل يحددها عامل الطلب والعرض.
المكافأة: وهي ما يستحقه رب المال (الممول) مقابل تخليه عن تلك الأموال، ويتبادر هنا السؤال التالى: بم يستحق رب المال (الممول) المكافأة التي يحصل عليها؟
لقد اتفقت وجهات النظر بين النظام الاقتصادي الإسلامي والنظام الاقتصادي الوضعي في أن رب المال (الممول) يستحق مكافأة على تقديمه ماله في العمليات التمويلية المختلفة، فرب مال المشاركة يستحق ربحًا والبائع بالأجل يستحق الأجرة وهكذا، إلا أن الاختلاف ورد في إجابة السؤال أعلاه، أما الاقتصاد الوضعي فيرى أن الممول يستحق المكافأة مقابل مجرد تخليه عن المال لفترة معينة أو مقابل تأجيل استهلاكه الحالي، وربطوا بين أجل العملية التمويلية والمكافأة وجعلوا هذه العلاقة مدار العملية التمويلية، إلا أن وجهة النظر لدى الاقتصاد الإسلامي تقول إن الممول يستحق المكافأة مقابل المخاطرة (الضمان) وهو ما نص عليه الحديث "الخراج بالضمان".
جدير بالذكر أن قيمة المكافأة ومقدارها ليس له حدود في كل النظامين الإسلامي والوضعي.
الأجل: وهو المدة الزمنية التي تستغرقها العملية التمويلية حتى عودة المال للممول، والسؤال الذي يتبادر للذهن هنا هو: هل هناك علاقة بين الأجل والمكافأة التي يستحقها رب المال (الممول)؟
في الاقتصاد الوضعي نجد أن مدار العملية التمويلية يقوم على العلاقة بين الأجل والمكافأة، ليس في استحقاق الممول للمكافأة فحسب، بل في تحديد مقدار المكافأة وقيمتها أيضًا، ولا شك أن الاقتصاد الإسلامي لا يختلف مع هذا الرأي من حيث المبدأ، فجعل للأجل اعتبارًا في التبادل، إلا أنه استثنى ذلك الاعتبار في الربويات، فلا قيمة للأجل حينئذ، لأن الأجل في الربويات يؤدي إلى الربا فضلاً أو نـَساءً، ولقائل أن يقول بل إن الاعتبار قائم للأجل حتى في الربويات، ذلك أن منع الأجل فيها للزيادة وهي الربا، فالأجل وإن لم يكن زيادة مادية فهو زيادة معنوية لها تقديرها وقيمتها.
الصيغة: وهي العلاقة التي تحكم وتنظم العملية التمويلية، وينظر فيها إلى اعتبار الغرض والغاية، وبناء عليه يتم تحديد استحقاق المكافأة، هذا في النظام الاقتصادي الإسلامي، فما كان التعاقد فيه على سبيل المعاوضة أوالمشاركة استحقت فيه مكافأة، أم ما كان التعاقد فيه على سبيل التبرع والإرفاق حينئذ لاتستحق فيه مكافأة، أما في النظام الاقتصادي الوضعي فإن العلاقة العقدية لا قيود عليها ولا تحدد مبدأ استحقاق المكافأة من عدمه، فالمكافأة استحقت بمجرد التمويل والتخلي عن الأموال، وعليه فليس للصيغة أثر في تحديد عناصر العملية التمويلية إلا بالقدر الذي يحفظ حقوق أطراف تلك العملية.