أدمى سهم الطلاق الكثير من الأسر، وتعددت الأسباب والطلاق واحد، دمار للمرأة وتشتيت للأبناء، وأسبابه واهية ناتجة عن عدم حكمة وجهل بالحياة الزوجية الحقيقية وما يجب أن تكون عليه العلاقة بين الرجل والمرأة لبناء حياة سعيدة.
فكلمة طلاق لم تكن تُستخدم كسيف مسلط على المرأة، كان الرجل يحسب لهذه الكلمة ألف حساب وكانت تُعتبر من العيب الاجتماعي. كانت المودة والرحمة هما ديدن الأزواج وطريقتهم لبناء الحياة وإعمارها، وتقع المهمة الأولى لتثقيف الجنسين بفن الحياة الزوجية على مدارسنا وما تلقنه لتلاميذها وعلى البيت ومن يعيش تحت سقفه، فهي الدعائم الأساسية التي بموجبها تُبنى البيوت. في مدارسنا نفتقد من يعلّمنا تقدير الحياة الزوجية بمدلولها الواسع وكيف كان رسول الله يعامل زوجاته يبادلهن الحب ويمنحهن المحبة.. في رومانسية يفتقدها الكثيرون في الوقت الحاضر.
يروي البخاري عن أنس قوله خرجنا إلى المدينة قادمين من خيبر فرأيت النبي يجلس عند بعيره فيضع ركبته وتضع صفية زوجته رجلها على ركبتيه حتى تركب.. فهل منا من يفعل ذلك الآن؟ يتأفف الزوج ويعتبره نقصاً في حقه إن أركب زوجته السيارة وفتح لها الباب وأدخلها واطمأن عليها، تنازل عن هذه المهمة للسائق الأجنبي.
يروي مسلم عن عائشة أنها قالت كنت أشرب وأنا حائض فأناوله للنبي صلى الله عليه وسلم فيضع فمه موضع فمي.
وفي رواية لأبي داود والنسائي قالت كنت أتعرق العرق وأنا حائض فأعطيه رسول الله فيضع فمه في الموضع الذي وضعت فمي فيه. وكنت أشرب القدح فأناوله إياه فيضع فمه في الموضع الذي كنت أشرب.
وعنها أن النبي كان يتكئ في حجري وأنا حائض فيقرأ القرآن.
في تراثنا الإسلامي الكثير من المواقف والأحداث التي توضح كيفية الحفاظ على الحياة الزوجية لا يعلم عنها جيل الشباب شيئاً وليست ضمن مقرراته المدرسية. فحقوق الزوجة محفوظة وأسس البيت السعيد قائمة وضّحها لنا رسول الله لتستمر البيوت ويعمر الكون.
إن المرأة من آيات الله ومنته على الرجل وقد جعل الله عز وجل المودة والرحمة والألفة عقدة الصلة بينهما.. (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة). وجعل حسن القيام على الزوجة ومراعاتها مثل حق الوالدين ومراعاتهما (وصاحبهما في الدنيا معروفاً). وقال في حق الزوجات: (وعاشروهن بالمعروف) يقول نبي الرحمة: لا يفرك مؤمن مؤمنة أن كره منها خلقاً رضي منها آخر.
في إشارة أن لا يبغضها كلية مردداً لم أعد أطيقها والعشرة معها مستحيلة. بل عليه أن يغفر سيئاتها ويتغاضى عما يكره فلا يدري قد يحدث الله بعد ذلك أمرا ويجعل الله في هذه الزوجة خيراً كثيراً كأن يرزق منها أولاداً يكونون له قرة عين، وقد ينقلب الكره إلى محبة وألفة وتستمر الحياة.
يقول العلماء: عسى أن يمسكها وهو لها كاره فيجعل الله فيها خيراً كثيراً. ويقول ابن الجوزي وقد ندبت الآية إلى إمساك المرأة مع الكراهة لها ونبّهت على معنيين أحدهما أن الإنسان لا يعلم وجوه الصلاح فرب مكروه عاد محموداً، ومحمود عاد مذموماً والثاني أن الإنسان لا يكاد يجد محبوباً ليس فيه ما يكره فليصبر على ما يكره لما يحب وقد رُوي أن عمر بن الخطاب قال لرجل طلّق امرأته لِم طلقتها؟ قال: لا أحبها، فقال: أَوَ كل البيوت بُني على الحب؟ فأين الرعاية والتذمم. ويقول لزوجة خاصمت زوجها وصرّحت بأنها لا تحبه فقال لها: إذا كانت إحداكن لا تحب الرجل منا فلا تخبره بذلك فإن أقل البيوت ما بُني على المحبة وإنما يتعاشر الناس بالحب والإسلام.
فهذه قاعدة لبناء البيوت ودوام العشرة، وليعلم الشاهرون سلاح الطلاق في كل واردة وشاردة أن هذه الإنسانة إنما هي أمانة ووديعة يسلمها وليها لمن يحافظ عليها ويعرف قدرها ويتقي الله فيها ويحسن صحبتها وعشرتها. يقول رسول الله لعلي حين خطب فاطمة: «هي لك على أن تحسن صحبتها..».
إن المودة والرحمة لا تهبطان على الزوجة من السماء أو تخرجان من الأرض فلابد من السعي إليهما والأخذ بأسبابهما من مشاركة وجدانية وعاطفية ومادية ومعنوية في السراء والضراء وفي الغنى والفقر وإبداء الحنان وإظهار العاطفة والملاطفة والمداعبة والحب والاحترام والتقدير فهذه أسباب توصل إلى المودة والمحبة وبالتالي إلى إعمار البيوت واستمرارها.