إن مزج ثقافتين متحدتين متجانستين في ثقافة واحدة عمل صعب ومعقد جداً عندما تكون الشركتان عملاقتين مثل برايس ووترهاوس «price waterhouse» وكوبرس آندلايبراند «Coopers & Lybrand»، فقد جاء اندماجهما العام الماضي بتحدي تدريب عظيم للغاية. كانت العملية الحسابية البسيطة التي هيجت أعصاب جيم كلاوس بشأن حجم ما كان هو وزملاؤه على وشك القيام به تتمثل في أنه طلب منهم تدريب 60.000 مدقق حسابات في كل أنحاء العالم. خلال مائة يوم ووضع هؤلاء المتدربين في فصول تتألف من 33 متدرباً. بدأ كلاوس، شريك تدقيق حسابات لشركة برايس ووترهاوس- كوبرس، شركة تدقيق الحسابات الدولية التي مقرها نيويورك، في إدخال الأرقام في آلته الحاسبة ومناظرة النتائج. كان على كلاوس وفريقه أن يجدوا طريقة لتدريب 1714 فصلاً في المائة يوم هذه. إن مجرد الحصول على خبراء للمادة المعنية للقيام بالتدريب على نظام تدقيق حسابات جديد سيكون صعباً للغاية، دعك من القيام بالأعمال اللوجستية ونقلها على نطاق العالم وترجمة المواد إلى لغات كثيرة مختلفة، إنه مشروع يتضمن في النهاية 323 شخصاً في التخطيط، و1800 شخص آخرين في إيصال التدريب لهم. يقول كلاوس:«كان الجدول الزمني هو أقسى جدول زمني وضعناه على الإطلاق، لكني لم أجد طريقة أخرى غير هذه لوضعه». كان كلاوس جزءاً من شبكة على مستوى عالٍ من الفرق التي تخطط لدمج شركتي تدقيق الحسابات العملاقتين برايس ووترهاوس وكوبرس آند لايبراند، اللتين بدأتا أول يوليو الماضي. كان الاندماج قد اقترح في أواخر عام 1997، لكن التنفيذيين حددوا تاريخ الإكمال بعدة شهور في المستقبل للسماح بوقت من أجل الاعتماد التنظيمي وتخطيط الاندماج. أتاح التأخير للتنفيذيين وقتاً لتصور أفضل طريقة لمزج الشركتين. ما قرروه هو أن يستمر كل شخص في ممارسة تدقيق الحسابات في التدريب خلال المائة يوم الأولى. ثقافة مشتركة لم تكن الجلسات، ولم يقصد فيها أن تكون تجمعات تعارف بشكل صارم، بالرغم من أن حافزاً هاماً أقصى هو خلط المستخدمين من الشركتين وجعلهم يبدأون العمل معاً. كان الهدف الرسمي للتدريب هو تقديم معالجة جديدة لتدقيق الحسابات، والتي كانت مزيجاً للأنظمة المستخدمة في الشركتين معاً. يقول جون كارتر، وهو تنفيذي كبير في الموارد البشرية في الشركة الجديدة، إن أعضاء فريق التخطيط أدركوا أنهم يقضمون قطعة ضخمة من أجل المائة يوم الأولى، لكنهم شعروا أن البديل أسوأ. فإنه سيكون من المستحيل أن يدمجوا الشركتين إذا كانوا يستخدمون أنظمة تدقيق حسابات مختلفة. ويقول كارتر:«لا نستطيع إيجاد أشخاص يتحركون جيئة وذهاباً على المناهج، إذا كنت تريد دمجها، فإن عليك أن تضعها على المنصة نفسها». يضيف كلاوس قائلاً: «لكل شخص ولاء لشركته، لذا تحتاج لخلق ثقافة مشتركة، ويمكنك خلقها بجعل الشركتين تعملان بنظام مشترك». كان على فريق الدمج أن يكون مدركاً للمد والجزر في عمل تدقيق الحسابات. إن موسم ازدحامه هو في الجزء الأول من السنة عندما تحتاج الشركات العميلة إلى الانتهاء من خدمات تدقيق حسابات السنة ومساعدة الضرائب. لكن التخطيط من أجل مشروع تدقيق حسابات على شركة كبيرة يجب أن يتم في الخريف. إذا كان مستخدمو الشركتين ليسوا مستعدين للعمل سوياً في الخريف، عندما تنقضي المائة يوم الأولى، فإن المجهودات لدمج القوى العاملة يجب أن تنتظر ربما حتى بعد نهاية الفترة المزدحمة في الربيع القادم. كان في قمة الهرم التخطيطي زوج من كبار التنفيذيين من برايس ووترهاوس وكوبرس، أنجزوا جميعاً المعالم العريضة التي تشكل الشركة المدمجة، ومن ثم طلبوا من سلسلة من قوات الواجب العمل في التفاصيل. إن هذا الزوج الذي كان على مستوى القمة هو الذي قرر أن تخلق الشركة الجديدة نظام تدقيق حسابات مختلط بدلاً من تبني أحدهما أو الآخر. تم حساب هذا القرار لتفادي هالة الفائزين أو الخاسرين في الشركة المدمجة، لكنه أدرك أيضاً إن لكل شركة قوى محددة. نظرت «قوة الواجب» التي عُينت لمنهج تدقيق الحسابات بدقة إلى المعالجات التي استخدمتها كل شركة، وحاولت إيجاد نظام يتضمن أفضل النظامين. وفي النهاية توصلت الشركة الجديدة إلى نظام يأخذ نظام برامجها الحاسوبية من «كوبرس» ومعالجة «انتشار أشخاصها» من «برايس ووترهاوس». يغطي انتشار الأشخاص مواضيع مثل: كم من الأشخاص يعملون على تدقيق الحسابات معاً، ومن المسؤول، وكيف ينفذون عملهم في موقع الزبون؟ يقول كارتر: «رغبنا في تصميم شيء جديد للمنظمة لكن مع صفات معتادة للمنظمتين». يقول كلاوس لم يكن أي منهما سهلاً. أحد الأسباب أن قوانين الحكومة منعت الشركات من مناقشة إجراءتها الخاصة بتدقيق الحسابات بأي شكل من أشكال التفصيل حتى تعطى الموافقة التنظيمية. أجبر هذا مجموعات التخطيط على الحديث في عموميات أوصلتهم إلى الجنون واستشارة محامي الشركة من حين إلى آخر من أجل الاستشارة فيما يمكن نقاشه، ومن ثم عندما أعطيت الموافقة التنظيمية في الربيع كان هناك اندفاع شديد للعمل في الأشياء المحددة حتى يبدأ التدريب في أول يوليو. وقامت مجموعات التخطيط أيضاً والمكونة من أعداد متساوية من الأشخاص من كل شركة، بصنع قرارات هامة بشأن مستقبل شركة لم تكوّن بعد. قد يفترض المرء أن الأشخاص قد يدفعون بخطط وإجراءات شركتهم، وهو النظام الذي كانوا يشعرون بالارتياح معه. تقول «كاترين ديليسكي»، المدير الإداري للتعليم والتدريب لوظيفة تدقيق حسابات برايس ووترهاوس كوبرس وجزء لجنة التسيير الدولية للمشروع: إنه كان هناك القليل جداً من ذلك النوع من الحماية الذاتية، وتقول:«إن لكل شخص أشياء يهتم بها كثيراً ويخشى عليها، لكننا نعلم أننا سنكون عائلة وإذا حاول كل شخص أن يبقى داخل ثقافات الشركة الموجودة فإن ذلك سيفشل». ألم شديد تعتبر «ديليسكي» هذا المشروع أحد أكثر المشاريع تعقيداً وتحدياً، ففيه عوائق بمختلف الأحجام. كانت التقنية تحديداً تشكل ألماً شديداً لأنه توجد منصات حواسيب مختلفة في مكاتب الشركة الجديدة الناشئة حول العالم. عندما بدأت برايس ووترهاوس كوبرس استخدام نظام كوبرس الخاص بتقنية تدقيق وتتبع الحسابات، كان يتحتم أن يعاد تجهيز جميع حواسيب برايس ووترهاوس بنظام جديد. ومع أن الشركة الجديدة ستستخدم نظام التتبع الخاص بكوبرس في مجمله، إلا أن النظام لا يزال يحتاج لمهايأة كبيرة للتأكد من أن المصطلحات وممارسات العمل التي جاءت من جانب برايس ووترهاوس قد عُكست في برامج الحواسيب. برهنت مشكلات التوافق على أنها مثيرة للغيظ، فوجد أعضاء مجموعة التخطيط مثلاً أنهم يستخدمون أنظمة تشغيل حواسيب مختلفة، جعلت من الصعب إيجاد وتبادل مواد التدريب بسهولة. تقول ديليسكي: «حتى عندما نذهب إلى المنصة نفسها نجد أن لشخص ما نوعاً مختلفاً من برامج الحواسيب». كان على المجموعة أن تصل إلى اتفاق حول الكثير من القضايا التافهة المنبثقة من حقيقة أن لكل شركة طريقتها الخاصة بها في فعل الأشياء. حتى الأشياء البسيطة مثل: كيف نضع معاً ملفاً لتتبع تطور دورة تدريب تتطلب شخصاً ما ليغير طريقة معتادة لفعل الأشياء. تقول ديليسكي:«كانت السرعة مهمة، لذلك كان علينا صنع قرارات فيما يتعلق بهذه الأشياء الصغيرة ونتفق على أننا لسنا ملتزمين بخطة». في أوائل عملية التخطيط اتفق أعضاء الفريق على أن التدريب على نظام تدقيق الحسابات الجديد يجب أن يتم وجهاً لوجه في مجموعات صغيرة. لكن مجموعة التسيير ناضلت مع اللوجستيات: كم طول الدورة؟ أين يجدون جميع المدربين؟ هل من الممكن تدريب 60.000 مستخدم في 150 دولة خلال مائة يوم عقب الأول من يوليو؟ قال كلاوس إن أحد القرارات الحرجة أتى من نظرة فاحصة في مسارات دخل الشركتين. حوالي 90 في المائة من ممارسة تدقيق الحسابات قد تولدت داخل 36 دولة. وكان من الحكمة أن نعين دول «الموجة الأولى»، وبدأ التدريب لـ 48.000 شخص في هذه الدول أولاً. كان الفريق قد خطط أصلاً للانتظار حتى الربيع قبل تدريب الناس في دول «الموجة الثانية». لكن تلك الفكرة تجاهلت الطريقة التي يتم بها تدقيق حسابات الشركات متعددة الجنسيات. إن إكسون «Exxon» مقرها هنا لكن قد تكون لديها فروع في دول «الموجة الثانية» مما قد يتطلب مدققي حسابات في الولايات المتحدة ليعملوا مع مدققي حسابات في هذه الدول الأخرى. كانت القرارات الجديدة هي أن دول «الموجة الثانية» ستحصل على التدريب في نهاية المائة يوم أو بوقت قصير بعد ذلك. تصارع فريق التدريب أيضاً مع قرار حول كم نجعل زمن الدورة. يقول كلاوس: «كان من الممكن جعله خمسة أيام»، لكن كان على الشركة أيضاً أن تقوم بالعمل التجاري، وربط هذا العدد الكبير من الأشخاص لتلك المدة الطويلة في التدريب قد يقعد بالشركة التي اندمجت حديثاً عن أداء عملها. تعقيدات، تعقيدات يعنى اليوم الأول من دورة الثلاثة أيام بمراجعة النظام الجديد، وحدوث كثير من التدقيق الفني للحسابات. خلال اليوم الثاني انقسم المشاركون وفقاً للشركة التي أتوا منها، فاحتاج مدققو حسابات كوبرس آند ليبراند إلى تعلم ممارسات العمل الذي تمت مهايأته من برايس ووترهاوس وكان على مدققي حسابات برايس ووترهاوس أن يتعلموا نظام كوبرس الحاسوبي في تدقيق وتتبع الحسابات. في اليوم الثالث اجتمعت المجموعة من أجل تمرين تشبيه. كانت مسألة الحصول على الأشخاص المناسبين في كل فصل عبارة عن صداع مؤلم كما تقول «ويلسكي» لأن الفصول كانت وسيلة لمستخدمي الشركة المدمجة للتعارف على زملائهم وبدء العمل معهم، وقد اهتمت مجموعة التخطيط اهتماماً شديداً بتشكيل كل فصل. كان يجب أن تكون هناك أعداد متساوية من برايس ووترهاوس وكوبرس، ولأسباب سياسية تحتم أن يكون المشاركون في وضع مقارن. فمثلاً إذا حضر كبير مساعدي كوبرس دورة كان على كبير مساعدي برايس ووترهاوس حضور الدورة نفسها، تعقد الوضع أكثر بحقيقة أن للشركتين نظامين مختلفين كثيراً من أجل تسجيل المتدربين. كلا النظامين عتيق ووجب إيجاد نظامين جديدين. كان إيجاد مدربين عائقاً كبيراً آخر، نحتاج لمدربين لكل فصل، واحد من برايس ووترهاوس ليشرح ممارسات العمل، وواحد من كوبرس ليشرح نظام التدقيق والتتبع. يقول كلاوس: «أفضل ناس لنا هم شركاؤنا ووضعنا قراراً بأن يقوموا بالتدريب»، بدأ هو وفريقه في تحديد الأشخاص الذين لديهم خبرة في التدريب أو الواعدين بذلك. كان على هؤلاء المختارين لتدريس ممارسات العمل أن يوافقوا على تدريس ثلاثة فصول في مائة يوم، وطلب من هؤلاء الذين درسوا مكون التقنية أن يدرسوا ست مرات. على كل حال وإجمالاً، كان على مجموعة التخطيط أن تجد أكثر من 1400 شخص ليقوموا فقد بتدريب فصول «الموجة الأولى». في الولايات المتحدة هناك 12000 شخص يحتاجون للتدريب، تصارعت ديليسكي وفريقها مع اللوجستيات. لكل شركة نظام تدريب مختلف أحدهما مبني محلياً والآخر موجه إقليمياً، وإن فريق ديليسكي لا يريد أن يخلق وظيفة تدريب جديدة لتدريب هذه الفصول فقط، وبكفاءة، لذلك قسموا الدولة إلى ستة قطاعات جغرافية وعينوا ثلاثة أشخاص لتدريب كوبرس وثلاثة لمتدربي برايس ووترهاوس، ثم عين شخص واحد في كل منطقة لتنظيم الفصول والتأكد من أنها تقابل جميع الأهداف وأنها مكونة من الخلطة الصحيحة للناس. بحلول أوائل الصيف كان هناك حوالي 400 شخص في دورات تدريب المتدربين في الولايات المتحدة. كانت العملية مختلفة نوعاً ما في الدول الأخرى. يقول كلاوس إنه عين فردين في كل دولة، واحداً من كوبرس وواحداً من برايس ووترهاوس، ليكونا فريقاً يبين تفاصيل مشروع التدريب للدولة، كان على كلاوس وفريقه أن يعتمدوا الخطة قبل بداية التدريب. الإحساس بالصداقة الحميمة يقول كارتر عندما اكتملت المائة يوم كان سعيداً بالمجهود، قد أكملت دورات «الموجة الأولى» تقريباً تدريبها وتحققت بداية طيبة في دول «الموجة الثانية»، ويقول إنه أحس بصداقة حميمة بين المستخدمين ساعدتها حقيقة أن الشركة تحركت سريعاً لخلط الناس من الشركتين في بعض المدن التي ضمت مكاتب لبرايس ووترهاوس وكوبرس، تبادل المستخدمون المكاتب عبر المدينة، كل تلك الجهود جعلت كارتر متفائلاً بأن الاندماج سيكون ناجحاً. بالنسبة لديليسكي وكلاوس، الذين انهكهما هذا المجهود خلال السنة الماضية وكان هناك وقت لا يذكر للراحة، يقول كلاوس إن نظام تدقيق الحسابات المهجن الذي طوروه كان أفضل ما يمكن فعله في تلك الظروف، وكان أفضل بكثير من أي نظام سابق للشركتين، لكنه يأمل أن تأتي الشركة، بعقولها الفنية العظيمة كافة بأحدث معالجة لتدقيق الحسابات. تحاول ديليسكي وزملاؤها الآن تشكيل وظيفة التعليم الجديدة لبرايس ووترهاوس - كوبرس وإنهاء العملية التي بدأت لتوها خلال المائة يوم الأولى. تقول: «لايمكنك غسل يديك فقط»، وتقول: «لقد انتهينا، علينا أن نجعل كل شخص يعمل مع الآخرين، علينا العودة وأن نرى فيما إذا كانت هناك مشكلات تعترض سبيل الناس وفيما إذا حققنا ما كنا نريد تحقيقه أم لا». ذلك يعني مراقبة كيف يستخدم مدققو الحسابات وبشكل جيد النظام الجديد بعمل دراسات رائدة. إن ما تكتشفه ديليسكي وكلاوس وأعضاء الفريق الآخرون قد يؤدي إلى تدريب أكثر أو تدخلات أخرى، وهي قد تكون واجبات ربما للمائة يوم التالية. نشر في مجلة (التدريب والتقنية) عدد (4) بتاريخ (ربيع الآخر 1420هـ)