يعتبر الاستهلاك أحد أهم مكونات الناتج الوطني الإجمالي. فهو يأتي على جانبي المعادلة حيث يعتبر دخلاً وإنفاقًا عند قياس الناتج الوطني الإجمالي. ومن هذا المنطلق فإن استهلاك فرد (إنفاقه) يعتبر دخلاً لفرد آخر. ويعتمد الاستهلاك بشكل كبير على عوامل عدة لعل من أهمها الدخل، وفي هذه الحالة فإن الدخل يقسم إلى استهلاك وادخار. وفي الحالات التي يكون فيها الدخل منخفضًا يستهلك الفرد أو العائلة مجمل هذا الدخل أو كله. أما عند زيادة الدخل فإن النسبة الموجهة من هذا الدخل تبدأ في الانخفاض. وقد بينت الدراسات الإحصائية أن نسبة الاستهلاك الإجمالي لبعض المجتمعات تصل إلى ما يقارب 90% من الدخل ويذهب الباقي إلى الادخار. وتختلف نسبة الادخار والاستهلاك من مجتمع إلى مجتمع، فبعض المجتمعات يميل أكثر إلى الاستهلاك وبعضها ترتفع نسبة الادخار لديها. ولا يمكن أن نغفل أن للاستهلاك أهميته في النمو الاقتصادي، حيث إن زيادة الاستهلاك وخصوصًا للسلع المعمرة يشجع على الإنتاج والذي بدوره يشجع على زيادة العمالة وخلق أعمال جديدة. كما أن الادخار الذي في الغالب يوجه للاستثمار يؤدي إلى تشجيع الاستثمارات والتي بطبعها تكون طويلة الأجل وهو ما يزيد في التنمية الاقتصادية والنمو الاقتصادي وفي أثناء الازدهار الاقتصادي تتوفر فرص العمل، ويزداد حجم الإنفاق بأنواعه الاستهلاكي والاستثماري وينمو تبعًا لذلك الحجم الحقيقي للناتج الوطني الإجمالي. ولا يمكن أن نغفل أنه في أي اقتصاد تكون هناك فترات ازدهار وتعقبها فترات كساد وهكذا أو ما يسمى بالدورات الاقتصادية، ففي فترات الكساد يتباطأ معدل نمو كل من الإنفاق الاستهلاكي والإنفاق الاستثماري، الأمر الذي يؤدي إلى انعدام الفرص الجديدة للعمل، وهو ما يؤدي إلى زيادة نسبة البطالة، وقد تحدث أزمات مالية تؤدي إلى فقدان البنوك، وأسواق رأس المال مقدرتها على أداء دورها بنجاح، وهذا قد يؤدي إلى انخفاض الأرباح وتعثر أسعار الأوراق المالية، هذا بالإضافة إلى انخفاض مستويات الإنتاج الوطني الإجمالي الحقيقي عن المستويات الممكن تحقيقها. وفي كل الأحوال تتعاقب الموجات المتتالية من حالات الانتعاش الاقتصادي والتدهور (الكساد) والذي معه يصبح من الأهمية بمكان تحديد المستوى الذي يجب أن ينمو إليه الإنتاج الوطني الحقيقي بحيث يتحقق مستوى التوظيف الكامل عن طريق استخدام السياسة المالية والنقدية المناسبة في كلتا الحالتين. إن من المهم التمييز بين الادخار والاستثمار بين العوامل المؤثرة في كل منهما، وهذا يعتبر أمرًا حاسمًا ومهمًا بالنسبة للمحللين الاقتصاديين، حيث إن بعضهم يرى أن الاستثمار يؤدي الدور الأهم في النمو الاقتصادي وأنه الأكثر عرضة للتقلب بسبب التغير في توقعات المستثمرين وتعدد العوامل التي يمكن أن تؤثر في هذه التوقعات. وإلى جانب تأثير الدخل على الإنفاق الاستهلاكي هناك عوامل أخرى كثيرة يؤثر كل منها بدرجة ما على هذا الإنفاق، مثل مقدار الثروة التي يمتلكها الفرد، عمره وحالته الاجتماعية، توقعاته المستقبلية بالنسبة للأسعار والدخل المستقبلي، العادات والتقاليد السائدة في المجتمع (أو ما يعرف بالذوق) ومع ذلك فإن الاقتصاديين يعطون للدخل أهمية تفوق أهمية العوامل الأخرى، فقد أثبتت الدراسات التطبيقية أن حجم الإنفاق الاستهلاكي يتناسب طرديًا مع حجم الدخل المثالي مع بقاء العوامل الأخرى على حالها. كما يجب التنبيه إلى اختلاف الأفراد في سلوكهم وعاداتهم الاستهلاكية والادخارية عند مستويات الدخول المختلفة. هذا بالإضافة إلى اختلاف الأفراد فيما بينهم من حيث التزامهم واتباعهم بعض العادات والتقاليد الاجتماعية مثل التقليد والمحاكاة .