أحكام الفقه التى تخص النساء عادة ما توجد متفرقة فى كتب الفقه بشكل يجعل من الصعب على النساء الرجوع إليها. و لا توجد هذه الأحكام فى كتب أو أبحاث مستقلة بصورة مبسطة تعالج الأسئلة التى تتكرر من النساء من واقع الحياة اليومية.
و لقد استخرت الله العظيم أن أجمع شتات هذه المسائل التى رأيت أنها كثيرا ما تتكرر فى أسئلة النساء سواء فى المساجد أو على شبكة الإنترنت ، و أن أعرضها بصورة يسهل الرجوع إليها و ضمنتها بعض الأسئلة التى ربما لا توجد فى غير هذا البحث.
و قد قسمتها على ثلاثة أبواب. باب فى الزينة و اللباس و باب للعبادات و باب فى المعاملات. و سأعرضها أولا هنا فى موقع الشباب على حلقات حتى لا يحول طولها دون قراءتها. و ستنشر لاحقا فى كتاب بإذن الله تعالى.
و هذا البحث – بطبيعته - قابل للتمدد و التوسع ، لذلك أرجو من حضراتكم إثراءه بتقديم المزيد من المسائل التى ترونها حيوية فى فقه النساء.
أولا : مسائل فى الزينة و اللباس
1- تعطر النساء عند الخروج من البيت : و هو منهى عنه لما روى أبو موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إذا استعطرت المرأة فمرت على القوم ليجدوا ريحها فهي كذا وكذا قال قولا شديدا ). رواه أبو داود ، قال المنذري : وأخرجه الترمذي والنسائي وقال حسن صحيح , ولفظ النسائي : فهي زانية.
و المرأة لا ينبغى أن تتعمد لفت انتباه الرجال الأجانب لزينتها و أنوثتها لأن ذلك مما يفتن الناس بها ، و الرائحة الجميلة لها فعلها فى النفوس ، و ربما يستطيع الرجال غض أبصارهم و لكن الرائحة الطيبة من المرأة المتعطرة تصل إلى أنوفهم رغما عنهم إذ لا يستطيع الرجل أن يسد أنفه كما يغض بصره . لذلك ينبغى على المرأة أن تحرص ألا يتعدى عطرها دائرة جسدها إذا كانت خارج البيت و إلا أصبح هذا العطر و هذا التطيب رسولا إلى الاثم و بريدا إلى الحرام و طريقا إلى المعصية.
و لقد نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم أن تتطيب المرأة عند ذهابها إلى المسجد مع كون الافتتان بها فى هذه الحالة أبعد و التعلق بها أقل فكيف بمن تتعطر فى الأسواق و الشركات و الأماكن العامة ؟. و قد روى أبو داود عن أبي هريرة قال لقيته امرأة وجد منها ريح الطيب ينفح ولذيلها إعصار فقال ( يا أمة الجبار جئت من المسجد ؟ ) ، قالت ( نعم ) قال ( وله تطيبت ؟ ) قالت ( نعم ) قال إني سمعت حبي أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول ( لا تقبل صلاة لامرأة تطيبت لهذا المسجد حتى ترجع فتغتسل غسلها من الجنابة ). و المعنى تغسل كل بدنها إذا كان أصابه الطيب كله أو تغسل الموضع الذى أصابه الطيب فقط إذا أرادت أن تخرج من بيتها. و كقاعدة عامة لا تتعمد المرأة لفت أنظار الرجال الأجانب لها.
2- ملابس المرأة أمام النساء : بعض النساء يتساهلن فى الملابس أمام النساء دون أن يعرفن حدود الشرع فى هذا. و كثيرا ما ترد أسئلة عن حدود ما يسمح للمرأة بكشفه أمام النساء خاصة فى حفلات الزواج و غيرها. فما هى عورة المرأة بالنسبة للمرأة ؟
قولان للعلماء. الأول أن عورة المرأة بالنسبة للمرأة من السرة إلى الركبة و هى مثل عورة الرجل بالنسبة للرجل و دليلهم فى هذا حديث فى صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري أن النبى صلى الله عليه و سلم قال (لاينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا المرأة إلى عورة المرأة ولا يفضي الرجل إلى الرجل في الثوب الواحد ولا المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد). والمراد بالإفضاء هنا، أن ينام رجل مع رجل أو امرأة مع امرأة في لحاف واحد أو تحت غطاء واحد، وليس بينهما ما يمنع التصاق جسديهما. و قالوا إن في هذا الحديث دليلا على التساوي في حدود العورة بدلالة الاقتران والقياس، وقد ثبت أن عورة الرجل من الرجل ما بين السرة إلى الركبة فكذلك المرأة.
و أما القول الثانى فيرى أن عورة المرأة بالنسبة للمرأة مثل عورتها بالنسبة لمحارمها من أب و ابن و أخ و غيرهم و استدلوا بقول الله تعالى ( وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن، ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن، ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن..) الآية ، و وجه الدلالة فى الآية الكريمة أن الله تعالى ذكر النساء بعد ذكر المحارم وقبل ذكر مُلك اليمين . فحُكم النساء مع النساء يكون كحُـكم ما ذُكِرَ قبلهن وما ذُكِرَ بعدهـنّ في الآية . و هو استدلال قوى ، و يقويه و يؤيده أيضا ما يترتب على اظهار المرأة لمفاتنها فوق السرة و تحت الركبة لبنات جنسها فإن ذلك فتنة لهن ، كما أنه يجعلهن يرتدين ملابس الخلاعة و أزياء من لا خلاق لهم فيظهرن صدورهن و ظهورهن و بطونهن و هو ما ينافى الحياء الذى أمرن به شرعا و عرفا. كما أن ذلك يشجع النساء على الافتتان ببعضهن و هذا موجود و معروف بينهن.
فالذى نراه أن عورة المراة للمرأة هى كعورتها لمحارمها حيث يباح لها أن تكشف ما يتكشف عادة و هى فى بيتها و فى شغل البيت من انكشاف الرأس و أسفل الساقين و الرقبة و النحر.
و بقى أن نقول إن الدليل على حدود عورة المرأة للمرأة فى القولين السابقين دليل مستنبط غير صريح و القول الذى اخترناه تؤيده مقاصد الشريعة العامة من وجوب درء أسباب الفتنة ، و لذلك يستثنى من هذا ما لا تحدث به الفتنة عادة كأن تكون المرأة مع اختها أوأمها فهنا يكون الأمر أوسع وأيسر فإنها يمكنها مثلا أن تكشف ثديها لترضع ولدها عند أمها وأخواتها.
3- عورة المرأة أمام الأطفال : إن حدود ما يظهر من المرأة أمام الأطفال يتوقف على عمر الطفل فإن كان الطفل غير مميز بمعنى أنه لا يفرق بين معنى عورة الرجل و عورة المرأة فلا يجب الاستتار منه، وهذا هو المقصود من قوله تعالى ( أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ). حيث استثناه النص القرآنى من وجوب ستر العورة عليه. و هؤلاء الأطفال عادة ما تكون أعمارهم دون السادسة أو أقل – خاصة فى ظروف الانفتاح الاعلامى الذى يميز هذا الزمان - وأما إذا بلغ الطفل الحلم فتطبق عليه أحكام الرجال. و يبقى بعد ذلك الأطفال المميزون و الذين لم يبلغوا بعد و هؤلاء تظهر المرأة أمامهم كما تظهر أمام محارمها كما تقدم. و قد سئل الإمام أحمد – رحمه الله – متى تغطي المرأة رأسها من الغلام ؟ قال:إذا بلغ عشر سنين . و بالنسبة للبنات كذلك إذا بلغت البنت ست سنوات فإنها تستتر و يُستتر منها.
4- التزين بالذهب : أباح الشرع للنساء التزين بالذهب و لكن هل لها أن تظهره أمام الرجال الأجانب ؟ و قد سئل الإمام أحمد : ماتقول في الذهب للنساء ؟ قال: مالم تظهره المرأة فإني أرجوألايكون به بأس، قلت له : وكيف تخفيه ؟ قال: لتغطه، لاتظهره إلا عند بعلها.
و فى مناسبة أخرى سئُل عن الحرير ، والذهب ، فقال: تلبسه المرأة في بيتها ، ولا تُظهره لغير زوجها ، فإني أكره له ذلك ، إلا تكون في بيتها مع أهلها. و بذلك لا تظهر المرأة زينتها بالذهب أمام الرجال الأجانب.
5- ارتداء الملابس الضيقة التى تصف الجسم : و هذه من المخالفات المنتشرة جدا – للأسف الشديد – حيث تمتلأ الطرقات و الجامعات و أماكن العمل بالنساء " المحجبات " اللاتى يغطين روؤسهن و يلبسن الملابس الضيقة التى تصف الجسم و ربما لبست احداهن " البنطلون الجينز " الذى يظهر مفاتن جسمها و هى تعد نفسها فى " المحجبات ". و أعتقد أن أكثر هؤلاء يقعن فى هذه المخالفة عن حسن نية ، إذ أن رغبتهن فى الحجاب واضحة و لكن يجهلن حكم ارتداء مثل هذه الملابس ، و المسئولية فى هذه تقع على الدعاة إلى الله رجالا و نساء.
و قد روى أبو هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال (صنفان من أهل النار لم أرهما.. قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رءوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا) رواه مسلم. و معنى قوله كاسيات عاريات أنهن يلبسن ألبسة قصيرة لا تستر ما يجب ستره من العورة أو أنهن يلبسن ألبسة خفيفة شفافة لا تمنع من رؤية ما وراءها من بشرة المرأة و قيل أيضا أن معنى كاسيات عاريات أنهن يلبسن ملابس ضيقة فهي ساترة عن الرؤية المباشرة و لكنها فى الواقع مظهرة لمفاتن المرأة و فى بعض الأحيان تظهر هذه المفاتن بشكل أشد مما لو كشفت هذه المفاتن مباشرة. و قد روى أسامة بن زيد - رضي الله عنه - قال كساني رسول الله صلى الله عليه وسلم قبطية كثيفة كانت مما أهداها دحية الكلبي فكسوتها امرأتي فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( مالك لم تلبس القبطية؟ ) قلت: يا رسول الله كسوتها امرأتي، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( مرها فلتجعل تحتها غِلالة إني أخاف أن تصف حجم عظامها ). رواه الإمام أحمد. وهذا واضح و صريح فى تحريم ارتداء المرأة للملابس الضيقة ولو أمام النساء إذا كانت تصف العورة وتجسمها و تصف تفاصيل الجسم.
و كما تقدم ، فلا تنوى المرأة أو تتعمد لفت أنظار الرجال الأجانب لها بملابسها، لأن المتأمل لهذا سيرى بوضوح فساد هذه النية و سيقع على المرأة وزر انشغال الرجال بها و اعجابهم بهيئتها و الانجذاب لها. و أرجو أن تبذل جهود أكبر مع هذه الأعداد الغفيرة من " المحجبات " حتى يكتمل حجابهن و يكون سترا لهن و عونا لعفافهن و عفاف الرجال أيضا.و إن من الأمور المزعجة للغاية الآن ظهور النساء " المحجبات " بمثل هذه الملابس الضيقة و المبهرة فى البرامج التليفزيونية " الدينية ". و ربما قال قائل إن هذه الملابس أهون من ملابس المتبرجات ، و هذا حق و لا شك و هذه خطوة للأمام و لا شك ، و لكننا نريد أن نستثمر هذه العواطف الدينية بشكل صحيح من أجل أن يكون الدين كاملا لله تبارك و تعالى.
و أذكر أن رجلا كنديا ، و كان زميلا لى فى العمل فى السعودية - منذ سنوات – سألنى مرة ..... و قال : إننى معجب جدا بالآداب الاسلامية إلا أمرا واحدا لا أعرف كيف تطيقونه و كيف تقبلونه.
• قلت : و ما هو ؟
• قال : الملابس التى تغطون بها نساءكم ، كيف تقبلون أن تقيدونهن بهذا الشكل الفظيع ؟
• قلت : زوجتك طبعا متبرجة ؟
• قال : بالتأكيد ، فهى انسانة حرة لها كيانها و شخصيتها المستقلة.
• قلت : لقد تعودت معك أن أناقشك دائما بسعة صدر ، و الآن دعنى أسألك و أرجو أن تجيبنى بنفس سعة الصدر.
• قال : تفضل.
• قلت : عندما ترى – أو تعرف – أن رجلا قد نظر لزوجتك بإعجاب ، ما هو شعورك ؟
• أطرق قليلا ثم قال ببطء : هذا يزعجنى و يضايقنى.
• قلت : عندما ترى – أو تعرف – أن رجلا أخذ يتأمل و يستمتع بالنظر إلى زوجتك ، ما هو شعورك ؟
• قال : أغتاظ و يصينى حنق شديد و فى الغالب أعاتب زوجتى عندما نكون وحدنا بعد ذلك.
• قلت : و على أى شيئ تعاتبها ؟!
• قال : أنها سمحت له بهذه النظرات الجائعة.
• قلت : عجيب.
• قال : نعم ، أعرف أن هذا غير منطقى ، و لكنك طلبت أن أكلمك بصراحة.
• قلت : حسنا ، الآن دعنى أسألك أن تتأمل فى أسباب تبرج أى امرأة و حاول أن تذكر لى سببا واحدا – واحدا فقط – لهذا التبرج غير لفت أنظار الرجال إليها.
• قال : لاثبات ذاتها.
• قلت : هل هذا فكر تحترمه أنت فى امرأة تثبت ذاتها أو شخصيتها بالملابس ؟ بل إن المرأة التى تعتز بذاتها و شخصيتها لا ترضى أن يكون نصيبها من اعجاب الناس بها محصورا فى ملابسها و جسدها و زينتها ، هذا و لا شك طعن فى شخصيتها إن لم يكن طعنا فى آدميتها.
• قال : و لتحقيق حريتها الشخصية.
• قلت : الانسان الحر يستفيد بحريته فى ممارسة ما يراه نافعا أو مفيدا له ، أى نفع أو أى فائدة فى هذا التبرج ؟
• قال : لكن .. مهلا ... ألا يعيق هذا الحجاب المرأة من ممارسة أعمال معينة ؟
• قلت : الأصل أن المرأة لا تعمل إلا لضرورة و إذا عملت فتشتغل بالوظائف التى لا تتعارض مع طبيعتها و أنوثتها.
• قال و هو يشعر أنه يحاصر : و هذه الملابس السوداء ، كيف تطيقها النساء فى هذه البلاد الحارة.
• قلت : لا بأس ، السواد ليس شرطا ، لها أن تلبس الألوان المختلفة. هل هذا هو اعتراضك الوحيد الباقى على الحجاب.
• ابتسم الرجل و سكت.
6- لبس الفستان الأبيض فى الزفاف : تشدد البعض فمنعه بحجة أنه تشبه بالكفار و عاداتهم و هذا غير صحيح. فللمرأة أن تلبس الفستان الأبيض فى زفافها بالضوابط الشرعية التى سبق بيانها أمام النساء و المحارم. و لقد زال التشبه بالكفار فى مثل هذه الأمور لكون كل المسلمات الآن يلبسنه عند زواجهن ، والحكم يدور في علته وجودا وعدما .
7- المبالغة أو التقصير فى ملابس الحداد على موت قريب : و المرأة لا يحل لها أن تحد على ميت أكثر من ثلاث ليال إلا على زوجها فحدادها أربعة أشهر و عشرا إلا أن تكون حاملا فحدادها حتى تضع حملها. و ذلك لما ثبت في الصحيحين عن أم حبيبة وزينب بنت جحش أمَي المؤمنين رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث (أي ثلاث ليال) إلا على زوج أربعة أشهر وعشرًا ). و المقصود بالحداد فى اللباس أن تترك المرأة الزينة و الاكتحال و وضع المساحيق و الأصباغ و العطور و "الماكياج" و التزين بالذهب و الفضة. و لا يشترط للحداد لبس السواد على ما جرت به العادة فى بعض البلاد ، بل المقصود أن تكون الملابس غير زاهية أو مزينة.
و حكم الحداد للنساء أنه واجب لفقد الزوج، وجائز لفقد أي قريب آخر، و أما الرجل فلا حِداد له. و بعض النساء يبالغن فى التبذل عند الإحداد على ميت و ربما تحرم المعتدة على نفسها كلام الناس و ربما لبست احداهن السواد و حرمت على نفسها الزينة بقية عمرها لفقد زوجها و خيمت على بيتها و أولادها كآبة مستمرة لا داعى لها. و فى المقابل فإن بعض النساء لا تبالى و ربما أبقت على كافة أشكال الزينة حتى يوم موت زوجها.
و الشرع وسط بين هذا و ذاك. و لنا فى أصحاب النبى صلى الله عليه و سلم مثلا أعلى لنا جميعا. فقد روى البخارى و مسلم أن زينب بنت أبي سلمة دخلت على أم حبيبة ـ رضي الله عنها ـ زوج النبيِّ ـ صلّى الله عليه وسلَّم ـ حين توفِّيَ أبوها أبو سفيان، فدعت أم حبيبة بِطِيب فيه صُفرة ـ أي طيب فيه لون كالخلوق المعروف عندهم ـ فدَهنت به جارية، ثم مسَّت بعارضَيها ـ أي صفحتي وجهها ـ ثم قالت: والله ما لي بالطيب من حاجة، غير أني سمعتُ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلّم ـ يقول على المنبر ( لا يحلُّ لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحدَّ على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرًا ) ، فانظروا إلى حرصها - رضى الله عنها - على المبادرة بامتثال سنة النبى صلى الله عليه و سلم.
8- إزالة شعر الحاجبين و ترقيقهما و تسويتهما: و هذا حرام و من الكبائر لقوله صلى الله عليه وسلم: ( لعَنَ اللهُ الواشِماتِ والمُستوشماتِ والنامصات والمُتَنَمِّصات ). و المراد بالنمص إزالة شعر الحاجبين لتسويتهما أو ترقيقهما و النامصة، التي تفعله، والمتنمصة التي تطلبه. و هذا من الأمور التى شاعت مؤخرا بين النساء و أكثرهن لا ينتبه لهذا الوعيد الشديد الوارد فى الحديث.
و أما إزالة شعر الوجه – و الذى يسمى الحف - فلا شيئ فيه خاصة إذا كان بإذن الزوج. و قد أجاز بعض العلماء تخفيف الحاجبين فى حالات استثنائية كأن يكون الحاجبان عريضين جدا أو ينزل الشعر منهما على العينين فيجوز ترقيقهما ترقيقا خفيفا لدفع هذا الضرر خاصة إذا كان هذا مما يتأفف منه الزوج و يتأذى. إلا أن الأحوط للمرأة ألا تأخذ بهذا الترخص إلا عند الضرورة الملحة.
و أما تشقير الحواجب وهو إعطاء لون باهت للشعر الزائد، ففيه خلاف و الأصح أنه جائز بلا كراهة إذا لم يصاحبه نتف شيئ منه و ذلك لأن الأصل فى الأشياء الإباحة ما لم يرد دليل ينقلها للحرمة ، و لا يوجد دليل عند من منعوا تشقير الحواجب إلا قولهم أنه تغيير لخلق الله و قاسوه على النمص و تفليج الأسنان و هذا غير صحيح. فالتشقير ما هو إلا صبغ لشعر الحواجب بلون الجلد بحيث يبدو محددًا مرسومًا، وليس في هذا تغيير لخلق الله المنهي عنه، وإنما هو كصبغ اللحية و شعر الرأس للرجال و قد أمر به النبى صلى الله عليه و سلم و لو كان مجرد صبغ الشعر و تغيير لونه تغييرا لخلق الله ما أمر به رسول الله صلى الله عليه و سلم بطبيعة الحال. هذا .... و يمنع فقط تشقير الحواجب للمرأة المخطوبة حين يراها الخاطب لأن هذا يدخل فى باب التدليس و الغش و الخداع.
9- الأقراط و دبلة الخطوبة : و هذه من الزينة المباحة. و قد ثبت أن نساء الصحابة كان لهن أقراط يلبسنها في آذانهن دون نكير عليهن ، و هذه تستلزم ثقب آذانهن و قد كره بعض الفقهاء إحداث هذا الثقب لما فيه من التعذيب ، و الواقع أن هذه الآلام بسيطة خاصة إذا ثقبت الأذن للبنت و هى صغيرة السن بحيث يصير برؤها سريعا. و فى بعض بلاد المسلمين تثقب النساء أنوفهن و يضعن فيها الأقراط و هى مباحة مثل التى توضع فى الآذان.
و أما دبلة الخطوبة فهى خاتم فلا حرج فى لبسها و لكن يراعى ألا يصاحب هذا اعتقادات باطلة بأن هذه الدبلة توجب دوام الارتباط بين العروسين و يراعى أيضا ألا يقوم الخاطب بإلباس مخطوبته هذه الدبلة بنفسه قبل أن يعقد عليها فإن هذا لا يجوز. و سيأتى مزيد كلام عليها عند الحديث عن مخالفات الحفلات و الأعراس.
10- طلاء الأظافر : فأما ما كان منه بلا جرم ( طبقة محسوسة ) كالحناء فلا يضر الوضوء أو الغسل بقاء هذا اللون و الصلاة صحيحة. و أما ما يكون له جرم مثل " المانيكير " و " الإكلادور " فهذه لو وضعت بعد الوضوء فلا حرج و الصلاة صحيحة ، و لكن لو وضعت قبل الوضوء فالوضوء باطل و الصلاة بالتالى لا تصح لأن هذا الطلاء يمنع وصول الماء و لابد من إزالته قبل الوضوء. و هذه للأسف الشديد من الأخطاء الشائعة التى لا ينتبه إليها كثير من النساء. و يراعى عموما للمرأة التى تستخدم هذه الأنواع من طلاء الأظافر ألا تتعمد إطالة أظفارها بشكل كبير لأن هذا ينافى سنن الفطرة كما سيأتى معنا فى المسألة التالية.
و قد بلغنى أن واحدا ممن يفتون فى الفضائيات أجاز المسح على طلاء الأظافر و هو قول عجيب ، و قد ذكر دليلا عليه بما ورد فى بعض فتاوى السلف ، كما جاء في الفتاوي الهندية (ج1 ص 35) : ( لو انكسر ظفره فجعل عليه دواء أو علكا، فان كان يضره نزعه مسح عليه، وإن ضره المسح تركه ). و هذا مسح للضرورة الواضحة أما طلاء الأظافر فلا ضرورة له و يجب إزالته قبل الوضوء أو الغسل.
11- مراعاة التزين بسنن الفطرة : و زينة المرأة زينة ظاهرة و زينة مستترة ، و بعض سنن الفطرة الجميلة من الزينة المستترة التى تضفى على المرأة جمالا و بهاء و هى مما تتميز به المسلمات عن غيرهن. و أى امرأة غير مسلمة مهما بلغ جمالها و زينتها إذا لم تتحل بهذه السنن فسيكون بها قبح و رذالة. و أقول لنسائنا المعجبات و المقلدات لغير المسلمات أن يتصورن حالهن و قد فقدن هذه السنن ليعرفن أن أولى لهن اتباع هدى ديننا بدلا من اللهث وراء تقليد غير المسلمات.
و قد روى البخارى عن أبي هريرة أن النبى صلى الله عليه و سلم قال (
الفطرة خمس - أو خمس من الفطرة- الختان والاستحداد ونتف الإبط وتقليم الأظفار وقص الشارب. ) و عند مسلم من حديث عائشة ( عشر من الفطرة ) فذكر الخمسة التي في حديث أبي هريرة إلا الختان وزاد : إعفاء اللحية والسواك والمضمضة والاستنشاق وغسل البراجم والاستنجاء ).
من هذه السنن نتف الإبط و هو سنة بلا خلاف للرجال و النساء و لا ينبغى أن يترك أكثر من أربعين يوما كحد أقصى لحديث أنس بن مالك قال ( وقت لنا - بضم الواو كسر القاف مع التشديد أي بصيغة البناء للمجهول- في قص الشارب، وتقليم الأظافر، ونتف الأبط، وحلق العانة، ألا نترك أكثر من أربعين ليلة) رواه مسلم و غيره. و هذه الأربعون يوما ليست توقيتا و لكنها أقصى ما يترك و لكن لو طال شعر الإبط فيزال و لو كل أسبوع. و هذا لكل امرأة متزوجة أو غير متزوجة. و النتف أفضل من الحلق لمن يقوى عليه. و قد روى عن يونس بن عبد الأعلى قال ) : دخلت على الشافعي وعنده المزين يحلق إبطه ) فقال الشافعي – كالمعتذر - ( علمت أن السنة النتف، ولكن لا أقوى على الوجع.) !!. قال الغزالي : النتف في الابتداء موجع ولكن يسهل على من اعتاده , قال : والحلق كاف لأن المقصود النظافة. و السنة التيامن فيكون البدء بالإبط الأيمن.
و من سنن الفطرة قص الأظافر للرجال و النساء. و قد رأى بعض أهل العلم تحريم إطالة المرأة لأظفارها بدون إذن زوجها و كراهيته بإذنه و لا شك أن إطالتها يجعلها مأوى للأوساخ و الجراثيم الضارة. و أما طريقة قص الأظافر فقد وردت بها بعض الآثاء الضعيفة و لا بأس بالأخذ بها. و قد قال الإمام النووي ( ويستحب أن يبدأ باليدين قبل الرجلين. فيبدأ بمسبحة يده اليمنى، أي السبابة، ثم الوسطى، ثم البنصر، ثم الخنصر ثم الابهام، ثم يعود إلى اليسرى، فيبدأ بخنصرها ثم ببنصرها ، إلى آخره، ثم يعود إلى الرجل اليمنى فيبدأ بخنصرها ويختم بخنصر اليسرى ). و قد أنكر بعض أهل العلم هذا الترتيب و رأوا التيامن مطلقا و الأمر فى هذا واسع.
و منها الاستحداد و هو حلق العانة : قال النووي ( المراد بالعانة الشعر الذي فوق ذكر الرجل وحواليه , وكذا الشعر الذي حوالي فرج المرأة ) . ونقل ابن حجر فى الفتح عن أبي العباس بن سريج أنه الشعر النابت حول حلقة الدبر فتحصل من مجموع هذا استحباب حلق جميع ما على القبل والدبر وحولهما. و السنة أن يكون الحلق بالموس و لكنه يجوز أيضا بالقص والنتف والنورة ( و يسميها البعض بالحلاوة و هى توضع على الجلد فيسقط شعره ). وقد سئل الإمام أحمد عن أخذ العانة بالمقراض فقال أرجو أن يجزئ , قيل فالنتف ؟ قال وهل يقوى على هذا أحد ؟! و قد نقل عن ابن دقيق العيد قوله ( إن بعضهم مال إلى ترجيح الحلق في حق المرأة لأن النتف يرخي المحل ) لكن قال ابن العربي ( إن كانت شابة فالنتف في حقها أولى لأنه يربو مكان النتف , وإن كانت كهلة فالأولى في حقها الحلق لأن النتف يرخي المحل) ولو قيل الأولى في حقها التنور ( الحلاوة ) مطلقا لما كان بعيدا . و توقيتها كما مر معنا فى نتف الإبط.
و ينبغى التنبيه هنا على أنه لا يجوز أبدا أن تقوم المرأة بإزالة شعر العانة أمام امرأة أخرى أو أن تجعل امرأة أخرى تزيله لها كما يحدث للأسف الشديد من كثير من الجاهلات خاصة قبيل الزواج. إذ يحرم كشف العورة إلا لزوج. و قد روى الإمام أحمد و أبو داود عن معاوية – رضى الله عنه – قال : ( قلت يا رسول الله، عوراتنا..ما نأتي منها وما نذر! ( يعنى ما يجوز النظر إليه وما لا يجوز ، قال ( احفظ عورتك إلا من زوجتك، أو ما ملكت يمينك). قال ( فإذا كان القوم بعضهم في بعض ) ، قال ( إن استطعت أن لا يراها أحد ، فلا يرينها ). قلت فان كان خالياً ( يعنى وحده ) قال ( فالله أحق أن يستحيا منه).
القاهرة 11 ذى القعدة 1426 - 13 ديسمبر 2005